يسوع المسيح الطريق والحق والحياة - مقالات
أحدث المقالات

يسوع المسيح الطريق والحق والحياة

يسوع المسيح الطريق والحق والحياة

الأب د. لويس حزبون

في خطاب الوداع بعد العشاء الأخير  ( يوحنا 13: 1-17: 26 )

في خطاب الوداع بعد العشاء الأخير (يوحنا 13: 1-17: 26) وصف يوحنا الانجيلي رحيل سيدنا يسوع المسيح عن تلاميذه الى بيت أبيه السماوي ليُعَّد لهم ولنا مقاما كونه الطريق والحق والحياة؛ ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص الإنجيلي وتطبيقاته.

اولا: وقائع النص الانجيلي (يوحنا 14: 1-12)

  1. لا تَضْطَرِبْ قُلوبُكم. إنَّكم تُؤمِنونَ بِاللهِ فآمِنوا بي أَيضاً

تشير عبارة "لا تَضْطَرِبْ قُلوبُكم" الى تشديد يسوع عزائم تلاميذه وتشجيعهم وتعزيتهم تجاه قلق أستحوذ على التلاميذ لدى خبر رحيله عنهم، وبقائهم في عالم معادً لهم. وقد أحبوه وتعلقوا به (يوحنا 17: 7) وكانوا ينتظرون منه إظهار قدرته كما قال تلميذي عمواس "كُنَّا نَحنُ نَرجو أَنَّه هو الَّذي سيَفتَدي إِسرائيل" (لوقا 24: 21). اما عبارة "تَضْطَرِبْ" في اليونانية ταρασσέσθω فتشير الى انقلاب رأساً على عقب، ضياع تام، ويستعمل هذا الفعل ليدل على ثوران أمواج البحر، حركة الأمواج المضطربة حينما تعصف بها الرياح وتبدأ بالتلاطم شرقاً وغرباً. هذا ما كان ينتاب التلاميذ، من قلق وغم وضياع؛ ويظهر ذلك من تساؤلاتهم: بطرس يتساءل" يا ربّ، إِلى أَينَ تَذهَب؟ "(يوحنا 13: 36)، وتوما "يا ربّ، إِنَّنا لا نَعرِفُ إِلى أَينَ تَذهَب، فكَيفَ نَعرِفُ الطَّريق؟ "(يوحنا 14: 5) وفيلِبُّس" يا ربّ، أَرِنا الآبَ وحَسْبُنا" (يوحنا 14: 8)، فقلوبهم ملأتها المخاوف والهموم والاضطراب، اما علاج الاضطراب هو الإيمان الذي يجلب السلام ويهب النفس بصيرتها. ويعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "قدَّم لهم السيد الحديث التالي لينزع ما في نفوسهم من اضطراب، ويفتح أمامهم أبواب الرجاء للتمتع بالسماء!". يسوع لا يقف متفرجا او مكتوف الايدي بل يتجاوب مع مشاعر التلاميذ وقلقهم ، وما من قوة أرضية تقدر أن تحل محل قوة المسيح، فلا خوف على المؤمنين؛ أما عبارة " قُلوبُكم" فتشير الى مصدر الشعور والعواطف، فالاضطراب هو الداء للقلب والإيمان بالله هو الدواء للقلب؛ اما عبارة " تُؤمِنونَ بِاللهِ " فتشير الى ثقة مبنيَّة على الله الذي يتجلى بمنح عونه للمؤمن فيتغلب على القلق، وعليه يمكننا القول إن علاج الاضطراب هو الإيمان بالله وبشخص يسوع السميح ابنه المبارك؛ أمَّا عبارة " آمِنوا بي " فتشير الى دعوة يسوع للإيمان بشخصه، أيمانا شبيها بأيماننا بالله عزّ وجلّ، دعوة الى إيمان عميق به يحمل في طيّاته الثقة والطمأنينة، هو الابن المتجسد "الكَلِمَةُ صارَ بَشَراً فسَكَنَ بَينَنا" (يوحنا 1: 14). فالإيمان هنا هو الاعتماد على شخص، كلامه ثقة كما قال اشعيا " إِن لم تُؤمِنوا فلَن تأمَنوا " (اشعيا 7: 9). وأنَّ السلام الحقيقي هو السلام الذي ينبع من الايمان متجاوزاً كل قلق واضطراب. ويعلق القديس يوحنا الذهبي الفم على كلمات يسوع هذه بقوله" كأنه يقول: "يجب أن تعبر هذه الشدائد كلها، لأن الإيمان بي وبأبي هو أقوى اقتدارًا من المصائب الواردة عليكم، ولا يسمح لأي شر أن يغلبكم." حذَّرنا السيد المسيح من القلق والاضطراب، مقدمًا لنا الإيمان به كعلاجٍ عمليٍ للمعاناة من القلق. واما عبارة "تُؤمِنونَ بِاللهِ فآمِنوا بي أَيضاً" طلب يسوع من تلاميذه ان يضعوا رجاءهم في الله وفيه حتى لا يتزعزع إيمانهم وقت الاضطهاد (متى 16:10-22). ويُطَّمئن يسوع تلاميذه، طالبًا منهم ألاَّ يضطربوا، بل يليق بهم أن يؤمنوا ويتعرفوا على سرّ الحب الإلهي. وتدل العبارة "إنَّكم تُؤمِنونَ بِاللهِ فآمِنوا بي أيضا" على وجود "إله واحد الآب، لكنه لا يفصل يسوع نفسه عن سرّ الإله الواحد. وهو ليس بإلهٍ ثانٍ، ولا بالإله المنفرد. فهو لا يقدر أن ينفصل عنه، ولا أن يندمج فيه" كما يُعلق القديس إيلاريون أسقف پواتييه.

   2 في بَيتِ أَبي مَنازِلُ كثيرة ولَو لم تَكُنْ، أَتُراني قُلتُ لَكم إِنِّي ذاهِبٌ لأُعِدَّ لَكُم مُقاماً؟

تشير عبارة " بَيتِ " في اليونانية οἰκίᾳ الى المكان الذي يقيم فيه الانسان إقامة ثابتة ، ولذلك أطلقت هذه الكلمة على الهيكل، الذي يقيم فيه الله وسط شعبه (خروج 33: 7)؛ أمَّا عبارة " مَنازِلُ " في اليونانية μοναὶ فتشير الى مساكن دائمة وإقامة مستمرة وأماكن راحة نقيم فيها نهائيًا بعد طول تغرب على هذه الارض كما جاء في تعليم بولس الرسول " نَحنُ نَعلَمُ أَنَّه إِذا هُدِمَ بَيتُنا الأَرْضِيّ، وما هو إِلاَّ خَيمَة، فلَنا في السَّمَواتِ مَسكِنٌ مِن صُنعِ الله، بَيتٌ أَبَدِيٌّ لم تَصنَعْه الأَيْدي" (2قورنتس 1:5). وبعبارة أخرى، هنا على الأرض ضيق لنا، لكن هناك في السماء مكان مجد وراحة ابدية؛ أما عبارة " بَيتِ أَبي" فتشير الى بيت الله الذي في السماوات دلالةً على سمو الوجود الإلهي. أما عبارة " مَنازِلُ كثيرة " فتشير الى مملكة المجد الأبدي عوضاً عن المملكة الزمنية؛ اما عبارة " إِنِّي ذاهِبٌ " فتشير الى صيغة الفعل الحاضر، وهو اول من يذهب الى السماء؛ اما عبارة "لأُعِدَّ لَكُم مُقاماً" فتشير الى صيغة الفعل المستقبل حيث يَعد يسوع تلاميذ بإعداد لهم مكانا في البيت الابوي السماوي فقد اعتبرهم أبناء الله، فقد قال يسوع " العَبدُ لا يُقيمُ في البَيتِ دائِماً أَبَداً بلِ الابنُ يُقيمُ فيه لِلأَبَد " (يوحنا 8: 35). "لِيكونَ اللّهُ كُلَّ شَيءٍ في كُلِّ شيَء (1 قورنتس 15: 28)

   3وإِذا ذَهَبتُ وأَعددتُ لَكُم مُقاماً أَرجعُ فآخُذُكم إِلَيَّ لِتَكونوا أَنتُم أَيضاً حَيثُ أَنا أَكون

تشير عبارة " أَعددتُ لَكُم مُقاماً" الى ضمان يسوع لجميع المؤمنين إمكانية الثبات للأبد في الاتحاد بالآب " لنرى "مَجدَه مَجداً مِن لَدُنِ الآبِ لابنٍ وَحيد مِلؤُه النِّعمَةُ والحَقّ. "(يوحنا 1: 14)؛ اما عبارة "أَرجعُ" فتشير الى صيغة المستقبل أي المجيء الثاني للسيد المسيح. اما عبارة "آخذكم إليَّ" في اليونانية παραλήμψομαι ὑμᾶς فتشير الى استقبال يسوع لتلاميذه وضمِّهم إليه ممَّا يدلُّ على فيضٍ من الحب والشوق والانجذاب فيصبحوا من أهل بيت الله كما جاء في تعليم بولس الرسول " فلَستُم إِذاً بَعدَ اليَومِ غُرَباءَ أَو نُزَلاء، بل أَنتُم مِن أَبناءَ وَطَنِ القِدِّيسين ومِن أَهْلِ بَيتِ الله" (أفسس 2: 19)؛ أمَّا عبارة" لِتَكونوا أَنتُم أَيضاً حَيثُ أَنا أَكون" فتشير الى ادخال يسوع المؤمنين به في حالته المجيدة في آخر الأزمنة لدى عودته " فسَوفَ يَأتي ابنُ الإِنسانِ في مَجدِ أَبيهِ ومعَه مَلائكتُه، فيُجازي يَومَئِذٍ كُلَّ امرِئٍ على قَدْرِ أَعمالِه "(متى 16: 27). ويُعلق القديس يوحنا الذهبي الفم "ذهاب السيد المسيح هو فتح للطريق، إذ يُعدَّ الموضع، ويُعطي حق العبور به إلى مملكة المجد الأبدي". انه يشاطرنا حياته الإلهية، لان الناس لا يستطيعون بقواهم وحده أن ينالوا هذه الحياة كما صرّح السيد المسيح " حَيثُ أَكونُ أَنا لا تَستطيعونَ أَنتُم أَن تَأتوا " (يوحنا 7: 34). تقتضي خدمة التلميذ ليسوع المسيح ان يشاركه في موته وقيامته كما صرّح " مَن أَرادَ أَن يَخدُمَني، فَلْيَتْبَعْني وحَيثُ أَكونُ أَنا يَكونُ خادِمي ومَن خَدَمَني أَكرَمَهُ أَبي" (يوحنا 12: 26). وعليه كما يشارك التلميذ في وضع الرب في طاعته (يوحنا 13: 33) يشارعه في ارتفاعه في المجد (يوحنا 17: 24).

4أَنتُم تَعرِفونَ الطَّريقَ إِلى حَيثُ أَنا ذاهِب)).
تشير عبارة "الطَّريقَ" الى المسيح الذي به يَمْضي الانسان إِلى الآبِ؛ اما عبارة "أَنا ذاهِب" فتشير الى الصلب والموت والقيامة والصعود للسماء ليفتح طريق الآب السماوي للإنسان. وقد فهم توما فيما بعد هذا الكلام فقال لسائر التلاميذ " فَلْنَمْضِ نَحنُ أَيضاً لِنَموتَ معَه! " (يوحنا 11: 16).

5قالَ له توما: ((يا ربّ، إِنَّنا لا نَعرِفُ إِلى أَينَ تَذهَب، فكَيفَ نَعرِفُ الطَّريق؟))
تشير عبارة " توما " Θωμᾶςومعنى اسمه التوأم Δίδυμος ( يوحنا 11: 16) الى الرسول الذي دعاه السيد المسيح ، فلبَّى الدعوة وتبعه ورافقه مع بقية التلاميذ. وعبّر عن غيرته للمسيح بقوله " فَلْنَمْضِ نَحنُ أَيضاً لِنَموتَ معَه!" (يوحنا 11: 16)؛ واشتهر توما بموقف الشك من قيامة المسيح "إِذا لم أُبصِرْ أَثَرَ المِسمارَينِ في يَدَيهِ، وأَضَعْ إِصبَعي في مَكانِ المِسمارَين، ويدي في جَنْبِه، لن أُومِن " (يوحنا 20: 25)؛ وبعد ذلك، تراءى يسوع القائم من الموت له ولتلاميذه على شاطئ بحر طبرية (يوحنا 20: 19-31). وقد بشر توما أولًا في اليهودية وقد أمضى قضي الشطر الأكبر من حياته في الوعظ في الهند واستشهد في مليبار، وهو شفيع المسيحيين في الهند.

6قالَ له يسوع: ((أَنا الطَّريقُ والحَقُّ والحَياة. لا يَمْضي أَحَدٌ إِلى الآبِ إِلاَّ بي.

عبارة " أَنا" في الأصل اليوناني Ἐγώ εἰμι ومعناها "انا هو" تشير الى الكيان الحي الإلهي كما عرّف الله نفسه لموسى النبي. اما عبارة "أَنا الطَّريقُ والحَقُّ والحَياة " فتشير الى ست مرات تصريحات يسوع شبيه لها: "انا هو نور العالم" (يوحنا 8: 12)، "انا هو باب الخراف" (يوحنا 10: 7) "أنا هو الباب" (يوحنا 10: 9)، "أنا هو الراعي الصالح" (يوحنا 10: 11)، "أنا هو القيامة والحياة" (يوحنا 11: 25)، " أنا هو الكرمة (يوحنا 15: 1) اما عبارة “أَنا الطَّريقُ" فتشير الى صورة مأخوذة من رمزية الخروج (تثنية الاشتراع 1: 30-33) وهي الطريق الطويل الشاق الذي يجب على شعب العهد القديم أن يجتازه تلبية لنداء إلهه وبالاعتماد عليه بالإيمان لبلوغ ارض الميعاد. فقد طبّقت هذه الصورة على الشريعة التي تكشف عن التوجيهات التي يُعرضها الرب على شعبه من أجل المكافآت الأبدية (تثنية الاشتراع 32: 4). وأما في العهد الجديد، فيفتتح يسوع طريقة جديدة للسير كما يريد الله لملاقاته (مرقس 8: 34)، إنه الطريق الذي يقود الى الحق والحياة (يوحنا 10: 9)، ولا خلاص إلا باسمه كما جاء في تعليم بطرس الرسول " فلا خَلاصَ بأَحَدٍ غَيرِه، لأَنَّه ما مِنِ اسمٍ آخَرَ تَحتَ السَّماءِ أُطلِقَ على أَحَدِ النَّاسِ نَنالُ بِه الخَلاص " (اعمال الرسل 4: 12). وعليه فان المسيحية الناشئة سُمّيت "الطريقة" (اعمال الرسل 9: 2)؛ اما عبارة " أَنا الطَّريقُ والحَقُّ والحَياة " فتشير الى يسوع الذي هو طريق فقط بقدر ما يقود بتعليمه الى الحياة، بل هو الطريق المؤدي الى الآب بقدر ما هو نفسه " الحق والحياة " (يوحنا 10: 9). فالطريق ليس خارجًا عنه، والحق ليس له وجود بدونه، والحياة ليست إلاَّ فيه؛ أمَّا عبارة “الحَقُّ" فتشير الى يسوع بكونه الابن المتجسد صورة الآب، ويكشفه لتلاميذه بتعليمه " وأنَّ الكلامَ الَّذي بَلَّغَتنيه بَلَّغتُهم إِيَّاه فقَبِلوه وعَرَفوا حَقّاً أَنِّي مِن لَدُنكَ خَرَجتُ وآمنوا بِأَنكَ أَنتَ أَرسَلتَني" (يوحنا 17: 8)، فمن خلال يسوع يُدخل المؤمنين في الاتحاد بالآب، وعلى هذا الاتحاد يقوم ملء الحياة الحقيقية (يوحنا 17: 3). أمَّا عبارة "الحياة" فتشير الى ان يسوع مصدر الحياة المادية والحياة الروحية" فيهِ كانَتِ الحَياة والحَياةُ نورُ النَّاس "(يوحنا 1: 4). اما عبارة "الآب" فهي كلمة سريانية تعني المصدر، فتدل على الآب (الله) تمييزاً عن أي أب آخر؛ اما عبارة " لا يَمْضي أَحَدٌ إِلى الآبِ إِلاَّ بي" فتشير الى علاقة يسوع بالآب التي تجعل الذي يؤمن به، يؤمن بالآب، وتجعل الذي يراه، يرى الآب فيه "ومَن رآني رأَى الَّذي أَرسَلَني" (يوحنا 12: 45). فالطريق إلى الآب تمرّ بالابن.

7فلَو كُنتُم تَعرِفوني لَعَرفتُم أَبي أَيضاً. مُنذُ الآنَ تَعرِفونَه وقَد رأَيتُموه)).

تشير عبارة " فلَو كُنتُم تَعرِفوني لَعَرفتُم أَبي أَيضاً" الى عتاب صادرو من السيد المسيح حيث ان معرفة يسوع معرفة شاملة تفترض اكتشاف وحدته مع الآب. يعلن يسوع هنا عن الشركة في الجوهر: من يعرف جوهره يعرف جوهر الآب أيضًا؛ اما عبارة "مُنذُ الآنَ تَعرِفونَه " فتشير الى ساعة الصليب والحدث الفصحي الذي يفتح امام التلاميذ إمكانية لقاء يسوع ومعرفته ومعرفة الآب. وهذا يعني ان هذه المعرفة لا تكون في نهاية الزمن، بل تبدأ هنا في حياة يسوع البشرية، وستتجلى في الحياة الأخرى. فمن يعرف المسيح حقّاً يدرك أنه ابن الله السماوي الذي نزل من السماء ويصعد إليها بكونه في حضن الآب. فمن يبلغه يبلغ الأحضان الإلهية للآب. اما عبارة " وقَد رأَيتُموه" فتشير الى رؤية المسيح الذي هو صورة الآب، لان افتداء المسيح أدَّى الى ارسال الروح القدس الذي يعطينا رؤية حقيقية بها نعرف الآب والابن.

8قالَ له فيلِبُّس: ((يا ربّ، أَرِنا الآبَ وحَسْبُنا)).

تشير لفظة "فيلِبُّس" الى اسم يوناني Φίλιππος معناه محب للخير. وقد ولد فيلبّس في بيت صيدا (يوحنا 1: 44) التي تقع في شمال بحيرة طبرية (مرقس 8: 22-26). أحب دراسة الكتب المقدسة ولبىَّ دعوة الرب يسوع (يوحنا 1: 45)، وشجع نتنائيل على اتباع يسوع كما جاء في أنجيل يوحنا " لَقِيَ فيلِبُّسُ نَتَنائيل فقالَ له: ((الَّذي كَتَبَ في شأنِه موسى في الشَّرِيعَةِ وذَكَرَه الأنبِياء، وَجَدْناه، وهو يسوعُ ابنُ يوسُفَ مِنَ النَّاصِرَة" (يوحنا 1: 45) وذكر اسمه في معجزة تكثير الخبز والسمكتين " (يوحنا 6: 5-7)، وجاء ذكره أيضا في أحد الشعانين (يوحنا 12: 20). وقد حمل بشرى خلاص إلى بلاد فارس وآسيا الصغرى خاصة إقليم فيرجيا، وإنتهى به المطاف في مدينة هيرابولس في فريجيا (الاناضول)حيث استشهد مصلوبا بعد أن ثار عليه الوثنيون. اما عبارة "أَرِنا الآبَ وحَسْبُنا" فتشير الى أعمق ما يطمح إليه الانسان (يوحنا 1: 18) وكأنه بهذه العبارة يردِّد قول موسى النبي "أَرِني مَجدَكَ" (خروج 33: 18). يطلب فيلبس منظرا لله غير المنظور، ظنا منه ان ظهوراً جسديا للاهوته من شأنه ان يقدم دليلا قاطعا عن وجوده. ويعلق القديس هيلاريوس اسقف بواتييه " أَرِنا الآبَ" ليس ذلك لأنّ فيلبس كان يرغب بأن يتأمّله بعينه البشريّة، لكنّه طلب أن يفهم من هو الّذي يراه أمامه... لقد كان طلبه أن يفهم أكثر ممّا أن يرى لذلك أضاف: "وحَسْبُنا" "

9قالَ له يسوع: ((إِنِّي معَكم مُنذُ وَقتٍ طَويل، أَفلا تَعرِفُني، يا فيلِبُّس؟ مَن رآني رأَى الآب. فكَيفَ تَقولُ: أَرِنا الآب؟

تشير عبارة " إِنِّي معَكم " الى ثلاث سنوات التي أتى بها يسوع الى فيلبّس وللبشرية كلها؛ واما عبارة " مَن رآني رأَى الآب " فتشير الى ان حياة يسوع كلها واقواله وأعماله تكشف الآب السماوي، ووحدته معه. فيسوع " هو صُورَةُ اللهِ الَّذي لا يُرى" (قولسي 1: 15)، وهو متحد به اتحاد لا يوصف (يوحنا 5: 17-30)، ورسالته تقوم على كشف حقيقة الآب من خلال ما يقوله وما يعمله وما هو عليه " أَظهَرتُ اسمَكَ لِلنَّاسِ الَّذينَ وَهَبتَهُم لي مِن بَينِ العالَم"(يوحنا 17: 6) وجاء في تعليم يوحنا " إِنَّ اللهَ ما رآهُ أَحدٌ قطّ الابنُ الوَحيدُ الَّذي في حِضْنِ الآب هو الَّذي أَخبَرَ عَنه " (يوحنا 1: 18) وقال يسوع أيضا " أَنا والآبُ واحِد " (يوحنا 10: 30). من يرى يسوع، يرى الآب. فمن يعرف الرب يسوع يعرف الله. فالبحث عن الله، ينتهي الى المسيح لأنه "هو صُورَةُ اللهِ الَّذي لا يُرى وبِكْرُ كُلِّ خَليقَة"(قولسي 1: 15).

10أَلا تُؤِمِنُ بِأَنِّي في الآبِ وأَنَّ الآبَ فيَّ؟ إنَّ الكَلامَ الَّذي أَقولُه لكم لا أَقولُه مِن عِندي بلِ الآبُ المُقيمُ فِيَّ يَعمَلُ أَعمالَه.
تشير عبارة “أَلا تُؤِمِنُ" الى الإيمان بقول المسيح أنه " الابنُ الوَحيدُ الَّذي في حِضْنِ الآب هو الَّذي أَخبَرَ عَنه" (يوحنا 1: 18). والإيمان هو الذي يُعطى الرؤية الحقيقية أن المسيح الابن والآب هما كيانٌ واحدٌ بلا انفصال كما جاء في تعليم يسوع " أَنا والآبُ واحِد"(يوحنا 10: 30)، "مَن رآني رأَى الَّذي أَرسَلَني"(يوحنا 12: 45)؛ اما عبارة "بِأَنِّي في الآبِ وأَنَّ الآبَ فيَّ؟" فتشير الى اتحاد تام بين الآب والابن. فلآب حاضر بالابن بأقواله واعماله. ويُعلق القديس كيرلس " ليس يسوع كمن وُجد خارجًا عنه، ولا في زمنٍ، بل في جوهر الآب مشرقًا منه، وذلك كأشعة الشمس المشرقة، وحرارة النار المتضمنة في صُلبها، شريكه الدائم في الوجود معه مع عدم الانفصال عنه، فلا يوجد الواحد دون الآخر"؛ اما عبارة " إنَّ الكَلامَ الَّذي أَقولُه لكم لا أَقولُه مِن عِندي " فتشير إلى كلام يسوع الذي هو كلام الآب الذي اوصاه بما يقول ويتكلم " لِأَنِّي لم أَتَكَلَّمْ مِن عِندي بلِ الآبُ الَّذي أَرسَلَني هو الَّذي أَوصاني بِما أَقولُ وأَتكَلَّم " (يوحنا 12: 49). ويعلن الآب لنا بكلمات يسوع وأعماله. فالآب يتكلم في ابنه " كَلَّمَنا في آخِرِ الأَيَّام هذِه بِابْنٍ جَعَلَه وارِثًا لِكُلِّ شيء وبِه أَنشَأَ العالَمِين " (عبرانيين 1: 2). لذا إن الذين يخضعون بلا تحفظ لمشيئة الله عندهم حسّ الله، فهم وحدهم قادرون على معرفة ما لتعليم يسوع من ميزة الهية؛ اما عبارة " الآبُ المُقيمُ فِيَّ يَعمَلُ أَعمالَه" فتشير الى أعمال المسيح التي هي اعلان إرادة الآب وإظهار محبته ومشيئته نحو الإنسان، لان المسيح هو "قُدرَةُ اللّه وحِكمَةُ اللّه"(قورنتس 1: 24)، " وبِه أَنشَأَ العالَمِين" (عبرانيين 1: 2). إن عمل الخلاص اكشفت عنه الآيات بصورة حسّية كما حدث في معجزة الخمر في عرس قانا الجليل "هذِه أُولى آياتِ يسوع أَتى بها في قانا الجَليل، فأَظهَرَ مَجدَه فَآمَنَ بِه تَلاميذُه " (يوحنا 2: 11). فالآب يعمل مع الابن كما صرّح يسوع " إِذا كُنتُ لا أَعمَلُ أَعمالَ أَبي فَلا تُصَدِّقوني" (يوحنا 10: 37).

11صَدِّقوني: إِنِّي في الآب وإِنَّ الآبَ فيَّ وإِذا كُنتُم لا تُصَدِّقوني فصَدِّقوا مِن أَجْلِ تِلكَ الأَعمال.

تشير عبارة " صَدِّقوني " الى شهادة يسوع المسيح لنفسه امام تلاميذه، إذ سبق فقال: " إِن شهِدتُ لِنَفْسي فشَهادتي تَصِحّ" (يوحنا 8: 14)؛ اما عبارة " إِنِّي في الآب وإِنَّ الآبَ فيَّ" فتشير الى تأكيد يسوع على حلول ملء اللاهوت فيه كما جاء في تعليم بولس الرسول "فِيه يَحِلُّ جَميعُ كَمالِ الأُلوهِيَّةِ حُلولا جَسَدِيًّا" (قولسي 2: 9)، وبالتالي يدل على الوحدة بينه وبين الآب، وإنهما واحد من جهة شرف ووحدة اللاهوت ولا يوجد بينهما اختلاف ولا انقسام. ويُعلق القديس اوغسطينوس "الآب هو الله الذي ليس من الله، والنور الذي ليس من نور، بينما الابن هو إله من إله، نور من نور"؛ لكل أقنوم عمله، فالآب يريد، والابن ينفذ هذه الإرادة ويعلنها؛ أما عبارة " فصَدِّقوا مِن أَجْلِ تِلكَ الأَعمال " فتشير الى ان اعمال يسوع المسيح خاصة سر التجسد والتبشير بالإنجيل، وسر الفداء وتأسيس الكنيسة. المسيح في صفاته لا سيما بتواضعه ومحبته أعلن صفات الآب. وفي أعماله (شفاء، إقامة أموات...) أعلن إرادة الآب نحو البشر. وفي تعاليمه كان الآب يتكلم فيه " لِأَنِّي لم أَتَكَلَّمْ مِن عِندي بلِ الآبُ الَّذي أَرسَلَني هو الَّذي أَوصاني بِما أَقولُ وأَتكَلَّم وأنا أَعلَمُ أَنَّ وَصِيَّتَه حَياةٌ أَبَدِيَّة فما أَتَكَلَّمُ بِه أَنا أَتَكَلَّمُ بِه كما قالَه لِيَ الآب" (يوحنا 49:12-50). ومن أعجب هذه الاعمال وأعظمها قيامته العجيبة. فأعماله تشهد أن السيد المسيح يعمل أعمال أبيه، فأعماله يجب ان تقنع. ويعلق القديس يوحنا الذهبي الفم " يليق بكم عند سماعكم "أب" و"ابن" ألا تسألوا شيئًا آخر غير تأكيد العلاقة في الجوهر، ولكن إن كان هذا غير كافٍ لكم لتأكيد الكرامة المشتركة والجوهر المشترك فتعلموا هذا من الأعمال ".

12الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: مَن آمَنَ بي يَعمَلُ هو أَيضاً الأَعمالَ الَّتي أَعمَلُها أَنا بل يَعمَلُ أَعظَمَ مِنها لأَنِّي ذاهِبٌ إِلى الآب.

تشير عبارة "الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم" الى اعلان حقيقية جديدة؛ اما عبارة "مَن آمَنَ بي" " فتشير الى الايمان بيسوع يُمكّن تلاميذه من القيام بأعماله، مما يدل على ثقة يسوع فيهم والاعتماد عليهم وتقديرهم ومحبته لهم؛ اما عبارة "يَعمَلُ هو أَيضاً الأَعمالَ الَّتي أَعمَلُها" فلا تشير إلى خوارق مذهلة، بل الى الشهادة التي يؤديها التلاميذ للعالم بوحدتهم لكي يؤمن " فَلْيكونوا بِأَجمَعِهم واحِداً: كَما أَنَّكَ فِيَّ، يا أَبَتِ، وأَنا فيك فَلْيكونوا هُم أَيضاً فينا لِيُؤمِنَ العالَمُ بِأَنَّكَ أَنتَ أَرسَلتَني"(يوحنا 17: 21). من يؤمن بالمسيح يستطيع أن يعمل نفس الأعمال التي عملها الآب بالابن كما جاء في تعليم بولس السول "أَن يُقيمَ المسيحُ في قُلوبِكم بالإِيمان، وتَعرِفوا مَحبَّةَ المسيحِ الَّتي تَفوقُ كلَّ مَعرِفة، فتَمتَلِئوا بِكُلِّ ما في اللهِ من كَمَال" (أفسس 3: 17-20) وذلك لتكمل الخدمة وتستمر الكنيسة في مواجهة اضطهاد العالم. والعمل العظيم هو انشاء جماعة مؤمنه (الكنيسة) لتُرسل الى العالم (يوحنا 17: 17-18). ان روح الله الذي هو نور وقوة، يواصل حضور يسوع في جماعة التلاميذ والكنيسة، فيساعدهم على اكتشاف التعليم وتوجيهه لكي يتجاوب مع حاجات المؤمنين في الزمان والمكان. اما عبارة "بل يَعمَلُ أَعظَمَ مِنها " فتشير الى عملنا الذي هو امتداد لعمل يسوع الذي يعطينا روحه لكي نتابع اعماله، بل نعمل اعمالا عظيمة بمعنى ان نحمل الانجيل الطاهر من فلسطين الى العالم اجمع. فكانت أكبر معجزة تغيير الأمم الوثنية إلى المسيحية. ويعلق القديس أمبروسيوس "المسيح صنع المعجزات خلال الثلاث سنوات لخدمته على الأرض، أما المؤمنون به فيعملون الآيات عبر الأجيال إلى انقضاء الدهر"، التلاميذ يصنعون هذه الإعمال والمعجزات باسم المسيح أي بقوته (اعمال الرسل 3: 6)، ويذكر سفر أعمال الرسل كيف أنّ الناس حتَّى "كانوا يَخرُجونَ بِالمَرْضى إِلى الشَّوارِع، فَيَضعونَهم على الأَسِرَّةِ والفُرُش، لِكَي يَقَعَ ولَو ظِلُّ بُطرُسَ عِندَ مُرورِه على أَحَدٍ مِنهُم" (اعمال الرسل 5: 15) إنه يعمل فينا، ولكن ليس بدوننا. أما عبارة "ذاهِبٌ إِلى الآب" فتشير الى رحيل يسوع عن طريق الموت الى الاب السماوي. وان هذه الرحيل سيضمن للتلاميذ ارسال الروح القدس الذي بقوته يصنعون اعمالا عظيمة. وان حضوره مع الآب سيتيح له ان يمنحهم كلَّ ما يسألونه باسمه (يوحنا 14: 13-14) ويثبت حياته فيهم "وإِنَّ الَّذي يُثَبِّتُنا وإِيَّاكُم لِلمسيح والَّذي مَسَحَنا هو الله" (2 قورنتس 1: 21)، وبهذا يتمجَّد الآب في انتصارات الإبن التي تتم بوساطة صلاة التلاميذ وطاعتهم له (يوحنا 14: 15).

ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي (يوحنا 14: 1-12)

بعد دراسة موجزة عن وقائع النص الإنجيلي (يوحنا 10: 1-10)، يمكن ان نستنتج انه يتمحور حول تعزية المسيح لتلاميذه مبيِّنا لهم غرض رحيله الى السماء وعن مصيرهم ايضا.

1) التعزية:

عرف التلاميذ ان يسوع يعود الى الآب "ويتركهم" وحدهم وسط عالمٍ معادٍ ممّا يُولد فيهم قلقا، فيجتهد يسوع ان يُشدِّد عزائمهم بألفاظ حنونة كي لا يخافوا "لا تَضْطَرِبْ قُلوبُكم"، وذلك بان يضعوا ثقتهم في الله وفيه ايضا. "إنَّكم تُؤمِنونَ بِاللهِ فآمِنوا بي أَيضاً". الايمان ثقة مبنية على الله وعلى ابنه يسوع المتجسد الذي يتجلّى بمنح عونه كي يتغلب المؤمن على القلق والاضطراب (يوحنا 8/ 46-37). فرحيله عنهم يؤدِّي الى اتحاد أوثق به وبالآب، كما ان الروح لقدس سيقوم بحمايتهم.

2) غرض رحيل المسيح:

بيّن يسوع لتلاميذه ان هدف رحيله هو انتقاله الى المجد السماوي حيث يضمن لجميع المؤمنين إمكانية الثبات للأبد في الاتحاد به وبالآب، إذ حين يعود يسوع الى الآب يتحد ببشريته بالآب. وإذ يصبح في بيت الآب، يضم الى حياته البشر، ولا سيما تلاميذه. فرحيله ضروري أولا لكي يرسل الروح القدس لهم ولكي يعرفوا الآب ويعملوا اعمالا عظيمة. ورحيله أيضا لكي يعود ثانية ليأخذهم ليكونوا معه. ويكون ذلك اما عند الموت، كما حدث مع استشهاد اسطفانس اول شهداء المسيحيين (اعمال الرسل 7: 95) او عند القيامة في آخر الازمنة كما جاء في تعليم بولس الرسول " فنَحنُ إِذًا واثِقون، ونَرى منَ الأَفضَلِ أَن نَهجُرَ هذا الجَسَد لِنُقيمَ في جِوارِ الرَّبّ. "(2 قورنتس 5: 8).

3) مصير التلاميذ:

يكشف يسوع عن مصير التلاميذ من خلال اسئلة الرسولين توما وفيليبس: توما يعترض ان التلاميذ لا يعرفون الى اين يذهب ولا الطريق. فيجيب يسوع "أَنا الطَّريقُ والحَقُّ والحَياة". ويعلق القديس أمبروسيوس "إنه الطريق والحق والحياة، وكأنه هو البداية والنهاية وما بينهما. به نبدأ الحياة، ونسلك الطريق، ونبلغ إلى النهاية".

(أ‌) يسوع هو الطريق:
ان صورة "الطريق" مأخوذة من رمز خروج شعب العهد القديم تلبية لنداء الله بالاعتماد على الايمان به لبلوغ أرض الميعاد. وللطريق دورٌ أساسيٌّ في حياتهم، واما في العهد الجديد فيفتتح يسوع بشخصه وحياته طريقة جديدة حتى سُميت المسيحية "الطريق" (رسل 9: 2). فيسوع هو الطريق المؤدي الى الآب بقدر ما هو نفسه "الحق والحياة"(يوحنا 10: 9).

المسيح هو طريق حي، لأنّه إله وإنسان معاً. كإله يقودنا إلى الآب؛ وقد ظهر بمثابة موسى الجديد، القائم بدور المرشد والمرافق والقائد كما تُبين ما حدث له على طريق عمواس مع التلميذين "بَينَما هُما يَتَحَدَّثانِ ويَتَجادَلان، إِذا يسوعُ نَفْسُه قد دَنا مِنهُما وأَخذَ يَسيرُ معَهما" (لوقا 24: 15). وسار على طريق الصليب لدخول المجد كما قال لتلميذي عماوس "أَما كانَ يَجِبُ على المَسيحِ أَن يُعانِيَ تِلكَ الآلام فيَدخُلَ في مَجدِه؟ (لوقا 24: 26). ودعا البشر لاتباعه "النُّورُ باقٍ معَكم وقتاً قليلاً فَامشوا ما دامَ لَكُمُ النُّور"(يوحنا 12: 35).

إنه الطريق بتعاليمه كما جاء في تصريح بطرس الرسول " يا ربّ، إِلى مَن نَذهَب وكَلامُ الحَياةِ الأَبَدِيَّةِ عِندَك؟"(يوحنا 6: 86)، وبمثاله كما أعلن بطرس "ترَكَ لَكم مِثالاً لِتقتَفوا آثارَه" (1بطرس 2: 21)، وبذبيحته "فما أَولى دَمَ المسيحِ، الَّذي قَرَّبَ نَفْسَه إلى اللهِ بِروحٍ أَزَلِيٍّ قُرْبانًا لا عَيبَ فيه، أَن يُطَهِّرَ ضَمائِرَنا مِنَ الأَعمالِ المَيْتَة لِنَعبدَ اللهَ الحَيّ! (عبرانيين 9: 14)، وبروحه كما جاء في تعليم يوحنا الإنجيلي " متى جاءَ هوَ، أَي رُوحُ الحَقّ، أَرشَدكم إِلى الحَقِّ كُلِّه لِأَنَّه لن يَتَكَلَّمَ مِن عِندِه بل يَتَكلَّمُ بِما يَسمَع ويُخبِرُكم بِما سيَحدُث"(يوحنا 16: 13).

إنه الطريق الذي فيه تتحقق كل الوعود الإلهية كما جاء في تعليم بولس الرسول "إِنَّ جميعَ مَواعِدِ اللهِ لَها فيه ((نَعَم)). لِذلِك بِه أَيضًا نَقولُ لله: ((آمين)) إِكرامًا لِمَجْدِه." (2 قورنتس 1: 20). يطلب يسوع منّا أن نسير وراءه كي يوصلنا إلى غايتنا. ويفتح ملكوت السماوات للمؤمنين ولا يستطيع أحد أن يأتي إلى الآب إلاَّ به، ولا إلى معرفته ما لم يخبره الابن عنه. "لا يستطيع أحد أن يأتي إليّ ما لم يجتذبه الآب" وأيضًا: "وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إلى الجميع" (12: 32)، وباتحاد حياتنا به نتحد بالله فهو سبيلنا الى الآب؛ وهو طريق آمن وأكيد نحو الحياة الأبدية. فكل إنسان يرغب في الحياة، لكن ليس كل أحدٍ يجد الطريق.

إنّه الطريق فهو لا ينصحنا ويُرشدنا فحسب. بل إنّه أيضا يسير معنا بروحه خطوة فخطوة، ويؤيّدنا بقوّته ويأخذ بأيدينا ويقودنا؛ كما سار الله مع يشوع بن نون "الرَّب هو السائِرُ أماَمَكَ، وهوِ يَكوَن معَكً ولا يُهمِلكَ ولا يَترُكُكَ، فلا تَخفْ ولا تَفزَعْ" (تثنية الاشتراع 31، 8). إنّه لا يُخبرنا عن الطريق. بل إنّه يُصبح لنا الطريق، لأنه لم يعطنا وصايا نصل بها للآب فحسب، بل قدَّم نفسه طريقاً إلى الآب، ندخل به للآب دون أن نخرج من الابن، لأن الابن في الآب. هكذا باتحادنا به نتحد بالآب. لذلك يقول المسيح " اُثبُتوا فيَّ وأَنا أَثبُتُ فيكم " (يوحنا 15: 4).

وعليه فانه من خلال جسده افتتح لنا طريقا جديدا وحيا لدخول القدس الحقيقي كما جاء في الرسالة الى العبرانيين "لَنا سَبيلاً إِلى القُدْسِ بِدَمِ يسوع، سَبيلاً جَديدةً حَيَّةً فَتَحَها لَنا مِن خِلالِ الحِجاب، أَي جَسَدِه" (عبرانيين 10: 19-20). ومع المسيح لم تعد الطريق الشريعة، بل شخص يسوع المسيح نفسه كما صرّح يسوع لتلاميذه "أَنا الطَّريقُ والحَقُّ والحَياة. لا يَمْضي أَحَدٌ إِلى الآبِ إِلاَّ بي"(يوحنا 14: 6)، وفيه يتحقق للمسيحيين الفصح والخروج، وفيه ينبغي ان يسيروا في طريق المحبة كما جاء في توصيات بولس الرسول "سِيروا في المَحَبَّةِ سيرةَ المسيحِ الَّذي أَحبَّنا وجادَ بِنَفسِه لأَجْلِنا ((قُربانًا وذَبيحةً للهِ طَيِّبةَ الرَّائِحة" (أفسس5: 2) وهذه المسيرة تؤدّي الى الآب "لأَنَّ لَنا بِه جَميعًا سَبيلاً إِلى الآبِ في رُوحٍ واحِد" (أفسس 2: 18).

(ب) يسوع هو الحق

يسوع ليس هو الطريق انما هو أيضا الحق. يطلق لفظ حق أو حقيقة على كل فكر وكل كلمة تطابق الواقع. وأيضاً على واقع الشيء ذاته حينما ينكشف بجلاء ووضوح للعقل كما تشير اللفظة اليونانية ἀληθείας معناها الحرفي غير خفي. وأما تعريف للحقيقة في العهد القديم فيعني أمانة نحو العهد (رومة 3: 6)، وفي العهد الجديد، فالحقيقة هي المسيح وإنجيله الطاهر" حَقيقةُ البِشارة"(غلاطية 2: 5).

ويحتل مفهوم الحق او الحقيقة في انجيل يوحنا مكانة مرموقة. ليس الحق، بالنسبة إلى يوحنا، هو كيان الله في حد ذاته، بل هو كلمة الآب "إِنَّ كلِمَتَكَ حَقّ"(يوحنا 17: 17)، وهي كلمة ثابتة لا تتغير، وهي الحق الذي أتى يسوع "ينادي به" كما صرّح لليهود "أَنا الَّذي قالَ لكُمُ الحَقَّ الَّذي سَمِعَهُ مِنَ الله" (يوحنا 8: 40)، ويشهد له كما أعلن يسوع امام بيلاطس " أَنا ما وُلِدتُ وأَتَيتُ العالَم إِلاَّ لأَشهَدَ لِلحَقّ. فكُلُّ مَن كانَ مِنَ الحَقّ يُصْغي إِلى صَوتي" (يوحنا 18: 37).

الشيء الجديد الذي جاءت به المسيحية عن المسيح أنه هو نفسه الحق “أَنا الطَّريقُ والحَقُّ والحَياة (يوحنا 14: 6)، من حيث إنه الكلمة الذي صار بشراً، يحمل في ذاته ملء الوحي، ويخبرنا عن الآب " إِنَّ اللهَ ما رآهُ أَحدٌ قطّ الابنُ الوَحيدُ الَّذي في حِضْنِ الآب هو الَّذي أَخبَرَ عَنه" (يوحنا 1: 18). هو الحق فيستطيع أن ينقل إلينا في ذاته وحي الآب "أنَّ الكلامَ الَّذي بَلَّغَتنيه بَلَّغتُهم إِيَّاه فقَبِلوه وعَرَفوا حَقّاً أَنِّي مِن لَدُنكَ خَرَجتُ وآمنوا بِأَنكَ أَنتَ أَرسَلتَني" (يوحنا 17: 8)، وهكذا يشركنا في الحياة الإلهية كما جاء في تعليم يوحنا الرسول " أَنَّ اللهَ وَهَبَ لَنا الحَياةَ الأَبدِيَّة وأَنَّ هذهِ الحياةَ هي في ابنِه"(1 يوحنا 5: 11-13).

على أن هذا اللقب يفصح أيضاً، بطريق غير مباشر، عن شخص المسيح الإلهي، فإذا كان يسوع هو الوحيد بين الناس، الذي يمكنه أن يكون الحق، فلأنه في الوقت نفسه، هو الكلمة، "الكلمة التي في حضن الآب أي الابن الوحيد " إِنَّ اللهَ ما رآهُ أَحدٌ قطّ الابنُ الوَحيدُ الَّذي في حِضْنِ الآب هو الَّذي أَخبَرَ عَنه" (يوحنا 1: 18). ويعلق القديس أمبروسيوس "المسيح ليس فقط هو اللَّه، بل بالحقيقة اللَّه الحق، إله حق من إله حق، إذ هو نفسه الحق".

يسوع في ذاته هو الحقّ المتجسّد. فالحق إذاً هو الكلمة التي يوجهها إلينا المسيح نفسه، والتي يجب أن تقودنا إلى الإيمان به " إِن ثَبتُّم في كلامي كُنتُم تلاميذي حَقاً تَعرِفونَ الحَقّ: والحَقُّ يُحَرِّرُكُم " (يوحنا 8: 31-32). فإن المسيح يقول الحق (يوحنا 8: 45)، وهو " مِلؤُه النِّعمَةُ والحَقّ " (يوحنا1: 14). "وأما النعمة والحق، فقد بلغا إلينا على يد يسوع المسيح " (يوحنا 1: 17)، إذ به وفيه قد ظهر الوحي الكامل والنهائي.

المسيح هو الحقّ، لأنه يستطيع أن ينقل إلينا في ذاته وحي الآب (يوحنا17: 8)، لأنّه يحقِّق كلّ وعود الله كما جاء في تعليم بولس الرسول " إِنَّ جميعَ مَواعِدِ اللهِ لَها فيه ((نَعَم)). لِذلِك بِه أَيضًا نَقولُ لله: ((آمين)) إِكرامًا لِمَجْدِه " (2 قورنتس 1: 20)

المسيح هو الحق لأنه كلمة الله، وهو يعلن لنا كل ما يلزمنا معرفته عن الله وعن أنفسنا كما صرّح يسوع "تَعرِفونَ الحَقّ: والحَقُّ يُحَرِّرُكُم" (يوحنا 8: 32). والمسيح هو الحق معْلَناً في قداسته ومحبته. المسيح هو الحق الذي ينبغي أن نؤمن به ونشهد له حتى الموت. هو أظهر الحق بأقواله وأعماله. فالحق الوحيد الذي لا يتغيَّر هو الله. ومن يكتشف الحق ويعرفه يثبت في الطريق فتكون له حياة. كما صرّح يسوع " أَنا نُورُ العالَم مَن يَتبَعْني لا يَمْشِ في الظَّلام بل يكونُ له نورُ الحَياة" (يوحنا 8: 12).

إنّ الكثيرين يستطيعون أن يهتفوا "لقد علّمنا الناس الحقّ". ولكن لا يوجد سوى واحد يستطيع أن يقول: "أنا هو الحقّ". فالحق او الحقيقة بالمعنى المسيحي هي حق الإنجيل أي الكلمة التي يوحي بها الآب والتي تقوم في يسوع المسيح والتي يضيئها الروح القدس، " إِنَّ كلِمَتَكَ حَقّ " (يوحنا 17: 17)، ويتعين علينا أن نقبلها بالإيمان، لتغيير حياتنا. هذه الحقيقة الخلاصية تقدمها لنا الكتب المقدسة الموثوق بها، وتسطع لنا في شخص المسيح الذي هو، في آن واحد، وسيط الوحي كله وملؤه.

ج) يسوع هو الحياة

يسوع ليس فقط الطريق والحق، انما هو أيضا الحياة. ان المسيح من حيث انه "الكلمة" الأولى، حاصل على الحياة منذ البدء. ومن حيث هو الكلمة المتجسد، هو " كَلِمَة الحَياة " (1 يوحنا 1: 1). هو " الطَّريقُ والحَقُّ والحَياة " (يوحنا 14: 6)، "أَنا القِيامةُ والحَياة " (يوحنا 11: 25).

المسيح هو الحياة، " فكَما أَنَّ الآبَ له الحَياةُ في ذاتِه فكذلِكَ أَعْطى الِابنَ أَن تَكونَ له الحَياةُ في ذاتِه" (يوحنا 5: 26)، وهو قادر أن يمنحها لمن يريد، لقد قال: "جئت لتكون لهم حياة"، حياة أفضل وأسمى من الحياة الأرضيّة. وهو يعطيها لمن يثبت فيه " الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: مَن سَمِعَ كَلامي وآمَنَ بِمَن أَرسَلَني فلَه الحَياةَ الأَبَدِيَّة" (يوحنا 5: 24). يوجد آيات قليلة في الاسفار المقدسة تصف الحياة الأبدية، ولكن هذه الآيات غنية بالوعود واهمها ما وعد يسوع تلاميذه “في بَيتِ أَبي مَنازِلُ كثيرة ولَو لم تَكُنْ، أَتُراني قُلتُ لَكم إِنِّي ذاهِبٌ لأُعِدَّ لَكُم مُقاماً؟" (يوحنا 14: 2). وبرغم ان تفاصيل الأبدية مجهولة لنا، فلا حاجة بنا الى الخوف، ويمكننا ان نتطلع الى الحياة الأبدية لان الرب يسوع وعد بها كل من يؤمن. والمسيح أتى ليعيد لنا هذه الحياة الأبدية بمجدها ونورها وفرحها. ويعلق القديس مكسيمس " قيامة السميح هي للموتى حياة، وللخطأة غفران، وللقديسين مجد وافتخار ".

المسيح هو الحياة، انه يمنحنا حياته. هو "ملك الحياة" (اعمال الرسل 3:15). فقد مات ليفتدينا ويعطينا حياته، فهو اشترى لنا الحياة بموته ووهبنا إياها بروحه بعد أن فقدناها بالخطية. الخطيئة هي الموت والموت هو انفصال عن الله. والمسيح أتى ليتحد بنا ويربط حياته الالهية بحياتنا الآن والى الابد (عبرانيين 10/ 19) فنتأهّل للشركة مع الآب فتعود لنا الحياة كما اختبرها بولس الرسول "الحَياةُ عِندي هي المسيح" (فيلبي 21:1). وإذا اتحدت روح المؤمن بروح الله بوساطة المسيح، أصبحت روحه حياة (رومة 8: 10).

يسوع هو الحياة، لأنه يدعونا الى الحياة الأبدية كي يشركنا فيها "فيهِ كانَتِ الحَياة والحَياةُ نورُ النَّاس "(يوحنا 1: 4). ولكي يربح المرء الحياة الابدية ويتمتع بها، يجب ان يتخذ الطريق الضيق ويزهد في كل أمواله، بل في نفسه ذاتها، ويفقد حياته الحاضرة " لأَنَّ الَّذي يُريدُ أَن يُخَلِّصَ حَياتَه يَفقِدُها، وأَمَّا الَّذي يَفقِدُ حَياتَهُ في سبيلي فإِنَّه يَجِدُه. ماذا يَنفَعُ الإِنسانَ لو رَبِحَ العالَمَ كُلَّه وخَسِرَ نَفسَه؟ وماذا يُعطي الإِنسانُ بَدَلاً لِنَفسِه؟ "(متى 16: 25-26).

يسوع هو الحياة، لأنّه يدين الموت..."فأَينَ يا مَوتُ نَصْرُكَ؟ وأَينَ يا مَوتُ شَوكَتُكَ؟" (1 قورنتس 15: 55) فالموت الذي طالما كان منتصرًا، هًزِم بموت هازمه. وكل مؤمن به ينال الحياة "الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: مَن سَمِعَ كَلامي وآمَنَ بِمَن أَرسَلَني فلَه الحَياةَ الأَبَدِيَّة" (يوحنا 5: 24)، ولان كل من يموت عن الخطيئة يحيا منذ الآن لله في المسيح يسوع " أحسَبوا أَنتُم أَنَّكم أَمواتٌ عنِ الخَطيئَة أَحْياءٌ للهِ في يسوعَ المسيح"(رومة 6: 11). وتصبح حياة المؤمن محتجبة مع المسيح في الله (قولسي 3: 3) وذلك بعماده في موت يسوع “فدُفِنَّا مَعَه في مَوتِه بِالمَعمُودِيَّةِ لِنَحْيا نَحنُ أَيضًا حَياةً جَديدة" (رومة 6: 4)، وبقيامته معه الى الحياة (رومة 6: 13).
يسوع هو الحياة لأنه "خبز الحياة" (يوحنا 6: 48) فقد صرّح السيد المسيح " أَنا الخبزُ الحَيُّ الَّذي نَزَلَ مِنَ السَّماء مَن يَأكُلْ مِن هذا الخُبزِ يَحيَ لِلأَبَد. والخُبزُ الَّذي سأُعْطيه أَنا هو جَسَدي أَبذِلُه لِيَحيا العالَم" (يوحنا 6: 51). وهذا كله يتطلب الايمان كما قالَ يسوع " أَنا خُبزُ الحَياة. مَن يُقبِلْ إِليَّ فَلَن يَجوع ومَن يُؤمِنْ بي فلَن يَعطَشَ أبَداً." (يوحنا 6: 35). ويقوم الايمان في قبول كلام يسوع والعمل "مَن أَعرَضَ عَنِّي ولَم يَقبَلْ كَلامي فلَه ما يَدينُه: الكَلامُ الَّذي قُلتُه يَدينُه في اليَومِ الأَخير" (يوحنا 12: 48). ويسوع قادر على فيض الحياة في كل من يؤمن به.

إذاً المسيح هو الطريق الذي نثبت فيه لنصل إلى الحياة. كل طريق غيره ضلال، وكل حق سواه باطل، وكل حياة عداه موت. بدون الطريق لا مسيرة، وبدون الحق لا معرفة، وبدون الحياة فهناك موت. هو الطريق الذي علينا أن نتبعه، والحق الذي علينا أن نؤمن به، والحياة التي نسعى لنوالها. فهو الطريق الوحيد للحياة الأبدية وهو حياة الله المعطاة للإنسان. وهو الحق الذي به نعرف أبوة الله لنا.

الخلاصة
طلب السيد المسيح من تلاميذه المضطَّربين الايمان بكلامه، وبشخصه، لان الايمان به هو الايمان بالله نفسه. ويشرح لهم يسوع دوافع هذه الايمان. يجب على التلاميذ الا ييأسوا عند رؤية معلمهم يرحل عنهم، فان يسوع يرجع الى البيت الابوي، ويَعدّ مكانا لهم، ثم يرجع ويستصحبهم. للوصول الى البيت الابوي ينبغي على التلاميذ ان يعرفوا الطريق (يوحنا 14: 4) ويسوع هو الطريق " لا يَمْضي أَحَدٌ إِلى الآبِ إِلاَّ بي" (يوحنا 14: 6)؛ وان يتمسكوا بالحق ويسوع هو الحق، وقد اظهر الآب " مَن رآني رأَى الآب" (يوحنا 14: 9)؛ وإذا ما عرف التلاميذ الآب، فانهم يملكون الحياة ويسوع هو الحياة. "أنا هو الطريق والحقّ والحياة" يسوع هو الوسيلة والهدف. فالربّ يسوع هو الطريق الّذي يوصلنا للآب، وهو الحقّ الّذي نتمسّك به فنصل إلى الآب، وهو الحياة الّتي تملؤنا وتفيض فينا.

كما كان التلاميذ في حالة اضطراب وخوف كذلك حالتنا في عالمنا المعاصر. نحن محاطون بمخاطر عديدة مثل خطر الحرب العالمية الثلاثة وخطر الاسلحة النووية التي تهدِّد البشرية بأسرها، وهناك امراض لا دواء لها ولا شفاء، وهناك الجوع... فيناشدنا يسوع قائلا "لا تَضْطَرِبْ قُلوبُكم. إنَّكم تُؤمِنونَ بِاللهِ فآمِنوا بي أَيضاً. (يوحنا 14: 1) واعطاهم رؤية شاملة في ظل الحق الإلهي. فحالتنا على الأرض ما هي الا مقدمة لحياة ابدية سعيدة في حضرة الله ونعيمه. في بَيتِ أَبي مَنازِلُ كثيرة ولَو لم تَكُنْ، أَتُراني قُلتُ لَكم إِنِّي ذاهِبٌ لأُعِدَّ لَكُم مُقاماً؟ (يوحنا 14: 2).

دعاء
أيها الآب السماوي، إنّ المسيح هو كلمتك الحيّة، والطريق الّتي تقودنا إليك، والحقّ الّذي يحرّرنا، والحياة الّتي تملأنا بالفرح. اجعلنا ان نسير على طريقه الطّريق الصّليب والتّضحية والتخلّي عن الذات، وان نرى فيه هدفنا الذي هو الحق والحياة، فنمتلك الحياة الأبديّة معك أيها الآب السماوي. ومع مريم، ومع الملائكة وجميع القدّيسين.

 

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث