هل تستطيع أن تقنع المسلم المتدين بأن يصلي ثلاث مرات في اليوم بدلا من خمس..؟ هل تستطيع أن تقنع المسيحي المتدين بأن لا يتزوج في الكنيسة..؟ مستحيل لأن المتدين يقدس تعاليم الدين ويتمسك بها..المشكلة في الاسلام السياسي أنه يحيل المواقف السياسية إلى مقدسات دينية لايمكن المساس بها في أذهان أتباعه..يستحيل أن تقنع أتباع الاسلام السياسي بأن الخلافة الاسلامية وهم كبير ولسوف يدافعون عنها كما يدافع المتدين عن دينه بكل عناد وانكار للحقيقة وتعصب وعدوانية..جرب أن تكتب على فيسبوك أن الخلافة وهم وستجد فورا من يشتمك بأبيك وأمك ثم ادخل على صفحة الشتام ستجد آيات قرانية وابتهالات دينية..
في مصر جماعتان للاسلام السياسي: السلفيون والاخوان المسلمون. الجماعة السلفية ثبت أنها تتلقى تمويلات ضخمة من الوهابيين في الخليج وثبت أيضا (باعتراف مشايخهم) أنهم عملاء لأجهزة الأمن، وقد عارضوا الثورة المصرية لأنهم يدعون إلى طاعة الحاكم المسلم حتى لو ظلم الناس (وان كانت خطبة حماسية واحدة قد تحيل السلفي إلى ارهابي). أما الاخوان المسلمون فان قراءة تاريخهم تبين الدور الذى قاموا به.
في عام 1948 اشتركت كتائب الاخوان في الحرب دفاعا عن فلسطين وفي عام 2011 دافع شباب الاخوان ببسالة عن المعتصمين في ميدان التحرير يوم موقعة الجمل، باستثناء هاتين الواقعتين، منذ ظهورهم عام 1928 وحتى الآن، لم يتخذ الاخوان موقفا واحدا لدعم النضال الديمقراطي، بالعكس ، تحالف الاخوان مع الملك فاروق وعندما كان الشباب الوطنى يهتف "الشعب مع النحاس (زعيم الأمة آنذاك ) كان شباب الاخوان يهتفون "الله مع الملك" ثم تحالف الاخوان مع اسماعيل صدقي (جلاد الشعب) واستعملوا لتأييده الآية القرآنية "واذكر في الكتاب اسماعيل إنه كان صادق الوعد"، ثم تحالف الاخوان مع عبد الناصر والسادات ومبارك والمجلس العسكري بعد الثورة..؟
ان الدورة السياسية للاخوان واحدة لا تتغير، عندما يواجه الديكتاتور مقاومة شعبية يستعين بالاخوان كقوة كبيرة منظمة لاجهاض الثورة وبعد أن يأخذ غرضه منهم ينقلب عليهم ويلقي بهم في السجون.. هل كان عبد الناصر يستطيع الغاء الديمقراطية والانفراد بالسلطة بدون دعم الاخوان..؟ هل كان السادات يستطيع القضاء على المعارضة اليسارية الوطنية بدون دعم الاخوان..؟ هل كان المجلس العسكري بعد الثورة يستطيع المحافظة على النظام القديم والتنكيل بالثوار بدون دعم الاخوان..؟ الاجابة دائما بالنفي.
لقد تحالف الاخوان مع الطغاة وخانوا ارادة الشعب دائما بلا تردد ولا خجل.. هل يعقل ان يكون مئات الألوف من الاخوان انتهازيين.؟ طبعا لا، لو انك تعاملت مع أحد الاخوان كزميل ستجده غالبا يتمتع بأخلاق جيدة. المشكلة في طبيعة الاسلام السياسي التى توفر لهم عناصر ثلاثة: الاحساس بالتفوق الديني على الآخرين والطاعة المطلقة التى أقسموا عليها وتقديس التنظيم باعتباره جماعة ربانية تمثل الدين بل هي الدين نفسه..اذا كنت أعتقد أننى أفضل منك عند الله وان الله قد عهد إلى جماعتي بالذات لكي أعلي كلمته وأستعيد مجد الاسلام واذا كنت لا أؤمن بالديمقراطية التى هي حكم الشعب وانما أؤمن بالخلافة التى هي حكم الله، فلماذا تريدني أن التزم معك بأي اتفاق ولماذا لا أتحالف مع الديكتاتور مؤقتا حتى أصل إلى السلطة وأنفذ ارادة الله..؟ لا يوجد تعريف للفاشية الدينية أفضل من هذه الأفكار. للأسف فان مصر منذ عام 1952 محاصرة بين الفاشية الدينية والفاشية العسكرية، كلما تخلصت من احداهما وقعت في براثن الأخرى والمدهش هو وجه تشابه بين الفاشيتين. الحكم العسكري يحتكر الوطنية ويعتبر كل من يعارضه خائنا للوطن والفاشية الدينية تحتكر الدين وتعتبر كل من يعارضها كارها للدين أو خارجا عليه.
ان سياسات الاخوان قدمت أكبر دعم لكل ديكتاتور في مصر، فقد كان يطمئن دائما إلى وجود جماعة كبيرة مؤثرة تدعم قراراته الاستبدادية. تـأمل كيف خان الاخوان الثورة وتواطؤوا مع المجلس العسكري وحشدوا الناس بشعارات دينية في استفتاء مارس 2011 حتى لاتكتب الثورة دستورها ويتم ترقيع الدستور القديم بواسطة لجنة اخوانية..؟ فائدة أخرى مهمة يقدمها الاخوان للديكتاتور هي نظرية " البديل المرعب". كل ديكتاتور حكم مصر كان يقول في الخارج والداخل "اذا رفضتم استبدادي سيقفز الاخوان على الحكم". لماذا أفرج المجلس العسكري بعد الثورة عن مئات المتطرفين ولماذا تم التركيز عليهم في الاعلام ولماذا تم احراق الكنائس بتواطؤ أجهزة الأمن ولماذا صدرت صحيفة الاهرام وعلى صفحتها الأولى صورة قبطى مقطوع الأذن والمانشيت "الاسلاميون ينفذون الشريعة في القبطي"(تبين بعد ذلك ان القصة كلها ملفقة) كانت الرسالة للشعب وخصوصا الاقباط "أنتم أسقطتم مبارك فتحملوا الحكم الديني المتطرف"..
هل كان الاسلام السياسي سببا لتأخر الديمقراطية في مصر؟ قطعا.. ليس فقط بسبب ماذكرناه لكن لأنه أخرج ملايين الشباب النقي المخلص من معركة الديمقراطية ودفع بهم في طريق معركة الخلافة الاسلامية التي هي وهم كما أوضحنا وسوف تؤدي حتما إلى الفاشية (تأمل كيف يتخلص أردوغان من معارضيه ويتحول إلى ديكتاتور وسط تكبير المؤمنين بالخلافة).
الاسلام دين عظيم لكنه لم يقدم أي نموذج للدولة. الدولة الديمقراطية تحترم الأديان جميعا لكنها كمؤسسة مدنية يجب أن تكون بلا دين.
الديمقراطية هي الحل
draswany57@yahoo.com
* هذا المقال الثالث للدكتور علاء الأسواني ضمن سلسلة (ثلاثة) مقالات حول الموضوع.