المرأة المسلمة المتعلمة النموذجية بين الحقيقة والتشبيه - مقالات
أحدث المقالات

المرأة المسلمة المتعلمة النموذجية بين الحقيقة والتشبيه

المرأة المسلمة المتعلمة النموذجية بين الحقيقة والتشبيه

إعداد: ابتسام الحلبي

من خلال تعليم فتاة، يمكن العالم أن يضع حدًا للفقر والعنف والإرهاب. هذا رأي شينيلا خوجا مولجي في كتابها "تشكيل الفتاة المثالية المتعلّمة: صنع شخصيات مرغوبة في جنوب آسيا المسلم" الذي تقدم فيه الحقيقة العالمية المسيّسة حول موضوع الفتاة / المرأة المسلمة وسياقها الثقافي المحلي.

إيلاف من بيروت: في أنحاء العالم، يتصور صانعو السياسة والصحافيون الفتاة المسلمة المثالية كشخص مجهّز بأكثر الأدوات فعالية لمحاربة مجتمعاتهم الأبوية وثقافاتهم المحلية القمعية - التعلّم. هنا، تتدخل شينيلا خوجا مولجي في الحقيقة العالمية المسيّسة حول موضوع الفتاة / المرأة المسلمة وسياقها الثقافي المحلي.

ففي كتابها "تشكيل الفتاة المثالية المتعلّمة: صنع شخصيات مرغوبة في جنوب آسيا المسلم" Forging the Ideal Educated Girl: The Production of Desirable Subjects in Muslim South Asia، تقدّم خوجا مولجي عرضًا تاريخيًا مفصلًا للصورة المتغيرة والمتعددة للفتاة المسلمة المتعلمة في جنوب آسيا من القرن التاسع عشر حتى الوقت الحاضر.

نص ملهم ومبدع

هذا الكتاب مصنف ضمن "العلوم الإنسانية الإسلامية"، إلا أنه مرتبط بجمهور واسع النطاق. أي شخص لديه اهتمام وبعض الخلفية في الدراسات النسائية ما بعد الاستعمار، والدراسات الجندرية، وتاريخ جنوب آسيا، والدراسات التربوية، والتطور النقدي و/ أو الدراسات الدينية، سيجد أن نص خوجا مولجي عن جينالوجيا فوكو حول الفتاة / المرأة المسلمة المتعلّمة المثالية "المصنوعة"، نص ملهم ومبدع.

كما هي الحال مع أي من الجينالوجيا المستوحاة من ميشيل فوكو، تؤكد خوجا مولجي على أنها لا تحاول تزويد القارئ باستنتاجات محبوكة بدقّة. بدلًا من ذلك، كما توضح: "... نحن في وسط قصص - تحكي عن الحفاظ على الامتيازات الطبقية، وتغيير قواعد الاحترام، واستغلال عمل المرأة، والفئات الجنسية المتغيرة، والنشاط السياسي والوكالة السياسية. هذه القصص تستمرّ مع استمرار مجالي الجنسين والتعليم كمجالين قويين استطراديين ينظمان حياة كل من الرجال والنساء. وبالتالي، فإن مهمتنا تتمثل في إخضاع الفئات المجنّسة والمشروعات الاجتماعية لتحقيق مستمر لأنها تبلور علاقات بين المعرفة والسلطة".

خلال الفترات التي كانت فيها العقود الآجلة المرغوبة حديثًا مطروحة للنقاش، كانت الهويات تتشكّل من خلال شخصية المرأة والطفلة. تنقل خوجا مولجي بشكل جميل تعقيدات الشخصيات المتعلّمة المتغيرة والتي تعاد صياغتها باستمرار، والهويات الطبقية للمرأة / الفتاة المسلمة في جنوب آسيا.
 

مثيرة للإعجاب

يتضمّن الكتاب ستة فصول، يقدم كل منها نقطة مختلفة وضرورية في جينالوجيا خوجا مولجي عن المرأة/ الفتاة المسلمة المتعلّمة المثالية. وهي تتناول أولًا الطرائق المعاصرة التي يستخدمها الأشخاص، بمن فيهم الصحافي نيكولاس كريستوف والأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون، من خلال ملخصات السياسات والمقالات والخطابات، لتصوير الفتاة المتعلّمة المثالية شخصية تتحدى ثقافتها القمعية المحلية

بالاستعانة بأمثلة مثل ملالا يوسف زاي والفتيات النيجيريات اللواتي اختطفتهن جماعة بوكو حرام، فهم يبنون هوية متجانسة للفتاة المسلمة المتعلمة التي يجب أن تحارب وتعاني حرفيًا من أجل الحصول على التعليم. توضح خوجا مولجي كيف أن هذا المفهوم يتجاهل الطرائق التي يتعامل بها المسلمون أنفسهم مع أفكار المرأة المتعلمة وقضايا الإصلاح.

المعلومات الأرشيفية التي تجمعها خوجا مولجي في مشروعها مثيرة للإعجاب. أن المطالب الجسدية وحدها في إجراء البحوث الأرشيفية في باكستان هائلة ومليئة بالعقبات البيروقراطية. هناك حاجة كبيرة إلى الحفاظ على هذه الروايات عن النساء في جنوب آسيا الاستعماري، ما يجعل مشروع خوجا مولجي أكثر أهمية وشمولًا.

في الفصل الثاني، "تشكيل الشخصيات [المحترمة]"، تكشف خوجا مولجي قصص أوائل القرن التاسع عشر والقرن العشرين عن النساء المتعلمات في الهند الاستعمارية اللواتي تأثرن بالتجربة الاستعمارية المتميزة. وتركز على أهمية الروايات التعليمية (مرآة العروس، على سبيل المثال) والمجلات الدورية باللغة الأردية في تشكيل الشخصيات المتعلمة خلال عصر الإصلاح (معظمها روايات كتبها رجال) لإثبات حالات تسييس المرأة / الفتاة المتعلمة.

فاشلات ومرغوب فيهن

تعرّف خوجا مولجي قارئها على أعمال القرن التاسع عشر والقرن العشرين التي كتبتها نساء على وجه التحديد في المجلات الدورية والروايات التعليمية. كانت هذه الكتابات على وجه الخصوص بمثابة مواقع استطرادية شاركت فيها النساء في تشكيل مشاريع الإصلاح التربوي والديني. وتشير إلى أن الكتب التي ألّفتها النساء قد تمّ إهمالها في التاريخ، وهي كتب توضح كيف تتناقش المرأة (المحترمة) في شؤون الاحترام. وهكذا تكشف هذه الكتابات أن المرأة كانت في الواقع ناشطة، وخلافًا للمفهوم المبني والنمطي عن المرأة المسلمة، فهي ليست صامتة ومعزولة.

في الفصل الثالث، "المواطنون الفاشلون والمرغوب فيهم"، يمكن النظر إلى الفتاة / المرأة المتعلمة كجزء من بناء الدولة والتحديث وتطوير باكستان المستقلة حديثًا. ومن المثير للاهتمام بشكل خاص سلسلة من إعلانات الخطوط الجوية الباكستانية الدولية (PIA) التي تبيّن أن من الطبيعي بالنسبة إلى النساء أن يقدّمن الرعاية إلى الأمة والمجتمع - وهي خطوة اتخذتها شركة الطيران الوطنية لكي لا تزعزع الوضع من خلال تحدي المعايير الجندرية السائدة أساسًا

في الفصلين الرابع والخامس، ترسم خوجا مولجي الخطوط العريضة "لتمكين الفتاة" من خلال العمل الميداني في مجتمع أقلية شيعية مسلمة في باكستان، وكذلك من خلال المسلسلات التلفزيونية الحالية التي تعيد النظر في روايات عهد الإصلاح في القرن التاسع عشر.

من خلال ذلك، تقوم بالتحقيق في كيفية الاعتراض على الاستخدام المجازي النيوليبرالي لمفهوم الفتاة "المتمكّنة"، وبالتالي المتعلمة، وكيف يتم استعماله.

في الفصل الأخير، ترسم خوجا مولجي الخطوط العريضة للصور المتعددة للفتاة / المرأة المسلمة المتعلّمة المثالية وتقاطعاتها مع الدين والعمل والسياسة ومفاهيم الاحترام.
 

إسلام تراجعي وقمعي

نصّ الكتاب أداة لفهم كيف أن برامج التنمية الحالية ترسم النساء والفتيات المسلمات بضربة فرشاة واحدة، وكلّها بحاجة إلى محاربة ثقافة محلية قمعية متجانسة. وتؤكد الكاتبة أن الصور والمفاهيم الاختزالية التي تتضمّنها القصص عن الفتيات المتعلمات اللواتي يخالفن ثقافة "القمع" المحلية، تتجاهل بشكل صارخ الأسباب البنيوية والتاريخية للعنف القائم على الجندر والفقر والإرهاب.

بدلًا من ذلك، تتلاءم الاختزالية مع رواية عن الإسلام التراجعي والقمعي والعالم الإسلامي، وفي الوقت نفسه، تعيد تأكيد أجندات التنمية عبر الوطنية. بعبارة أخرى، يجب أن تطمح جميع الفتيات المسلمات إلى أن يتم تمكينهن من خلال الوصول إلى التعليم الرسمي من أجل قلب ثقافاتهن القمعية و"المتخلفة" رأسًا على عقب. إن عمل خوجا مولجي هو الانحراف اللازم عن هذا السرد المعاصر وأسلافه في القرنين التاسع عشر والعشرين.

تجادل خوجا مولجي قائلة: "من خلال تعليم فتاة، يمكن العالم أن يضع حدًا للفقر والعنف والإرهاب"، وتضيف أن هذا الوعد جزء من تاريخ بذل فيه الناس جهودًا لإصلاح الدول والمجتمعات. وبما أن المرأة / الفتاة المتعلّمة المسلمة المثالية كانت وما لا تزال تتشكّل، فهي تملك دورًا في بناء الطبقات والمثل الدينية والمساواة بين الجنسين والدولة القومية. إن تتبع مراحل هذا التشكّل من خلال جينالوجيا فوكو هو مجرد مساهمة واحدة من المساهمات الرئيسة المتعددة التي تقدمها خوجا مولجي في نصها.
 
 

أعدّت إيلاف هذا التقرير عن " LSE Blogs". الأصل منشور على الرابط:
http://blogs.lse.ac.uk/lsereviewofbooks/2018/07/26/book-review-forging-the-ideal-educated-girl-the-production-of-desirable-subjects-in-muslim-south-asia-by-shenila-khoja-moolji/

إيلاف

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*