نظرة سريعة علي وثيقة المثقفين الفرنسيّين - مقالات
أحدث المقالات

نظرة سريعة علي وثيقة المثقفين الفرنسيّين

نظرة سريعة علي وثيقة المثقفين الفرنسيّين

اوليفر ديمترى

استجابة لدعوة الأستاذ مجدي خليل في التعليق علي الوثيقة التى صدرت من مئات من المثقفين الفرنسيّين بهدف الدعوة إلى الحفاظ على الشخصيّة الوطنيّة لفرنسا ومواجهة الأسلمة العدائيّة. أكتب هذا المقال.

والوثيقة بسيطة للغاية، وهي بمثابة صوت موحّد للمثقفين. إنّ فرنسا جمهوريّة عريقة تحكمها الثقافة. وهذه الوثيقة تكتسب قيمتها لكونها رؤية ورأي أجمع عليه مئات من مشاهير المثقفين، من بينهم ثلاثة رؤساء وزارة سابقين لفرنسا. ولأن هؤلاء المثقفين ينحدرون غالباً من أصول غربيّة لا تدرك كثيراً العقل المتطرف، فهي في بساطة -لا أدري كيف تصوّرها رؤساء الوزارة السابقون- يدعون الأئمة للتصرف في مأزق الآيات القرآنيّة التي يستند عليها المتطرفون، ويطالبون الأئمة بإبطال مفعولها. فإذا وضعت الوثيقة هذا المدخل كعلاج لاستعادة الشخصيّة الوطنيّة بدون تشويه فرضته النزعات المتطرفة، فهم مخدوعون بلا شك.
ولديّ بعض الأسئلة البسيطة لهؤلاء المثقفين الذين أحترمهم. لماذا حصرتم جهادكم ضد من يعادون السامية اليهوديّة فقط؟ ماذا عن السامية المسيحيّة؟ بالقطع أنا لا أستهين بالحوادث التي حصلت لليهود، وأعترف بتعرضهم لإرهاب كثير. لكن المسيحيّين في فرنسا يتعرّضون لنفس الإرهاب من نفس الأشخاص وبنفس الوسائل. فلماذا حصرتم وثيقتكم في هذه الشريحة وحدها؟ هذه واحدة. أما الثانية فعن أي أئمة تتحدّثون؟ ألا يعرف المثقفون في فرنسا أن الأئمة هم قادة هذه الأفكار المتشددة وهم المسؤول الأول عن ترويجها؟ ألم يكن عمر عبد الرحمن وأسامة بن لادن والظواهري أئمة؟ أليس البغدادي والقرضاوي وسيد قطب وبرهامى أئمة؟ هل تتخيّلون أن الإمام هو الذى يصلي في المسجد؟ الإمام لو تعرفون هو أعظم من ذلك عند المتشدّدين. إنه إله المتشدّدين؛ أمير الجماعة. إنه إله المتطرفين في جماعته. فهل تطلبون من الأئمة الآلهة أن يبطلوا مفعول الإسلام المتشدّد؟ هل تدركون أنكم تضحكون علي أنفسكم. ها هي مصر أمامكم نموذجاً. خمسة أعوام تطلب فيه القيادة السياسيّة من شيخ الأزهر تجديد الخطاب الديني، فماذا كانت النتيجة؟ كانت مزيدًا من تشديد الخطاب الديني والتغلغل الأعمق في جذور الدولة لضمان تعجيز القيادة السياسيّة عن المساس بالخطاب الديني. إن تشخيصكم للمشكلة والحل خطأ فادح، لأن الالتجاء إلي الأئمة كأداة للحل هو خروج بفرنسا من ساحة السلطة الثقافيّة إلي السلطة الدينيّة. وقتها لن تعرفوا طريق العودة.

إنكم حين تدعون الفقهاء لتقليد ما فعلت الكنيسة الكاثوليكيّة لإبطال مفعول آيات القتال تمارسون قياسًا خاطئًا، فليس في الكتاب المقدّس آيات ندعو لإبطال مفعولها. لقد لفتت المجامع الكنسية نظر العالم إلي الحفاظ علي حقوق الإنسان. والمجمع الفاتيكاني الثاني برئاسة البابا يوحنا سنة1959 تركيبته كانت تختلف كلياً وجزئياً عن القيادة في الإسلام. إن الكنيسة الكاثوليكيّة وغيرها من الكنائس التاريخيّة لها هيكل تسلسلي ذو رأس، فالبابا إذا أصدر قرارًا يلتزم به الجميع.  وفي مجلس الكرادلة يعد صوت البابا ذا نفوذ لا يمكن تجاهله. فإذا أصدر البابا توصيّة أو نادى بضرورة  تبني توجّه ما فإنّ التناغم الذى في التسلسل القيادي ينقاد إلي نفس التوجه.أما في الإسلام فالأمر ليس هكذا. لا كهنوت في الإسلام. لا نفوذ من شيخ علي شيخ و من إمام علي إمام    .. إن المساجد تخضع لسلطة رأس المال، وهي دائمًا في قبضة الأقوى، سواء بعنفه أو بنفوذه أو بوسائل مساعدة. لقد تصوّر المثقفون الفرنسيون أن الأئمة إذا نادوا بتوصيّة ما فسينفذها المسلمون الآخرون، وهذا التصور مبني علي قياس خاطئ. ليس للأئمة تسلسل هرمي، فهم جزر مستقلة يجمعها أو يفرقها التشدد. وفي المجمع الفاتيكاني لم يتم إبطال مفعول آيات كما تدعون، بل فقط انفتاح الكنيسة علي العالم الحديث، أو قل علي السياسة وحقوق الإنسان من منظور إنساني لا ديني. فلم يتطلب الأمر اجتماع مثقفين وإصدار توصيّة، بل كان شعور خاص للبابا يوحنا بعد رسامته بتسعين يوم. إن هاتين الحالتين ليستا متشابهتيْن، فالعقل الغربي يختلف عن العقل الإسلامى.


إن الغربيين يحتاجون إلي التعمُّق أكثر في العقل الإسلامي و فك رموزه. ما معني إبطال مفعول آيات القتل من طرف الفقهاء؟! هل يحذفونها أم يوقفون الإيمان بها؟! أم أنكم تطالبون المسلمين بأن يقولون أن هذه الآيات كانت تاريخ وانتهي؟! لو كنت أنا مسلم ما قبلتُ أن تقيّدوا إيماني وتبطلوا عقيدتي في القرآن في جزء عزيز علي كل مسلم. لو كنت أنا مسلم لما وافقتُ علي دعوتكم ولرأيتها تستهدف القرآن نفسه. لو كنت أنا مسلم لاعتقدت أنكم تحاربون الإسلام وأنكم تحمون اليهود أو المسيحيّين. إذا كانت بعض الرسوم الكاريكاتيريّة قد هزت العالم الإسلامي شرقه وغربه بعنف، فماذا يمكن أن يحدث لو مسستم القرآن؟ أما وإنني مسيحى فأقول لكم، رغم كوني مسيحيًا لكنني لا أوافق علي إبطال مفعول آيات القتل، فهذه أداة الجريمة وإخفاء هذه الأداة هو تبرئة زائفة وتعمية عن حقيقة القرآن. دعوها كما هي لأنها تتكلم عن الحقيقة الكامنة في رأي الإسلام في السامية اليهوديّة والمسيحيّة. إن الإسلام لم يقتل مشركين عبر تاريخه بل كان كل صراعه، منذ القرن السابع حتي اليوم، مع الساميّة المسيحيّة دائمًا واليهوديّة أحيانًا. فاليهوديّة والمسيحيّة معًا هما محور عداءه. فإذا سألتني "ولماذا نبقي على هذه الآيات، هل استعذبت القتل؟ أقول لك لا. بل إن ترك هذه الآيات التي تتناقض مع العقل السليم ومع الفطرة النقية يمكن أن يدفع من يُعمل العقل إلي ترك هذا القرآن برمته.

آتي إلي ما أراه أفضل من اللجوء للفقهاء و الأئمة؛ إعمال العقل. فالعاقل وحده هو الذى يرفض العنف. يجب تغيير مناهج التعليم في المدارس الإسلاميّة بقوة القانون ليكون التعلينم قائمًا علي تنشيط العقل وتفعيله وربطه بالمقاييس الفرنسيّة في التعليم. إنّ السيطرة علي المدارس ثم الرقابة علي المساجد هما الخطوة المطلوبة الآن. إنّ الحل في التنوير وفي القانون، التنوير في المدارس وممارسة القانون ضد الإمام الذى يحرّض علي العنف والتعصب ورفض الآخر، مهما استخدم من آيات. دعوا القرآن لشأنه وتفرغوا أنتم لتطوير التعليم والرقابة على المساجد وتنقية قوائم المهاجرين، والتدقيق في طالبي اللجوء من بلاد دمرّها التشدّد. اعملوا على تجفيف المنابع لا قتل البعوض. إنّ الفقهاء فهم أوّل من يجب أن تحذروا منهمّ!

 المشكلة ليست في وجود التسلسل الهرمي أو عدم وجوده. هذا الرأي ليس صائبًا من وجهة نظري

 

 

 

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث