إخفاقات الإعلام - مقالات
أحدث المقالات

إخفاقات الإعلام

إخفاقات الإعلام

نيكولاس كريستوفر

لم يكن العام الماضي الأفضل بالنسبة إلى وسائل الإعلام الإخبارية. ورغم بعض التغطيات المذهلة، فإن وسائل إعلام كثيرة ضللت الناس بحيث اعتقدوا أن دونالد ترامب لن يحظى أبداً بترشيح الحزب الجمهوري، ناهيك بالبيت الأبيض. وفي كثير من الأحيان، تابعنا الأخبار البراقة، وكرّرنا دون جدوى كل شيء شاهدناه، لكننا لم نبحث بجد ولم نحاسب السياسيين على أكاذيبهم.

وفي عام 2008، كرّست أكبر ثلاث شبكات إخبارية في الولايات المتحدة، في برامجها الإخبارية المسائية، طوال العام، ما مجموعه ثلاث ساعات وأربعون دقيقة لتقديم تغطية وصفتها بأنها «تغطية مستقلة لقضايا بعيدة عن تصريحات المرشحين والمناظرات». وفي 2016، انخفض إجمالي الوقت المخصص لهذه القضايا إلى 36 دقيقة فقط!

وخصصت كل من «إيه بي سي» و«إن بي سي» 9 دقائق فقط لتغطية تلك القضايا، أما «سي بي سي» فخصصت 18 دقيقة وحدها. لذا، خصصت كل من «إيه بي سي» و«إن بي سي» أقل من دقيقة واحدة لتغطية قضايا خارج تصريحات المرشحين والمناظرات الانتخابية، شهرياً في 2016.

وكشف هذه الأرقام «أندرو تيندال» في «تقرير تيندال»، الذي يراقب البرامج الإخبارية. وحسب تقديراته، لم تكن هناك تغطية مستقلة خلال 2016 في البرامج المسائية بشأن الفقر والتغير المناخي وإدمان المخدرات.

وأخبرني «تيندال» أن الصحفيين واجهوا معضلة «حملة خالية من القضايا، وكان عليهم أن يقرروا كيفية التعامل مع الأمر: إما بالتواطو، لأن مثل هذه الأساليب كان من السهل أن تساعد على تحقيق نسب مشاهدة عالية لبرامج تليفزيون الواقع، أو من خلال تحديها، من خلال الخوض في القضايا المهمة». لكنهم اختاروا الخيار الأول، حسب «تيندال»، وعاملوا مشاهديهم ليس باعتبارهم مواطنين وإنما مراقبين محنكين.

ومن المؤكد أنه كانت هناك استثناءات، ومنها تحقيقات بعض الصحف والمجلات حول مؤسسة ترامب وسجلاته الضريبية. وإحدى التحديات كانت الضغوط التجارية، إذ تسابقت المؤسسات الإخبارية في كل المنصات، المطبوعة والرقمية والتليفزيونية، على النموذج التجاري. وأدركت جميع المؤسسات أن معدلات متابعة أخبار ترامب أعلى بكثير من معدلات متابعة قضايا مثل الفقر.

وكما أشار «ليزلي مونفز»، رئيس شبكة «سي بي إس»، في فبراير الماضي، بشأن ترشح ترامب، فـ«ربما لا يكون ترشحه جيداً لأميركا، لكنه جيد جداً لـ(سي بي إس)».

ويحتاج عالم الإعلام بأسره إلى إيرادات جديدة، بما في ذلك التبرعات الخيرية، لتمويل التغطية التي تنطوي على أهمية كبيرة، لكنها غير مدرّة للأرباح.

ورغم ذلك، اختار كثير منّا الصحافة لاعتقادنا أن غايتها هو النفع العام. وقد شاهدتُ صحفيين في الخارج يخاطرون بأرواحهم للحصول على خبر، لاعتقادهم بأهميته. وإذا كان بمقدورهم فعل ذلك، فربما يمكن للمسؤولين التنفيذيين في القنوات الإخبارية أن يجازفوا أحياناً بمعدلات المشاهدة!

وبحلول مارس الماضي، كان ترامب قد تلقى تغطية إعلامية مجانية بقيمة 1.9 مليار دولار، أي ما يزيد على 190 ضعف قيمة التغطية التي دفع مقابلها. وحينئذ، تحدث إلى صحفيين وباحثين، وكانت هناك وجهة نظر شائعة مفادها أن التليفزيون أخطأ بإعطاء ترامب الميكروفون، وأخفق في أن ينقّب عن الحقائق في تصريحاته بشكل ملائم.

وإلى ذلك، استغل ترامب وسائل الإعلام للإعلان عن نفسه ببراعة منذ البداية. ومثلما أشار «توم روزنشتايل»، الناقد الصحفي، «نحتاج إلى صحفيين لتغطية الأحداث المهمة، وليس من يقفون عند كل باب».

وليس من المفيد أن وسائل الإعلام المحلية الأميركية فاقدة للتنوع بما يكفي، ليس فقط على الصعيد العرقي، ولكن أيضاً في الجانب الجغرافي والاقتصادي الاجتماعي. فلا يوجد لدينا كثير من الصحفيين المحليين ضمن الطبقة العاملة أو من أصول إنجيلية، لذا كانت تغطيتنا لترامب ضحلة أو بالأحرى انطوت على تنازلات، وفوّتنا بشكل كبير الغضب واليأس اللذين حملا ترامب إلى الفوز.

وعلينا جميعاً أن نكتشف أساليب جديدة للقيام بالأمور مع التركيز على العمل الصحفي، وليس الكتابة المختزلة. ويشير «جاي روزين»، من جامعة «نيويورك»، إلى أنه ربما من الأفضل إرسال الصحفيين المتدربين إلى تغطية مؤتمرات البيت الأبيض، والصحفيين المحنكين للتحقيق في الأخبار الحقيقية.

وعلينا أن نظل صامدين، وأن نواصل الضغط من أجل إصدار الكشوفات الضريبية، وتفاصيل السياسات، وأن نتفادى مخاطر المساواة الكاذبة، واقتباس أقوال أشخاص من كل طرف كما لو أن هناك نقاشاً حقيقياً! وقد يبدو من الغريب أن يقول كاتب مقال ذلك، لكننا «نحتاج إلى كتابة تقارير أكثر من كتابة الرأي».

وعلينا أن نكشف الغث من الثمين، لا سيما أن أحد الأخبار الكاذبة عن أن الرئيس أوباما حظر قسم الولاء في المدارس، حظي بأكثر من مليوني مشاركة ومتابعة على مواقع التواصل الاجتماعي.

والدرس المستفاد، مع بداية 2017، أنه علينا التركيز على الأمور المهمة والجوهرية، وأن نطرح أسئلة من قبيل: هل سيخسر ملايين الأميركيين تأمينهم الصحي؟ وماذا سيحدث لـ21٪ من الأطفال الأميركيين الذين يعيشون الفقر؟ وهل سيستمر ذبح السوريين إلى ما لا نهاية؟ وهل سيسقط جنوب السودان في براثن التطهير العرقي؟ وهل هناك حرب تجارية مقبلة، أو حرب حقيقية؟

واشنطن بوست

ترجمة صحيفة الاتحاد

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*