سوريا والابادة الآشورية - مقالات
أحدث المقالات

سوريا والابادة الآشورية

سوريا والابادة الآشورية

سليمان يوسف يوسف:

 

بموازاة قضية الابادة الارمنية، ثمة قضية أخرى ترتبط بها و لا تقل عنها أهمية في بعدها السياسي والانساني. إنها قضية الابادة الآشورية. الآشوريون )سرياناً كلداناً)  تقاسموا مع أشقائهم الأرمن ويلات ومآسي المجزرة، التي نفذتها بحقهم دولة الخلافة الاسلامية العثمانية عام 1915. في ذات المقابر والمحارق الجماعية، التي اقامها لهم ذات المجرم السفاح، امتزجت دماء شهداء الأرمن والآشوريين سرياناً كلداناً و تعانقت جثثهم و ارواحهم.بفضل جهود دولة جمهورية أرمينيا ، العضو في الأمم المتحدة، حظيت قضية الابادة الارمنية باهتمام دولي، ونالت اعتراف الكثير من دول العالم . للأسف، التاريخ غدر بالآشوريين بحرمانهم من دولة خاصة بهم. عدم وجود دولة آشورية ابقى الابادة الآشورية في درج النسيان الدولي . لكن بفضل جهود ونشاط الجاليات الآشورية (سريانية – كلدانية) في دول الشتات والمنافي، بدأت قضية مذابح الآشوريين (سرياناً كلداناً)، في زمن السلطنة العثمانية، تبرز وتشق طريقها الى المنابر والمحافل الدولية. فقد اعترفت بها حتى الآن العديد من الدول الأوربية والمنظمات الدولية المعنية بحقوق الانسان و الشعوب المضطهدة

نحو مليون آشوري (سرياني كلداني) كانوا يعيشون تحت حكم السلطنة العثمانية. اليوم، وقد مضى على المذبحة أكثر من قرن من الزمن، يوجد في كل تركيا فقط نحو 15 ألف من مختلف الطوائف والكنائس (السريانية الآشورية الكلدانية )، معظمهم يقيم في استنبول. التراجع المخيف في تعدادهم، وحجم التغيير الديمغرافي في مناطقهم التاريخية  لصالح العنصر المسلم، يكشفان هول الكارثة الانسانية التي حلت بالآشوريين (سرياناً كلداناً) على يد  جيش السلطنة العثمانية، بمشاركة كردية. فيما يخص الجدل المثار حول المسؤولية الكردية عن تلك المجازر: الأكراد غير مسؤولين قانونياً أمام المجتمع الدولي عن الابادة الاشورية، لأنهم حينها لم يكونوا سلطة ولا أصحاب قرار.  لكن هذا لا يعفيهم من المسؤولية الأخلاقية والاعتذار لأحفاد الضحايا واعادة لهم ما استولوا عليه من ممتلكات وأملاك وارض زراعية. المشاركة الكردية الواسعة في المذابح سهلت على الاتراك العثمانيين تنفيذ مخططهم العنصري الهادف الى التخلص من الأرمن والآشوريين (سرياناً كلداناً) والأقوام المسيحية الأخرى. هذه حقيقة يؤكدها ناجون من المذابح والعديد من المصادر والوثائق التاريخية، منها كتاب (ماردين – دراسة تحليلية للإبادة 1915) للمؤرخ والباحث الفرنسي إفترنون. يقول ترنون في كتابه ص19" الأتراك ارادوا تصفية المسالة الأرمنية نهائياً، والأكراد دُعوا للاشتراك بالغنيمة، فانتهزوا العرض ووسعوه الى مسيحيين آخرين".  

الابادة الآشورية، كما الابادة الأرمنية ، وفق القانون الدولي ، هي جريمة ضد الانسانية، ارتكبت بدوافع الحقد والكراهية الدينية والعرقية. هكذا جرائم،لن تٌنسى ولن تٌطوى ملفاتها،  مهما مر عليها من زمن . مع توالي الاعترافات الدولية بـجريمة الابادة ، تركيا ، باعتبارها وريثة السلطنة العثمانية، ستجد نفسها مرغمة على القبول بالجلوس على كرسي الاعتراف والاقرار بمسؤوليتها عن الابادة وتحمل كل ما يترتب عليها من النواحي القانونية والانسانية الأخلاقية والتعويض لأحفاد الابادة . قبل ايام ، عشية إحياء الذكرى الـ 104 للإبادة الأرمنية – الآشورية، وفق وسائل اعلام ارمنية،  قررت الدولة السورية " ادراج موضوع الإبادة الأرمنية في كتب تاريخ المراحل الثانوية بالمدارس السورية" . سوريا ، التي أخذت اسمها وهويتها الوطنية عن السريان الآشوريين، بتجاهلها لـلإبادة الآشورية، اثارت استياءً وسخطاً شديدين في مختلف الأوساط السريانية الآشورية  الكلدانية داخل سوريا وخارجها. رداً واحتجاجاً على تجاهل الحكومة السورية لـلابادة الآشورية، برزت أصوات تطالب بنقل الكرسي البطريركي للسريان ، من دمشق الى دولة أخرى، مثل لبنان أو لأية دول أوربية، حيث تنتشر الجاليات السريانية . إذا، ما بقيت الدولة السورية على موقفها السلبي من قضية الابادة السريانية الآشورية، تكون قد خذلت الآشوريين (سرياناً كلداناً) ووجهت لهم صفعة سياسة ومعنوية قوية، وستزيد من حالة الغبن والاغتراب الوطني لديهم . من دون شك، الدولة السورية، بتجاهلها للإبادة السريانية الآشورية، وضعت البطريرك السرياني افرام كريم في موقف محرج مع ابناء رعيته السريان في الداخل والخارج ، خاصة والبطريرك هو من أكثر المطبلين والمصفقين والمؤيدين للرئيس بشار الأسد ونظامه المأزوم، الذي يتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية عن الكارثة السورية. فيما يخص موقف السيد حمودة الصباغ، سرياني من أحفاد الابادة، رئيس مجلس الشعب، يُستبعد أن يحرك ساكناً، من موقعه كرئيس لأعلى سلطة تشريعية في البلاد ، باتجاه دعم ونصرة قضية الابادة السريانية الآشورية، لأنه شخص مأمور لا قرار له ،مسلوب الحرية والارادة. الصباغ ،ومن معه في المجلس من نواب سريان آشوريين، لم يتم انتخابهم من قبل الشعب السوري، وإنما تم اختيارهم  من قبل النظام ، بصفتهم بعثيين عروبيين مسيحيين ولاعتبارات تخص النظام ، وليس بصفتهم ممثلين عن المكون السرياني أو عن القومية الآشورية.

في ضوء الطبيعة الاستبدادية للنظام السوري، يُستبعد أن يستجيب لدعوات السريان المطالبين بإدراج الابادة الآشورية في مناهج المدارس السورية، إسوة بـالإبادة الارمنية. حتى إدراج الابادة الارمنية في مناهج التعليم في المدارس السورية، ليس موقفاً مبدئياً للنظام السوري من القضية الأرمنية ولا حباً بالأرمن ، إنما هو أحد مفاعيل أو افرازات الحرب السورية الراهنة. الخطوة السورية ، جاءت رداً على الدور السيء لتركيا في هذه الحرب واحتلالها للعديد من المدن والبلدات السورية الحدودية، مثل عفرين والباب و جرابلس واعزاز، وتركيا أردوغان)هي من أكثر الداعمين، بالمال والسلاح والرجال، للفصائل المسلحة في المعارضة السورية وللمجموعات الاسلامية المتشددة والارهابية كمثل جبهة النصرة، التي تقاتل في سوريا بهدف اسقاط  حكم الأسد وإقامة حكم اسلامي مرتبط بتركيا، المحكومة من قبل حزب العدالة والتنمية الاسلامي. النظام السوري يريد استثمار قضية الابادة الارمنية كورقة ضغط على الرئيس التركي اردوغان ،لثنيه على تغير موقفه من الأزمة السورية ووقف دعمه لفصائل المعارضة السورية. الخطوة السورية باتجاه الابادة الأرمنية لا تخلو  من رد جميل لـجمهورية ارمينيا على موقفها المناصر والداعم للدولة السورية في حربها ضد خصومها في الداخل والخارج.  

أخيراً: الحرب السورية أضافت فصلاً جديداً في كتاب الابادة الآشورية. حفرت جرحاً عميقاً آخر في الذاكرة التاريخية الأليمة للآشوريين (سرياناً كلدانا) . المحطات الأكثر دموية في هذا الفصل الجديد من كتاب الابادةالآشورية، غزو تنظيم الدولة الاسلامية – داعش، للبلدات والقرى الآشورية على ضفتي نهر الخابور في الجزيرة السورية، شباط 2015. سلسلة تفجيرات ارهابية، وسط الأحياء والتجمعات المسيحية في مدينة القامشلي، أوقعت عشرات الشهداء وعشرات الجرحى .  

 باحث سوري مهتم بقضايا الاقليات.

ايلاف

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*