«وجهان لعملة واحدة».. هل استجارت الموصل من رمضاء «داعش» بنار «الحشد الشعبي»؟ - مقالات
أحدث المقالات

«وجهان لعملة واحدة».. هل استجارت الموصل من رمضاء «داعش» بنار «الحشد الشعبي»؟

«وجهان لعملة واحدة».. هل استجارت الموصل من رمضاء «داعش» بنار «الحشد الشعبي»؟

ميرفت عوف:

 

تحررت مدينة الموصل أقصى شمال العراق من سيطرة «تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)» يوم العاشر من يوليو (تموز) 2017 عد معركة ضروس أنهت حكم «داعش» الذي بدأ في العاشر من يونيو (حزيران) 2014. بيد أن سكان الموصل الذي عادوا بأعداد كبيرة لاستئناف الحياة في بيوتهم وممتلكاتهم بعد دحر (داعش) صدموا بإجراءات عدة فرضت عليهم من قبل عناصر «الحشد الشعبي» الذي شاركوا في قتال )داعش)، على سبيل المثال في الأيام الأولى أعلن هؤلاء نحو  1.500 مزرعة كمناطق أمنية، ومنعوا عودة المزارعين إليها.

أما اليوم فتنتشر علنًا الميليشيات الشيعية في الموصل بزيها العسكري وشاراتها وأعلامها، وهي تؤدي في الخفاء مهام أخرى، كالاستيلاء على عقارات الأوقاف السنية، وفرض الإتاوات من التجار والصيادلة وبعض الأطباء المشهورين.

«داعش» والحشد «وجهان لعملة واحدة»

مضى ثلاث سنوات على دحر (داعش) من الموصل دون أن ينسى أهلها لبرهة هذه الحقبة، عدنا بالذاكرة مع الشاب الموصلي قاسم إلى تلك الفترة التي شبهها بـ«كابوس» فقال لـ«ساسة بوست» : «كان الموت يحيط بك من كل مكان، فقد يموت الشخص بأيدي التنظيم ولأتفه سبب، وقد يموت بسبب شح العلاج، وقد يموت بسبب قصف الطيران، كما قد يؤجل هذا الموت فيحدث بسبب الأمراض التي تسبب بها الحصار».

ويضيف قاسم: «هناك من رأى أهله يُعدمون أمام ناظريه، ولم يستطع أن يحرك ساكنًا، كما حدث في منطقة الزنجيلي، رأيت بعيني عملية إعدام حوالي 30 شابًا من أهالي المدينة، وقد تم تعليق جثثهم على تقاطع الطرق المرورية في يوم واحد، وكل جثة وضعت بمنطقة من أجل ترهيب الناس، ومُنع ذووهم من إنزال جثثهم لأيام، قتلوا تحت ذريعة التعامل مع الحكومة».

فيما يتعلق بما بعد دحر (داعش)، تحدثنا إلى السيدة فاطمة محمد، لتؤكد أن الوضع في مدينة الموصل لم يتغير كثيرًا عما كان عليه قبل تحرير المدينة من )داعش)، ولذلك ولكون الحشد بات يسيطر الآن على مجمل مفاصل المدينة الاقتصادية والأمنية، فما اختلف – من وجهة نظرها – هو المسميات فقط. وعن أبرز المشاكل التي ترى فاطمة أنها تؤثر في الموصل هو وضع مدينة الموصل القديمة التي ما زالت تعيش لحظة دمارها؛ إذ لا خدمات، ولا ماء، ولا أي شيء، وهناك محاولات حثيثة من أجل إخضاع أهلها وإجبارهم على ترك منازلهم، أو ما تبقى منها من أجل إحالة المنطقة إلى الاستثمار.

من جانبه يرى المواطن الموصلي فراس حسن أن (داعش) والحشد هما وجهان لعملة واحدة، وأن ما تغير هو الاسم فقط، إذ يؤكد حسن لـ«ساسة بوست» على «أن ما يجري في الموصل مطابق لما كان يجري قبل عام 2014 وقبل سيطرة التنظيم الفعلية على الموصل». ويشير حسن إلى أن الحشد بات يأخذ الإتاوات عنوة من التجار والأطباء والصيادلة، لا بل يخضع كثيرًا من الدوائر الحكومية لسطوته كـ«هيئة الاستثمار»؛ إذ بات لفصائل «الحشد الشعبي» مشاريع استثمارية تدر عشرات آلاف الدولارات شهريًا.

ملكية الموصل تنتقل ليد إيران

منذ تحررت الموصل من (داعش)، والميليشيات الشيعية التي انخرطت في «ممارسات شبيهة بممارسات المافيا» برأي البعض تعكف على القيام بعمليات سرقة لثروات الموصل. فيما يخص نفط الموصل، فقد تدفق غالبيته في جيب الميليشيات الشيعية،  فعشرات الصهاريج تُهرب يوميًا من مدينة الموصل عبر منطقتي مخمور والشرقاط، وبحماية عناصر الحشد الشعبي، لتُباع في السوق السوداء في العراق وفي إيران، وحتى في سوريا بنفس الطرق التي كان يستخدمها تنظيم (داعش) في التهريب.

وسيطرت هذه الميليشيات على آبار للنفط في محافظة نينوى (مركزها الموصل) التي كان يسيطر عليها (داعش)، ويبلغ عددها 72 حقلًا ضمن أربعة حقول، كلها كانت تصدر 30 ألف برميل يوميًا قبل عام 2012، واليوم تخرج نحو 100 صهريج تحمل النفط يوميًا من هذه الآبار.

كما تشهد المدينة عمليات بيع وشراء للدور والعقارات، خاصة تلك الممتلكات التي تقع في المناطق المهمة والحيوية ذات القيمة الاقتصادية في المحافظة، وتحديدًا في المدينة القديمة، إذ تزيد فيها عمليات بيع العقارات وشرائها، والتي ساهم في زيادة بيعها افتقارها لمقومات الحياة، وتردي الخدمات وتدهور الواقع المعيشي والاقتصادي والخوف من عمليات تفخيخها من قبل تنظيم (داعش)، كما يشجع عمليات البيع التحفيز الحكومي على مغادرة المدينة مقابل الحصول على تعويض لقاء ترك ما تبقى لشركات استثمارية تعيد بناءها.

ويؤكد تقرير أعدت وكالة «رويترز» أن «السلطات الدينية الشيعية تسعى الآن بهدوء للاستيلاء رسميًا على أراضي الدولة والممتلكات التي تقول إنها شيعية تاريخيًا؛ الأمر الذي أثار غضب المسؤولين السنة»، ويستشهد التقرير بما حدث في سوق الإمام الحسين، الذي يضم حوالي 60 متجرًا وأكشاك، حيث أقامت فيه المليشيات موطئ قدم مربح.

وبحسب التقرير فإن «العديد من السنة العراقيين ينظرون إلى نمو السيطرة على الأراضي الشيعية والاستثمار في المناطق التي كانت تحت سيطرة (داعش) في السابق على أنها علامة على القوة المتزايدة للميليشيات ونفوذ إيران، والمسؤولون في المدينة يتهمون الوقف الشيعي والجماعات المسلحة بالاستيلاء على الأراضي بشكل غير قانوني لكسب المال وفرض التغيير الديموغرافي».

الموصل مركزًا للصراع بين القوى الإقليمية والدولية

برأي محللين تعتمد الميليشيات الشيعية المرتبطة بإيران في العراق على التوسع الذي يخدم طهران في المقام الأول، لذا تعمل هذه الميلشيات في الموصل كوكلاء عن إيران لتحقيق الحلم الإيراني بإقامة ممر استراتيجي من الأرض يمتد من طهران إلى بيروت. كما أن الموصل منطقة مهمة لإيران تمكنها من تعويض ما نجم عن العقوبات الاقتصادية الأمريكية عليها، وكذلك التهيئة لأي مواجهة، فمن أجل القرب من قاعدة عسكرية تستضيف قوات أمريكية، عرضت تلك الميليشيات على مالك أرض عراقي قريب من القاعدة شراء أرضه وبناء ضريح لجنرال إيراني قتل في معارك مع (داعش) في عام 2014.

ويؤكد مؤسس ومدير «المرصد العراقي لحقوق الإنسان» مصطفى سعدون أنه على الرغم من القضاء على تنظيم (داعش) في مدينة الموصل بالعراق، إلا أن المدينة بسكانها ما زالوا يُعانون تبعات سيطرة التنظيم الذي أنهى أي وجه للحياة بأمان هناك، ويُحدثنا سعدون قائلًا: «أنه لا يُمكن مقارنة الوضع الحالي بما كان عليه أثناء سيطرة تنظيم (داعش) على مدينة الموصل، التنظيم كان يحرم بعض العوائل التي لا تنتمي إليه، ولا تدين بمبادئه من العمل ومن كافة فرص العيش الكريم».

ويضيف سعدون قائلًا: «لا يوجد مقارنة بين الحال أثناء حكم تنظيم (داعش (الذي دمر كل شيء، وقمع الحريات بشكل كبير، وعلى الرغم من وجود السلاح والنفوذ والسطوة خلال الوضع الحالي، إلا أن الوضع لا يُقارن بفترة وجود )داعش)، وإن كان هذا لا يعني أننا نقبل بما يحدث حاليًا في الموصل».

ويبين سعدون لـ«ساسة بوست» أن الموصل ما زالت تُعاني من ارتفاع خط الفقر، فبعض العائلات لا يجد معيلها عملًا لسد رمق أسرته وتوفير احتياجاتهم الغذائية اليومية، ويتابع القول: «في ظل هذا التدهور الخطير في تفاصيل الحياة بالموصل فقد انتشر التسول بشكل مخيف بين السكان، ناهيك عن استمرار المعاناة في الشق الأيمن غرب المدينة، فحتى بعد التحرر لم تحظ بحياة تليق بكرامة الإنسان بسبب وجود العديد من المشاكل الصحية والخدمية وأخرى تتعلق بمخلفات الحرب».

هذا الحال أنتج العديد من التصنيفات بين سكان الموصل تراوحت بين السنة والشيعة، إلا أن سعدون لا يُؤمن بتلك التصنيفات ويؤكد أن «المليشيات والعصابات مهما كان توجهها هي التي تؤمن بالقوة في فرض سيطرتها على البلاد وفي تيسير حال السكان، فالموصل بعد التحرر من (داعش) أصبحت منطقة صراع سواء على المستوى الدولي أو المحلي، فالجميع يُريد أن يستحوذ عليها، والمعلومات شبه مؤكدة عن محاولات الوقف الشيعي للاستيلاء على مبانٍ وعقارات تابعة للوقف السني؛ مما يشكل حالة خطرة

الحشد يستكمل ما بدأه «داعش»

لن ينسى الكثير من الموصلين قصة أم محمد التي تسكن الجانب الأيمن من المدينة، فهذه السيدة اضطرت لترك ابنها الرضيع الذي لم يتجاوز الشهرين من عمره، وهو يصرخ تحت أنقاض بيتها؛ لأنها عجزت عن إنقاذه بعد أن أجلت أطفالها الثلاثة بسبب شدة القصف إبان عملية دحر (داعش) عن الموصل. تركت أم محمد رضيعها دون أن تتركها صرخاته وأوجاع ذنب تركه، لكن بعد انتهاء المعركة بنحو ثلاثة أشهر عثرت عليه في إحدى دور رعاية الأيتام، وتم التأكد من أنه ابنها بعد فحص «دي إن إيه

تلك القصة لا يمكن أن ينساها المحلل السياسي العراقي نظير الكندوري وغيرها الكثير من القصص المؤلمة، وهو يعتقد أنه بعد عدة سنوات قضاها مواطنو مدينة الموصل تحت سيطرة (داعش) جاءت عناصر مليشيات الحشد لتستكمل وتزيد معاناة المدينة، وذلك من خلال إفقار أهلها، وإعجازهم عن ممارسة أعمالهم بسبب الوضع الأمني. ويضيف الكندوري: «لم يعد ما يجري في مدينة الموصل بشكل خاص، ومحافظة نينوى بشكل عام، من جرائم بحق الأرض والإنسان خافيًا على أحد، إلا على أقطاب العملية السياسية الجارية في العراق، والتي تتغنى بالنصر الذي حققوه على عناصر (داعش.«(

ويشير الكندوري إلى أن تحديات من نوع جديد انهالت على الموصل، منها «ما تقوم به ما يعرف بالمكاتب الاقتصادية التابعة للحشد والأحزاب المتنفذة في العملية السياسية، كعمليات التهريب الممنهج للنفط الخام من نواحي المحافظة وبرعاية ممن يسيطر أمنيًا على المنطقة، ثم انتقلوا إلى مصادرة الأراضي الزراعية والأراضي العقارية من المواطنين من خلال تزوير الوثائق الثبوتية وبقوة السلاح، ثم العمل على فرض الشراكة القسرية على أصحاب المتاجر وأرباب المهن الحرفية، حتى تطور الأمر إلى ما هو أعمق من ذلك، وهو التأثير على عقائد الناس الدينية ومحاولة تغيرها

ويرى الكندوري أنه من الصعب إجراء مقارنة بين وقت سيطرة عصابات (داعش (على الموصل، والوقت الحالي الذي تسيطر عليها مليشيات «الحشد الشعبي»؛ ذلك لأن المقارنة يجب أن تكون بين متضادين كما يقول، موضحًا: «عصابات (داعش (ومليشيات الحشد، لا يوجد اختلاف جوهري بينهما، فهما وجهان لعملة واحدة، فما بدأته (داعش) في الموصل، استكمله الحشد الشعبي، في مسرحية دموية دامت سنين، ودارت رحاها على جميع الأراضي ذات الأغلبية السنيَّة في العراق وسوريا

ويدلل الكندوري على كلامه بالقول: «الأدلة لا تحصى، فقد قامت (داعش) بمحاربة وتدمير كل إرث حضاري لهذه المدينة من آثار يعود تاريخها لآلاف السنيين، ومساجد ذات دلالات تاريخية مهمة، ثم بعد دحر (داعش) جاء «الحشد الشعبي» ليستولي على مقدرات المدينة من مساجد متبقية، وأوقاف سنية وأراضي وعقارات تابعة للمواطنين، بل يحاولون فرض عقيدة التشيع على أهلها

ساسة بوست

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*