منصور الحاج:
دشنت منظمة "مسلمون سابقون بأميركا الشمالية" قبل أيام حملة بعنوان "Awesome without Allah" أو "سعداء بدون الله" على شبكات التواصل الاجتماعي تحدث المشاركون فيها عن الآثار الإيجابية لقرار خروجهم من الإسلام وما أحدثه ذلك من تغيير في سلوكياتهم ونظرتهم إلى العالم وتعاملهم مع الآخرين مما جعلهم أكثر سعادة وحرية وإقبالا على الحياة.
ونشر عشرات المسلمون السابقون الذين ينحدر غالبيتهم من دول عربية وإسلامية فيديوهات قصيرة معظمها باللغة الإنكليزية أعربوا فيها عن دعمهم لنظرائهم الذين لا يستطيعون المجاهرة بردتهم خوفا من بطش المجتمع وعقاب السلطات وأبدوا استعدادهم لتقديم المساعدة للخارجين عن الإسلام من أجل التغلب على المصاعب والتحديات التي تواجههم.
وبحسب الموقع الرسمي للمنظمة، فإن الحملة تتمحور حول فكرة بسيطة مفادها إن بقاء المرتدين في الخفاء يكرس الاضطهاد الممارس ضدهم ويبقيه بعيدا عن الأضواء.
وتتزامن هذه الحملة التي يتابعها الآلاف من رواد مواقع التواصل الاجتماعي عبر هاشتاغ awesomewithoutAllah# في كل من فيسبوك وتويتر ويوتيوب مع تدشين لوحات إعلانية في شوارع كل من مدن أتلانتا وشيكاغو وهيوستن يظهر فيها شابان وفتاة إلى جانب جملة مأخوذة من استبيان أجراه مركز "بيو" للأبحاث خلاصته إن واحد تقريبا من بين كل أربعة مسلمين نشأوا في الولايات المتحدة قد خرج من الإسلام.
ويرى رئيس المنظمة محمد سيد في معرض تعليقه على الحملة بأنه على الرغم من أن الخروج من الإسلام لا يعد جريمة في الدول الغربية بعكس الواقع في العديد من الدول الإسلامية التي تقرر عقوبة الإعدام على من يرتدون عن الإسلام، إلا أن من يعلنون ردتهم في الغرب يعانون من "العزلة ويتلقون تهديدات ويتعرضون للاضطهاد من قبل أسرهم والمجتمعات الإسلامية التي كانوا ينتمون إليها". وذكر سيد أن الكثيرين ممن ارتدوا عن الدين يضطرون إلى إخفاء ذلك خشية على أنفسهم وشدد على أن "الخطوة الأولى لأن يحظى المرتدون بالقبول تمكن في المجاهرة بردتهم علانية بدون خجل أو وجل".
إحدى اللوحات الإعلانية التي تم نشرها في شيكاغو (نقلا عن موقع مسلمون سابقون ـ https://exmuslims.org)
من جانبها، خاطبت المديرة التنفيذية للمنظمة سارة حيدر من تركوا الإسلام ولا يستطيعون المجاهرة بردتهم قائلة: "أنتم لستم وحيدون. اعلموا بأنه على الرغم من أن فكرة المجاهرة بترككم للدين تبدو مخيفة، إلا أن هناك بصيص نور في آخر النفق وأن بإمكانكم العبور إلى الناحية الأخرى وإعادة تأسيس حياتكم والعيش في سعادة بدون دين".
ومن خلال قراءة التعليقات ومشاهدة الفيديوهات المنشورة من خلال الهاشتاغ يلاحظ أن غالبية المشاركين يرون أن أهم التغييرات الإيجابية التي طرأت على حياتهم بعد خروجهم من الإسلام تكمن في اكتسابهم القدرة على التفكير بحرية وتمكنهم من إطلاق العنان لعقولهم للتطرق إلى الأسئلة والقضايا التي لم تكن لديهم الجرأة على مناقشتها في السابق.
كما أشار آخرون إلى أنهم بخروجهم من الإسلام تخلصوا من عقدة الحاجة إلى التوفيق بين المسلمات الدينية التي تتناقض مع نتائج الدراسات والبحوث العلمية وذكروا أنهم يعيشون الآن في سلام داخلي ويتحملون تبعات تصرفاتهم ويختارون القناعات الفكرية والأخلاقية التي تتناسب مع واقعهم الجديد.
إن هذه الحملة هي بمثابة انطلاقة جديدة للمنظمة من المتوقع أن تكتب تاريخا جديدا لظاهرة الإلحاد المتنامية في المجتمعات الإسلامية بفضل انتشار الإنترنت وسهولة التواصل وسرعة الحصول على المعلومات بحسب العديد من الدراسات والأبحاث.
فعلى سبيل المثال، خلصت دراسة لمركز "كوندا" للأبحاث التركي إلى ارتفاع نسبة الأتراك الذين يعتبرون أنفسهم "لا دينين" أو "ملحدين" من 2% إلى 5% خلال الأعوام العشرة ما بين 2008 و2018 بينما تناقصت نسبة من يصفون أنفسهم بـ"المتدينين" في الفترة نفسها من 55% إلى 51%.
أما الدراسة التي أجراها "الباروميتر العربي" ونشرتها هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" فخلصت إلى أن نسبة "اللادينيين" العرب قد شهدت ارتفاعا من 11% في عام 2013 إلى 18% في عام 2019.
في اعتقادي، لا تختلف هذه الحملة عن مرحلة الجهر بالدعوة التي انتهجها النبي محمد بعد سنوات من التزامه السرية في دعوة أهل مكة إلى اعتناق دينه حين كان اتباعه يتعرضون للتعذيب والإقصاء ويعانون من العزلة كما نقلته كتب السيرة عن حياة السابقين الأولين من أمثال بلال بن رباح وآل ياسر وسعد بن أبي وقاص وغيرهم من الصحابة.
كما أن حال "المرتدين" اليوم أشبه بحال المسلمين الأوائل بفارق وحيد هو تحول الضحية إلى جلاد، فالخارجون من الإسلام مهددون بالقتل ويتعرضون للإقصاء والتعذيب الجسدي والنفسي من قبل الأنظمة الدكتاتورية في الدول العربية والإسلامية وعلى أيدي مجتمعاتهم وأهاليهم والجماعات المتطرفة لا لجرم اقترفوه وإنما لممارستهم حقهم في اختيار هويتهم الدينية الذي يشمل أيضا الحق في الإلحاد.
إن من المفارقات أن الجاليات المسلمة والمنظمات الإسلامية في الغرب التي عادة ما تمثل دور الضحية وتصور المجتمعات الغربية بأنها تحارب الإسلام، تعادي المرتدين وتنشر الأكاذيب عنهم وتمارس التمييز عليهم بدلا من أن تحترم حقوقهم بنفس القدر الذي تطالب به الآخرين بعدم ممارسة العنصرية والتمييز ضد المسلمين.
واليوم وبعد سنوات من العيش وهم يكتمون هويتهم الدينية ها هم المسلمون السابقون يعلنون انتقالهم إلى مرحلة الجهر بهوياتهم الدينية ويأملون أن يحظوا بالقبول وأن تتغير نظرة المؤسسات الدينية التقليدية إليهم وتتبنى الأنظمة في الدول الإسلامية المعايير الدولية لحقوق الإنسان وتشرع القوانين التي تكفل الحرية الدينية للجميع.
وعلى الرغم من النجاح الهائل للحملة التي وصل الهاشتاغ الخاص بها إلى الترند العالمي إلا أنها أثارت حفيظة قطاع كبير من المتشددين الذين شككوا في نوايا "المرتدين" ونشروا مئات التغريدات الساخرة منهم والمسيئة إليهم واتهموا المشاركين في الحملة والقائمين عليها بمعاداة "الله والدين" بل ووصل الحد ببعضهم إلى التحريض ضدهم والدعوة إلى استهدافهم.
من المؤسف غياب أصوات المنظمات الإسلامية والتزام الكتاب والإعلاميين والمشاهير ورجال الدين المعتدلين الصمت بدلا من تأييد إخوانهم في الإنسانية والدفاع عن حقهم في الخروج من الإسلام والمجاهرة بردتهم والمساهمة في تغيير الصورة النمطية عن "المرتدين". كما يلاحظ تجاهل وسائل الإعلام العربية للحملة رغم حرصها الدائم على تغطية القضايا الخاصة بالمهاجرين العرب والمسلمين في الغرب.
لقد دخل المسلمون السابقون مرحلة جديدة في سبيل تغيير واقع الأمة الإسلامية والمجتمعات التي ينتمون إليها نحو الأفضل وهم عازمون على مواصلة المسير في هذا الطريق رغم إدراكهم للمخاطر والمصاعب والعقبات الكبيرة التي أمامهم حتى تصبح الحريات الدينية حقا أصيلا يتمتع به الجميع وتكفله القوانين رغم أنف قوى الرجعية والتخلف.
الحرة