في خطوة أثارت ردود أفعال واسعة، وصف المؤشر العالمي للفتوى التابع لدار الإفتاء المصرية ما يُطلق عليه المسلمون "الفتح الإسلامي"، لمدينة القسطنطينية وهي إسطنبول حالياً، بـ"الاحتلال العثماني".
وأصدر المؤشر، في 7 حزيران/يونيو، بياناً يتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان باستخدام سلاح الفتاوى الدينية لتثبيت استبداده في الداخل وتبرير أطماعه الاستعمارية بالخارج.
وتطرق البيان إلى تصريحات أردوغان حول اعتزام حكومته تحويل متحف "آيا صوفيا" التاريخي إلى مسجد، وقد كان كنيسة خلال عهد الدولة البيزنطية.
وقال: "قضية تحويل مبنى ‘آيا صوفيا‘ إلى مسجد طُرحت منذ عقود، بيد أنها ظلت أداة وسلاحاً دعائياً بيد مختلف السياسيين في حملاتهم لاستقطاب الناخبين، لا سيما المتدينين منهم"، مضيفاً: "بُنيت آيا صوفيا، ككنيسة خلال العصر البيزنطي عام 537 ميلادية، وظلت لمدة 916 سنة حتى ‘احتل العثمانيون‘ إسطنبول عام 1453، فحولوا المبنى إلى مسجد، وفي عام 1934، تحولت آيا صوفيا إلى متحف بموجب مرسوم صدر في ظل الجمهورية التركية الحديثة".
واتهم البيان الرئيس التركي باستخدام الخطاب الديني والفتاوى لترسيخ حكم "الديكتاتوري"، مشيراً إلى أن أكثر من 92% من الخطاب الديني التركي ترسخ لحكم أردوغان ومشروعه "العثماني".
وزعمت دار الإفتاء المصرية في بيانها أن الرئيس التركي "يوظف المساجد في بلاده للحصول على تأييد كتل انتخابية، بعد تهاوي شعبيته"، مشيرة إلى "فتاوى تكفيرية إخوانية لخدمة أغراض أردوغان وأطماعه في ليبيا وسوريا واليمن".
لاحقاً، تراجعت دار الإفتاء عن استخدام كلمة "احتلال" في بيانها السابق، قائلة: "ما يتعلق بفتح القسطنطينية فهو فتح إسلامي عظيم بشر به النبي صلى الله عليه وسلم وتم على يد السلطان العثماني الصوفي العظيم محمد الفاتح".
وأضافت في منشور لها على موقع فيسبوك: "أما أردوغان فلا صلة له بمحمد الفاتح". ولفتت إلى أن "الرئيس التركي يواصل استخدام سلاح الفتاوى لتثبيت استبداده في الداخل باسم الدين وتبرير أطماعه في الخارج باسم الخلافة المزعومة".
رغم ذلك، لم تحذف صفحة المركز الإعلامي لدار الإفتاء البيان الذي نشرته، ووصفت فيه دخول العثمانيين لمدينة القسطنطينية "احتلالاً".
ماذا عن "فتح مصر"؟
أثار وصف المؤشر دخول العثمانيين لمدينة إسطنبول بالاحتلال جدلاً على مواقع التواصل الاجتماعي في دول عربية وتركيا، حيث طالب عدد من المدونين "الإفتاء" بالرد على الانتهاكات الدينية التي تشهدها مصر أولاً، وقال آخرون إن الاستيلاء على المدينة هو فتح إسلامي بشر به النبي محمد.
غّرد المحلل السياسي التركي حمزة تاكين، قائلاً: "إلى دار الإفتاء المصرية... بغض النظر عن كل شيء ولنسلم جدلاً أن الخليفة العثماني محمد الفتاح ‘احتل‘ القسطنطينية كما تقولون فهل عمرو بن العاص أيضا ‘احتل‘ مصر؟".
وتابع تاكين: "إذا نعم... فأنتم تطعنون بالنبي مباشرة وإذا لا.. فالنبي صادق بكلا البشارتين، فتح مصر وفتح القسطنطينية، وليس بإحداهما وبالتالي أنتم كاذبون".
وقال سليم عزوز، عضو جماعة الإخوان المسلمين التي تصنفها مصر كمنظمة إرهابية، رداً على بيان المؤشر: "أهل بيزنطة يحكمون مصر!".
وتابع عزوز المقيم في تركيا: "دار الإفتاء المصرية تقول عن فتح القسطنطينية إنه احتلال عثماني… مرحباً بالبيزنطي شوقي علام مفتي الديار المصرية... متى يتم تمصير هذا المنصب؟!".
"لنُسلم جدلاً أن الخليفة العثماني محمد الفاتح ‘احتل‘ القسطنطينية كما تقولون فهل عمرو بن العاص أيضا ‘احتل‘ مصر؟"... عرب وأتراك ينتقدون بيان دار الإفتاء المصرية الذي وصف دخول العثمانيين لإسطنبول بالاحتلال
وقالت الإعلامية غادة عويس: "الأولى الإفتاء المصرية أن تطالب بوقف انتهاكات الحق في ممارسة الشعائر الدينية للمسيحيين في مصر حيث تغلق الأجهزة الأمنية مباني كنيسة وتمنع الصلاة الجماعية الأقباط في قرى مصرية وحيث قانون الكنائس يضع القيود على إنشاء وترميم الكنائس ويميز ضد المسيحيين في مصر".
وغرّد حساب "أنا مصري": "أنا قلقان دار الإفتاء تعتذر لبني إسرائيل وتديهم (تعطيهم) سيناء".
بالتزامن مع بيان مؤشر دار الإفتاء المصرية، استنكر رئيس دائرة الاتصال في الرئاسة التركية، فخر الدين ألطون، الإثنين 8 حزيران/يونيو، رفع "العَلم البيزنطي" على أحد المساجد في قبرص.
وقال ألطون في تغريدة له: "إن ما حدث يظهر الضغينة والكراهية العميقة تجاه الإسلام وتجاه تركيا من قِبل أصحاب العقليات المقيتة التي ورثت العار والهجوم على الأفكار والمعتقدات والنهب والإبادة الجماعية في صفحات التاريخ لآلاف السنين".
وفي 29 أيار/ مايو الماضي، كانت قد تمت قراءة سورة الفتح في "آيا صوفيا"، ما أثار انتقادات واسعة في تركيا ودول غربية في مقدمتها اليونان.
توظيف سياسي
اعتبر كثيرون بيان المؤشر من باب المكايدة السياسية في ظل تصاعد التوتر بين القاهرة وأنقرة على خلفية التدخل التركي في ليبيا لدعم حكومة الوفاق في طرابلس برئاسة فايز السراج.
وكان المؤشر قد خصّص جزءاً كبيراً من البيان للهجوم على الدور التركي في ليبيا، حيث اتهم السلطات التركية بإرسال "آلاف المرتزقة" وتحريضهم على القتال ضد الجيش الوطني بقيادة خليفة حفتر الذي يقاتل لتخليص طرابلس من "الإرهابيين"، على حد وصفه.
واتهم المؤشر أردوغان بتجنيد رجال دين وسياسيين ليبيين منهم مفتي ليبيا الصادق الغرياني ورئيس مجلس الدولة خالد المشري لمساعدته على تحقيق مصالحه في طرابلس وترسيخ "نزعته الاستعمارية".
بموازاة ذلك، هاجم المؤشر الداعية الكويتي حاكم المطيري واتهم أردوغان بتجنيده، بعدما طالب الشعب اليمني بضرورة المطالبة بالتدخل العسكري التركي، على غرار تدخل أنقرة في ليبيا.
بعيداً عن خطورة هذا الكلام بوصفه نبشاً خطيراً في مسائل تاريخية بالغة الحساسية، نحن أمام أحد أسوأ نماذج توظيف الدين في السياسة!"... اعتبر كثيرون بيان "الإفتاء" المصرية من باب المكايدة السياسية على خلفية التدخل التركي في ليبيا
وعلّق الصحافي المصري جمال سلطان: "صدق أو لا تصدق، دار الإفتاء المصرية تنشر اليوم بياناً، يصف فتح المسلمين للقسطنطينية بأنه ‘إحتلال عثماني‘ ، متصورة أن ذلك نكاية سياسية في أردوغان، يعجز قلمي ولساني عن التعليق والله!".
وقال الصحافي يوسف الشروف في تغريدة: "بماذا ستجيب دار الافتاء لو أن شخصاً تركياً تحدث عن ‘الإحتلال الإسلامي لمصر‘؟... بعيداً عن خطورة هذا الكلام بوصفه نبشاً خطيراً في مسائل تاريخية بالغة الحساسية، نحن أمام أحد أسوأ نماذج توظيف الدين في السياسة!".
وتوترت العلاقات المصرية والتركية منذ عزل الجيش المصري، استجابةً لدعوات شعبية واسعة، للرئيس الراحل محمد مرسي عام 2013، وبلغت الخلافات بين البلدين مداها مع تولي الرئيس عبد الفتاح السيسي الحكم عام 2014.
وتلفت السلطات التركية إلى أن ما حدث في مصر"انقلاب ضد الشرعية"، فيما يتهمها النظام المصري بالتدخل في شؤون البلاد والتعدي على سيادتها وإيواء معارضين وجماعات تصنفها "إرهابية".
وتوترت العلاقات إلى حد غير مسبوق بعدما وقّعت تركيا مع حكومة طرابلس اتفاقية لتقسيم الحدود المائية في البحر المتوسط والدفاع المشترك، وهو ما اعتبرته القاهرة انتهاكاً للقانون الدولي وتهديداً للأمن القومي المصري.