الأمير الحسن من الأردن وإد كيسلر – صحيفة التليجراف
25 آب، 2016
كانت المسيحية جزءًا من النسيج الأساسي للشرق الأوسط على مدى الألفي سنة الماضية. وبعيدًا عن أن تكون مستوردةً من الغرب، كما يبدو أن بعضهم يزعم ذلك الآن بشكل لا يصدَّق، فقد وُلدتْ هنا وتمَّ تصديرها كهدية إلى بقية العالم.
كانت المجتمعات المسيحية جوهريةً في أهميتها (على الدوام) في تطوير الثقافة والحضارة العربيتين. وهذا الدور المركزي في منطقتنا وحضارتنا هو السبب الذي يجعلنا نحن الاثنين، كمسلم وكيهودي، نشمئز عندما نرى المسيحية والمسيحيين تحت مثل هذا الاعتداء الوحشي عبر منطقتنا. ونحن لا نروَّع بالهجمات المتفرزة على إخوتنا من البشر فحسب، بل أيضًا بمعرفتنا أن فقدان المسيحية من مسقط رأسها سيحطم غنى نسيج الشرق الأوسط المزخرف بالألوان، وسيمثل ضربة صاعقةً لتراثنا المشترك. وحقيقة الأمر هي أننا جميعًا مجتمع واحد تجمعنا المعتقدات المشتركة والتاريخ الواحد.
لكن هذا يتم إنكاره على نحو متزايد مع قيام داعش (التي نصّبت نفسها بصفتها الدولة الإسلامية في العراق والشام) بأخذ زمام المبادرة إلى كلٍّ من تبرير هذه الهجمات وتنفيذها في الوقت نفسه. إذ يرفض مقال في العدد الأخير من مجلة دابق (مجلة داعش) بعنوان "كسر الصليب"، بشكل صريحٍ الاعتقاد الأساسي أننا جميعًا "أهل كتاب".
وتروّج داعش لرؤية أُخروية تذكِّرُ بالعصر الذهبي الأسطوريّ، وهذا مجرد خلق من عقول الجهاديين المشوّهة اليوم. وهم يعيشون في نفس القالب الذي عاشه أولئك الذين حوّلت حماستهم المضلَّلة أوروبا المسيحية في العصور الوسطى إلى نموذج للتعصب والقمع. ويريد داعش أن تأخذنا إلى عصر مظلم جديد، عصر أشد قتامة بسبب الدمار الذي تمثّله عطايا العِلم والتقنية المتاحة بين أيديهم. وبطبيعة الحال، لم يجعلوا المسيحيين وحدهم أهدافًا لكراهيتهم.
فالبحث عن النقاء الديني يمثّل تهديدًا شموليًا. وكما رأينا مرّاتٍ كثيرة زائدة، يُظهر الأصوليون اشمئزازًا خاصًّا للأديان الأخرى التي لا تنسجم آراؤها مع آرائهم. وقد بيّنت داعش أنها مستعدة لذبح مسلمين آخرين من دون تمييز كما ذبحت يهوذًا ومسيحيين وآخرين مهما كانت جنسيّتهم _ سواء أكانوا أردنيين أم أمريكيين أم بريطانيين أم أوروبيين. ويمثل العون على إنهاء هذا الانحدار الخطر نحو الكراهية والتدمير الذاتي والصراع بين الأشقاء التحدّي الرئيسيّ لنا كلنا نحن المنخرطين في الحوار بين الأديان. ويتطلب هذا منا أن نضاعف جهودنا في زيادة فهمنا أن ما يوحِّد الأديان العظيمة الثلاثة في منطقتنا هذه أعظم من الاختلافات بينها.
ويتوجب علينا أن نؤكد أن احترامنا للماضي وتعلُّمنا منه لا يتطلب منّا أن نحيا فيه، لكن يجب أن يقترن هذا بإقرار صادق بأن الأسفار الإبراهيمية المقدسة _ الكتاب المقدّس المسيحيّ، والأسفار اليهودية (العهد القديم)، والقرآن تحوي نصوصًا مسبّبة للخلاف وتتضمن هجومًا على مجموعات أخرى. وقد استُخدمت عبر التاريخ لتبرير أكثر الأعمال بشاعةً باسم الله. وتحمل هذه النصوص وزنًا وسلطة، ولا يمكن حذفها أو تجاهُلها.
فكيف نواجه هذه الرسالة المسببة للانقسام والخلاف، والتي يمكن أن تُقرأ - في الأيدي الخطأ - كرخصة للتعصب والعنف؟
إنه لأمر مهمّ للغاية أن نضمن أن يُنظر إلى هذه الكلمات في سياقها. ومن الحيوي أن توضع نصوص نفس أي كتاب مقدّس منها جنبًا إلى جنب لنرى إن كان يمكن أن تقدّم منهجًا مغايرًا.
وهنا أيضًا، يمكننا أن يساعدنا فَهْم أفضل للكتابات المقدّسة للأديان الأخرى في رؤية التناقضات والصراعات التي يمكن أن نفشل في الاعتراف بها في ديننا.
وفوق هذا كله، يتوجب علينا أن نفهم أهمية التفسير، وهو أمر مركزي ومشترك بين كل الأديان الإبراهيمية. فهو يوفر لنا القدرة على التعامل مع النصوص التي تتعارض مع ما نَعُدّه القيم الأساسية لتقليدنا. يعلّم الإسلام حق الحرية وحق الكرامة الإنسانية. وفي اليهودية، فإن تعبير Pikuach Nefash أمر يفيد أن الحفاظ على حياة الإنسان يأخذ أسبقية على كلّ الوصايا الأخرى.
حان الوقت للتوقف عن الدعوة إلى الكراهية والفظائع التي تتسبّب في تشنجات على مدى منطقتنا المباشرة وما وراءها. ويعتمد السلام والبشرية نفسها على نجاح هذه العملية بين الأديان. وهي هامّة إلى هذه الدرجة.