السيسي وماكرون والاختلاف الحضاري - مقالات
أحدث المقالات

السيسي وماكرون والاختلاف الحضاري

السيسي وماكرون والاختلاف الحضاري

القس أيمن لويس:

 

في حوار الرئيسين السيسي مصر، وماكرون فرنسا .. كان صدام ومواجهه صريحة علنية بكل معاني الكلمة في صراع الحضارات المؤجل او الذي كان يتم تغليفه في الدبلوماسيات بورقة توت او ورقة سلوفان، رغبة في انكاره او تاجيله او اخفاءه او تجنب اعلانه خشية المواجهه في تصادم علني صريح، قد يترتب عليه نتائج وتأثيرات خطيرة في مجالات السياسة والاقتصاد والمصالح الدولية، كما حدث في هذا الحوار الصريح بعدما فاض الكيل بفرنسا ومنه نقول باوربا كلها بل بالغرب بل بالعالم المتحضر .. فقد كان الحوار مواجهة بين فكر وسياسة العلمانية وفكر الدولة الدينية الاسلامية المعادية بشراسة لكلمة علمانية التي تعني بالنسبة لهم الاباحية والانحلال الاخلاقي!!!، والذي يجب ان يواجه بحكم الشرع الالهي الاسلامي، من خلال تغليب مواد الشريعة الاسلامية الغير متفق عليها بين المسلمين بكل تنويعاتهم، بينما للغرب والعالم العلمانية هي احترام الحقوق والحريات الفردية من خلال اعلاء سيادة القانون العادل المحايد الغير منحاز ، قانون يؤمن بحقوق المواطنة الكاملة العادلة وان الاوطان للناس والبشر دون تصنيف علي اساس الدين او اللون او الجنس او تغليب قيم لجماعة دينية سواء كانت اغلبية او اقلية علي حساب جماعة اخري .. ففي المقارنة والمواجهه بين قيم العلمانية قد قيل الكثير ومن المؤكد انه بسبب هذا الحوار سوف يقال الأيام القادمة ما هو اكثر. وحتي لا نطيل الحديث نعرج لصلب وهدف هذا المقال، وهو : ما هو الموقف المسيحي من هذا التصادم، ايهما له الاسبقية والاولوية ويجب ان يكون له الغلبه، وبالتحديد في عالم السياسة وادارة الدول والاوطان كما كان الطرح في الحوار التصادمي بين الرئيسين ماكرون و السيسي هل كما قال رئيس مصر ان احترام القيم الدينية يجب ان يكون لها التغليب علي القيم الإنسانية ؟!. ام كما قال رئيس فرنسا ان قيم الانسانية لدينا هي التي لها الاولوية والتغليب ؟!

ومن المؤكد ان الجانب الاسلامي في اغلبه الا قليل جداً سوف ينحاز لرأي الرئيس السيسي، لكن من المؤكد ايضاً ان العالم في أغلبه سوف ينحاز الي راي ماكرون.

بالنسبة لنا نحن المسيحيين بمصر قد ينساق البعض القليل لراي الرئيس السيسي تصديقاً لما تم تصديره لنا من صورة مشوهه عن العلمانية بسبب طغيان الثقافة الاسلامية التي تحاصرنا من كل جانب، او بسبب الانتماء لشخص الرئيس السيسي وحباً له، وايضا مشاركة لما يعانيه مجتمعنا ويفتخر به العامة (ان المصري متدين بطبعه). وما هو الا حالة مرض الهوس الديني لشعب بسيط سطحي في عمومه يعاني الامية الفعلية والثقافية التعليمية وبهذا توجهه في الغالب تحكمه المشاعر العاطفية الهوجاء بعيد عن التحليل المنطقي العقلاني .

ومما سبق ذكره يتضح انني اميل لتغليب قيم الإنسانية علي القيم الدينية وبالتالي اؤيد النظام العلماني عن النظام الديني في ادارة البلاد والاوطان .. وقد يستغرب البعض لموقفي باعتبار انني قسيس، وايضاً ما تم ربطه في الاذهان بان العلمانية تعادل الانحلال كما قال البعض انها تعني انه لا مانع من ان تتزوج من امك او اختك ...الخ الي اخر جملة الاكاذيب التي تم إطلاقها. كما يستند البعض الاخر الي، وهو حقيقة، ان العلمانية كنظام ادارة سياسية يبيح الحرية الفردية بل ويحميها في اصدار قوانين قد تخالف ايماننا المسيحي وعقائدنا واخلاقنا ومبادئنا مثل التصريح بالاجهاض او الانتحار او الممارسات الجنسية الحره وتصريح الزواج بما يخالف الطبيعة التي فطرت عليها البشرية؟!. الحقيقة العلمانية لا تحمي الانحلال لكن تحمي الحريات اي كان، منها ما هو قبيح اًو منها ما هو إيجابي يخدم أصحاب اعلاء القيم الدينية وهو ما استخدمه المسلمون واستغلوه في وضع اقدامهم بقوة في الغرب العلماني حتي اصبحوا يطالبون بفرض قيمهم علي هذه المجتمعات سواء بالاسلوب الناعم او الاسلوب الخشن العنيف العدواني !!. اذا النظام العلماني له ما له من الايجابيات وعليه ما عليه من السلبيات. وان اردنا ان نكون منصفين لنقيم حال اصحاب اعلاء القيم الدينية لتكون ادارة البلاد بالحكم الديني سوف نجد ان نتائج هذه القيم وهذه الادارات كارثية والاباحية فيها وغيرها من افعال وممارسات اكثر بشاعة. فقط يظن معتنقيها انهم اصحاب هالة من القداسة حيث يلبسون غطاء خارجي يظنون به انه يمنحهم الفضيلة والتفضيل عن هؤلاء الكفرة السفلة الاباحيين، ولا يدرون ان الاخرين المختلفين عنهم يرون فيهم وفي افعالهم واقوالهم وقيمهم صوره اخري مغايره تماماً لهذا الوهم.

ان تاييدي لمبدأ اعلاء قيم الانسانية وسياسة الادارة العلمانية ينبع من جوهر فلسفة الايمان والعقيدة المسيحية. والتي هي طبعاً لا تؤيد الانحلال والاباحية فنصوص الانجيل موجوده وواضحه فرسالة السيد الرب يسوع دعوة للخلاص بما يحمل من دعوة للطهارة الحقيقية وليس الظاهرية والقداسة والعفة والصلاح بوجه عام. ولكن الايمان المسيحي في نفس الوقت يحترم الحرية الشخصية حتي في اعتناق العقيدة الدينية وكل انسان مسؤول عن نفسه من جهة المصير الابدي ومواجهة الاله يوم القضاء العظيم. فالادارة العلمانية قد تبيح للفرد ممارسة حريات قد تتعارض مع قيم مختلف عليها من مبدأ احترام حرية الرآي والاختيار لكنها لا تجبر احد علي فعل الانحراف كما يراه ويقيمه البعض، فهي تسمح مثلاً ببيع الخمور بحرية او بفتح تجارة الدعارة وتقنينها كما كان في مصر من القديم وكما في تركيا، لكنها لا تجبر الفرد الذي يرفض هذه الاباحية والخطية ان يمارسها. فهي تحمي الحريات الفردية في اطار عدم تهديد امن الاخرين او التضييق علي حقوقهم في الحياة باختيارات حرة، ان مجتمعات تغليب القيم الدينية وهي تدعي حفظ الفضيلة بالاجبار والقسوة والعنف تضع قوانين تعسفيه وتغليب فئوي وفرض ثقافات واعتداءات علي قيم الانسانية وتعتبر ان الظلم عدالة ترضي الله.

انا كمسيحي تحكم اخلاقي قيمي المسيحية، وافعالي وتصرفاتي في حياتي الشخصية تحكمها قوانيني الدينية التي يامر بها كتابي المقدس ولا يستطيع احد ان يفرض علي قوانينه الدينية قهراً الا في بعض الامور، مثل رفض تقنين التبني للمسيحيين او ان تكون شهادة المراة في المحاكم كشهادة الرجل او شهادة مسيحي في وجود طرف مسلم، فهذا ابسط نموذج يفعله اصحاب اعلاء وتغليب القيم الدينية علي القيمة الانسانية وهم يرون أنفسهم اصحاب الفضيلة، ولكن في سلوكي وممارساتي وقيمي الاخلاقية انا ملتزم بقداسة وعفة وطاهرة شخص السيد المسيح.

نعم العلمانية لانها تعطيني لا تاخذ مني تحترم حريتي وحقوقي، تجعلني مواطن حقيقي وليس ذمياً. كل انسان حر في حياته الدينية فالعقيدة الدينية والايمان بالله لا يمكن ان يكون بالجبر او القهر، فقد راينا من اصحاب اعلاء القيم الدينية علي القيم الانسانية ما هو ابشع في الانحلال والانحراف ما يفوق ما يتحدثون عنه في النظم العلمانية التي هرب اليها المسلمين انفسهم للاحتماء بها من جحيم بلدانهم ولنا في داعش خير شاهد علي مظالم اعلاء القيم الدينية علي القيم الإنسانية.

اذا تعارض الدين مع القيم الإنسانية وصار الدين في مستوي ادني منها في تحقيق الحقوق والعدالة والرفاهية والامن والامان وقبول الاخر والتعايش السلمي العادل بمساواة، ونبذ الكراهية والعنف، يكون الدين عبء علي البشرية وليس من الله الذي خلق الانسان في صورة صالحة وتنوع وعلي فطرة من قبل ظهور الاديان هي: الإنسانية الراقية.

 

 

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث