كاتب: Mira Kamdar
مصدر: What Happened in Delhi Was a Pogrom
نشرت مجلة ذي أتلانتك الأمريكية مقالًا للكاتبة المختصة في الشأن الهندي، ميرا كامدار، تحدثت فيه عن أعمال العنف الأخيرة التي شهدتها الهند من الهندوس ضد المسلمين، والتي تزامنت مع زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للبلاد، محذرة من أن الحزب الحاكم في الهند لن يسمح بأن يقف شيء في طريق تطبيق أجندته الهندوسية القومية.
أقليات مستهدفة وسلطات متواطئة
بدأت الكاتبة، التي ألفت أربعة كتب عن الشأن الهندي، مقالها مؤكدة أن أعمال العنف التي ارتكبها غوغاء هندوس مسلحون ضد المسلمين في دلهي خلال زيارة دونالد ترامب للبلاد، إنما هي درس ونذير شؤم.
فبينما كان ترامب يتناول العشاء مع رئيس وزراء الهند، ناريندرا مودي، يوم الثلاثاء، كان الهندوس في المدينة ذاتها يضربون المسلمين ويطلقون النار عليهم، وكان المسلمون يقاتلون دفاعًا عن بيوتهم وأعمالهم من اللصوص والمخربين الذين أشعلوا النار في ممتلكات المسلمين. قُتل أكثر من 40 شخصًا – من بينهم امرأة تبلغ من العمر 85 عامًا لم تستطع الفرار من منزلها المشتعل – وأصيب أكثر من 200 شخص بجروح، معظمهم من المسلمين.
زيارة ترامب الأخيرة للهند
شرطة دلهي التي ترسل تقارير مباشرة إلى وزير الداخلية «أميت شاه»؛ إما وقفت مكتوفة الأيدي، وإما انضمت إلى المسلحين الغوغاء. انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع مصورة لرجال الشرطة وهم يخربون كاميرات المراقبة، ويتهكمون على الرجال المسلمين الذين يتعرضون للضرب وينزفون، بينما يلتقطون لهم صورًا بهواتفهم الذكية.
تضيف الكاتبة: أعادت أعمال العنف هذه إلى الأذهان ما حدث عام 2002 عندما كان مودي يشغل منصب كبير وزراء ولاية جوجارات، ولم تبذل السلطات حينها أي جهد لوقف المذبحة التي أودت بحياة حوالي ألف شخص معظمهم من المسلمين. وأعادت أيضًا إلى الأذهان ذكريات عمليات القتل الانتقامية التي أودت بحياة 3 آلاف شخص على الأقل من السيخ في أعقاب اغتيال رئيسة الوزراء السابقة أنديرا غاندي على يد اثنين من حراسها الشخصيين السيخ عام 1984.
وفي جميع هذه الوقائع، سُمح للغوغاء باستهداف جماعة دينية بعينها، وممارسة أعمال الشغب، دون رادع من الشرطة. هذا هو تعريف المذبحة (Pogrom)؛ مصطلح روسي يعني: مذبحة مدبرة من خلال أعمال شغب عنيفة ضد جماعة دينية أو عرقية.
مواطنة من نمط جديد مع حكومة مودي
ترى ميرا أن أعمال العنف الأخيرة في دلهي كانت أكثر من مجرد صدى لأحداث الماضي؛ إذ أعطت درسًا للمواطنين الهنود الذين تجرأوا منذ ديسمبر (كانون الأول) على مجابهة تحوُّل جمهورية الهند العلمانية إلى دولة هندوسية، وهو التحول الذي تسارعت خطاه مع إعادة انتخاب مودي في مايو (أيّار) الماضي.
في أغسطس (آب) الماضي، ألغت حكومة مودي الوضع الخاص لولاية جامو وكشمير، الذي كان يسمح للولاية بوضع قوانينها الخاصة، واعتقلت القادة المنتخبين وآلاف المواطنين ووضعتهم في السجون، حيث ما زالوا يعانون. كما قطعت السلطات الإنترنت عن كشمير؛ قبل أن ترفع قبضتها عن الشبكة جزئيًّا منذ خمسة أشهر، وتسمح بالوصول إلى مجموعة محددة من المواقع التي اختارتها الحكومة بعناية.
وفي أغسطس أيضًا، أسفرت نتائج السجل المدني للمواطنين (NRC) في ولاية آسام الشمالية الشرقية عن تجريد مليوني مواطن – معظمهم من المسلمين – من الجنسية الهندية بعد عجزهم عن تقديم الوثائق الكافية لإثبات جنسيتهم. ما جعل تأثير هذه التطورات المتباعدة جغرافيًّا يصل إلى عقر دار المواطنين الهنود في دلهي، هو وعد شاه في نوفمبر (تشرين الثاني) بتطبيق إجراءات السجل المدني للمواطنين على مستوى الدولة.
وما أعقب ذلك من موافقة مجلسي البرلمان الهندي على تعديلات قانون المواطنة في ديسمبر، وهو الأمر الذي من شأنه أن يسرّع إجراءات منح الجنسية الهندية لغير المسلمين من باكستان، وبنجلاديش، وأفغانستان. لكن هذا القانون يفتح الباب أمام التمييز ضد المسلمين تحت مظلة القانون، وفقًا للكاتبة.
هذه التهديدات الوجودية لحقوق المساواة المكفولة دستوريًّا للمواطنين الهنود بغض النظر عن ديانتهم، وشبح جحافل الأشخاص معدومي الجنسية الجدد الذين جُردوا من جنسياتهم؛ دفعت المسلمين الهنود والطلاب وبعض المواطنين القلقين، للمشاركة في احتجاجات سلمية. لوّح المحتجون بالعلم الهندي ذي الألوان الثلاثة، وغنوا النشيد الوطني، وقرأوا ديباجة دستور البلاد.
خطاب الكراهية كدعاية انتخابية
يتابع المقال: للحظة بدا وكأن حكومة مودي قد ذهبت بعيدًا وارتقت مرتقى صعبًا. ففي الثامن من فبراير (شباط)، وبعد شن حملة كراهية شملت تظاهرات هتف فيها الناس قائلين: «اقتلوا الخونة»، في إشارة إلى المتظاهرين؛ تعرض حزب «بهاراتيا جاناتا (BJP)» لهزيمة في انتخابات الجمعية التشريعية في دلهي. واعترف شاه حينها بأن خطاب الكراهية أضرّ ولم ينفع، لكن علاج المسألة بدا وكأنه فاقم وتيرة الكراهية إلى مستوى جديد.
في يوم 23 فبراير، أفرغ «قابيل ميشرا» من حزب «بهاراتيا جاناتا» – الذي فقد مقعده في انتخابات دلهي الأخيرة – جام غضبه على اعتصام نظمته مجموعة من السيدات المسلمات في شمال دلهي كان يسد الطريق. وحذر ميشرا من أنه إن لم تفض السلطات الاعتصام قبل زيارة ترامب، فإن أنصاره سيفعلون ذلك بعد مغادرة الرئيس الأمريكي.
لكن الانتظار لم يكن خيارًا مفضلًا؛ إذ بدأ الغوغاء التحرك في غضون دقائق، وانتقلوا إلى الأحياء المجاورة، وضربوا المسلمين وقتلوهم ونهبوا ممتلكاتهم وحرقوها. لم يهم كثيرًا أن الرئيس الأمريكي حينها كان موجودًا في البلدة. وحين أشاد الرئيس الأمريكي بدفاع مودي عن «الحرية الدينية» أظهر أنه إما لم يكن يعرف، وإما لا يهمه أن يعرف، ما الذي كان يجري في البلاد حينها، على حد قول الكاتبة.
سلطات متواطئة ومواطنون يدفعون الثمن
وترى الكاتبة أن «أرفيند كيجريوال» – رئيس وزراء دلهي الذي أعيد انتخابه مؤخرًا – أثبت عجزه عن احتواء العنف في مدينته. فهو أضعف من أن يضع نفسه جسديًّا على المحك – على عكس المهاتما غاندي وجواهرلال نهرو – اللذين لم يترددا في فعل ذلك عندما اندلعت المواجهات بين المسلمين والهندوس في السنوات المشحونة التي سبقت استقلال الهند. ورفضت حكومة مودي طلب كيجريوال بإنزال الجيش إلى الشوارع لتحقيق الأمن.
يوم الثلاثاء 25 فبراير، استدعى القاضي «موراليدار» من محكمة العدل العليا في دلهي الشرطة لتوبيخهم بسبب إخفاقهم في تقديم شكوى ضد ميشرا وسياسيين آخرين من حزب بهاراتيا جاناتا، الذين حرّضوا الحشود على هذه الأعمال بخطاب الكراهية الذي أطلقوه. في اليوم التالي، نُقل موراليدار من دلهي إلى محكمة في ولاية البنجاب الهندية، وحوّلت المحكمة العليا في الهند في اليوم نفسه الالتماسات بشأن العنف الذي هز العاصمة الهندية إلى المحكمة العليا في دلهي؛ التي أصبحت الآن بلا موراليدار.
تتابع الكاتبة: الرسالة التي يريد إيصالها حزب بهاراتيا جاناتا واضحة؛ انتخب من تريد، لكننا ما نزال في السلطة. واستعن بالشرطة؛ لكنهم أيضًا يعملون لصالحنا. الجأ إلى المحكمة؛ وسنحيّد أي قاضٍ لا يلتزم بنهجنا. واستمر في المعارضة؛ وسنسلط عليك الغوغاء.
بدايات لا تخلو من نُذُر الشؤم
في البداية رُحب بالنصر الانتخابي الذي حققه مودي عام 2014 بوصفه انتصارًا لرئيس وزراء إصلاحيّ يدعم السوق الحرة، وإن كان أخطأ في أعمال الشغب التي اندلعت عام 2002 فإنه تدارك الأمر، وعوّض عنها بعد ذلك بفضل سجله الاقتصادي الثابت في جوجارت. ظلت صورة مودي هذه صحيحة إلى حد كبير في فترة ولايته الأولى، على الرغم من نذر الشؤوم التي تنبئ بعكس ذلك؛ بما فيها عمليات إعدام متعددة للمسلمين على يد الهندوس لشبهة تناولهم للحم البقر، ومطاردة – وحتى اغتيال – الصحافيين والمفكرين الأحرار على يد متطرفين هندوس أفلتوا من العقاب.
تضيف ميرا أن أبرز نذر الشؤم كانت تعيين حزب بهاراتيا جاناتا رجل الدين الهندوسي المعادي للمسلمين، «يوجي أديتياناث»، رئيسًا لوزراء ولاية أوتار براديش الأكثر اكتظاظًا بالسكان في الهند، بعد فوز الحزب في الانتخابات التشريعية هناك عام 2017.
مرتديًا أردية بلون الزعفران، أشاع أديتياناث فكرة أن الرجال المسلمين يخططون لاختطاف النساء الهندوسيات عن طريق «جهاد الحب»، وأنشأ جيشًا من الميليشيات أسماه هندو يوفا فاهيني (Hindu Yuva Vahini) وهدد بإغراق أي شخص يرفض أداء تحية الشمس. منذ تعيينه كبير وزراء ولاية أوتر براديش، قاد أديتيانث عهد الإرهاب ضد المسلمين في ولايته. والساسة الطموحون في حزب بهاراتيا جاناتا، مثل قابيل ميشرا، يحذون حذو أديتياث، إدراكًا منهم أن هذا النهج هو ما يتطلبه الأمر للتقدم في صفوف حزبهم.
شباب في مهب التقلبات الاقتصادية والأفكار الراديكالية
صورة مودي زعيمًا براجماتيًّا، يضبط بوصلته بما يخدم الأعمال التجارية، وابتعد عن التطرف الهندوسي؛ تمزقت اليوم تمامًا على حد قول الكاتبة. فمن المتوقع أن ينمو الاقتصاد الهندي بنسبة 5% فقط هذا العام، وهو أدنى معدل له منذ 11 عامًا. ومعدل الفقر في الهند يرتفع مجددًا.
وأكثر من ثلث سكان الهند، الذين يقدر عددهم بـ1.3 مليار نسمة، من الفئة العمرية بين 15- 24، ليس لديهم أمل كبير في العثور على وظيفة. وما تزال النسبة ترجح لصالح كفة الذكور في الهند؛ إذ تعد الفتيات عبئًا على موارد الأسرة. ويتطلّع ذخر الهند من الشباب المحبط إلى الشعور بالتمكين، وإيجاد هدف لحياتهم، والانتقام لأحلامهم التي ذهبت في مهب الريح.
وغزا التطرف فكر الكثير من الشباب الهندوسي على يد منظمات مثل «The Rashtriya Swayamsevak Sang»، وهي منظمة شبه عسكرية تابعة لحزب بهاراتيا جاناتا، صُممت صراحة على طراز النازية، ولقنت ودرّبت الآلاف من بينهم مودي، الذي كان عضوًا فيها منذ أن كان في الثامنة من عمره.
تختم الكاتبة مقالها بالقول: «كل ما يتطلبه الأمر في الهند التي يحكمها مودي لتنظيم حشد من الغوغاء – كما أثبت قابيل ميشرا هذا الأسبوع في دلهي – هو: كلمة. وكل ما يتطلبه الأمر لتحويل هياج الغوغاء إلى مذابح ضد أقلية دينية؛ هو: تواطؤ الشرطة وسلطات الدولة. ومع ذلك، ما يزال المواطنون الشجعان يعتصمون في الأماكن العامة في احتجاج سلمي. فهم يعلمون أن كل ما بقي لهم لإنقاذ جمهوريتهم الديمقراطية هو: الاحتماء بعضهم ببعض. ويعرفون أيضًا أن يد الغوغاء قد تبطش بهم أيضًا في أي يوم».