أحمد الجدي
"المداخلة" لقب يُطلَق على عدد كبير من المشايخ والتلاميذ السلفيين في العالم العربي بسبب بعض مواقفهم الشرعية وأهمها رفضهم للثورات واعتبارها حراماً شرعاً. ولكن كثيرون لا يعرفون ماذا يعني هذا اللقب ومن أين أتى وهل يمثل جماعة أو فرقة سلفية دعوية؟
جاء لقب "المداخلة" أو "المدخلية" نسبة إلى الداعية السلفي السعودي الشيخ ربيع بن هادي محمد عمير المدخلي، ويسمّون أحياناً بـ"الجامية" نسبة إلى الشيخ الإثيوبي محمد بن أمان الجامي.
وُلد الشيخ سنة 1932 في قرية الجرادية الكائنة في محافظة صامطة في السعودية والتحق بالجامعة الإسلامية بكلية الشريعة ودرس فيها مدة أربع سنوات وتخرّج منها بتقدير ممتاز عام 1964. وبعد ذلك، حصل على درجة الماجستير في الحديث من جامعة الملك عبد العزيز في مكة عام 1977 قبل أن يحصل على الدكتوراه عام 1980 من الجامعة نفسها بتقدير ممتاز، ليعود إلى الجامعة الإسلامية ويعمل فيها مدرّساً.
مكتبة ربيع المدخلي
برز اسم الشيخ ربيع عام 1991 عندما اتخذ هو وأستاذه محمد بن أمان الجامي (1930 – 1995) موقفاً من حرب الخليج الثانية مخالفاً للموقفين اللذين اشتهرا في تلك الفترة: الموقف الأول هو موقف علماء رفضوا الاستعانة بقوات أجنبية لتحرير الكويت (ما سُمّي بالاستعانة بـ"الكفار")، والموقف الثاني الذي اتخذه علماء المملكة العربية السعودية الذين وافقوا على الاستعانة بـ"الكفار" دون أن يجرّموا رافضي الأمر.
أما الجامي والمدخلي، فكانا أصحاب الموقف الثالث وهو دعم الاستعانة بـ"الكفار" نظراً لموافقة السعودية على الأمر بالإضافة إلى تجريم مَن رفضوا الأمر واعتبارهم خارجين عن ولاة الأمور، ومن هنا تحديداً اتضحت الفكرة الأولى والأهم التي بنى عليها الشيخ ربيع المدخلي منهجه ألا وهي طاعة ولاة الأمور والحكام في أي قرار مهما كان.
أساتذته وأفكاره
تعلّم ربيع المدخلي في الجامعة الإسلامية على أيدي عدد من الأساتذة هم المفتي العام للملكة العربية السعودية عبد العزيز بن باز، والشيوخ محمد ناصر الدين الألباني، وعبد المحسن العباد ومحمد الأمين الشنقيطي، وصالح العراقي وعبد الغفار حسن الهندي.
ولم يقتصر تأثير المدخلي على دعاة سعوديين بل انتشرت أفكاره عبر كتبه ومؤلفاته ودروسه إلى كافة أنحاء العالم العربي وبالأخص إلى مصر حيث ظهر العديد من الدعاة الذين يتبعون نفس أفكاره أمثال الداعية السلفي البارز بمحافظة المنوفية الشيخ محمد سعيد رسلان، والداعية السلفي بمحافظة الدقهلية الشيخ هشام البيلي، والشيخ محمود لطفي عامر، والشيخ طلعت زهران، والشيخ أسامة القوصي، وآخرين.
ومن أفكار الشيخ المدخلي التي ميّزته وجعلته على رأس ما يُشبه مدرسة سلفية ذاع صيتها في العالم العربي دعم الحكام في كل ما يقولونه، والسمع لهم والطاعة حتى لو كانوا ظالمين وفاسدين.
مجموعة من مؤلفات ربيع المدخلي
وللشيخ المدخلي درسٌ شهير هاجم فيه الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس الليبي معمر القذافي وما يحدث في سوريا وليبيا من "فتن"، وبرّأ الإسلام من "الجاهليات التي يرتكبها هذان النظامان في البلدين وحكامها".
ولكنه لم يتوقّف عند ذلك الحد بل صرّح برفضه لكل التظاهرات في هذين البلدين واعتبر أن خصوم النظامين من "دعاة الحرية والديمقراطية والمتسببين في هذه الفتن" يشاركون في أوزار ما يحدث، محذراً السلفيين من المشاركة في المذابح.
وعدا تأييد الحكام، بنى الشيخ ربيع المدخلي مدرسته أيضاً على فكرة رفض الثورات والتظاهرات. ومن هنا، فإن كل مَن نهج نهجه يحرّم التظاهرات ويرى أن الثورات التي شهدها العالم العربي ليس ربيعاً عربياً كما أُطلق عليها بل فوضى يرفضها الإسلام، وكل مَن قال بذلك يحسبه خصومه على المدخلية.
ومن أهم الآراء السياسية المميزة لفكر الشيخ ربيع رفضه التام لفكرة تأسيس الأحزاب السياسية أو الانضمام إليها، وهو يرفض أيضاً تأسيس الجماعات حتى الإسلامية منها.
وبسبب رأيه هذا دخل في حرب ضروس مع جماعة الإخوان بعد أن هاجمها هجوماً شرساً، واعتبرها ألد أعداء الدين الإسلامي بسبب تأسيسها جماعة تفرّق المسلمين، على حد تعبيره.
وشمل هجوم المدخلي مؤسس الإخوان حسن البنا، والمنظّر الإخواني الأبرز سيد قطب، وشقيقه محمد قطب، ووصفهم بأصحاب التاريخ الأسود، وأشد الأعداء للإسلام والمسلمين.
وبعيداً عن السياسة، يرفض الشيخ ربيع المدخلي الصوفية بكافة طرقها، ويصف قياداتها وأتباعها بـ"القبوريين"، كما يتهم عقيدتهم بأنها مليئة بالشركيات والكفريات المخرجة من ملة الإسلام، وأبرز ما يؤاخذهم عليه ما يقول إنه توسلهم بالأولياء من دون الله، وتقديسهم لمقابر علمائهم.
المدخلية... ما لها وما عليها
يقول الكاتب المتخصص في الجماعات والحركات الإسلامية صلاح الدين حسن في دراسة له بعنوان "السلفيون المداخلة في مصر"، إن أهم الأفكار التي يعلن تلاميذ الشيخ المدخلي صراحةً الإيمان بها هي السمع والطاعة لولاة الأمور، التحذير من الخروج عليهم، رفض توجيه نصائح في العلن إلى الحكام، التحذير من الفكر التكفيري ورموزه، التحذير من الجماعات الحزبية كجماعة الإخوان المسلمين وجماعة التبليغ وأمثالهما، رفض الطرق "المخترعة المبتدعة" في الدعوة إلى الله كالأناشيد المسماة بالإسلامية والتمثيل والقصص وأمثالها، التحذير من الانخراط في الفتن التي لبست بلباس الجهاد دون أن تستوفي شروط الجهاد الشرعي، والانتماء للسلف الصالح دون الانضمام لجماعة أو حزب.
أما الأفكار التي يروّجها خصوم المدرسة المدخلية السلفية عنها، فهي أن المدخليين يعتبرون الحكم بما أنزل الله أمراً فرعياً وليس أصلاً من أصول العقيدة ولذلك يبيحون التعامل بالقوانين الوضعية حتى لو كانت مخالفة لنصوص شرعية، وأنهم يعتبرون الحكام أولياء أمر شرعيين تجب طاعتهم حتى أن أحدهم قال على الرئيس المصري السابق حسني مبارك صراحة إنه "أمير المؤمنين"، وأنهم يسبّون علماء الأمة ودعاتها من كل التيارات والتوجهات المخالفة لهم، ويعتبرون العمل الجماعي في الإسلام من الفتن التي تجب محاربتها، ويرون أن تسلط اليهود والنصارى على المسلمين هو أمر قدري لا حيلة فيه، وأنهم يعتبرون أنهم وحدهم الممثلون الحقيقيون للمنهج السلفي وأن كل مَن عداهم مبتدعون.
هل هم المداخلة؟
صحيح أنه يُطلَق على تلاميذ الشيخ ربيع وعلى مشاركيه في أفكاره اسم "المداخلة"، إلا أن ربيع المدخلي نفسه يرفض الأمر وكذلك تلاميذه، لأن ذلك يعني أنهم منضوون تحت جماعة معينة وهم يحرّمون كل الجماعات.
يؤكد محمد يسري، أحد تلاميذ الشيخ ربيع المدخلي في مصر والباحث السلفي المتخصص في العقائد والمذاهب الإسلامية، على عدم وجود تنظيم أو جماعة باسم المداخلة، ولكنه يقول إن هناك عدداً كبيراً من أبناء الفكر السلفي في العالم العربي ممَّن لديهم توافق منهجي في الكثير من المسائل مع منهج الشيخ ربيع المدخلي، خاصة في المسائل العقدية التي تشمل مباحث التوحيد والعقيدة ورفض الأحزاب والجماعات.
ويشير يسري إلى أن التلاقي العلمي حول الكثير من المسائل التي تشكل منهجاً مستقلاً يخلق تياراً حقيقياً على الأرض له شيوخه في كل الدول العربية والإسلامية خاصة السعودية ومصر وليبيا والأردن والسودان ودول الشمال الإفريقي.
ويوضح يسري لرصيف22 أن مواسم الحج في السعودية تشهد لقاءات طلاب علم ومشايخ من كافة أنحاء العالم بالشيخ ربيع المدخلي ليحضروا دروسه ويتعرفوا على فكره عن قرب، الأمر الذي ساهم كثيراً في نشر منهجه، فأصبح له تلاميذ ومؤيدون من كافة أنحاء العالم، يطلق عليهم في وسائل الإعلام اسم المداخلة، نسبة إلى الشيخ ربيع، أو الجامية نسبة إلى الشيخ محمد أمان الجامي، و"كلاهما أصحاب مدرسة واحدة"، على حد تعبيره.
ويتفق مع يسري الداعية السلفي المصري المنتمي إلى جمعية أنصار السنة المحمدية وأحد تلاميذ الشيخ ربيع المدخلي، محمد رمضان، مضيفاً لرصيف22 أن صاحب لقب المداخلة أو الجامية الذي أطلق على تلاميذ الشيخ ربيع هم أنصار جماعة الإخوان المسلمين، نظراً لكرههم له ولأفكاره التي تحاربها الجماعة بكل قوة، وعلى رأسها رفضه للجماعة، واحترامه للحكام واعتبارهم أولياء أمر شرعيين يسمع لهم ويطاعوا، ولا يتم الخروج عليهم.
الجهاد في ليبيا
كان للشيخ ربيع المدخلي موقف بارز من الأحداث في ليبيا. فبعد إصداره رسالة يدعو فيها تلامذته هنالك إلى اعتزال الأحداث والاكتفاء بالعمل الدعوي، خرج برسالة أخرى بتاريخ 10 يوليو 2016 دعاهم فيها إلى الالتفاف لصد هجوم الإخوان، ورأى سلفيون أنها دعوة صريحة للتعاون مع الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر لقتال الإخوان والجماعات الإرهابية المسلحة المنتشرة في ليبيا، وهو ما حدث بالفعل وأصبح سلفيون كثر في ليبيا جزءاً لا يتجزأ من الجيش الليبي.
في هذا الصدد، قال الداعية السلفي الليبي الشيخ خميس إبراهيم المالكي إن الشيخ ربيع المدخلي "ليس قائد كتيبة في ليبيا كما يدعي كثيرون من أهل الانحراف والزيغ، بل هو داعية إلى الله حارب الإرهاب والتكفير في ليبيا وكان له دور كبير في إنقاذ الشباب الليبي من براثن التكفيريين من خلال كتاباته ومؤلفاته وأشرطته ودروسه المنتشرة على شبكة الانترنت".
وأكد المالكي لرصيف22 أن السلفيين في ليبيا لا يرتبطون بالشيخ ربيع المدخلي وحده بل بكل أهل العلم من مشايخ السلفية، كما أنهم بدأوا قتالهم مع القوات المسلحة وحملوا السلاح ضد الخوارج قبل أن تصدر أو تُنشر الفتاوى عن الشيخ ربيع، وخاصة السلفيين في المنطقة الشرقية الذين لعبوا دوراً كبيراً في إعانة الجيش في حربه على الخوارج والتنظيمات الإرهابية.
"فكر مليء بالجمود"؟
يرى الداعية الإسلامي المصري والباحث في شؤون الحركات الإسلامية الشيخ محمد عبد السلام دحروج أن فكر الشيخ ربيع المدخلي مليء بالجمود مثله مثل الفكر السلفي بشكل عام، وذلك لتقييده حركة أي عقل خارج نطاق المنهج المحدد له، "فبسهولة جداً يتم اتهام أي شخص يفكر خارج إطار الفكر المدخلي بأنه مبتدع".
ويوضح دحروج لرصيف22 أن أهم ما ينتقده في فكر المدخلي هو رفضه للأحزاب وتحريمه للديمقراطية "رغم أن الأمر برمته مجرد نظام سياسي لا علاقة له بالدعوة أو الدين"، هذا بجانب "تقديسه للحكام وإنزالهم منازل الرسل والأنبياء وهذا أمر غير صحيح ولم ينص عليه الإسلام أو يوجبه على المسلمين".
وتابع أن "الأوضاع السياسية المعاصرة تجعل الحكام أشخاصاً يختارهم الشعب كي يمثلوه ويعملوا لصالحه لا خلفاءً كما كان الحال في عهد الرسول والصحابة".
وحذّر دحروج من انتشار هذا الفكر كونه يقود إلى التشدد، "خاصة أنه يُدخل كل مَن ينتمي إلى هذه المدرسة في عداء مع أي مسلم يختلف مع أفكارها، كالمسلم الذي ينضم إلى أحزاب، أو المسلم الذي يعارض الحكام، وهذه أمور سياسية مكفولة تكفلها الدولة والحاكم، ولا يحرّمها الشرع".
رصيف 22