منصور الحاج:
في أواخر شهر يونيو الماضي أصدر تنظيم القاعدة بيانا حاول فيه إظهار التضامن مع السود في الولايات المتحدة والتودد إلى المتظاهرين الذين خرجوا احتجاجا على مقتل المواطن الأميركي من أصول أفريقية جورج فلويد على يد ضابط شرطة في ولاية منيسوتا.
وقد حث التنظيم في البيان الذي حمل عنوان "رسالة إلى المستضعفين في بلاد الغرب" الشعب الأميركي على الثورة على حكامه ودعاهم إلى اعتناق الإسلام الذي وصفه بأنه "دين يكفل للمرء العيش بحرية وعز وسلام ولا يسمح البتة بالتفريق بين الأبيض والأسود".
من الملاحظات البديهية على البيان أنه يتضمن الكثير من التناقضات كما تكشف الادعاءات التي وردت فيه انفصال قيادة التنظيم عن الواقع وجهلهم بثقافة الشعب الأميركي والميول الفكرية لغالبية المتظاهرين الذين حاول التنظيم استغلال غضبهم واستمالتهم للانضمام إليه بعروض لا ترقى إلى الحد الأدنى لطموحاتهم في الحرية والمساواة والعدالة.
أبرز تناقضات البيان تكمن في صدوره من منظمة قتلت آلاف المدنيين في هجمات إرهابية استهدفت نيويورك ولندن ومدريد ونيروبي ودار السلام وبغداد والرياض وغيرها من المدن ويحرض قادتها ليل نهار على قتل الأميركيين في كل مكان.
وحول هذه النقطة تحديدا تركزت غالبية تعليقات أنصار الجماعات الجهادية على مواقع التواصل الاجتماعي. فعلى سبيل المثال، تساءل أحد مناصري "داعش" في تعليق نشره على موقع "تليغرام" إن كانت القاعدة التي تتضامن مع فلويد هي ذات القاعدة الذي تبنت مسؤولية هجمات الحادي عشر من سبتمبر وقتلت الآلاف من الرجال والنساء البيض والسود.
أما أغرب ما جاء في البيان هو اعتباره أن ما يتعرض له السود من عنصرية في الولايات المتحدة قد يكون بسبب صمتهم على سياسات الحكومة الأميركية حول العالم وإشارته إلى أن العنصرية لن تنتهي حتى يجبر السود الحكومة على "العودة إلى حدودها أو الثورة عليها". ويمثل هذا الموقف تغيرا في سياسة التنظيم الذي طالما حمل الشعب الأميركي بأكمله المسؤولية ولم يحصرها في شريحة معينة.
يكذب الظواهري في بيانه وينافق صراحة حين يقول "شاهدنا كما شاهد العالم أجمع حجم المعاناة التي ذاقها جورج فلويد مقهورا تحت أقدام قاتله المتغطرس" فيقدم نفسه على هيئة إنسان يهتم بمعاناة الأبرياء الذين يُقتَلون ظلما وهو الذي لا يطرف له جفن أمام جرائم القتل التي تمارسها جماعته وفروعها حول العالم بحق عشرات الأبرياء يوميا بتهم الردة والإلحاد والمثلية الجنسية والإساءة للذات الإلهية وممارسة السحر.
لم يحرك الظواهري ساكنا عندما قتل فرع جماعته في اليمن الشاب عمر محمد باطويل رميا بالرصاص في أبريل 2016 بعد اتهامهم له بالإلحاد. كما ولم يقشعر بدنه من مشاهدة فيديوهات الرجم الوحشية التي مارستها حركة طالبان بحق عشرات الأفغانيات، فكيف لعاقل أن يصدق ادعائه التعاطف مع جورج فلويد؟
يواصل الظواهري تخبطه ويدعي بأن الأمة الإسلامية هي "أكثر أمم الأرض طاعة لله وإيمانا بالعدل والحرية" ليكشف مجددا عن جهله بمن يخاطبهم فهم يؤمنون بأن حرية التفكير والتعبير والاعتقاد والحق في المساواة والعدالة حقوق أساسية لا تكفلها أحكام الشريعة التي تقتل من يبدل دينه وتعتبر المرأة ناقصة عقل ودين ولا يحق لها تولي الولاية العامة وتجرم المثلية الجنسية وتجيز زواج الصغيرات، فعن أي إيمان بالعدالة والحرية يتحدث؟
أما ادعاءه بأن الدين الإسلامي "يكفل للمرء العيش بحرية وعز وسلام" فإن الواقع يثبت العكس تماما وأكبر دليل على ذلك هو معاناة الأقليات الدينية في المجتمعات الإسلامية التي عادة ما يتم التعامل مع المنتمين إليها كمواطنين من الدرجة الثانية ويطالبون بحسب أحكام الشريعة الإسلامية بدفع الجزية ولا يسمح لهم بممارسة شعائرهم الدينية ناهيك عما يتعرض له المسلمون الليبراليون الذين يتم تكفيرهم ومطاردتهم واستهدافهم بتهم الردة والزندقة.
أما إشارة الظواهري إلى أن الإسلام "لا يسمح بالتفريق بين الأبيض والأسود" وإن كانت صحيحة من الناحية النظرية، إلا أنها محاولة يائسة منه لاستمالة السود إلى اعتناق الإسلام. ولكن الحقيقة التي لم يذكرها الظواهري هي أن التراث الإسلامي مليء بالإشارات التي تمجد البشرة البيضاء وتربط السواد بالقبح والبؤس وسوء الخاتمة، فحوريات الجنة بيضاوات، ووجوه أهل الجنة بيضاء وفي المقابل نجد أن أهل النار سود البشرة وبحسب وصف القرآن، فإن وجوه "الذين كذبوا على الله" ستكون مسودة يوم القيامة وهو اليوم الذي تبيّض فيه وجوه المؤمنين وتسوّد فيه وجوه الكافرين.
يختلف المراقبون فيما إذا كان البيان وما احتواه من تناقضات دليل على تراجع مكانة التنظيم ومؤشر على قرب انهياره، لكن المؤكد هو أن القيادة الحالية للقاعدة لا تحظى بالاحترام والقبول وعاجزة عن حسم النزاعات بين الجماعات الجهادية ولا تجيد التعامل مع الأحداث العالمية المستجدة.