يوسف تيلجي
نتناول هنا الأزمة في الإسلام من خلال ثلاث محاور:
المحور الأوّل: إنّ إسلام الدّعوة المحمديّة، كما هو معروف، انتهى بوفاة الرَّسُول ذاته، وأرى أنّ هذه هي الأزمة الأولى في الإسلام، وكانت قد بدأت بواكير هذه الأزمة ببداية احتضار الرَّسُول، وبزوغ مؤشِّرات حقبة لا تمت بصلة للدعوة المحمديّة إلا بالمسمّى (أي الإسلام)، وهي عهد الخلافة والحُكم والسّلطة والقُوّة، وذلك من قِبَل رجال طمحوا للسُلطة والقُوّة، وأكبر دليل على هذا، وحسب تحليلي الشّخصي المتواضع، ثلاث حوادث:
1 - لم يُمكِّن الصحابةُ، خاصّة عمر بن الخطّاب، الرَّسُول من أن يكتب وصيته، بسبب طُموحهم السُّلطوي، خاصّة لأنَّهم أحسّوا أن دعوة وتأثير ودور الرَّسُول قد شارف على الانتهاء، وبدأ من حينها التفكير بمن سيأخذ زمام الأمر من بعده، فقد ورد في موقع "الإسلام سؤال وجواب: "عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا حُضِرَ النّبِيُّ قَالَ: وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ فِيهِمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: " هَلُمَّ أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ "، قَالَ عُمَرُ: إِنَّ النّبِيَّ غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمْ الْقُرْآنُ فَحَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ، وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْبَيْتِ، وَاخْتَصَمُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ قَرِّبُوا يَكْتُبْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مَا قَالَ عُمَرُ، فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغَطَ وَالِاخْتِلَافَ عِنْدَ النّبِيِّ قَالَ: ( قُومُوا عَنِّي". وقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: "فَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: إِنَّ الرّزِيّة كُلَّ الرّزِيّة مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ وَبَيْنَ أَنْ يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ مِنْ اخْتِلَافِهِمْ وَلَغَطِهِم" (رواه البخاري 6932 ومسلم 1637).
2 - تأخُّر دفن الرَّسُول، وذلك لانشغال الصّحابة وتصارعهم بمن سيتولى أمر القوم بعد الرَّسُول!، تاركين أمر تحضير الرَّسُول لأهل بيته من أجل تهيئته للدفن، دون أصحابه! قال الزّرقاني: إنَّما أخَّروا دفنه؛ أي الرَّسُول، لاختلافهم في موته أو في محل دفنه، أو في أمر البيعة بالخلافة" (شرح الموطأ 2/94 - نقل بتصرف من موقع الإسلام سؤال وجواب). أمّا الذين حضّروا الرَّسُول لدفنه، دون أصحابه فهم أبوبكر وعمر بن الخطاب، فقد جاء في كتاب السّيرة النّبويّة لابن هشام "قال ابن إسحاق: فلما بُويع أبو بكر، أقبل النّاس على جهاز الرَّسُول يوم الثّلاثاء، فحدّثني عبد الله بن أبي بكر وحسين بن عبد الله وغيرهما من أصحابنا: أنّ عليّا بن أبي طالب ، والعباس بن عبد المطلب ، والفضل بن العباس ، وقثم بن العباس ، وأسامة بن زيد، وشقران مولى الرَّسُول، هُم الذين ولوا غسله".
3 - وعندما أصبح أمر وفاة الرَّسُول أمرًا باتًا، تمخّض الأمر للاجتماع في سقيفة بني ساعدة، لاختيار رجُل الخلافة، وكانت أعين الرّجال على الحكم و السّلطة، والرَّسُول مازال لم يُدفن بعد، إلى أن انتهى الأمر باختيار أبي بكر الصّديق خليفة للمسلمين. ويروي الإمام البُخاري في صحيحه، في كتاب فضائل الصّحابة، حديث رقم 3668 خبر السّقيفة واختيار خليفة المسلمين فيقول: حدّثنا إسماعيل بن عبد الله، حدّثنا سليمان بن بلال عن هشام بن عروة قال: أخبرني عروة بن الزّبير عن عائشة، قالت: "إن الرَّسُول لما مات اجتمعت الأنصار إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا: منّا أمير، ومنكم أمير، فذهب إليهم أبو بكر وعمر وأبو عبيدة، فذهب عمر يتكلّم فأسكته أبو بكر، وكان عمر يقول: والله ما أردتُ بذلك إلا أني قد هيّأت كلاماً قد أعجبني خشيتُ ألا يبلغه أبو بكر، ثم تكلّم أبو بكر فتكلّم أبلغ النّاس، فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء. فقال حباب بن المنذر: لا والله لا نفعل، منّا أمير ومنكم أمير. فقال أبو بكر: لا، ولكنّا الأمراء وأنتم الوزراء، هم أوسط العرب دارًا – يقصد قريشاً - وأعزهم أحساباً، بايعوا عمر أو أبا عبيدة. فقال عمر: بل نبايعك أنت، فأنت سيّدنا وخيرنا وأحبُّنا إلى رسول الله، فأخذ عمر بيده وبايعه النّاس. (نقل بتصرف من موقع www.almanhaj.com). من هذا الأمر يظهر مدى تعطُّش الصّحابة للمناصب والحُكم، وأنَّهم لم يتكلّموا في أي أمر يخُصّ الدّين أو الدّعوة، أو يخُصّ الرَّسُول نفسه.
المحور الثّاني: أمّا اليوم فالإسلام يمر بأزمة عقل وأزمة إعاقة فكريّة. فلو تركنا جمهور الإسلام من العامّة والبسطاء، الذين مازالوا مُغيَّبين فكريًا، ويؤمنون بما يقرأون فقط، دون تحليل، ولو نحيّنا المُفكِّرين جانبًا، وتعاملنا مع "الطّبقة الوسطى"، التي تتميّز بوعي فكري وذهني معقول، لوجدنا أنفسنا نصارع هاوية من التجهيل الفكريّ للعقل الإنساني، فيما يخُصّ وما يرتبط بـ "الموروث الإسلامي"، من نصوص، وأحاديث، وسنن، وتفاسير، وفقه وفتاوى. فكيف يمكن لهذه "الطّبقة الوسطى" أن تقبل، مثلا بآيات السّيف، كـ "فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ ۚ فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصّلَاةَ وَآتَوُا الزّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (5) وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّىٰ يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْلَمُونَ (6) ". و"قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّىٰ يُعْطُوا الْجِزْيّة عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (29) (سورة التوبة). وجاء في تفسير الطّبري عن معنى "عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ" "وأمّا قوله: "وهم صاغرون" فإن معناه: وهم أذلّاء مقهورون. ويقال للذليل الحقير: صاغر " . وكيف يمكن أن نقبل بالسّبي وكيف يمكن أن نجمِّله ونلطِّفه؟! لقد جاء في موقع إسلام ويب تحت عنوان "لماذا لم ينهَ الإسلام عن سبي النّساء؟ وما الحكمة منه؟" أنَّ "الاستمتاع بالمسبيّة ليس فيه اغتصاب ولا عدوان على المرأة المسبيّة، ولا انتهاك لحُقوقها، بل هو تكريم لها ورفع لقدرها؛ لأنَّ المسبيّة إذا دخلت في ملك الرّجل بحكم السّبي فإنّها غالبًا ستنضم إلى عياله وأهله، وهي امرأة لها حاجاتها ومُتطلباتها النّفسيّة، والجنسيّة، فلو منعنا الرّجل من وطئها ففي هذا فتنة له؛ لأنَّها امرأة أجنبيّة مقيمة معه في بيته، تقوم على خدمته وتشاركه خُصوصياته فهي أمام عينيْه صباح مساء، وفيه أيضا فتنة لها نظرًا لاحتياجها لما تحتاجه النّساء". وكيف يمكن أن نقرن الرّزق بالرّمح، وإلحاق الذل بالآخرين، كما ورد وفق حديث الرَّسُول "وسئل عن حديث أبي سلمة عن أبي هريرة قال الرَّسُول "بُعثت بين يدي السّاعة وجُعل رزقي في ظل رمحي وجُعل الذل والصّغار على من خالفني ومن تشبّه بقوم فهو منهم"، وأورده البخاري تعليقًا في باب الجهاد. قال ويذكر عن بن عمر الخ قال بن حجر في الفتح ج: 6 ص: 98.. عن بن عمر بلفظ "بُعثت بين يدي السّاعة مع السّيف وجُعل رزقي تحت ظل رمحي وجُعلت الذلة والصّغار على من خالف أمري ومن تشبه بقوم فهو منهم" (نقل بتصرُّف من موقع ملتقى أهل الحديث). وما هو العقل الذي يقبل وطأ الإماء؟! فقد جاء في موقع الإسلام سؤال وجواب "أباح الإسلام للرجل أن يجامع أمَته سواء كان له زوجة أو زوجات أم لم يكن متزوِّجا" (نقل بتصرّف) .ويقال للأمة المتخذة للوطء " سريّة " مأخوذة من السّرِّ وهو النّكاح .ودل على ذلك القرآن والسّنة، وفعله الأنبياء. فقد تسرَّى إبراهيم عليه السّلام من هاجر فولدت له إسماعيل عليهم السّلام أجمعين .وفعله نبيُّنا، وفعله الصّحابة والصّالحون والعلماء، وأجمع عليه العلماء كلُّهم ولا يحل لأحد أن يحرِّمه أو أن يمنعه ومن يحرِّم فعل ذلك فهو آثم مُخالف لإجماع العلماء .قال الله تعالى: "وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النّساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا" (النّساء- 3).. والحديث يطول ويطول في تناول إرهاصات "الموروث الإسلامي" وما ورد هو غيض من فيض، الخارج عقليًا عن نطاق الزّمان والمكان والواقع، والمُخالف عن واقع الحال مع مجتمع اليوم، والذي يعتبره فكرًا مشوَّهًا لا يمكن قبوله وفق المنطق العلمي للقرن الواحد والعشرين. وهذا الموروث كان له ظروفه العامّة وحيثيّاته المجتمعيّة قبل 14 قرنًا من الزّمان!
المحور الثّالث: المجابهة والصّدام الأكبر: ممّا سبق، أتساءل، كيف يمكن التعامُل مع الموروث الإسلامي الشّائك؟ وما الحل مع مبدأ/شعار الإخوان المسلمين القائل بأنَّ "الإسلام هو الحل"؟ وهل الفكر الذي مضى عليه أكثر من 14 قرنًا يمكن أن يكون هو الحل في القرن الحادي والعشرين؟ وكيف نتجاوز نصّا مفاده أن الرَّسُول محمد هو خاتم الأنبياء، وهو سيّد الخلق ورحمة للعالمين، وأن آخر كتاب أوحي به هو القرآن، وأن كُلَّ الكتب من بعده أو قبله كُلّها مزيفة ومحرفة، وكيف نتقبّل أنَّ الدّين عند الله هو الإسلام وفق الآية "أنَّ الدّينَ عِندَ اللَّهِ الْإسلام ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ/ 19 سورة آل عمران)، وكيف لنا أن نهدي أكثر من 6 مليار غير مسلم/كافر، إلى الإسلام، وكيف التعامُّل تعبديًا مع إله الإسلام المُختلف والمُخالف لإله مُوسَى والتوراة والمسيح والإنجيل، فكريًا وسُلوكيًا ومنهجيًا؟! من جانب آخر، هل يحتاج الإسلام إلى تعديل أو تصحيح كعقيدة، أو هل هناك ضرورة لتقويم الخطاب الدّيني؟ وما الذي يمكن تقويمه أو تعديله؟ فهل بالإمكان إلغاء آيات (وممارسات) الرّجم وقطع يد السّارق والسّبي والجزيّة؟! إنني لا أرى أملًا في تقويم الخطاب الدّيني. نعم هناك من يدعون إلى الوسطيّة والاعتدال في الإسلام، لكنني أتساءل: كيف تكون الوسطيّة والاعتدال؟! وفق ما ورد سابقًا من نصوص؟! والسّؤال الأهم ما هو وضع وحال وواقع 1.5 مليار مسلم؟ وكيف يمكن التعامُل معهم فكريًا وعقائديًا؟ وهل بالإمكان إهمالهم؟ وإذا كان المسلمون قد ولدوا على هذا الدّين، وعاشوا على موروثه، وتشرّبوا أفكاره عن الجهاد (وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يجمعون 157 وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ 158 / سورة آل عمران) فهل هناك أي رجاء في تغيير معتقداتهم الراسخة؟! والسّؤال المحوري هو في كيفيّة تغيير عقليّة المسلمين التي تعتبر، بل تُجزم، أن غير المسلمين كلهم كفرة! إنّني أرى أنَّ أزمة إسلام اليوم وُلدت من الرّحم الماضوي المُتخم بالأزمات، بدءًا من أزمة احتضار الرَّسُول وصولًا إلى أزمات اليوم. وكلما نجا الإسلام من أزمة هوى في أُخرى، وأنا أرى أنّ إسلام المستقبل هو إسلام مُتفاقم الأزمات!