للبالغين العاقلين فقط - مقالات
أحدث المقالات

للبالغين العاقلين فقط

للبالغين العاقلين فقط

بقلم: محمد عبد اللـه

من المفيد أن نراجع بعض الأفكار التي زرعت في عقولنا صغارًا، حيث كنا نأخذ كل أمر كمسلَّم به. لم نكن نعرف كيف نعتمد على أنفسنا في البحث والرجوع إلى المصادر العلمية أو التاريخية. أما الآن وقد أصبح بلوغنا وعقلنا حجة علينا، لا بد لكل منا من وقفة مع نفسه وآرائه، وأن لا تأخذنا العزة بالكبرياء فيصور لنا غرورنا أننا ولدنا في البلد والمجتمع والقرية والعائلة التي تحتكر طريق الحق والهداية.
من هذا المنطلق أعطي لنفسي الحق في طرح عدد من التساؤلات حول بعض الأفكار التي انتشرت وتم تداولها، بل اكتسبت صفة القداسة من دون أن نعرف حقيقة أمرها أو مصدرها، وهي تساؤلات موجهة للبالغين العاقلين فقط.
التساؤل الأول: من صاحب فكرة عصمة الأنبياء في الإسلام؟ ما هو اسمه، وفي أي عام طرح هذه الفكرة؟ وكيف انتشرت هذه الفكرة وترسخت في عقول المسلمين رغم أن القرآن يعج بمعاصي الأنبياء؟ إن امتداح القرآن للأنبياء في بعض المواقع أمر لا يحمل أية دلالة صريحة أو ضمنية على عصمتهم. فالقرآن امتدح أشخاصًا من غير الأنبياء أيضًا. والغريب في انتشار فكرة العصمة أنها فكرة ضد ما جاء وتكرر وتأكدَ في القرآن من بشرية الأنبياء ومعصياتهم.
التساؤل الثاني: من الذي وضع تعريف السُّنة النبوية "كل ما أثر عن النبي من قول أو فعل أو تقرير أو صفة خَلقية أو خلقية سواء قبل البعثة أو بعدها"؟ ما اسمه، وفي أي عام وضع هذا التعريف؟ ولماذا هذا الإجماع على هذا التعريف الذي يحمل جملة من الإشكالات، منها أن حياة النبي محمد وعباداته لم تكن واحدة قبل البعثة وبعدها، بل إنها لم تكن واحدة حتى بعد البعثة. فعلى سبيل المثال، كان النبي يتبنى ثم نهاه الله عن التبني. فلماذا هذه الشمولية في التعريف التي توجب على المسلمين اتِّباع ما كان يقوم به النبي في جميع الأوقات حتى قبل البعثة؟ ويتمثل الإشكال الآخر حول هذا التعريف في أن هنالك أفعالًا كثيرة للنبي لا يجب على المسلمين اتباعها، كتعدد الزوجات غير المحدود مثلاً. وهذا مما أُثر عن النبي. فَعَلَها لكن لا يجوز اتباع مثاله في ذلك، على عكس ما جاء في التعريف المتداول للسنة النبوية! فمن الواضح أن ليس كل ما قام به النبي أو فَعَله ملزمًا للمسلمين. ومن ناحية أخرى، إذا كان الحكم الشرعي بإطلاق اللحية مصدره السُّنة الفعلية وليس السُّنة القولية، أي الأحاديث فقط، فلماذا لا ينطبق هذا الحكم الشرعي على إطلاق شعر الرأس أخذاً بالسُّنة الفعلية، شأنه في ذلك شأن اللحية.
التساؤل الثالث: من المفهوم والمبرر دينياً تقديس الصحابة، لكن من غير المفهوم وغير المبرر دينياً تقديس تعريف ابن حجر العسقلاني للصحابي، حيث يقول في تعريفه "الصحابي هو من لقي النبي مؤمناً به ومات على الإسلام، ويدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يرو، ومن غزا معه أو لم يغزُ، ومن رآه رؤية ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارض كالعمى." لماذا يتم الاعتماد على هذا التعريف من دون تطويره أو حتى تغييره بالمرة؟ وما هي الصفة الدينية لابن حجر العسقلاني حتى يتم تقديس تعريفه الشخصي للصحابي؟ وما سر هذا الإجماع من علماء أهل السنة والجماعة على هذا التعريف؟
و للتوضيح نقول إن التعريف الاصطلاحي يختلف عن التعريف اللغوي. لكن هذا لا يعني أنه يتعارض معه، بل على العكس من ذلك، يكون التعريف الاصطلاحي مبنياً على التعريف اللغوي. فالعلم لا يمكن أن يصل إلى الجمهور إن لم يكن مبنياً على لغة سليمة، وبشكل خاص العلوم الإسلامية. فاللغة العربية حجر أساس في فهم هذا الدين. وتتمثل مشكلة تعريف ابن حجر في أنه يتعارض مع اللغة. فالصاحب في اللغة هو المعاشر الذي تجمعك معه عشرة وليس مجرد رؤية. فعلى سبيل المثال، لا تستطيع لغةً أن تدّعي أنك صاحب إمام أو عالم ما لمجرد أنك حضرت إحدى خطبه، ناهيك عما يحمله تعريف ابن حجر من عمومية تفضي إلى شمل الكثير من عوام الناس تحت مظلة التقديس في مجتمع عوامه من الجهلة وممتهني الحروب.
التساؤل الرابع: يجمع المؤرخون على أن الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب قد خرج من مكة قاصداً الكوفة للثورة على حكم الأمويين بعد أن جاءته كتب المبايعة من أهل الكوفة، إلا أن عبيد الله بن زياد، والي الكوفة والبصرة آنذاك، قد استدرك الأمر وأرسل جيشه لصد مسير الحسين وأهله إلى الكوفة حيث التقيا  في كربلاء. توحي هذه الرواية التي يوجد إجماع عليها بأن كربلاء تقع على الطريق بين مكة والكوفة. لكن واقع الأمر هو أن من يخرج من مكة قاصداً الكوفة لا يمر على كربلاء البتة. فالكوفة أقرب من كربلاء، أما كربلاء فتقع شمالي الكوفة.
وتبقى أفكار كثيرة مقدسة لا لشيء إلا لكونها قديمة، فتتداخل وتتشابك مع قِدم الدين وأزلية التابو.

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث