كلايف كروك
أصبح إرفاق المسميات بالناس هو أحدث صرعة في الولايات المتحدة. ومن المسميات المفضلة حالياً «الداعم للقومية» و«المناصر للعولمة». هذه المسميات ليست ذات نفع – وهذا ليس فقط لأن الناس لا يحبون وصفهم بها. المشكلة الأكبر هي أن هذه الفئات ليست حصرية. فمن الممكن أن يحدث تداخل بين الشعور القومي المعتدل والليبرالية المتطلعة إلى الخارج. وفي أميركا، على وجه الخصوص، أن تكون مناصراً للقومية جزئياً ومناصرا للعولمة جزئياً، فهذا يأتي بصورة طبيعية. وهذا ما تتوقعه من أمة من المهاجرين. وقد وصف «أشعيا برلين» القومية بأنها تعبير مَرضي عن الوعي الوطني. وقد تسببت النزعة القومية العدوانية في حدوث ضرر رهيب في القرن العشرين -- لكن وجهة نظر «برلين» هي أن الوعي القومي ليس مجرد ضرر أقل من الشكل المرضي، إنه أيضاً ذو قيمة في حد ذاته. وربما يكون أيضاً أساسياً في بناء مجتمع عادل ورحيم ومنظم تنظيماً جيداً.
ويوماً ما، ربما، تتحقق المدينة الفاضلة الماركسية – اللينينية في جميع أنحاء العالم – «تخيل أنه ليس هناك دول، لن يكون هناك ما تقتل أو تموت من أجله»، وهكذا دواليك. في الوقت الحالي، يتم تشكيل السياسة العامة من قبل ومن أجل الدول القومية. وعلى هذا المستوى، فإن أي مبادرة جماعية تقريبا، بما في ذلك إجراءات تمدين الرأسمالية وحماية الضعفاء وغير المحظوظين، تطالب البعض بالتضحية لخدمة الصالح العام. وهذا المشروع المشترك سيكون من المرجح أكثر فعالية، ويمكن بالتأكيد أن يكون أكثر طموحاً، إذا كان المواطنون مرتبطين معاً بالتاريخ، أو بثقافة وقيم مستقرة - أي من خلال الوعي الوطني. وإذا كان الجزء الأول من القرن العشرين قد أظهر كيف أن هذه الفكرة من الممكن أن تكون منحرفة، فقد أظهر الجزء الثاني منه الخير الذي يمكن أن تحققه. فقد تم تدمير الأنظمة الشريرة وإنشاء نظام دولي يتطلع إلى الخارج. وهذا لم يكن يتطلب قمعاً، أو بدرجة أقل القضاء على، الوعي الوطني. وفي الواقع، فإنه من دون الوعي الوطني الذي أدى إلى تنشيط وتعزيز الولايات المتحدة، ما كان بالإمكان بناء النظام العالمي الليبرالي.
الوعي الوطني الذي يستند على الكبرياء العنصري يكون كريهاً وخطيراً على حد سواء. وقد واجه دونالد ترامب اتهامات من منتقديه بأنه يناصر أو على الأقل يغازل تفوق البيض – وهذا تقريباً أسوأ اتهام يمكن توجيهه لسياسي أميركي. ولأنه مندفع كما هو الحال في الطريقة التي يعبر بها عن نفسه، فإنني لا أرى ترامب باعتباره مؤمناً بتفوق البيض. والخطأ يكمن في دمج الوعي القومي مع العنصرية. فعندما يحدث هذا، كما هو الحال في أغلب الأحيان، تكون النتائج كارثية. إنني مؤمن بالاستثنائية الأميركية، ولب هذه الفكرة هو إمكانية ابتكار أمة على أساس المبادئ، مقابل وراثة أمة تستند على الولاء العرقي أو المصادفة التاريخية أو الدين. إن الوعي القومي الذي يستند على المبادئ الليبرالية المكتوبة في الدستور يبدو بالنسبة لي مثيراً للإعجاب. لكنه ما زال وعياً قومياً – وما زال ينطوي على، أو يجب أن ينطوي على، قدر من الفخر والوطنية.
وتشكل سياسة هوية الجماعة الآن تحدياً متزايداً للضمير الوطني. فهي تؤكد على ما يقسم الأميركيين بشأن الأمور التي توحدهم. وفي شكلها الأكثر غضباً، فإنها تذهب إلى حد إنكار ما يوحد الأميركيين (فكرة أميركا وما الذي تمثله). وهذا النموذج من سياسة هوية الجماعة هو نموذج يهزم الذات. فهو يهاجم التضامن الاجتماعي الذي يتطلبه النجاح -- الشعور بالالتزام الذي يشعر به الأميركيون تجاه مواطنيهم الأميركيين. والجدل حول الهجرة يبين كيف يمكن للتمييز الوهمي بين القومية والعولمة أن يشوه بسهولة هذه النقاشات. وربما لا يرى المناصرون للعولمة أي فارق بين الأجانب ومواطنيهم، ويحلمون بحدود مفتوحة. ولكن الآخرين يعتقدون أن الفارق يهم. وللتأكيد، فإنه على أحد الطرفين يوجد المتعصبون الذين يعتقدون أن الأجانب سيئون لأنهم أجانب. وفي الوسط هناك الناس الذين يعتقدون أن الهجرة تلحق الضرر بالمواطنين الأميركيين ويجب الحد منها، أو أنها تساعد المواطنين الأميركيين وينبغي التوسع فيها، أو أنها جيدة بالنسبة للولايات المتحدة طالما أن المهاجرين يقبلون هذه المبادئ التأسيسية ويندمجون- أو الذين ليسوا متأكدين من أي شيء من هذا لكنهم على الأقل يؤمنون بأنه يجب إنفاذ قوانين الهجرة. هناك الكثير جدا من وجهات النظر، لكن كل من هم في المنتصف يتفقون على أمر واحد: أن مصالح المواطنين تأتي أولا. وهذا هو الوعي الوطني.
واشنطن بوست
نقلا عن صحيفة الاتحاد