السودان: الثورة على الطريقة العربية - مقالات
أحدث المقالات

السودان: الثورة على الطريقة العربية

السودان: الثورة على الطريقة العربية

بقلم: محمد عبد اللـه

 

تؤكد التقارير الحقوقية والهيآت الدولية الإنتهاكات الجسيمة التي يقترفها النظام السوداني متمثلاً في رئيسه الإسلامي غير المنتخب، هذا فضلاً عن تقسيم البلد ووقف عجلة التنمية والإقتصاد، مما أدى إلى عجز الدولة عن توفير لقمة العيش وأبسط مقومات الحياة للمواطن.

الواقع مر و مؤلم، وكلما زاد الواقع المؤلم من وطأته وتجرع الشعب من مرارة العيش أكثر كلما زاد بريق الثورة في عيون المنهكين  وأخذ نورها يتلألأ في آخر النفق، ومن لا يداعب بريق الثورة وجنتيه ولا تدغدغ أحرفها مشاعره، فهو ساقط شعبوياً وخارج عن شرف الإنتماء للفقراء والوطنيين، يقول نيوتن لكل فعل رد فعل يساويه في المقدار و يعاكسه في الإتجاه، والثورة ردة فعل للدكتاتورية تساويها في مقدار الدكتاتورية وتعاكسها في الإتجاه السياسي.

كما تؤكد لنا شهادة العصر والتاريخ الحديث أن هذه الحال من التراجع الحقوقي والجمود التنموي ليست مقتصرة على فترة حكم الرئيس البشير فقط، بل هي حال السودان مع من سبقه من رؤساء، و لا يوجد ضمانات بأن الحال ستتغير مع من يليه من رؤساء.

زخر العالم العربي على امتداده خلال القرن الماضي بالإنقلابات على الأنظمة الملكية الحاكمة، تحت شعارات الثورة و الحرية،  نجحت الثورات لأنها لا شيء غير إنتقال الدكتاتورية من سلطة إلى سلطة أخرى، و لكن لم تنجح الحرية، لأن الحرية ثقافة شعبوية و ليست حركة سياسية، ثم أعاد العرب مطلع هذا القرن الكرّة، فرفعوا شعاراتهم الثورية في ما يسمى بالربيع العربي تحت وطأة هجير الظلم  والإستبداد، و لكن هذه المرة كان الفشل أكبر وأوقع، نحن هنا لا نضرب المثل بتجربة واحدة فاشلة، ولا عن فترة زمنية واحدة كانت لها خصوصيتها ومعوقاتها، بل نتحدث عن عدة تجارب في أكثر من مرحلة، و لعل الثورة التونسية هي النجاح النسبي الوحيد.

مع تمنياتنا للسودان الحبيب بالموفقية والنجاح في ثورته على غرار ثورة الياسمين وأن لا تكون ثورته ثورة قات، إلا أنه لا بد من النظر إلى الأمور بواقعية أكثر بعيداً عن الرومنسيات الثورية، نحن لا ندعوا هنا إلى النظام ولا إلى الثورة ولكننا ندعوا إلى الحرية الحقيقية، الحرية التي تكفل لك اختيار الثورة أو رفضها، فثقافة التقبل والإختلاف الحقة ليست بالإختلاف في المظهر والملبس والنادي الرياضي المفضل، بل هي حرية الإختلاف في التوجهات السياسية والقناعات الدينية بلا خوف وبلا تسقيط، ومن دون هذه الثقافة والفهم الحقيقي للحرية قد تكون هناك ثورات ولكن لن يكون هناك تغيير، لذا نرى أن العمل الثقافي أولى من العمل السياسي.

على المهنيين والتكنوقراط السودانيين وكافة القوى الوطنية والشعبية التي تحرك الثورة اليوم أن لا ينسوا أو يتناسوا المظاهرات التي تخرج من المساجد، وألا يمانعوا انضمام التيارات الإسلامية إلى الثورة كأبناء لهذا البلد، وعليه يتوجب على هذه الحركات الوطنية والقوى الليبرالية أن لا تلعب دور المستغرب من وجود الإسلاميين في وسطهم وإتهامهم بركوب الموجة عندما يحين وقت توزيع الأدوار و المقاعد في مرحلة ما بعد الثورة.

كما ويتعين على الشعب السوداني أن يتذكر بأن الأحزاب المعارضة لا تعكس أي نموذج ديمقراطي متقدم يقوم على تداول المناصب، و أن تحويل الأحزاب إلى ممالك وراثية يجري في وضح نهار الخرطوم وعلى رؤوس الأشهاد، فتغيير شخص البشير لن يغير شيئا من الواقع المر المعاش، المطلوب هو تغيير الثقافة.

العراق، لبنان، فلسطين، البلدان الديمقراطية في العالم العربي جنة الإرهابي على الأرض، حيث الحروب و الموت المجاني، حيث أبواب الفردوس التي تطل منها الحور العين على عشاق الخراب لتدعوهم إلى الآخرة وبلهفة.

نجدد تمنياتنا للسودان العزيز بأن يكون مثالاً ناجحاً آخراً في العالم العربي بعد المثال التونسي ، و نراه سلة غذاء الوطن العربي عن حق، فبأرضه الخصبة وشرايين النيل الممتدة ورأس ماله البشري العظيم فإن السودان لا يحتاج إلا إلى فرصة لكي يبهرنا.

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث