د.مصطفى عبدالرازق
للأسف لست من المهتمين بكرة القدم، ولذلك لم تهتز لى شعرة ببدء مباريات كأس العالم وهنا فى الجوار العربي في قطر، ولذلك أيضا ليس لدي جدول مواعيد المباريات التي لا أعرف المتنافسين فيها من الأصل، ولم أعرف بمشاركة السعودية وفوزها إلا من خلال قرار منح إجازة لكافة العاملين في المملكة. ورغم ذلك فقد استحوذت الدورة الحالية على جانب من اهتمامي فى جانب محدد، هو البعد المتعلق بالدين، وهو البعد الذى لا بد أن يثير الدهشة باعتباره أبعد الجوانب التي يجب أن تلتصق بكأس العالم. فى رأيي أن السمة الاساسية التى طبعت كأس العالم والذي يقام في قطر هذه الدورة هي الأسلمة وهي سمة أضفت على الدورة وفعالياتها حالة أعتقد أنها غير مسبوقة.
في حدود متابعتي البعيدة لما يجري هناك سباق محموم بين تيارين على البعد الخاص بالمكون الديني في كأس العالم وهو أمر في تقديري وفي حدود معلوماتي البسيطة عن مثل هذه المسابقة لم يحدث من قبل وبهذه الصورة في أي دورة سابقة. باختصار دورة قطر هي تجل واضح لفكرة أو مفهوم صراع الحضارات وليس حوارها، وهو صراع يجري على أشده بين أطراف مختلفة. مرة ثانية لم أتابع التفاصيل ولذلك أكتب فى حدود المعلومات السريعة التي وصلت إلى علمي من خلال الوسائل المختلفة.
أولا هناك محاولة للبعض ربما تبدو فى شكلها ساذجة للترويج لفكرة أن تنظيم الكأس على أرض عربية إسلامية ممكن يكون فرصة لأسلمة الفرق والمشجعين الذين سيشهدون الكأس، فكان الحديث ومحاولة تجربة ما يسمى بالترويج للحجاب لنشره بين المشجعات اللواتى يشهدن الفعاليات. كما جرى كثير من الجدل حول إسلام الكثير من الأفراد على وقع وجودهم فى قطر هذا فضلا بالطبع عما أثير حول البعد المتعلق بانتشار الأذان وخلافه. ووصل الأمر إلى حد ما أشارت اليه «بي بي سي» في أحد تقاريرها من أن البعض بدأ يتصور أن تنظيم قطر للدورة ربما بمثابة تحوله لمهرجان للتعريف بالإسلام وتعاليمه.
في المقابل ولد ذلك رد فعل مضاد وهو حرص الكثير من المشاركين على رفع ما يعبر عن قيم مضادة لقيم الإسلام وكان أبرز سلوك لذلك المتعلق بالمثلية الجنسية إلى حد تورط وزيرة داخلية ألمانيا في مثل هذا الخلاف بارتدائها ما يسمى بشارة «حب واحد» خلال مباراة منتخب بلادها، وهو الأمر الذى خطط له قادة منتخبات انجلترا وويلز وبلجيكا وهولندا وسويسرا قبل أن يوضح الفيفا بأن اللاعبين سيحصلون على بطاقة صفراء إن فعلوا ذلك.
أكتب هذه السطور والظاهرة – الأسلمة أو الصراع على خلفية القيم الدينية – في طور الحدوث والتشكل، وكأس العالم تتواصل فعالياته ولم تنته بعد، وهو ما يصعب من التناول الرصين والعلمي للأمر، لكن بشكل مبدئي أتصور أن ما يحدث يقلل من التفاؤل بتجاوز حالة الصدام الحضاري، ويشير إلى أن الدين سيبقى أحد مقومات الاستقطاب بين المؤمنين به والرافضين له ولدوره فى حياتنا المعاصرة، وأنه هذا الاستقطاب لن يعدم الوسيلة التي يعبر من خلالها عن نفسه حتى لو من خلال ظاهرة كروية أبعد ما تكون عن مجاله، ويفترض أن تلعب دورا إدماجي وليس تفريقي على صعيد أفكار وعقائد من ينخرطون فيها.
ليس في الأمر تزيد غير أن المنطق يقرر أنه ليس هكذا تورد الأمور سواء من قبل الفريق الإسلامي إن صح التعبير أو الفريق المناوئ ممن يرفض القيم التي يعبر عنها الإسلام أو يؤمن بقيم مخالفة، فربما تأتي هذه الممارسات بنتائج عكسية وهو ما تؤكده وقائع ما يجري في الدورة الحالية بقطر.