شهدت مصر جدلا واسعا عندما قدم بعض الكتاب الليبراليين نقدا للتراث الديني يخالف ما اعتادت عليه الجماهير، ودعوا الى أعادة النظر في مراجع الحديث والفقه الاسلامي في ضوء معطيات العصر الحالي.
ومن بين هؤلاء الكتاب اسلام البحيري الذي دعا لمراجعة المناهج التي قامت عليها كتب الحديث، وطرق جمع الأحاديث وتصنيفها وشرحها، وذلك على أساس أن هذه الكتب هي نتاج اجتهادات الباحثين، في أطار ما كان متاحا لهم من معرفة في زمانهم، بينما أتسع نطاق البحث العلمي وأدواته في عصرنا الحالي بما يستلزم أعادة النظر في كل هذه المراجع.
وسرعان ما رفعت دعاوى قضائية ضد البحيري تتهمه بازدراء الاديان، وأدين بالفعل بهذه التهمة استنادا للمادة 98 من قانون العقوبات المصري، وقالت المحكمة في حيثيات حكمها أن البحيري تعدى على أئمة الاسلام، "وأستغل برنامجه التلفزيوني للترويج لأفكار متطرفة بقصد أثارة الفتنة وتحقير وازدراء الدين الاسلامي الحنيف".
وتجدد الجدل حول ازدراء الأديان مرة أخرى، ولكن بالنسبة للدين المسيحي، عندما قال الشيخ سالم عبد الجليل، وكيل وزارة الأوقاف المصرية سابقا، في حوار تلفزيوني "أن العقيدة المسيحية فاسدة". وبعدها أعتذر عن اي اساءة لمشاعر المسيحيين نتيجة ما قاله، لكنه أكد على تمسكه بما وصفه بأنه "الحكم الشرعي بفساد عقيدة غير المسلمين".
ولم يمض سوى أسبوعين تقريبا على ما قاله عبد الجليل في شهر مايو/آيار 2017، الا وتعرضت شاحنة تقل أقباطا في صعيد مصر لهجوم مسلح أسفر عن مقتل واصابة العشرات. وحمل بعض الكتاب مسؤولية الهجمات المتطرفة التي يتعرض لها الأقباط لبعض علماء الدين الاسلامي الذين يقدمون، كما يقول منتقدوهم، الأساس الفكري لاستهداف المسيحيين عندما يصفون المسيحيين بالكفر أو فساد العقيدة.
في هذا السياق يقول الدكتور ماجد موريس، استشاري الطب النفسي والباحث في شؤون التنوير إن استعمال لفظ "الكفر" في المعنى الفقهي يختلف عن استخدامه من قبل عامة الناس لأنه عادة يكون لهذا اللفظ تداعيات اجتماعية سلبية على الاخرين.
وبالتالي يجب ان تكون هناك دقة في استخدام مصطلح الكفر، كما يقول موريس ويضيف "اذا استخدم هذا المصطلح في نقاش في كلية اللاهوت مثلا قد يكون مقبولا، لكن ليس من القبول أن يستخدم في وسيلة اعلام، خاصة وأن الأتهام بالكفر قد يستخدم لتبرير أعمال الأرهاب على اساس أنها تستخدم ضد كل من هو كافر".
وترفض الكاتبة الصحفية فريدة الشوباشي بدورها أن يقوم علماء الدين بتكفير الآخرين، وتشبه هذا الوضع بصكوك الغفران التي كانت الكنيسة في أوروبا تمنحها لمن تريد وتحجبها عمن تريد. وترى ببساطة أنه "ليس هناك من لديه توكيل من الله ان يكفر شخصا ما". وفي ذات الوقت تقول الشوباشي أنها "مع حرية التعبير والاجتهاد واذا منعت دولة ما هذا الامر فإنه سيكون من عوامل تدهورها".
غير أن الدكتور ابراهيم الخولي، الأستاذ بجامعة الأزهر، يرى أن حرية التعبير يجب أن تكون لها حدود، ويضيف أنه "لا يزدري الاديان الا جاهل او مأجور ، فالأديان مجسدة في اتباعها من البشر الذين يقدر عددهم بالملايين، واحيانا بالمليارات، ومن يزدري الاديان يعتدي على اتباعها اولا قبل ان يكون عدوانا على تلك الاديان".
في اطار كل هذه الأفكار والأتجاهات التي ربما تتعارض في بعض جوانبها تبقى الأسئلة التالية مطروحة للنقاش:
-الى اي حد يمكن للكتاب والباحثين نقد التراث، ونقد الفكر الديني السائد؟
-الى اي حد يمكن لأصحاب عقيدة معينة التعبير عن رفضهم وانتقاداتهم للعقائد الأخرى؟
-هل يتقبل المجتمع حرية نقد الفكر الديني في الوقت يواجه قيودا على نقد القيادات السياسية؟
-هل هناك مخاوف من أن يستخدم الهجوم على دين آخر ذريعة لاستهداف أتباع هذا الدين من جانب الجماعات المتطرفة؟
-الى اي حد يجب تعديل القوانين الحالية التي تعاقب من يقوم بازدراء الأديان؟
بى بى سى