ثورة السودان تدخل شهرها الرابع - مقالات
أحدث المقالات

ثورة السودان تدخل شهرها الرابع

ثورة السودان تدخل شهرها الرابع

بابكر فيصل:

 

دخلت الثورة السودانية ضد نظام الجنرال عمر البشير شهرها الرابع وما تزال موجاتها تتصاعد وتحقق المزيد من المكاسب والانتصارات على مختلف الأصعدة على الرغم من القتل والاعتقال والتعذيب والقمع الشديد الذي يواجهه الثوار من قبل الأجهزة الأمنية وميليشيات الظل التي تعمل خارج إطار الدولة والقانون.

بعد التزايد الكبير للزخم الثوري لجأ الجنرال لآخر الكروت في جعبته والذي تمثل في فرض حالة الطوارئ وتنصيب ثمانية عشر عسكريا حكاما على ولايات السودان، ظنا منه أن الخطوة ستضعف الحراك المتصاعد بحسبان أن الثوار لن يخرجوا للشوارع خوفا من الأحكام الرادعة، ولكن خاب ظن الديكتاتور الذي تفاجأ باتساع نطاق التظاهرات التي أعقبت تطبيق قانون الطوارئ وظهور طرق أخرى للتعبير عن رفض نظام الحكم شملت الوقفات الاحتجاجية والإضرابات العامة.

ضاعف التدهور الكبير في الأوضاع الاقتصادية من أثر الفعل الثوري المستمر منذ 19 كانون الأول/ديسمبر 2018. وانعكس هذا التدهور في الزيادات الكبيرة في أسعار السلع والخدمات، بالإضافة للتراجع المستمر في سعر العملة الوطنية )الجنيه) مقابل العملات الأجنبية، إلى جانب تفاقم أزمة السيولة النقدية التي تسببت فيها سياسة تحجيم عرض النقود التي فرضها البنك المركزي أملا في تراجع نسبة التضخم التي فاقت الـ 70 في المئة بحسب إحصاءات الحكومة، بينما قال خبراء اقتصاديون محايدون إنها فاقت الـ 110 في المئة.

اتضح جليا أن البشير لم يعد قادرا على طرح حلول للمشكلة السياسية والأخرى الاقتصادية، حيث لجأ إلى حل الحكومة وإقالة رئيس الوزراء الذي لم يمر على تنصيب حكومته أكثر من ستة أشهر، ولكن الحكومة الجديدة التي تشكلت تحت مسمى "حكومة الكفاءات" لم تأت بجديد يذكر، حيث تكررت فيها غالبية وجوه وزراء الحكومة المحلولة، ولا تلوح في الأفق أي بوادر للخروج من نفق الفشل والفساد والتدهور المستمر في مستوى معيشة غالبية المواطنين وعجزهم عن الوفاء بأبسط مقومات الحياة من مأكل وعلاج وتعليم.

أيضا لم تنطل الخدعة التي أعلنها البشير عن تركه لرئاسة حزب المؤتمر الوطني الحاكم ووقوفه على مسافة واحدة من جميع القوى السياسية، حيث ما تزال سيطرة ذلك الحزب حاضرة من خلال حكام الولايات العسكريين من الموالين له، بالإضافة لغالبية الوزراء في الحكومة الجديدة، فضلا عن تحكمه في مختلف مفاصل الدولة، إذ ما يزال تمويل أنشطته يأتي من خزانة الدولة كما ظل الحال منذ ثلاثة عقود هي فترة حكم الجنرال البشير.

علاوة على ذلك، قام البشير بتعيين أحد مساعديه المقربين، أحمد هارون، رئيسا بالإنابة للحزب الحاكم، ومنحه كل سلطاته ليصبح الرجل الأول في الحزب ورئيسا بالوكالة له، وهذا الشخص مطارد من قبل محكمة الجنايات الدولية بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في إقليم دارفور، وهذا يعني أن الجنرال ما يزال هو الرئيس للحزب الحاكم وأن ابتعاده ليس سوى مسرحية عبثية ومراوغة مكشوفة.

كذلك فشل النظام الحاكم في الحصول على مساعدات مالية كان يأمل في وصولها من دول الخليج العربي لإنقاذ اقتصاده الذي يوشك على الانهيار، وذلك بسبب عجزه عن اتخاذ موقف واضح تجاه مساندة المعسكرين المتنافسين اللذين تقود أحدهما السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر، والآخر الذي تقف فيه قطر مدعومة من قبل تركيا وتأييد التنظيم الدولي للإخوان المسلمين.

ومن الناحية الأخرى، فقد بدأ صوت المجتمع الدولي يرتفع داعيا النظام الحاكم لضرورة الاستجابة لمطالب الشارع السوداني معتبرا أن البلاد تمر بفترة انتقال لنظام جديد للحكم، وهو الأمر الذي صرح به وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، وكذلك مساعد الرئيس ترامب ومدير شؤون أفريقيا في مجلس الأمن القومي الأميركي سيريل سارتر.

من جانبها بدت أطراف المعارضة التي تقودها قوى "إعلان الحرية والتغيير" في أوضاع متماسكة خصوصا بعد إعلان بعض أطرافها وقف الحوار الذي كان يجمعها في السابق مع النظام الحاكم، موضحة أن الحراك الثوري المتصاعد قد جبّ ما قبله، وأن الخيار الوحيد المتاح الآن هو تنحي البشير بصورة فورية وتغيير النظام عبر قيام حكومة انتقالية تجري الآن مناقشة تفاصيل تشكيلها وتحديد المهام التي ستضطلع بها.

وبجانب التظاهرات والوقفات الاحتجاجية، اتسع نطاق التمدد الرأسي للإضرابات العامة لتشمل العاملين في القطاع الخاص بما في ذلك المستوصفات الطبية والشركات والمدارس والبنوك وغيرها، وذلك بالإضافة للتمدد الأفقي الذي غطى مناطق جغرافية واسعة شملت بالإضافة للمدن الكبرى العديد من القرى والمدن الطرفية النائية، وهو ما يؤكد أن الطريق للعصيان المدني بات ممهدا بصورة كبيرة.

وكانت تسريبات إعلامية نشرها موقع "أفريكا إنتليجنس" (Africa Intelligence) قالت إن النائب الأول للجنرال ومدير جهاز الأمن والمخابرات عرضا على الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، في زيارة جرت مؤخرا للقاهرة مقترحا يتضمن موافقة البشير على عدم الترشح في الانتخابات مرة أخرى وأن يتم تشكيل حكومة انتقالية بمشاركة المعارضة ويترأسها مجلس رئاسي يقوده البشير، فضلا عن توفير ضمان بعدم ملاحقة الأخير من قبل محكمة الجنايات الدولية التي أصدرت أوامر للقبض عليه بتهم ارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور.

لكن لا يبدو أن مقترحا مثل هذا يمكن أن يُرضي أطراف المعارضة المختلفة التي باتت متفقة بالإجماع على ضرورة التنحي الفوري للبشير باعتباره المسؤول الأول عن جميع الأوضاع التي آلت إليها البلاد بما في ذلك التدهور الاقتصادي والفساد والمآسي الإنسانية الناجمة عن الحرب في ولايات دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.

هكذا، فإن الثورة السودانية تمضي إلى غاياتها وهي أكثر قوة وتصاعدا بينما النظام الحاكم يظهر عجزا بائنا في إيجاد المخارج السياسية من أزمته المستحكمة ويكتفي بالحلول الأمنية التي ثبت عدم جدواها في وقف المد الجماهيري، حيث أصاب الإنهاك الشديد أجهزة القمع والمليشيات الحزبية، وكذلك خزينة الدولة التي يجرى من خلالها الصرف المالي الكبير على أجهزة البطش، وهو الأمر الذي لن يدوم طويلا في ظل المعطيات الماثلة.

الحرة

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث