يجتمع نقاد ظاهرة كتاب "نار وغضب" على أنه ليس أكثر من سجل للثرثرة والنميمة المنقولة عن فلان عن فلان من دون أسانيد أو توثيق، ما يجعله كتابًا بلا جدوى، لا يتناول دونالد ترمب أصلًا.
إيلاف من دبي: في عصر انحسار القراءة، وتحوّل الحشود المستهلكة من "معارض الكتب" إلى الـ"مولات" والـ"ميغاستور"، ظهر كتاب مايكل وولف "نار وغضب: داخل بيت ترمب الأبيض"، الذي زرع النار في أروقة البيت الأبيض، فحصد غضب رب البيت وحاشيته. حسنًا... ما دام كتاب يقرأوه الملايين اليوم، فلم لا نقرأه. هذه حال كثيرين في الولايات المتحدة المجذوبة بعام أول من أربعة أعوام من الخراب الترمبي الموعود، وخارجها أيضًا.
الكتاب اليوم موضوع جدل كبير. كان وولف، مؤلف الكتاب، قد قال في مقابلة بثتها شبكة "إن بي سي" الأميركية إن "نار وغضب" ليس وجهة نظر مايكل وولف الشخصية إزاء ترمب، بل هو كتاب يجمع آراء أعضاء من الدائرة المحيطة بالرئيس الأميركي في البيت الأبيض، مؤكدًا أن ترمب كان يعلم بأمر الكتاب منذ البداية، وامتدح مهنيته وصدقيته في مرات عدة.
الظاهرة.. الخداع
في نص مقتضب، لكن معبّر، نشره الكاتب الصحافي حسام عيتاني في جريدة "الحياة"، وصف هذا الكتاب بـ"الظاهرة"، وكتب: "يقول الكاتب الأميركي حميد دباشي، الذي يعتبر من أبرز ممثلي المدرسة ما بعد الكولونيالية أنه أضاع ساعة من وقته في تصفح هذا الخداع، ويضيف على صفحته على موقع فايسبوك أنه باستثناء بعض التفاصيل المثيرة للأحاسيس، لا يقدّم موضوع الكتاب شيئًا ملموسًا إلى الحقائق المعروفة، والتي أُنهكت بحثًا طوال عام ترمب الرئاسي الأول، بل يذهب أبعد من ذلك إلى القول إن الكتاب يشكل جزءًا من ثقافة الإنكار والإلهاء الرامية إلى تجاهل الواقع البسيط، وهو أن الديموقراطية الأميركية من قمتها إلى قاعدتها تشكل خطرًا على هذا الكوكب".
يردّ عيتاني بعضًا من الاهتمام المفرط بكتاب الشتائم والانتقاد هذا إلى "التلصص على المشاهير وأصحاب السلطة"، ويسأل: "ما دامت أكثرية المواقف والأحداث معروفة لكل متابع عادي للشأن الأميركي، من الخلافات داخل الإدارة بين كبار المسؤولين وظهور أخبار الإطاحة بهم في الصحافة قبل أسابيع من صدور القرار الرسمي من البيت الأبيض، ناهيك عن تغريدات ترمب المذهلة وتركيزه على المناكفات والمهاترات على نحو غير معهود من رؤساء الدول الكبرى، ما دام كل ذلك معروفًا، فلماذا نجح الكتاب، فيما تمرّ كتب رصينة تتناول السياسات الأميركية، الداخلية منها والخارجية، من دون إثارة جزء ضئيل من الضجة التي أثارها؟".
جوابه على ذلك ترجيحه مسألة لعبة "التلصص على المشاهير"، وفي حالة عائلة ترمب المشاهير الذين يدخلون عالمًا غريبًا تمام الغربة عنهم، :عالم السياسة والديبلوماسية وما ينبغي أن يرافق العيش في العالم هذا من اهتمام بمعاني الألفاظ وحدتها والمظاهر واتباع قواعدها وتلاؤمها مع الثقافة العامة".
لن يطيحه
لا يختلف رأي ممدوح المهيني في "العربية" كثيرًا عن موقف عيتاني، فهو يقول إن كتاب وولف اعتمد على أسلوب الثرثرات والنميمة في الكتابة الصحافية، "وهذا نمط من التأليف شائع، ولا يوجد تقريبًا زعيم سياسي لم يظهر له كتاب بعنوان ’فضائح الرئيس‘ أو ’الحياة السرية‘ أو ’أسرار خطيرة‘، كلها عناوين مثيرة، لكنها صفراء تثير زوبعة عاطفية موقتة ولا تترك أثرًا عقليًا، وغالبًا لا تسقط الرئيس ولا حتى الحراس الشخصيين. المؤلف والناشر هما فقط المستفيدان ماديًا من هذه الكتب الفضائحية السطحية".
يضيف المهيني قائلًا إن كتاب وولف قدَّم وعدًا كبيرًا من الصعب تخيل كيف سيحققه، وأعتقد أنه جزء من حملة ترويج الكتاب، "حيث أكد أن الكتاب سيطيح الرئيس، وكرر ذلك في مقابلات بعد النشر. حجته أن فريقًا داخل البيت الأبيض يناقش ويفكر في عزل ترمب، مستندًا إلى المادة 25 من الدستور التي تسمح له بنقل السلطة في حال عدم قدرة الرئيس على القيادة. كلام كبير وخطر، لكن الصحافي لم يعتمد على مصدر واحد معروف يدعم روايته، وعندما سُئل قال إنه حديث متداول بين كبار أعضاء الفريق من دون أن يسمي أحدًا".
بحسب المهيني، تبنى المؤلف طريقة النقل، وكأنه موجود داخل غرف البيت الأبيض، "أو كأنه ذبابة متلصصة لا ينتبه أحد إلى وجودها. لكنه في الحقيقة ينقل عن آخرين، وهذا نقل مشكوك فيه، بسبب آلية العنعنة الضعيفة التي يعتمدها. وفي المقدمة اعترف المؤلف أنه سمع أقوالًا متضاربة عن أحداث معينة، وقرر في النهاية أن يعتمد نسخة واحدة اعتبرها - شخصيًا – الأصدق".
ليس عن ترمب... إطلاقًا
ثمة قراءة ثالثة، تنضم إلى القراءتين السابقتين في التصنيف "النميمي" للكتاب. قرأ أندو غريفين في "إنديبندنت" البريطانية كتاب وولف فوجده لا يدور مطلقًا حول ترمب. تساءل في مقالة نشرته الصحيفة: بماذا يفكر ترمب؟ هل يفكّر ترمب؟ هل هذا مهم؟ إنها أسئلة ربما تنتظرون أن يجيب عنها الكتاب... لكنّه يركّز أكثر على الثقب الأسود الذي يبدو كأنه يغلف المكتب البيضاوي. وهذا الثقب الأسود ليس ترمب فحسب، لكن فكرة "الترمبية" بذاتها. بالنسبة إلى كتاب يهدف إلى إخبار قصة أهم رجل ومبنى في العالم، فإنّ عمل مايكل وولف الجديد المتفجر يتكلم عن القتال، لا التفكير. في هذا الكتاب فراغ عملاق، هو الفراغ نفسه الموجود داخل رأس ترمب.
يكتب غريفين: "لا يتناول هذا الكتاب ترمب على الإطلاق، بل الناس الذين يحاولون ملء هذا الثقب الأسود. إنه كتاب عن ستيف بانون، يبدأ بتعلّقه بترمب وبصيرته البارزة في اكتشاف إمكانات ترمب، وينتهي بإشارة بانون إلى أنه مهّد الطريق لنفسه ليترشّح إلى الرئاسة الأميركية".
في وسط الكتاب، حتى حين يغيب بانون، الحوادق مصوّرة كما يراها هو. لكن، هل الـ "بانونية" قوة مؤثرة في حكم ترمب إلى هذه الحدود؟. يمكنك أن ترى أثره في قرارات، مثل حظر دخول المسلمين إلى الولايات المتحدة، غير أن هذا كان فشلًا دراماتيكيًا ذريعًا مقارنة بقرارات وأوامر أكثر صمتًا، كثير منها مسكوت عنه في الكتاب، ذلك لأن ترمب مُصوّر بصورة أكمام الريح البرتقالية المرفرفة، التي تديرها رياح بانون، أو رياح ابنته إيفانكا وزوجها جاريد كوشنر.
يبدو أن ترمب لا يتخذ القرارات، بل تُحضر له، فيما يؤدّي دور الحَكم في مدى نجاح مستشاريه في التعبير بوضوح عن وجهات نظرهم، أو حتى مَن الذي تمكّن من التحدث معه أخيرًا.
كتاب ثرثار
بحسب غريفين في "إندبندنت"، ليس هذا الكتاب انتقادًا فكريًا للترمبية، ولا تأريخًا سياسيًا لنهوضها، إنما هو كتاب "ثرثرة"، مكتوب لرئيس "ثرثار" أكثر من أي شخص اعتلى الرئاسة الأميركية... رئيس وجد الشهرة من خلال موهبته في عرض "برامج الواقع".
في الكتاب تفاصيل لا تهمّ الجمهور. فهل يهمّنا مثلًا أن الزوجين ترمب ينامان في سريرين مختلفين؟، أو إن الرئيس طلب تلفازًا آخر في غرفة نومه؟.
تم إعطاء الكثير من الأهمية إلى الأجزاء المتفجرة من الكتاب التي تكشف مؤامرات غريبة وراء جدران البيت الأبيض، ما يشكّل صدمة وتسلية بالقدر نفسه. إنها تجربة إعادة قراءة حوادث الأشهر القليلة الماضية التي يمكن نسيانها في دوامة الأخبار. هل تذكرون حين وقف ترمب إلى جانب مجموعة من المغلفات التي يحتمل أن تكون فارغة، وكان يثرثر عن رهابه من الجراثيم؟. كان ذلك قبل عام لا أكثر. من السهل أن نشعر كأنّ عقودًا من الأخبار قد مرت منذ ذلك الوقت.
في مرحلة معيّنة في الكتاب، أوحى وولف بأنه التغطية الإعلامية لترمب مختلفة عن التغطية التي حظي بها أي رئيس قبله، ولديه حق في الشعور بالضيق من ذلك. لكن، ما دفع الولايات المتحدّة إلى انتخاب رئيسها الأكثر مادية وجسدية على الإطلاق هو اهتمامنا بحياة ترمب الجنسية وعادات أكله. إذًا، فبالتأكيد لن يكون جسده أو سريره سبب سقوطه، بل دماغه - أو غياب الدماغ من رأسه.
عديم الجدوى
يرى غريفين في أن كتاب وولف نفسه قدم غطاء لبعض قرارات ترمب الأشد تطرّفًا حتى الآن. ففي أسبوع نشر الكتاب، كشف ترمب عن خطة لتوسيع نطاق الحفر البحري، وقطع المساعدات عن باكستان، وبدء بعملية إلغاء الماريوانا القانونية. يحاول الكتاب إثبات قضية كبيرة ومقنعة: الرئيس مهرّج، لكنّ الجدير بالذكر هو أن المهرّجين يملكون قوة ساحرة تفتن جمهورهم.
لا شيء في هذا الكتاب يحدّد حقًا نقاط القوة أو نقاط الضعف في ترمب، بأي طريقة استراتيجية. فمن الناحية العملية، هذا الكتاب عديم الجدوى لكل من يعارضون الرئيس أو يدعمونه.
يشير بانون في النهاية إلى أن نسبة استمرار ترمب في الرئاسة في السنوات الثلاث الباقية من ولايته تصل إلى 33 في المئة فقط، "لكن، ما يمكن خصومه أن يفعلوه لتحقيق ذلك؟. هذا الكتاب، الذي يفترض أن يعطي تصويرًا عميقًا وحميمًا لعيوب ذاك الرجل، يقدّم أقل من لا شيء"، بحسب غريفين.
يضيف: "إليكم أكثر ما يثير الرعب بشأن الفراغ الذي تمثله الترمبية، على الأقل في هذا الكتاب: هل يعني عجز وولف عن الكتابة عن أي خطة إطاحة بترمب أن لا خطة؟، أو إنّه ببساطة لا خطة على الإطلاق؟".
أعدت "إيلاف" هذا التقرير بتصرف عن مصادر مختلفة. الأصول منشورة على الروابط الآتية:
http://www.alhayat.com/Opinion/Houssam-Itani/26584533/%D8%B8%D8%A7%D9%87%D8%B1%D8%A9-%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%C2%AB%D9%86%D8%A7%D8%B1-%D9%88%D8%BA%D8%B6%D8%A8%C2%BB
https://www.alarabiya.net/ar/politics/2018/01/08/%D9%87%D9%84-%D8%B3%D9%8A%D8%B7%D9%8A%D8%AD-%D9%83%D8%AA%D8%A7%D8%A8-%D8%BA%D8%B6%D8%A8-%D9%88%D9%86%D8%A7%D8%B1-%D8%A8%D8%AA%D8%B1%D9%85%D8%A8%D8%9F.html
http://www.independent.co.uk/news/world/americas/us-politics/donald-trump-book-steve-bannon-michael-wolff-review-latest-buy-best-a8144646.html
إيلاف