كاتب: Vera Mironova
مصدر: The Year the Islamic State Lost Its Last Strongholds
خسر تنظيم «داعش» في عام 2019 الكثير من معاقله، واعتُقل عدد ليس بقليل من مقاتليه، فهل يعني هذا نهاية الطريق للتنظيم، أم أن هناك مؤشرات تنبئ بعودته من جديد هذا العام؟ هذا ما حاولت فيرا ميرونوفا – الزميل الزائر في جامعة هارفارد – الإجابة عنه في مقالها الذي نشرته مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية.
قالت فيرا في مستهل مقالها: «في بداية 2019، خسر «داعش» آخر المناطق التي كان يسيطر عليها في سوريا، وسجن عشرات الآلاف ممن تبقى من مقاتليه، ليضافوا بذلك إلى مجموعة الإرهابيين المعتقلين بالفعل في العراق وسوريا وحتى الدول الغربية».
نماذج أولية وخطط مستقبلية تبدأ من السجون
تتابع الكاتبة: «اختتم العام بحادث متطرف آخر، هو: حادثة الطعن التي نفذها عثمان خان في لندن، وأسفرت عن مقتل شخصين. كان خان في فترة الإفراج المشروط حين نفذ الهجوم، وذلك بعد الحكم عليه بتهم تتعلق بالإرهاب ذات صلة بالتخطيط لهجوم عام 2012».
في السنوات المقبلة، سيُطلق سراح الآلاف من مقاتلي «داعش» ومسلحين آخرين. وإذا كان ما حدث داخل السجون قبل ظهور هذه الجماعة يحمل أي دلائل، فإن العواقب ستكون مدمرة.
قبل عام 2013، عندما بدأ تنظيم الدولة بالتوسع لأول مرة، وسيطر على بعض المناطق في سوريا، كان معظم قادة التنظيم قد أمضوا مدة في سجن بوكا، الذي تديره الولايات المتحدة، في العراق، مثلما حدث مع العديد من أعضاء التنظيم.
وتلفت الكاتبة إلى أن بعض مقاطع الفيديو الناطقة بالروسية، والتي ينشرها تنظيم الدولة بغرض التجنيد، تستخدم نوعًا من لغة السجون التي يصعب على الشخص العادي حتى فهمها. الآن وبعد العودة إلى السجن، يمكن لأعضاء التنظيم التنسيق لنشر الدعاية (البروباجاندا)، ووضع خطط مستقبلية، وتنظيم عمليات في دول أخرى، وحتى تطوير المعدات التقنية.
وتقول الكاتبة إنه وفقًا لمقابلة أجريت هذا الشتاء مع أحد أفراد الجيش الأمريكي، والذي كان حارسًا في سجن بوكا عندما كانت قيادة تنظيم الدولة معتقلة هناك؛ فإن الإسلاميين في هذا السجن كانوا يرسمون نماذج أولية لبرنامج مستقبلي خاص بتنظيم «داعش» لبناء طائرات مسيرة؛ وهي عبارة عن طائرات ورقية مزودة بقنابل يدوية.
لكن هذه الأنشطة المتداولة بينهم ليست سوى جزء صغير من المشكلة؛ إذ ربما يقوم هؤلاء السجناء – أثناء وجودهم في السجون – بتجنيد أشخاص آخرين يقضون أحكامًا لارتكابهم جرائم غير أيديولوجية ولكن لديهم تظلمات ضد حكوماتهم.
تجنيد ضد الظلم
تضيف فيرا أن هذا الأمر حدث مرارًا في السابق، ففي معسكر بوكا عام 2004، أمضى زعيم تنظيم الدولة فيما بعد أبو بكر البغدادي وقته في تقديم دروس دينية وتكتيكية لكل من يرغب.
أحد قادة التنظيم العسكريين عمر الشيشاني، تبنى الفكر المتطرف في أثناء وجوده في أحد السجون الجورجية، حيث كان يقضي حكمًا لحيازة أسلحة غير قانونية. وفي روسيا، وفقًا لما قاله سجناء في مقابلة أجريت معهم في ديسمبر (كانون الأول)، تحوَّل العديد من الأشخاص الذين سجنوا بسبب علاقتهم بالنازيين الجدد إلى تبني الإسلام المتطرف؛ معتقدين أنه المعارضة العنيفة الوحيدة الفعالة ضد الحكومة. وكان أحد السجناء لديه وشم هتلر على جانب من صدره، وعلم تنظيم الدولة على الجانب الآخر.
ويشير المقال إلى انتشار هذه الظاهرة في صفوف أعضاء تنظيم الدولة داخل السجن، لدرجة أنه في مقابلة أجريت عام 2014، عبّر مقاتل أجنبي من المجموعة صراحة عن استيائه من العمل إلى جانب العديد من الأشخاص الذين جاءوا إلى سوريا بعد الحكم عليهم بتهم اغتصاب واستغلال الأطفال جنسيًّا في بلادهم. والعديد من السجناء السابقين أيضًا كانوا متعاطي مخدرات سُجنوا في جرائم تتعلق بالمخدرات، وتحولوا إلى الإسلام المتطرف أثناء التعافي من الهيروين.
وتنقل الكاتبة عن طبيب سوري يعمل في منطقة خضعت لسيطرة تنظيم الدولة سابقًا، قوله إن العديد من المقاتلين الأجانب الذين عالجهم، كان لديهم وشوم مصنوعة على نحو رديء من النوع الذي يميز السجناء.
تعبّر الكاتبة عن تخوُّفها من زيادة قاعدة تجنيد مقاتلين جدد قائلة: «مع وجود الكثير من المقاتلين الأجانب في السجون الآن، ممن خدموا في صفوف «داعش» سابقًا، في بلدان مختلفة، فإن هذه السجون لم تسفر سوى عن توسيع قاعدة تجنيدهم فحسب».
وتطرح الكاتبة سؤالًا على الحكومات التي تسعى لوقف تجنيد المزيد من الإرهابيين: هل هناك أي شيء يمكن القيام به حيال ذلك؟ بالنسبة للكثير من السجناء، اللجوء إلى الدين هو المسار الطبيعي لإيجاد الأمل في أكثر الحالات يأسًا.
وتضرب الكاتبة مثالًا بما يحدث في أمريكا اللاتينية؛ حيث يتحول العديد من أعضاء العصابات إلى المسيحية أثناء وجودهم في السجن، ويتركون تلك العصابات بعد إطلاق سراحهم. لكن في العديد من السجون التي يُحتجر فيها أعضاء تنظيم الدولة وغيرهم من المسلحين؛ يتحول الإسلام إلى سلاح، بوصفه الطريق الأخير لتفريغ المظالم ضد الحكومات.
المزيد من العدل والحقوق هو الحل
ترى فيرا أن الحل هو معالجة تلك المظالم من جذورها، فمن المعروف أن غالبية مقاتلي «داعش» قادمون من بلاد سيادة القانون فيها ضعيفة، والتزامها هزيل بمعايير الديموقراطِية. ففي روسيا وجميع أنحاء آسيا الوسطى، قد يُرسل الشخص إلى السجن بتهم تتعلق بالإرهاب لمجرد إعجابه بمنشور مناهض للحكومة على وسائل التواصل الاجتماعي. وهناك عقوبات أخرى أكثر تعسفًا؛ ففي العراق كثيرًا ما يُحتجز الشخص لأن اسمه يتطابق مع اسم شخص في قائمة المطلوبين؛ مهما كان هذا الاسم شائعًا. والأحكام بالسجن في هذه الدول غاشمة، وتتضمن تعذيبًا وضربًا روتينيًّا.
تستشهد الكاتبة بحادثة تدلل على تفضيل بعض الأشخاص الموت على قضاء محكومياتهم داخل سجون بلادهم فتقول: «لتجنُب قضاء محكومِيات في ظل هكذا ظروف، قطع أحد الطاجيكيين (شرايين) معصمه قبل أن يستقل الطائرة التي كان من المفترض أن تُقله إلى بلاده، وفقًا لما رواه مقاتل آخر سابق كان معه في السجن بتركيا. ومن المفهوم أن يتحول حذر السجناء من الحكومة إلى كراهية شديدة وهم خلف القضبان».
وتنقل فيرا ما قاله سجين سابق، لم تكن له أي علاقة بالمجموعات العسكرية قبل الحكم عليه، خلال المقابلة التي أجرتها معه: «كان حلمي الوحيد وأنا في السجن هو الانضمام إلى أي حركة تمرد للانتقام من أولئك الذين أدخلوني هذا المكان».
يد هذه الحكومات طائلة، وبعضها يستخدم الإنتربول الدولي لملاحقة مواطنيها في الدول الأخرى. وتنقل الكاتبة قول أحد الكازاخستانيين المتدينين الذي تحدثت معه، إن كازخستان طالبت باعتقاله في 2018 بتهم تتعلق بالإرهاب، على الرغم من حصوله على حق اللجوء السياسي في الاتحاد الأوروبي. صحيح أنه لم يُسلّم، ولكنه أمضى ستة أشهر في سجن الاتحاد الأوروبي. بلا شك، يمكن أن يكون صدر هذا السجين السابق مثقلًا بالمظلومية ليس فقط تجاه حكومة بلاده، وإنما تجاه مُضيفته أيضًا. لكن على الأقل في هذه الحالة، يتمتع الاتحاد الأوروبي بنظام قضائي قوي ومستقل.
على النقيض من ذلك، يشاع عن الأجهزة الأمنية في أوكرانيا أنها تختطف أفرادًا طاجاكِيين، وأوزبَكيين، وروسًا من الشتات مطلوبين في بلدانهم الأصلية بتهم تتعلق بالإرهاب والمعارضة السياسية، لتتعامل معهم هناك دون اتباع الإجراءات القانونية اللازمة. غني عن القول إن هذا لا يعزز ثقة السجناء بحكوماتهم.
شعبية «داعش» بلا منافس
لا يواجه تنظيم الدولة منافسة حقيقية تُذكر في السجون لكسب قلوب مثل هؤلاء السجناء. إذ أصبح التنظيم هو القوة البارزة المناهضة للحكومات في العديد من تلك الأماكن، بالإضافة إلى كونه القوة الوحيدة التي وعدت صراحة (على الأقل في البروباجاندا الخاصة بها) بتحرير المضطهدين.
تنقل فيرا عن أحد المقاتلين السابقين لدى التنظيم، والذي أُطلق سراحه مؤخرًا قوله: «كنا نحظى باحترام شديد في السجن لأننا وقفنا في وجه النظام القمعي في سوريا». والآن بعد أن أصبح حرًّا، ما زال يحظى بالاحترام في أوساط المجتمع الجنائي في مدينته.
سيكون هناك الكثير مثله في الشوارع في السنوات القادمة؛ فخلال السنوات الخمسة إلى العشرة القادمة، سيُطلق سراح العديد من السجن وينهون أحكامهم. وقبل ذلك، تلفت إلى أن تكديس الناشطين الذين في سن القتال ومستعدين للنزال، في ظروف حبس مأساوية؛ يزيد من احتمالية هروبهم من السجن.
على سبيل المثال: في طاجكيستان كانت هناك أعمال شغب كبيرة لأعضاء من تنظيم الدولة في مايو (أيار) الماضي بقيادة نجل جولمورود خليموف؛ القائد العسكري في التنظيم الذي قُتل في سوريا عام 2017. في تلك الحادثة، أفادت السجلات بمقتل 29 سجينًا، وأغلقت المعابر الحدودية البرية مع الدول المجاورة.
تختم فيرا مقالها محذرة: «حوادث مثل هذه قد تكون مجرد بداية، إذ تميل أعمال الشغب للخروج عن السيطرة، مُشعلة سلسلة من ردود الأفعال عبر بلدان مختلفة. وهجمات تنظيم الدولة الناجحة، مثل هجوم ستوكهولم عام 2017، والإنجازات العسكرية للتنظيم في العراق، إنما هي أسباب للاحتفاء داخل السجون في مختلف أنحاء العالم، حتى بين السجناء غير المسلمين وغير المتدينين الذين سئموا من الطريقة التي يُعاملون بها».