العربية.نت – عماد البليك
مايك بنس نائب الرئيس الأميركي دونالد ترمب والنائب رقم 48 في تاريخ الولايات المتحدة، من مواليد 1959 وهو الآن في الـ 58 من عمره، وهو رجل له تاريخ عريض في السياسة رغم بعض الإخفاقات التي مرّ بها، لكن جلّ أعماله تتعلق بولايته التي ولد فيها وعمل لأجلها، حيث إنه يندر أن تجد له أنشطة خارجها، وهي ولاية إنديانا التي رأى فيها النور لأول مرة بالتحديد في كولومبوس في 7 يونيو 1959.
العائلة والجذور
هو واحد من ستة أبناء لإدوارد ونانسي بنس، والديه. وقد هاجر جده لأميركا في سن الـ 17 حيث استقرت العائلة في الغرب الأوسط، وقد نشأ مايك في عائلة جاهدت لتبني حياتها الناجحة في التجارة وصنعت لها اسما معتبرا. وقد عاش بكنف والديه اللذين أسسا متجراً في مدينة صغيرة بإنديانا ما أكسبه في نشأته الإيمان بأهمية العمل الجاد والأسرة والحكمة.
التعليم والحياة العملية
في عام 1981 فقد تخرج من جامعة هانوفر، حيث حصل على البكالوريوس في التاريخ، وفي تلك الفترة عمّق من إيمانه المسيحي الذي يراه القوة الدافعة في الحياة. وبعدها دخل كلية القانون بجامعة إنديانا حيث قابل محبوبته وزوجته السيدة الثانية كارين بنس، وقد حصل على الدكتوراه عام 1986.
وبعد التخرج تدرب مايك بنس في مجال القانون، حيث قاد مؤسسة إنديانا لمراجعة السياسات، كذلك قدّم برنامج "مايك شو" في الإذاعة والتلفزيون بإنديانا وهو برنامج أسبوعي وكان ذلك في الفترة من 1994 إلى 1999، وعلى طول الطريق أصبح أبا لثلاثة أبناء هم: مايكل، شارلوت، وأودري.
قصة النجاح غير المسبوق في إنديانا
وإذا فشل مرتين في دخول الكونغرس إلا أنه لم يعرف اليأس ونجح في المرة الثالثة ليجدد ولايته بعدها ست مرات ويصبح حاكم إنديانا الذي حقق لها أكبر ازدهار اقتصادي ورفاهية في تاريخها منذ قرنين، وهو أمر قد لا يصدق لولاية تشكل ملتقى طرق.
وقد اعتبر البيت الأبيض أن "قصة مايك بنس مع ولاية إنديانا كانت هي قصة النجاح التي نقلته للمرحلة الراهنة في حياته بأن يشغل منصب نائب الرئيس "فقد بنى سجلا من الخبرات التشريعية والتنفيذية" يضاف لذلك قيم العائلة القوية، وهي الأسباب التي دفعت ترمب لاختياره مساعدا له منذ يوليو 2016.
ويقول مايك بنس نفسه إنه ممتن لنعمة الله والحب والدعم من عائلته ونعمة الحرية التي يعيشها كل أميركي، وإنه ينظر إلى الأمام للعمل مع الشعب الأميركي ومعا سيجعلون أميركا عظمى مجدداً.
وفي البداية كان قد دعم بنس المرشح تيد كروز في حملة الانتخابات التمهيدية ولم يكن على اتفاق مع ترمب، ودان وقتها فكرته في منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة، لكن عاد للوقوف مع ترمب ليصبح من أكثر المقربين له.
مواقف بنس من الشرق الأوسط
بخصوص أفكاره عن الشرق الأوسط فتصب بحسب برنامجه الذي سبق أن طرحه في الآتي:
- بخصوص ليبيا، يقف مع حظر المسلحين والتصدي لهم دون الحاجة لمشورة الكونغرس.
- كان من الداعمين لغزو العراق ومن مناصري بوش في هذا الإطار وكان يرى عدم تحديد موعد لسحب القوات.
- يدعو لضرب النظام السوري وفكّ الحصار عن حلب والأماكن المحاصرة ومتشدد تجاه موقف روسيا في سوريا.
- يعارض الاتفاق النووي مع إيران ويراه ضد مصلحة الولايات المتحدة.
- يعارض إغلاق معتقل غوانتانامو.
- يرفض حظر دخول المسلمين لأميركا ويراه مهينا، لكنه يؤيد وقف اللاجئين السوريين.
- يقف مع إسرائيل فيما يسميه حربها ضد "الإرهاب وتفكيك البنية الإرهابية" ويدين "العمليات الانتحارية الفلسطينية"، ويدعو المجتمع الدولي للاستجابة للاحتياجات الإنسانية للفلسطينيين.
حياة مايك بنس
هنا نتعرف على عشرة معتقدات أو حقائق وفلسفات ونجاحات في حياة الرجل وهي تعكس أفكاره بشكل عام وتلخص السيرة – السابقة - لمسيرته، وقد ساهمت هذه الرؤى إلى حد كبير في تشكيل نظرته للحياة وخبراته، وربما تلعب دورا مهما في المرحلة المقبلة في موقعه السياسي كنائب لرئيس الولايات المتحدة:
أولا: ينحدر مايك بنس من أسرة كاثوليكية ذات أصول إيرلندية حيث ولد في ولاية إنديانا وعاش بين عائلة حسنة الذكر وتؤمن بالعمل الدؤوب، وهو إلى اليوم معلق بهذه المنطقة ويريد أن يرد لها الكثير من جمائلها التي وهبتها له، حيث يؤمن بذلك وقد قدم لها فعلا بعض ذلك في تحقيق الازدهار الاقتصادي بها كحاكم.
ثانيا: يعتبر الرئيس الأميركي الأسبق جون كينيدي الذي قتل في 22 نوفمبر 1963 ملهما له، وقد تكون لأصول كينيدي الإيرلندية دور في ذلك، فكلاهما مايك بنس وكينيدي من نفس الجذور، برغم أن حزبه كان الديمقراطي، في حين أن مايك انتمى للحزب الجمهوري. لكن وجه التشابه بين كينيدي وترمب الذي سيكون ملهما جديدا له، أن الاثنين ينحدران من عائلة ثرية جدا.
ثالثا: بدأ حياته متأثرا بالديمقراطيين تحت تأثير العائلة وقد كان يستلهم لفترة رونالد ريغان الرئيس الديمقراطي الذي حكم أميركا في الفترة من 1981 إلى 1989، وقد دخل الكونغرس لأول مرة عن الحزب الجمهوري في عام 2000 بعد محاولتين فاشلتين في عامي 1988 و1990 وأعيد انتخابه بعدها لولايات أخرى على مدى 12 عاما أي لست مرات من قبل أهالي إنديانا. وقد دشن حقبة الكونغرس وهو على أعتاب الأربعين من عمره ليبدأ مسارا سياسيا جديدا.
رابعا: قبل دخوله كعضو في الكونغرس عمل في محطة إذاعية لليمين وقد صنف نفسه كما لو أنه "رغوة قهوة منزوعة الكافيين". وفي سلسلة من الأعمال ما بين القانون ومراجعة السياسات القانونية بالولاية إلى دخول الكونغرس شكّل بنس مجموعة من الخبرات متعددة الأطراف، التي عرفته بشكل خاص باعتباره صاحب قدرات قيادية ومعارف جمة بالمسؤوليات المالية والتنمية الاقتصادية والفرص التعليمية والدستور الأميركي، ما جعل زملاءه في الكونغرس يختارونه لرئاسة لجنة دراسة الجمهوريين بمجلس النواب، ومن ثم رئيس مؤتمر الجمهوريين بمجلس النواب. وفي هذا الدور فقد عمل على نظرية جعل الحكومة أكثر صغرا وأكثر فعالية، بخصوص تقليل التكاليف وإعادة السلطات إلى الولايات والحكومات المحلية.
خامسا: متزوج من زوجته كارين منذ عام 1985 ولديهما ثلاثة أطفال سبق ذكرهم. وفي مسائل الأطفال والتربية فقد انعكس ذلك أثناء شغله منصب حاكم إنديانا حيث عمل على زيادة ميزانية التعليم وتنويع نطاق الاختيار في المدارس، وكان أول من أنشأ خطة وميزانية للمدارس التمهيدية ما قبل الروضة "دون الـ كي"، كما جعل التعليم المهني والتقني أولوية في كل المدارس الثانوية.
سادسا: يعتبر بنس خيارا آمنا لترمب فهو مسؤول جمهوري قضى فترة طويلة مع الحزب ويتمتع بعلاقات وثيقة على حد سواء مع كبار قادة الحزب والقاعدة الشعبية. وقد أشاد أعضاء المؤسسة الجمهورية بخبرته ومواقفه الصلبة وسيرته الزاهرة. فالرجل عمل لمدة 15 سنة في مؤسسات الحزب، حيث بدأ كعضو في الكونغرس ومن ثم حتى 2013 عين حاكما لولاية إنديانا موطنه. وفي أيام الانتخابات وفي مناظرة بأكتوبر ضد النائب المفترض لهيلاري كلينتون تيم كين أبدى بنس لباقة غير عادية بعكس ترمب، وكان يحوّل الأسئلة الصعبة التي تنتقد المرشح الرئاسي إلى نقاط إيجابية بكل سهولة، وبطريقة هادئة جدا.
سابعا: من الداعين لخفض سياسات الإنفاق الحكومي وذلك منذ أن كان في منصبه كحاكم ولاية، وهو من أنصار سياسة الـ Fiscal conservatism التي تركز على عدم هدر المال العام وقد عرف بموقف محافظ وواضح في هذا الإطار. وكان قد أسس لهذا المبادئ في واشنطن التي غادرها في عام 2013 ليكون في منصب حاكم إنديانا من قبل مواطنيه، ليصبح الحاكم رقم خمسين للولاية. وهنا جاء بفكرته وفلسفته حول الضرائب وتقليص الحكومة إلى إنديانا، وفي فترته صادق على أكبر خفض من نوعه على ضريبة الدخل في تاريخ الولاية بحيث قلص من ضرائب الدخل على الأفراد والضرائب على الممتلكات الشخصية وكذا ضرائب الشركات المساهمة، وكان هدفه تعزيز القدرة التنافسية للولاية وكذا استقطاب استثمارات جديدة ووظائف ذات رواتب جيدة.
وقد نجح خلال أربع سنوات من ولايته أن يخفض معدل البطالة بمقدار النصف، وبنهاية عهده فقد أصبح مواطنوه يشغلون الوظائف، أكثر من أي وقت مضى ولـ 200 سنة سابقة في تاريخ إنديانا وهو إنجاز خرافي، وقد وردت هذه المعلومة بموقع البيت الأبيض الرسمي في تعريف وسيرة مايك بنس.
وقد انعكست سياسته الاقتصادية والتنموية في إنديانا التي تعرف بـولاية في "مفترق الطرق الأميركية" على البنية الأساسية كذلك، حيث أنفق أكثر من 800 مليون دولار من المال في مشروعات الطرق والجسور بالولاية، وهو النهج نفسه الذي يحبذه ترمب في سياسته التي يعلن عنها اليوم وأكدها في خطاب التأسيس الرئاسي. وبرغم التخفضيات الضريبية والاستثمار في البنية الأساسية إلا أن مايك بنس جعل الولاية قادرة على تمويل مشروعاتها بجدارة حيث عمل مع مجموعة من رجالات الجمعية العامة في إنديانا لكي يمرر اثنين من أكثر الميزانيات الشفافة والمتوازنة التي جعلت الولاية في وضع قوي من حيث الاحتياطات المالية بمركز AAA في التصنيف الائتماني، ما جعلها في موضع حسد أمام الولايات الأخرى.
ثامنا: أثار جدلا في عام 2015 عندما وقّع على تنفيذ قانون استعادة الحرية الدينية المثير للخلافات في أميركا، الذي يوسع الحريات ويتيح أو يسمح لرجال الأعمال والسياسيين تغيير مواقفهم العقائدية إذا ما كانت السياسات على خلاف مع معتقداتهم. لكن خصوم هذا التشريع يرون أنه تمييزي ضد المثليين والتحول الجنسي والإجهاض، حيث انتقده تيم كوك الرئيس التنفيذي لشركة آبل وغيره من رجال الأعمال البارزين. وقد وقع بنس لاحقا نسخة منقحة من القانون ولكن قبل إعطاء فرصة كافية للنقاش حول المسودة الأولى.
تاسعا: يبدو مايك بنس وترمب كمتناقضين ففي حين الأخير رجل أعمال يميل للبهرجة والاستعراض، فإن مايك رجل يقيس كل شيء بدقة، وكان قد تحدث ضد الحملات ذات الطابع السلبي، وقد أكد ترمب أنه لا يرغب في "كلب مهاجم" بقدر ما يريد شخصا يساعد في إيصال مقترحاته إلى الكونغرس، لهذا رفض آخرين مثل نيوت غينغريتش وكريس كريستي لصالح بنس، بنظرية ما يسمى بـ "الخيار الآمن". وبشكل عام فإن علاقته مع ترمب تبدو صلبة جدا.
وبرغم أن منصب نائب الرئيس يبدو غير ذي قيمة أحيانا كما سبق أن وصفه جون نانس غارغر الذي سبق أن عمل لفترتين نائبا للرئيس الأميركي روزفلت، وقال إنه منصب محبط، بل ربما لا يستحق وشبهه بـ "دلو فارغ" أو "بصاق غير ضار"، إلا أن مايك بنس يبدو كما لو أنه سوف يجعل هذا الدلو له قيمة ومليء تماما، بلعب دور محوري في حكومة ترمب بل دورا مركزيا، يساعد إلى حد بعيد في إخراج القرارات بشكل متوازن.
فعلاقة ترمب المتفككة مع المؤسسة الجمهورية سوف تفرض على الكثيرين الاتصال مباشرة بمايك بنس، خاصة أنه صاحب مهارات في التفاوض وإدراك النقاش الإيجابي، ما يرفع الطلب عليه، وقد حدث ذلك في أيام الانتخابات بوضوح.
عاشرا: كان قد وصف سياسة ترمب بخصوص منع المسلمين من دخول أميركا أيام الحملات الانتخابية بأنها "هجومي وغير شرعي" وذلك قبل إقراره كنائب للرئيس. والرجل بشكل عام قد يختلف مع ترمب في بعض الأمور بشكل علني لكنه يسوق مبرراته المنطقية، فعلى سبيل المثال أعلن في مناظرته في أكتوبر ضد نائب هيلاري المفترض، أنه ضد التدخل الروسي في سوريا ومناصرتها لبشار الأسد كحليف، وكان ذلك جديرا بالنظر في موقفه من الحرب في سوريا بشكل عام بخلاف ترمب، الذي قال إنه يريد القضاء على داعش في العراق وسوريا لكنه لم يتطرق إلى موضع روسيا أو الأسد بالوقوف ضده، بل إن ترمب في أكتوبر كان قد أشاد بسياسة فلاديمير بوتين في روسيا ووصفها بـ "الشيء الرائع".