بنين الياس:
وسط دار أشبه بالخربة، في بغداد، وتحديداً في مدينة الصدر، تجلس أم هيثم، وهي تحمل صورة ابنها الوحيد، وتبكي على ولدها الذي لم يتجاوز الـ14 عاماً، وتردد بحرقة وبصوت يكاد لا يُسمع: "ابني شاب على خمس بنات، وهو الصغير والله خلقه بهذه الصورة، فما الذنب الذي اقترفته لكي أُحرم منه؟".
تروي أم هيثم، لرصيف22، قصة فقدان نجلها: "كنت أعيش مع عائلة زوجي، وهم أبناء خالتي، بعد أن توفي زوجي في القتال في إحدى المعارك ضد الأمريكيين. تزوجت من أخيه من أجل سدّ رمق أطفالي، وكان هيثم منذ طفولته يرتدي ملابس أخواته الخمسة ويميل إلى اللعب بألعابهن".
"في عام 2009، وانتشار الملصقات على جدران المدينة التي يتم من خلالها إعلان أسماء المثليين والمشكوك فيهم، كان هيثم من بينهم، فنادتني جارتي من أعلى الشرفة، وقالت لي: أم هيثم، اليوم جماعة جيش المهدي ده يلمون الولد ضمي أبنج"، تقول الوالدة، وتضيف: "فور حديثها خفت كثيراً، وواريته في صندوق الملابس وأقفلت عليه، وبعد مداهمة المنزل لم يجدوه، وزوجي -في الوقت نفسه هو عم ابني، دخل عليّ وكلمني قائلاً: أخرجي هيثم من أجل أن أحميه وأسفّره إلى خارج العراق، فاستحلفته بدم أخيه، فكان رده هيثم ابني وابن أخي، فاطمأن قلبي وأودعته ابني الوحيد".
الزوج والعم، حين رأى هيثم، ما كان منه إلا أن كتب على جسم الولد بقلم "بويا" أحمر كلمة "عار"، وسلّمه إلى أفراد جيش المهدي الذين قاموا بقتله ورميه في القمامة وحذروا الناس من الاقتراب منه إلى أن تتعفّن جثته. تختم أم هيثم حديثها باللهجة العراقية بأسلوب صارم: "عمه اللي سلم ابني واللي هو زوجي أساسه مثلي، وآني شايفته بعيني بالسطح ويه ابن عمه يمارس الجنس، ولمن واجهته بالحقيقة كال آني ما مبين علي مثل ابنج إلي حاف حواجبه".
الصدر وفتاواه
أطلق مكتب زعيم التيار الصدري في العراق، مقتدى الصدر، حملةً لجمع تواقيع لمناهضة مجتمع الميم-عين في العراق، وقال الصدر في بيان في 1 كانون الأول/ ديسمبر الجاري: "أنذر نفسي من أجل مناهضة الشذوذ الجنسي، بالطرق الأخلاقية والسياسية والدينية ومناهضة المخالفات الفطرية التي جُبلت عليها البشرية، وأتعهد بعدم استعمال العنف بشتى أنواعه ضدهم"، وتعهد "بتوعيتهم وهدايتهم لعدم انجراهم إلى الشهوات المحرمة".
وعاد الصدر في خطبته يوم الجمعة في 2 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، إلى المطالبة بإلغاء سنّ قانون تجريم المثلية الجنسية، والذي أعلنت اللجنة القانونية النيابية في تموز/ يوليو الماضي، عن وجود تحرك نيابي من أجل إقراره.
وكان قد أصدر الصدر بياناً دعا فيه "الرجال المؤمنين والنساء المؤمنات إلى أن يتحدوا في العالم أجمع من أجل مناهضة المجتمع الميمي، لا بالعنف ولا بالقتل والتهديد، بل بالتثقيف والتوعية وبالمنطق والطرق الأخلاقية".
لا يتوانى زعيم التيار الصدري عن مهاجمة مجتمع الميم-عين، في خطب عديدة وبين فترات متقاربة وبأشكال عدة ومختلفة منها عن طريق تغريداته على تويتر، أو من خلال بيانات يتم نشرها باسم مكتبه على مواقعهم الرسمية. في عام 2019، وبعد تفشي وباء كورونا، كتب في تغريدة على حسابه في تويتر، تحت عنوان رسالة السماء الثانية، جاء فيها: "من أفدح الأمور التي تسببت بانتشار هذا الوباء هو تقنين زواج المثليين، ومن هنا أدعو كل الحكومات إلى إلغاء هذا القانون فوراً وبلا توانٍ فلعلّه سيكون بمثابة الندم على الذنب. وإلا فلات حين مندم".
الرجعية والجرم
بحسب هوشيار مالو، رئيس مؤسسة كردستان لحقوق الإنسان، فإن "منظور الصدر خطأ ومعيب ومضحك. فموضوع علاج المثليين كانوا يتناقشون حوله منذ مئة عام، فهل الصدر لا يمتلك تقويماً ليرى في أي عصر نحن؟ وهل اطلع على منظمة الصحة العالمية وتقاريرها التي تؤكد أن أقراد مجتمع الميم-عين خُلقوا بهذه الطبيعة الفطرية؟".
ويتحدث عن المساعي التي قامت بها دول عدة مثل أمريكا وغيرها، بدأت قديماً من أجل إعطائهم هورمونات من أجل الانتماء إلى جنس معين، وبعد الدراسات والتحليلات توصلوا من خلال إعلان الجمعية الأمريكية لعلم النفس، في العام 1974، إلى أن المثلية الجنسية ليست مرضاً نفسياً، وحذفت منظمة الصحة العالمية عام 1990، هذه الظاهرة من سجلاتها، كونها ليست مرضاً.
وتشرح منظمة الصحة أنه "ليس للمثلية أية أعراض، وتالياً عدّها مرضاً جزء من التعامل غير العلمي مع الظواهر التي تخرج عن السائد في المجتمع. أما محاولات "علاج" المثليين/ ات، فهي مجرّد خدعة طبية، أثبتت فشلها، وقد أدانت منظمة الصحة ما يسمى علاج المثلية من خلال حقن المثليين بجرعات عالية من التيستوستيرون والمقويات الجنسية في مقابل مبالغ مالية طائلة"، يقول مالو.
ويضيف: "مقتدى الصدر غير مؤهل علمياً للخوض في هذا الحديث، والله لا يخلق شاذاً والحياة بأسرها فيها اختلافات بين البشر فشخص يستخدم اليد اليمنى والآخر اليسرى، فهل هذا مريض"، محذراً من "مجازر في حق الأبرياء الذين ستُزهق أرواحهم بعد حملة التواقيع التي ينوي جمعها مقتدى الصدر من أجل التخلي عن حمايتهم".
يُشير مالو إلى أن "مجتمع الميم-عين موجود في كل المحافظات، وخصوصاً المتحفظة والمقدسة"، ويقول: "الأفضل للصدر أن يستخدم أساليب سياسيةً أخرى من أجل حصد تعاطف الأفراد، ويترك مجتمع الميم-عين في سبيله، ويكف عما يفعل، فمن تصريحاته أصبحنا النكتة الأشهر عالمياً التي يقهقه لها الفارغون".
ماذا يجني من تعنيفنا؟
ينحدر مارث نبيل (35 عاماً)، واسمه مكتسب في جوازه الألماني، من بغداد منطقة الوشاش تحديداً. يقول لرصيف22، بعد قراءته للبيان الأخير لمقتدى الصدر: "لا أدري ماذا يجني مقتدى من قتلنا وتهميشنا وتعذيبنا، فهل تشيّعه وإسلامه وتقرّبه إلى الله، عن طريق قتلنا؟".
يروي نبيل ما حصل معه في صيف العام 2008، فهو كان على علاقة سريّة مع ابن خاله، وبعد فترة شكّ عمّه الذي ينتمي إلى جيش المهدي التابع للصدر، فيهما وبعد تأكده من العلاقة، قام باستدراجهما بحجة أنه يريد منهما العمل على طلاء مكتب له، وبعد وصولهما تفاجآ بوجود أفراد مسلحين بدأوا بتعذيبهما طوال الليل.
يقول: "أخبرونا أننا اليوم ضيوف سهرتهم، فأطعمونا بعضاً من الطعام ومن ثم شراب العنب، وبعدها عملوا على وضع صمغ في منطقة الدبر، وأجبرونا على تناول زيت الخروع، ومن ثم بدأوا يرسمون بالحربة على جسدينا جملة هذا ‘مصير كل فرخ’، وبعد ليلة طويلة طعنونا طعنات عدة ومن ثم تم رمينا في أقرب قمامة".
ويضيف: "حبيبي لم يحتمل التعذيب وفارق الحياة من الطعنة الأولى، أما أنا فقد أنقذني في الصباح الباكر شخص يعمل في جمع القمامة وقدم لي الإسعافات الأولية، ومن ثم سريعاً اخترت مواجهة أمواج البحر متجهاً إلى تركيا عبر الهجرة غير الشرعية حتى وصلت إلى ألمانيا".
لا حساب للمجرمين
قالت هيومن رايتس وتش، في تقرير أصدرته في 23 آذار/ مارس 2022، بالتعاون مع منظمة عراق كوير المعنية بحماية مجتمع الميم-عين، إن "الجماعات المسلحة في العراق تختطف، وتغتصب، وتُعذّب، وتقتل المثليين/ ات، ومزدوجي/ ات التوجه الجنسي، ومتغيّري/ ات النوع الاجتماعي، من دون عقاب، كما أن الشرطة تعتقلهم وتمارس العنف ضدهم".
ويقول أمير عاشور، مؤسس منظمة عراق كوير، لرصيف22: "مقتدى الصدر برأيي شخص إرهابي ولا فرق بينه وبين تنظيم داعش، واستهدافه لمجتمع الميم-عين هو لتشتيت انتباه العراقيين عن حقوقهم الخدمية، فاختلاق المشكلات الواهية يلهيهم عن المطالبة بحقهم في حياة كريمة".
برأيه، مقتدى الصدر من مصلحته أن يبقي العراق في حالة من الزعزعة وعدم الاستقرار، فحين يتنعم العراق بالاستقرار، سيحصل المواطنون على فرصة للتفكير في السياسيين وفي ما فعلوه، وتالياً الصدر وكل السياسيين سيفقدون سلطتهم، بل سيتعرضون للمحاسبة والمحاكمة بسبب جرائمهم وفسادهم".
ويرى أن تصريحات الصدر الأخيرة "سوف تساهم في زيادة العنف ضد مجتمع الميم-عين"، معللاً السبب بأن "الصدر يمتلك قوة سلاح وأتباعاً ينفذون أوامره بشكل أعمى، ومجتمع الميم-عين يعيش دائماً، في ظل تهديداتهم، في حالة خوف ورعب وهذه الخطب والتصريحات تزيد الوضع سوءاً".
يقول عاشور: "نحن كمنظمة ملتزمون بالدفاع عن حقوق مجتمع الميم-عين في العراق، بالرغم من المصاعب التي تواجهنا، وأي حراك رسمي من قبل الصدر أو غيره في الحكومة العراقية، سوف نقابلها بتحريك المجتمع الدولي في الوقت نفسه، وسنستمر في توفير الخدمات المباشرة لأفراد مجتمع الميم-عين، من الذين من الممكن أن يتأثروا بشكل مباشر بهذه التصريحات".
رعب وتوارٍ
تواصل رصيف22، مع أحد متغيّري النوع الاجتماعي وتُدعى نورا (22 عاماً) من بغداد، وتعمل في أحد مراكز التجميل في منطقة المنصور، وطلبنا منها معرفة وضعهم بعد تصريح الصدر، فأجابت: "أعذروني، لا أستطيع الحديث الآن، إذ عليّ مغادرة المنطقة على الفور أنا وزملائي، فقد استلمت رسائل تهديد على الهاتف مضمونها: حان الوقت لقتلك. سأجمع حاجياتي وأترك عملي من أجل النفاد بحياتي".
تقول المدافعة عن حقوق الإنسان سنار حسن، ومن خلال عملها سابقاً كباحثة مساعدة مع هيومن رايتس، حول قضايا العنف ضد مجتمع الميم-عين، إنه "ومن خلال تمرّسها، رصدت الكثير من حالات التعنيف من قبل جماعات مسلحة، وليست المرة الأولى وفي نظري لن تكون الأخيرة، التي يصدر فيها رجل الدين السياسي الشيعي مقتدى الصدر خطاب كراهية في حق أفراد هذا المجتمع".
وتضيف: "سبق أن أعلن الصدر عن حملات سابقة لملاحقة أفراد مجتمع الميم-عين، ونتج عنها قتل مئات الأبرياء، فيما فر آخرون إلى خارج البلاد هرباً من الميليشيات التي يستخدمها مقتدى الصدر لترهيب المثليين، وكانت آخر حملة خلال جائحة كورونا عندما اتهم المثليين بالتسبب بهذه الجائحة، وفي مرة أخرى أوقع اللوم على المثليين في ظهور جدري القردة وكأنما أي حادثة تحدث هم سببها".
تعتقد سنار أن "تصريح الصدر الأخير لن يكون مجرد حملة كراهية، بل إنه إعلان تجريم، فهو يدرك ما هي الآثار المترتبة على قتل وقمع أفراد هذا مجتمع"، مشيرةً إلى أنه يسعى من خلال هذا الأمر إلى جذب الكثير من الأشخاص وكسبهم بعد أن قلّت شعبيته بعد تركه السياسة، وهو يُدرك مشاعر الشعب العراقي وموقفه ضد مجتمع الميم-عين، وقد اختار التوقيت المناسب وهو توقيت مباريات كأس العالم وموقف العالم العربي ومساندته في حملة قطر ضد أفراد هذا المجتمع ورفض استخدام شعاراتهم داخل الملاعب هو فرصة بالنسبة إليه للتنديد بهم من جديد".