الكراهية الإسلامية للحداثة - مقالات
أحدث المقالات

الكراهية الإسلامية للحداثة

الكراهية الإسلامية للحداثة

د. وودي بروك

مؤسسة القرارات الاقتصادية والإستراتيجية

"ليس هذا فكراً حرّاً للذين يتفقون معنا، لكنه حرية للفكر الذي نبغضُه."

رئيس المحكمة العليا الأمريكية، أوليفر ويندل هولمز الابن، 1929

 

داعش مقابل الحداثة والغرب

قوة داعش النسبية مقابل أوروبا

ليست المُحدِّدات المعتادة للقوة النسبية (مثل الثروة أو حجم الجيش) ذات صلةٍ كبيرة بتقييم الصراع بين داعش وأوروبا. (عندما نستخدم تعبير "داعش"، فإننا لا نشير إلى مدلولها كمنظمة فقط، بل إلى أيّة مجموعات منتسبة إليها من حيث الأصل أيضاً.) فالصراع أقل عسكريّةً من كونه حرب أعصابٍ بين الجهاديين الذين ينفّذون عمليات لدغاتٍ متفرقةٍ والأوروبيين والأمريكيين الذين يفتقرون إلى كلٍّ من الإرادة والتنسيق للاستجابة على نحو ملائم. إذ ينبع مصدر إضافي للقوة الجهادية من كونهم مؤمنين حقيقيين، الأمر الذي يجعلهم خصماً خطِراً جداً. ويحصّنهم يقينهم المفعم بالمعنويات العالية من التهديدات العادية مثل التعرض للقتل. ويكفي عدد الذين لا يخافون الموت لإثارة متاعب لعقودٍ قادمة. 

ما الذي يجعل هؤلاء المتطرفين متفوّقين معنوياً وكارهين للغرب إلى هذا الحد؟ يكمن الجوابُ جزئياً في أن تفوّقهم ينبع من إيمانهم المطلق بصدقِ تعاليم القرآن. لكن هذا مجرد الطرف البارز من جبلِ البغضِ الجليدي الهائل. لأنّ مَقْتهم للقيم الثقافية والاقتصادية والأخلاقية والسياسية للغربيين يضخّم اقتناعاتهم الدينيّة. فعلى مستوى عميق، ينبع إرهابهم من بغضهم للحداثةِ نفسها. فهم ينظرون إلينا في الغرب على أننا ضعفاء ومنحلّون أخلاقياً. فنحن لا نملك أيّة حماسةٍ دينية فحسب، لكننا نفتقر أيضاً إلى عزم أخلاقي من أي نوعٍ بسبب الآثار المخدِّرة لنظامنا الماديّ المرتكز على الرفاهةِ الاجتماعية. ولا تنبع قيمنا الأخلاقية هذه من مخافة أي إلهٍ، بل من التعلق بمفاهيم مانعة من "الإنصاف" تتراوح بين "الحق" في الحصول على تسعة أسابيع من الإجازات إلى الحق في عدم الانجراف على الإطلاق إلى الخوض في أي حرب. فقد تحوّلت أنشودة المواطنين في الولايات المتحدة من "أعطني الحرية أو أعطني الموت "إلى" أعطني الحرية" أو أعطني الكباتشينو." وبشكلٍ إجمالي، يمثِّل اقتناع داعش بحصولها على أساس أخلاقي عالٍ مصدراً رئيسياً لتفوّقها في قوّتها على الغرب. 

يتمثل تعزيز قوة الأصوليين في إستراتيجيتهم في تنفيذ ضربات مجزأة من إصابة الأهداف أو إخطائها. وهم يتخصصون في هجمات إرهابية مستمرة محطِّمة للأعصاب في أماكن عامة. وأمّا تفوُّق الغرب من حيث عدد أفراد الأمن وجمع المعلومات الاستخبارية فإنه لا يحقق الكثير من صنع هذه الهجمات العشوائية التي يمكن أن تحدث في مئات المراكز التجارية المختلفة. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى وجود ما يزيد عن خمسة آلاف مقاتل من أوروبا ذهبوا بالفعل إلى سورية من أجل التدرب على الأساليب الإرهابية، حسب مؤسسة صوفان الاستشارية التي مقرّها الولايات المتحدة. وسيزداد العدد في ضوء الظروف الاقتصادية السيئة في أوروبا حيث تتجاوز نسبة البطالة بين الذكور تحت سن الثلاثين 25% في أمم كثيرة.

وأخيراً، فإن الهجمات الجهادية المستمرة اليوم متزامنة مع أزمة الهجرة الأوروبية الجديدة. وفي ضوء تضمينات ارتفاع الهجرة، وتشديد مراقبة الحدود، والتهديد المتزايد لخروج لبلدانٍ من الاتحاد الأوروبيّ على غرار بريطانيا، والمشكلات المستوطنة في أوروبا، فإنّ من المحتمل أن الاتحاد الأوروبي كما عرفناه حتى الآن لن يعود قائماً. وعندئذٍ لن يكون هنالك أي مظهر من أي موقف "موحَّد" من الاتحاد الأوروبي ضد داعش. وبدلاً من ذلك، سنلاحظ استجابات مجزأة وغير فعّالة، إضافةً إلى تعليق كثير من الحريات المدنية التي تؤخذ الآن على أنها أمر مفروغ منه.

ويوحي هذا التحليل الموجز بأن قوة داعش ضد أوروبا أعظم ما تظهر عليه رغم تفوُّق أوروبا الكبير كما تقاس تقليدياً.

حرب ضد الحداثة: لا يمكن التقليل من أهمية حرب الثقافة الكامنة وراء بعض الجهاديين للغربيين. فهم ينظرون إلينا على أننا حداثيّون عابدون للشيطان. ويرون أنه ينبغي للنساء أن يلزمن بيوتهن من دون أية حقوق، وينبغي أن يكنّ عذراواتٍ عند الزواج، وأن الزنا خطية تستوجب عقاب الموت، شأنه في ذلك المثلية الجنسية. وأمّا حقيقة أن مواطنين كثيرين من الأمم المسلمة لا تشاركهم هذه الآراء، فإنه يبدو أمراً ذا بالٍ. خذ إيران مثلاً: تثمّن أغلبية الناس هناك الديمقراطية، بل إنها تنظر إلى الولايات المتحدة نظرة تأييد. لكن هل هذا يحدث فرقًا كبيراً؟ فالملالي والحرس الأحمر يحكمون بقبضة حديدية، كما رأينا أثناء الانتخابات الحديثة عندما تمّ شطب المرشحين المفضّلين لمعظم الناخبين من لائحة الاقتراع. وفضلاً عن ذلك، فإن قادة إيران المستبدّين هم في مقدمة من يموّلون المجموعات الإرهابية بشكلٍ أو آخر.

خذ مثلاً كلمات سيمون شاما المرموق في مقال حديث في 26 آذار في صفحة الرأي من صحيفة فاينانشال تايمز:

"نحن لا نتحدث هنا عن النقاط الدقيقة للجدل اللاهوتي (الفقهيّ) بين الشيعة والسُّنة. إذ تحاول داعش بكل وسيلة ممكنة أن تعرّفنا بأنها ستقتل أكبر عدد ممكن منّا، وهي تزرع مثل هذا الدمار في قلب العالم الكافر حتى إن من المستحيل أن نقاوم فكرة حشد جيش "صليبي" من أجل المواجهة الكارثية الموعودة التي ستخرج فيها الخلافة منتصرة إلى الأبد."

خذ ايضاً في اعتبارك تعليقات البروفيسور ر.فيداناثان من جامعة IIMB في بنغالور:

"لا يقاتل الإسلام الراديكالي المسيحية – فهي ميتة في أوروبا على أية حالٍ – لكنه يقاتل الحداثة. فالإسلام يخشى على تدمير دينه وثقافته من الحداثة، مهما كانت هذه الثقافة غير مقبولة لدى الليبراليين الأوروبيين...

"ظنت أوروبا – مثل ميركل – أنها تستطيع أن تشتري السلام مع الإسلام الراديكالي "بالطلب" منهم أن يندمجوا. لكن مع أي شيء تريدهم أن يندمجوا؟ أهو الاندماج مع "أوروبا المنحلة أخلاقيّاً" حيث تُعرض النساء "كلحم مكشوف" (على حد تعبير الإمام الأوسترالي) ..النساء السامّات"؟

قارن عزم داعش الأخلاقي (المعنوي) مع نظرة الغربيين الجبانة. وبطبيعة الحال، يؤكد معظمهم رفضهم للأصولية. لكن نظرتهم المتمثلة في القول "عِشْ ودعِ الآخرين يعيشوا" ترى أن للأشخاص "حقاً في التعبير" عن آرائهم، وتبنّي أيّ دين يرغبون فيه – بما في ذلك دين الكراهية. غير أن عيب هذه النظرة يكمن في أن دين الكراهية مختلف عن أي دين آخر، حيث يتبنّى قتل كل غير المؤمنين به. ويقوّض الإفراط في التسامح إرادة الغرب في الرد ومكافحة الجهاد بطريقة حازمة.

كيف يمكن للغرب أن يتعامل على أفضل نحو مع الأصولية – أفكار ثاقبة من نظرية اللعبة

يوجد في نظرية اللعبة تفريق أساسي بين ألعاب المساومة التي لا خاسر فيها والألعاب التي تفوز بكل شيءٍ أو تخسر كل شيء. وفي ألعاب المساومة، يُفترض أن كِلا الطرفين يكون أفضلَ حالاً بالاتفاق على طريقة "لتقسيم الكعكة" بدلاً من لعب إستراتيجياتهما المفصلة للتهديد من دون الحصول على أية كعكة – أو نتائج أسوأ في نهاية المطاف. وألعاب كهذه كاسبةٌ في طبيعتها. وأمّا في لعبة الكسب الكامل أو الصفر، فلا توجد كعكة للتقسيم، ولا توجد إمكانية للمساومة والحلول الوسط.

لا تميّز معظم التحليلات المتعلقة بالكيفية التي ينبغي بها للغرب أن يواجه الأصولية هذا الفرق بالغ الأهمية. إذ يفترض المحللون ضمناً أن هنالك إستراتيجيات للتفاوض، إستراتيجيّات تنتهي إلى حل وسط مقبول. ويقدم موقف الرئيس أوباما من إيران وروسيا والصين أمثلةً لهذا النهج. ففي هذه الحالات الثلاث، أدار الخد الآخر وحاول أن "يعيد ضبط" العلاقات بهذه الدول متوقعاً أنها سترد بالمثل، حيث سيكون الجميع أفضل حالاً. لكن خصومه استغلوا ضعفه استغلالاً كاملاً، حيث تراجعوا عن اتفاقيات كثيرة، فجعلوه يبدو كشخص غير كفؤ في المساومة، كما ثبتَ بالفعل.

والبروفيسور شاما محق في تعليقاته السابقة. وهو يقولُ إننا في الواقع نلعب لعبة الكسب الكامل أو الصفر. فداعش لا تريد منّا شيئاً مقابل شيء آخر. فهم ببساطة يريدون أن يقضوا علينا. وبالقياس، فإنه ليست لدى إيران نية للوصول إلى تسوية مع إسرائيل. فهدفها المعلن هو القضاء عليها. فالإستراتيجية المثلى للغرب في مثل هذه الحالات هي تحديد نقاط ضعف العدو، وبعد ذلك توجيه أكبر قدر ممكن من الحزن والألم في الأعداء. ولا يعفينا كونُ الأعداء متشتّتين وسرور بعضهم بتفجير أنفسهم من مسؤولية ضرب المواجع، مثل المجندين الذين لا يرغبون في الموت (الأغلبية الساحقة) ، وكل معسكرات التدريب( ونحن نعرف موقع حوالي ثلاثين منهم) وأفراد العائلة، إلخ. يتوجب علينا أن نلاحق مثل هذه الأهداف على أرضهم، وفي أراضي الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة أيضاً.

وهنالك أيضاً مسألة كيفية انتزاع معلومات مخابراتية من القتلة الإرهابيين الذين يُقبض عليهم. وكما لا يؤمن خبير اقتصادي ذكي بالتجارة الحرة لأمة ما لم تَحْذُ دول أخرى حذوها، كذلك فإنه لا ينبغي التعامل مع أعدائنا حسب مواثيق جنيف ما لم يلتزموا هم بها التزاماً تعززه أمم متحدة فعّالة، إذا كان لمثل هذا الشيء وجود أصلاً. وبطبيعة الحالِ، فإن الإفصاح عن هذا أمر غير سليمٍ سياسياً في حده المتطرف، لكن الواقع يومئ إلى ضرورة ذلك.

والاقتراح الشائع حالياً والمتمثل في أنه "ينبغي لأوروبا أن تدمج المهاجرين" باطل، كما تؤكد الاقتباسات السابقة. يريد معظم المهاجرين الدمج وهم قادرون عليه مع مرور الزمن. وينتهي بهم الأمر إلى أن يكونوا موارد ثمينةً مفيدة للبلاد التي يهاجرون إليها. لكن من حيث مسألة العقيدة، فإن الأشرار لن يندمجوا في عالم الخطاة الذين يبغضونهم. يحتاج الغرب إلى حملة متماسكة طويلةٍ على نطاق واسع لتدمير كل جانب مع جوانب العمليات الإرهابية. ولا يحتاج هذا بالضرورة إلى عقدٍ من الزمن تحشد فيه أعداد كبيرة من القوات على الأرض. لكن ستكون هنالك مراحل ستتطلب مثل هذا الحضور. لاحظ فقط ما حققته روسيا في إستراتيجيتها الحديثة والمعتدلة نسبياً ضد معارضي نظام الأسد. فقد ضربت بقوة، فنجح ذلك، ثم انسحبت – بشكلٍ مؤقت. غير أن فعاليّتها وضعت تَرَدُّد الرئيس أوباما في حرج قومي.

وبطبيعة الحال، يتوجب تشديد الأمن في أوروبا - لكن ليس على حساب شلل حياة الناس الاقتصادية اليومية – وهذه هي تماماً الحصيلة التي تسعى داعش إليها. وينبغي للقادة أن يشجعوا المواطنين على إبداء استجابات غير التزام الصمت.

بند 2040 من قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث