عن الزيجات الحرام.. والمحاكم الشرعية - مقالات
أحدث المقالات

عن الزيجات الحرام.. والمحاكم الشرعية

عن الزيجات الحرام.. والمحاكم الشرعية

عادل نعمان

 

وكأننا من أهل الجاهلية الأولى، ولم نبلغ الرشد والحكمة والنضج الفكري، حتى يأخذ أصحاب الفضيلة المشايخ بأيدينا من الباب للباب، ومن سبوع المهد والولادة حتى أربعين الممات، ومن بطن الأم إلى بطن الأرض، يقررون كيف نأكل ونشرب ونلعب ونعمل ونضاجع النساء. وها نحن أمام شيخين أزهريين لهما من الشهرة نصيب كبير، الأول يقطع علينا طريق الدولة المدنية ويزيد الطين بلة، ويطالب بعودة المحاكم الشرعية، والثانى يخرج علينا يجتث أرحامنا اجتثاثا، ويقطع صلة القربى تقطيعا، حين أدلى بدلوه «المخروم» أن ثلاثة أرباعنا من زيجات حرام، فقد أصبحنا ملطشة، يقال فينا ما يقال، ولا يحاسب من أساء القول أو الرأي.

والشيخ الفاضل أحمد كريمة يطالب وزير العدل بعودة «المحاكم الشرعية» للفصل فى النزاعات الزوجية، التى تم إلغاؤها فى خمسينيات القرن الماضى، حتى تكون المشكلات الزوجية في مكان مغلق، وتكون هناك حلول بعيدا عن القضايا الإجرامية (كما جاء فى تبريره)، وليس هذا مبررا يا شيخنا، فيمكن المطالبة بأن تكون هذه القضايا في المحكمة مقصورة على الأطراف والدفاع والشهود فقط، وينظر فيها بعيدا عن القضايا الإجرامية، وأعتقد أن هذا الأمر ميسور ويعمل به حين الطلب أمام محاكم الأحوال الشخصية، إلا أن الأمر فى حقيقته ينذر بخطر، وهو أن المحاكم الشرعية أحد أهم أركان الدولة الدينية، وبداية لتعميم المحاكم الشرعية حتى تزحف إلى كل روافد الحياة الاقتصادية والاجتماعية وغيرهما، ثم ماذا عن التناقض فى الأحكام بين القانون العام وأحكام الشريعة يا شيخنا؟ وتعالى إلى مثالين اثنين.

المثال الأول: زواج القاصرات، لو أن رجلا زوج ابنته القاصر، فماذا لو طالبت الأم بفسخ عقد الزواج لمخالفته القانون، وطالبت بمحاكمة ومعاقبة أطراف هذه الواقعة أمام المحاكم العادية؟ وفقا للقانون (يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز سنتين، أو بغرامة لا تزيد على ثلاثمائة جنيه كل من أبدى أمام السلطات المختصة بقصد إثبات بلوغ أحد الزوجين السن المحددة قانونا، وتشدد العقوبة على المأذون على أنها جناية، وتشمل العقوبة وتزيد بمقدار المثل إذا بلغت من بالغ على الطفل، أو إذا ارتكبها أحد والديه أو من له الولاية أو الوصاية عليه، أو المسؤول عن تربيته، فيعاقب بالحبس مدة لا تقل عن سنتين وغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه، ولا تزيد عن خمسين ألف جنيه)، فماذا لو تم نظر ذات القضية أمام المحاكم الشرعية بنفس الظروف؟ وكان الحكم من الناحية الشرعية هو (حق ولى الأمر فى عقد نكاح الصغيرة دون استئذانها، وشرعية العقد والدخول بها عند التاسعة) ثم يختتم القاضي الشرعي الحكم بمباركة هذا الزواج والدعاء لهما بأن يجمع الله بين الطفلين في خير، ورفض دعوى الأم!!.

المثال الثانى: ماذا لو أحدث الزوج عاهة مستديمة في الزوجة عند ضربها، فقء عين أو قطع أذن أو أنف وتقدمت إلى المحكمة؟ القاضي في المحكمة يحكم بنص المادة (240، 241) من قانون العقوبات في حالة حدوث عاهة مستديمة، قطع أو انفصال جزء يعاقب بالسجن من ثلاث إلى خمس سنوات، وفي حالة سبق الإصرار والترصد يعاقب بالأشغال الشاقة من ثلاث إلى عشر سنوات، فماذا عن المحاكم الشرعية، وما مدى مسؤولية الزوج عن عواقب التأديب؟ (اتفق مالك وأحمد لا ضمان على الزوج والولي من التلف الذى ينشأ من التأديب، وعند الحنفية يضمن الزوج إذا أفضى تأديبه إلى الموت، لأن تأديب الزوجة مشروط أن يكون غير مهلك، ومشروط بسلامة العاقبة، والشافعية تشترط الضمان فى التأديب)، هل تستطيع فضيلتك أن تحدد العقوبة إذا احتكم القاضي إلى الرأي الذى يضمن فيه الزوج عواقب التأديب وما هو؟، ناهيك عن رأي مالك وأحمد في لا ضمان على الزوج من التلف فهذه وحدها كارثة.

والشيخ مبروك عطية أحد المشايخ المتعالين على خلق الله، ولو كان مخترعا لدواء أو عالما فى الفيزياء أو الطب أو الهندسة لعرف معنى تواضع العلماء، وكيف يخاطب البسطاء، إلا أنه قد تفوق على كل هؤلاء باكتشافه المفاجئ الذى سيقلب علم الأحياء والوراثة رأسا على عقب، وقد خرج من معمله الذي قضى فيه نصف عمره بهذا الاكتشاف العلمي، (إن ثلاثة أرباع سكان مصر من زيجات حرام)، وقد وصل بالتجربة المعملية إلى أن من تزوج وليس لديه (الباءة)، وهي القدرة المادية على الإنفاق، والقدرة على المواقعة حتى لو كان الزواج مكتملا من الناحية الشرعية، فإن نتاج هذا الزواج من حرام، أفادكم الله يا شيخنا عن بحثك المثمر، فزواج كل الفقراء حرام في حرام، ومن تزوج وعنده القدرة على الزواج وأفلس أو خارت قواه وأصبح غير قادر على الإنفاق أو المضاجعة فليطلق زوجته فورا، وأبشرك يا شيخنا الجليل أن الشوارع والطرقات لن تكفى المطلقات.

من أين لك هذا الاختراع العجيب والاكتشاف المخزى «الفقراء لا يتزوجون» الذى ضربنا فى مقتل، وفضحنا على الملأ، وما رأيك فى من زوجت نفسها لرجل فقير من الصحابة بخاتم من حديد؟، وهذا المعدم الذى تزوج بصداق حفظ سورة من القرآن؟ ومن تزوجت على نعلين؟، وكلهم فقراء، فهل أولادهم من حرام؟، وأين أنت من الآية (إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله)، لنا الله من قبل ومن بعد، وأغنانا عن هؤلاء بالدولة المدنية. (الدولة المدنية هى الحل)

المصري اليوم

 

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث