التكفير.. سلاح تافه وخطير - مقالات
أحدث المقالات

التكفير.. سلاح تافه وخطير

التكفير.. سلاح تافه وخطير

منصور الحاج:

 

لطالما اعتبرت سلاح التكفير الذي يشهره رجال الدين المتشددون على كل من يخالفهم الرأي ومن على غير شاكلتهم سلاحا تافها وخطيرا في نفس الوقت. وتتمثل تفاهته في أنه سلاح في متناول كل من هب ودب ممن يعتقدون بأن حصولهم على شهادات من كليات الشريعة يعطيهم الحق للتعبير عن إرادة الله وإصدار الأحكام باسمه.

والوضع الطبيعي هو أن تكون أحكام التكفير بلا قيمة، بل محل تندر وسخرية من تفاهتها وضحالة تفكير من أصدروها لولا وجود من يعتقدون أن لديهم الحق في تنفيذ إرادة الله بإزهاق أرواح من صدرت بحقهم فتاوى التكفير وهنا مكمن خطورة سلاح الفتوى.

أحد أوضح الأمثلة على تفاهة سلاح التكفير هو أن التنظيمات الجهادية التي تدعي أنها بصدد إقامة دولة الله على الأرض تكفّر وتقاتل بعضها بعضا، تنفيذا ولذلك نجد أن تنظيم القاعدة مثلا يرى أن الدواعش خوارج يجب قتالهم، فيما يرى الدواعش أن جماعة القاعدة خارجون من الملة.

أحدث ما تابعت من تفاهات رجال الدين المتشددين حكما بالردة أصدره رجل الدين اللبناني، المقيم في بريطانيا، عبد الرحمن دمشقية، على رجل دين آخر يدعى عبد القادر الحسين يعرف نفسه على صفحته بموقع توتير بأنه "أستاذ التفسير وعلوم القرآن في جامعات دمشق والفرات ومعهد الشام العالي وجامعة يلوا".

والأغرب في فتوى دمشقية هو صدورها بسبب تعليق الحسين على قصة وردت في كتاب "إحياء علوم الدين" للغزالي، جاء فيها أن أبو تراب انتقد أحد المريدين حين قال بأن رؤيته لله شغلته عن رؤية أبو يزيد البسطامي ليرد عليه أبو تراب بقوله: "والله لو رأيت أبا يزيد مرة كان أنفع لك من أن ترى الله سبعين مرة". حين سئل الحسين إن كان يعقل أن شخصا يقول هذا الكلام، رد بقوله: "نعم يعقل. وهذا كلام لا غبار عليه وهو حق مبين". في معرض تكفيره للحسين، نشر دمشقية فيديو قال فيه: "أشهد أنك مرتد عن الإسلام. أشهد الله أنك مرتد عن الإسلام."

قصة أخرى تابعتها مؤخرا تكشف تفاهة التكفير وخطورته في الوقت ذاته، ألا وهي قصة تكفير الناشطة اليمنية الحائزة على جائزة نوبل توكل كرمان لأنها نصحت امرأة كولومبية دخلت حديثا إلى الإسلام بأن لا تغير اسمها، والا تغير طريقة لبسها وألا تفارق زوجها إن لم يتحول إلى الإسلام.

هذه النصائح التنورية أثارت حفيظة المتشددين الذين لا يرون تناقضهم الفاضح حين يصرون على صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان، وفي الوقت ذاته يصرون على التمسك بأحكام العصور الأولى للإسلام وعادات وتقاليد قبائل الجزيرة العربية وإلزام كل مسلمي ومسلمات العالم على الالتزام بها.

ردا على نصائح كرمان، نشر اليوتيوبر السلفي المصري أبو عمر الباحث، فيديو على قناته، اتهم فيه كرمان بالترويج لـ"الإسلام الأميركي" فيما علق سلفي مصري آخر يدعى مصطفى الشرقاوي الذي يدير قناة "شؤون إسلامية" على اليوتيوب بقوله: "بعد مشاهدة هذا الفيديو وقبله منشورات كفرية واضحة، أقطع بأن هذه المرأة تصد عن سبيل الله ولا حظ لها من الإسلام. توكل كرمان ليست مجرد علمانية تريد الحرية لنفسها، فهي تحتفظ بحجابها الذي تصفه بالتخلف هي مكلفة من أعداء الله وتعمل وفق خطة واضحة. العيب على الأشخاص الذين يصدقون كلامها."

أما الفتوى التكفيرية التي جمعت بين التفاهة والتخلف هي تلك التي أصدرها رجل الدين المصري مصطفى العدوي، الذي اعتبر أن النباتيين الذين يعتقدون "صحة ما يقولون فهم كفرة لأنهم يحرّمون ما أحل الله."

وكما أسلفت، فإن هذه الفتاوى وأمثالها تظل بلا قيمة وبلا وزن، إلا حين يحاول أحد المتهورين تطبيق حد الردة على من صدرت الفتوى بحقهم، عندها يتحول من أصدروا تلك الفتاوى إلى محرضين على القتل من حق السلطات توجيه تهمة التحريض إليهم، ومطالبة السلطات القضائية بإصدار أقسى الأحكام بحقهم.

وإلى أن تلفظ المجتمعات المسلمة رجال الدين المتشددين، وإلى أن يتحلى المسلمون بالجرأة اللازمة للرد عليهم وإنكار تشددهم وتوضيح خطورة فتاواهم التكفيرية، سيواصل المتطرفون إصدار فتاوى التكفير التافهة وتصوير الإسلام كدين لا يصلح لهذا الزمان ولا حظ له سوى بين الجهلاء وفي أوساط المجتمعات المتخلفة.

الحرة

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*