أرجأ الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، لبعض الوقت، مبدئياً، مرسوماً كان قد أصدره بحق الإخوان المسلمين يصنفهم فيه تنظيماً إرهابياً، حسب مسؤولين أميركيين مقربين من السجال الدائر داخل إدارة ترامب حول وضعية الحركة الإسلامية العالمية.
فبينما رفض البيت الأبيض التعليق على الموضوع علناً، تحدث مسؤولون شرط عدم ذكر أسمائهم عن أن الإدارة تراجعت عن نيتها تصنيفَ الإخوان منظمةً إرهابيةً في شهر فبراير/شباط 2017 بعدما صدرت مذكرة داخلية عن وزارة الخارجية تنصح فيها بالتراجع عن هذا القرار؛ نظراً لأن هيكلية هذه الحركة مشتتة غير متراصة أو محكمة التنظيم، كما أن علاقاتها السياسية ببلدان الشرق الأوسط متباعدة متباينة، وفق ما نشره تقرير لصحيفة واشنطن تايمز الأميركية.
ونصت المذكرة، حسب ما قاله أحد المسؤولين، على أنها "تشرح عدم وجود (إخوان مسلمين) متحدين"، وقال المسؤول للصحيفة الأميركية إنه رغم احتمال وجود علاقات تجمع هذه الحركة بمجموعات إرهابية "حقيقية" كحماس حسب تعبيره، فإن ممارستها أنشطة سياسية أكثر شرعية أمرٌ من شأنه تعقيد عملية تصنيفها منظمةً إرهابية.
جماعة الإخوان المسلمين لديها أحزاب سياسية مرموقة متفاعلة –ولو بشكل طفيف- مع الأنظمة الديموقراطية في كل من الأردن والمغرب وتونس وغيرها من البلدان ذات الأغلبية المسلمة؛ وقد تصادف أن مذكرة وزارة الخارجية الأميركية جاءت بالتزامن مع ضغوط عالية مارستها على إدارة ترامب إحدى تلك الدول على الأقل.
ويُعتقد أن مسؤولين رفيعين من الأردن –الحليف المقرب من الولايات المتحدة- اعترضوا بقوة أمام فكرة إدراج الإخوان على قائمة التنظيمات الإرهابية الأجنبية الخاصة بالخارجية الأميركية، حسب قول المسؤول، والسبب هو أن الذراع السياسية لهذه الحركة في عمّان يشغل 16 مقعداً في البرلمان الأردني حالياً.
لكن الجدل يبقى حامياً في واشنطن حول وضع الإخوان وتصنيفهم، فالمتشددون في مكافحة الإرهاب الإسلامي الراديكالي يقولون إن الرئيس السابق باراك أوباما أخطأ عدة سنين حينما فشل في استهداف ترويج هذه الجماعة لأيديولوجية الفكر المتطرف، ويرون أن الرئيس ترامب يبلي بلاء سيئاً بتفويته الفرصة لتصحيح الوضع.
صلات بالإرهاب
في كابيتول هيل مجموعة صغيرة لكن عالية الصوت من الجمهوريين الذين ينادون بسن قانون يشير على الخارجية الأميركية بأن تختار بين اثنين: إما أن ترضخ وتصنف الإخوان والحرس الثوري الإيراني ضمن التنظيمات الإرهابية، وإما أن تقدم تبريرها لعدم إدراجهما على اللائحة.
يقول السيناتور تيد كروز الذي أعاد فقرة الإخوان المسلمين إلى ذاك القانون في شهر فبراير 2017 في نسخة لمجلس النواب بدعم من النائب ماريو دييز-بالارت، إن إدراج الحركة سوف "ينظم قانونياً الإصلاحات الضرورية في حرب أميركا على الإرهاب الإسلامي الراديكالي"، حسب تعبيره.
وقال وقتها أيضاً السيناتور الجمهوري من تكساس، في بيان له: "إن هذا التهديد لحضارتنا قد اشتد تحت إدارة أوباما؛ نظراً لتعمد تعامي السياسات المتوخية للياقة السياسية، والتي تقوض سلامتنا وأمننا".
ويضيف دييز-بالارت النائب الجمهوري عن ولاية فلوريدا: "إن مشروع هذا القرار سيفرض عقوبات صارمة على جماعة تحض على الكراهية نشرت العنف وخرج من رحمها حركات متطرفة في أنحاء الشرق الأوسط".
الديمقراطية
لطالما وقف السياسيون المتشددون سنواتٍ خلف تأكيدات مثل هذه، لكنّ لهذا القانون أنصاراً آخرين يدعمونه من المعسكر المعتدل، مثل قانتا أ. أحمد، الطبيبة والكاتبة البريطانية المسلمة، التي ترى أن الإخوان "أنجبوا التطرف الإسلامي الحديث" بشكل "أيديولوجية مستبدة فوقية تسعى لتقويض المجتمعات التعددية ولفرض أنظمة حكم دينية صارمة".
وتقول أحمد في مقال نشرته the National Review هذا الشهر: "تأسست جماعة الإخوان المسلمين في مصر عام 1928 ولها فروع بأكثر من 70 بلداً، وهي اليوم تتنكر بمظهر مؤسسة إسلامية شرعية وممثل ديموقراطي حميد، لكنها ليست أياً منهما"، مضيفة أن الحركة لها "صلات موثقة بتمويل الإرهاب" وأن "على الولايات المتحدة تصنيفها على أنها منظمة إرهابية أجنبية".
لا يدركون فروقاً بسيطة
لكن مسؤولين حاليين وسابقين في وزارة الخارجية الأميركية، يقولون إن الدعاة إلى تصنيف حركة مشتتة القواعد مثل الإخوان المسلمين يتجاهلون عدة عوامل معقدة ومركبة، من شأنها تقويض شرعية هذا التصنيف.
فالإخوان، حسب رأي الخبراء، موجودون على شكل تنظيم اجتماعي وسياسي مترامي الأطراف وغير متراص البنيان، فلديهم ملايين الأتباع وعشرات الأحزاب المتناثرة حول أرجاء العالم الإسلامي، وفقاً لواشنطن تايمز.
قليلون من لديهم شكوك في أن الجماعة تنادي بتطبيق الشريعة الإسلامية أو في أن بعض أتباعها اعتنقوا الإرهاب وتبنّوه، وأكبر مثال على ذلك حركة حماس الفلسطينية، حسب مقال الصحيفة الأميركية، التي ينص ميثاقها الرسمي على المناداة بتدمير إسرائيل. يُذكر أن حماس على لائحة الإرهاب منذ عام 1997 وما زالت تراوح مكانها هناك.
ولكن بعيداً عن حماس، من المعروف أن العديد من قادة الإخوان تخلوا عن العنف واتجهوا إلى السياسة بدلاً منه في سبعينات القرن الماضي، كذلك شهدت العقود الأخيرة أحزاباً من تلك الحركة تتبنى الديمقراطية لكي تفوز بالشرعية في عدة بلدان شرق أوسطية، كذلك حاولت تلك الأحزاب إسقاط حكم الاستبداد والدكتاتوريات.
فبعد إسقاط الديكتاتور المصري حسني مبارك عام 2011، انتُخب الإخوان المسلمون –ولو لفترة وجيزة- لتولي الحكم بشكل ديمقراطي في القاهرة، قبل أن ينقلب الجيش ويطيح بالرئيس الأسبق محمد مرسي.
ورغم أن العديد من ممالك الخليج العربي ترى في الإخوان تهديداً سياسياً داخلياً، فإن بلداناً أخرى تنظر إلى أحزاب هذه الحركة على أنها جزء من المشهد الديمقراطي، مثل تركيا التي يرى كثيرون أن حزب العدالة والتنمية الحاكم ما هو إلا فرع بعيد للإخوان.
خلق المشاكل
يقول بي.جي. كرولي الذي عمل مساعداً لوزير الخارجية في الشؤون العامة تحت إدارة أوباما: "إن كنتم تتحدثون عن إدراج عام فقط للإخوان المسلمين ضمن المنظمات الإرهابية، فسرعان ما ستواجهكم مشكلة حقيقية في تعريف المصطلح".
يتابع كرولي حديثه لواشنطن تايمز: "قطعاً لو نظرتم إلى حماس فستجدون أنها جزء من عائلة الإخوان المسلمين، لكن الإخوان في الوقت نفسه أبناء عمٍ بعيد لحزب العدالة والتنمية التركي؛ لهذا متى بدأتم السير في هذا الطريق، فسرعان ما ستواجهكم مشكلة قد تخلق مسائل دبلوماسية عامة؛ حيث ماذا عن المغرب والأردن وتونس؟"
يتابع كرولي: "الشيء الوحيد الذي يميز الإخوان المسلمين عن مجموعات كـ(القاعدة)، هو أن (القاعدة) تريد نسف أي عملية ديمقراطية، فيما الإخوان مستعدون نظرياً للمشاركة في العملية الديموقراطية".
وكان تقرير لهيئة الإذاعة والراديو العام الأميركي NPR قد أكد أن شعبية الإخوان نمت وسط نشطاء الطلبة الجامعيين بالشرق الأوسط في ستينات وسبعينات القرن الماضي، وعندما هاجر بعض هؤلاء إلى الولايات المتحدة ودخلوها بتأشيرة طلابية، جلبوا معهم أفكار وأيديولوجية الحركة.
يقول حسين جول الذي هاجر من إيران في أثناء تلك الفترة، في حديثه لراديو NPR: "حتى إن وزارة الخارجية الأميركية نفسها ساعدتهم بمنحهم الملاذ الآمن للمجيء هنا".
الاستنتاج من ثم، هو أن أعضاء الحركة كانت لهم أدوار مهمة في تأسيس المساجد والمدارس الإسلامية وغيرها من المنظمات الإسلامية في الولايات المتحدة. ويذكر المقال أن NPR لمحت إلى أن الوضع قد أجّج جدلاً طوال السنين حول الهدف الحقيقي لهذه الحركة: أهو المشاركة في الحياة الأميركية أم تنفيذ أجندة سياسية إسلامية في الولايات المتحدة؟
البحث عن الحقيقة
تقول منظمة إٍسلامية أميركية مرموقة، إن المناداة اليوم بإدراج الإخوان على لائحة المنظمات الإرهابية حيلة ماكرة، حيث قال إبراهيم هوبر من مجلس العلاقات الإسلامية الأميركية (كير): "نعتقد أن هذه ليست إلا سحابة دخان تعمّدوها للتمويه والتستر على حملة ملاحقات ستستهدف الحقوق والمشاركة المدنية للمسلمين الأميركيين".
وتابع هوبر في حديثه إلى صحيفة واشنطن تايمز: "على مدار عدة أعوام، لفّق داعمو وأنصار مشروع التصنيف صلات كاذبة بين أغلبية تيار المنظمات الأميركية الإسلامية وقادتها والإخوان المسلمين. وهذا حتماً سيُستخدم في النهاية لإطلاق حملة سياسية تهاجم تلك المجموعات نفسها والأشخاص أنفسهم؛ بغية تهميش المجتمع الأميركي المسلم وشيطنة الإسلام".
لكن أحد أعتى أنصار مشروع قرار تصنيف الإخوان كـ"إرهابيين"، من جهة أخرى، يرى أن هذا هراء.
فرانك غافني الذي يرأس مركز أبحاث ودراسات سياسة الأمن في واشنطن، يقول: "إنه تنظيم إرهابي، وهو رأس القيادة في هذه البلاد وغيرها في بلدان الغرب والذي ينادي بفوقية الشريعة".
وكان غافني قد استفز غضب الليبراليين عليه أيام أوباما؛ لزعمه أن الرئيس السابق مسلم يخفي إسلامه، وقال غافني للصحيفة إن السياسة الأميركية لطالما قصمها التفكير في أن "الإخوان جزء من الحل لا من المشكلة".
وقال غافني: "إننا في الورطة التي نحن فيها اليوم لـ16 عاماً منذ أحداث 11 سبتمبر/أيلول وبعدما خسرنا فعلياً حربين اثنتين، لا من قلة كفاءة حربية، وإنما بسبب هذا الفهم المفكك، أو لعله عدم الفهم، لطبيعة العدو".
وختم غافني: "أحد الأمور الهامة في زعم ترامب، أنه يفهم طبيعة العدو كما أنه بدا مدركاً لتورط الإخوان المسلمين، ولهذا السبب ينبغي له تصنيفهم منظمةً إرهابية".
-هذا الموضوع مترجم عن صحيفة The Washington Times
http://www.washingtontimes.com/news/2017/mar/27/muslim-brotherhood-listing-as-terror-group-delayed/
هافينغتون بوست عربي | ترجمة