الدكتور محمد الصالح جمال – باحث في المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب و الإستخبارات ألمانيا و هولندا
لقد أضاف ظهور جماعة عنيفة جديدة باسم جماعة أنصار المسلمين في بلاد السودان أو ما تسمى أيضا اختصارا “أنصارو”، بعدا آخر إلى مشهد التطرف العنيف والإرهاب الذي يتكشف إلى حد كبير في نيجيريا بشكل خاص و غرب إفريقيا بشكل عام. جماعة أنصارو تعتبر أقل شهرة من بوكو حرام، ولكن طبيعة أهدافها وخصائصها فضلاً عن نواياها المعلنة تجعل من هذه الجماعة الجهادية خطرا جديدا في إفريقيا من المحتمل أن يتنامى بوتيرة متسارعة على المدى القريب و المتوسط.
من هو تنظيم ” أنصارو ” ؟
تم تشكيل تنظيم أنصارو في يناير 2012، بعد انشقاق في وسط تنظيم بوكو حرام ، ليتم تزعّم هذا التنظيم الجديد من طرف ” خالد البرناوي ” (47 عاما(، ابن محمد يوسف مؤسس تنظيم ” بوكو حرام “. تنظيم أنصارو لم يبرز إلا بعد ستة أشهر من خلال نشر شريط فيديو تعهد فيه بمهاجمة الغربيين دفاعاً عن المسلمين في جميع أنحاء العالم.
و قد ذكر بيان صادر عن التنظيم في يناير 2012 نقلته وسائل إعلام نيجيرية محلية : ” للمرة الأولى، يسرنا أن نعلن للجمهور تشكيل هذه الجماعة التي لها أساس حقيقي “. ليضيف البيان أيضا ” ستكون لدينا نظرة غير عاطفية تجاه كل شيء، من أجل تشجيع ما هو جيد ونسعى لانتشاره وتثبيط الشر ومحاولة القضاء عليه “. كما أن العديد من التقارير تشير إلى وجود تشابه في الأيديولوجية الفكرية لهذا التنظيم مع أيديولوجية تنظيم “القاعدة” وتحديدًا “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، في حين تشير تقارير أخرى إلى أن هذا التنظيم هو جزء من جماعة “بوكو حرام” وأن هناك تنسيقًا بينهما.
تقول هذه الجماعة أنها تسعى إلى استعادة “الكرامة المفقودة” لخلافة الإمبراطورية الفولانية المسلمة التي كانت قائمة حتى عام 1804 التي تزعمها “عثمان بن فودي الفولاني”، وكانت تضم شمال الكاميرون وشمال نيجيريا وجنوب النيجر واستمرت حتى الاستعمار البريطاني والفرنسي للقارة الإفريقية.
عوامل بروز تنظيم ” أنصارو “
تذكر تقارير أن من بين العوامل التي تساعد هذه الجماعة على الظهور، تكمن في أن غالبية المجتمع النيجيري لا يعرفها مثل جماعة بوكو حرام ؛ ولذلك تمثل عودتها إلى الساحة توسيعًا من نطاق التطرف والعمليات الإرهابية في نيجيريا، ومن المحتمل أن تزيد الجماعة من عمليات خطف الأجانب في البلاد، كما أنها قد تزيد من عملياتها في المناطق الشمالية للبلاد مثل مناطق يوبي وباوتشي، وقد يمتد التهديد إلى شرق البلاد حيث قد تزيد من الهجوم على المؤسسات الحكومية والأمنية، وذلك وقام التنظيم في يناير 2019 بتنفيذ خمس عمليات إرهابية نُفذت في نيجيريا، مما يشير إلى تصاعد التنظيم. وحسب الباحث في قضايا الإرهاب في إفريقيا ” جيمس بارنيت “، فإن تصاعد خطر تنظيم ” أنصارو ” يرجع كذلك إلى عامل الوضع السياسي، والأمني والعسكري الحالي بنيجيريا، و الذي لا يساعد على هزيمة الإرهاب، ولا الجماعات المسلحة العرقية الانفصالية في الجنوب وغيره. ذلك أن البلاد مقبلة على الانتخابات الرئاسية في سنة 2019، وسط صراعات عرقية وإثنية ومذهبية دينية، وتنامٍ لقوة المنظمات الإرهابية، وتأثير فعلها الإجرامي على الاقتصاد.
قدرات و امتدادات تنظيم ” أنصارو “
في تقرير لمرصد الفتاوي التكفيرية و الجماعات المتشددة الصادر في فيفري 2019، يظهر أن الجماعة حاولت عام 2015 تجنيد عدد كبير من الشباب النيجيريين بهدف إرسالهم للقتال في سوريا والعراق، ونجحت السلطات الأمنية في التصدي لذلك، ومنعت عددًا كبيرًا من الشباب للسفر إلى هناك بعد أن ثبتت علاقتهم بشخصيات متطرفة تابعة لهذه الحركة، وكان التنظيم في ذلك الوقت يقوم بإصدار التأشيرات ووثائق السفر المطلوبة لعناصرها، وفي يناير من عام 2016 تمكَّنت السلطات الأمنية من القبض على شخص يدعى “عبد السلام إينسي” المسؤول عن عمليات تجنيد الشباب لدى الحركة من أجل إرسالهم للقتال بسوريا والعراق، وألقي القبض على زعيم التنظيم في أبريل من نفس العام ويدعى “خالد البرناوي”.
وفي يناير 2017 نشرت إحدى المنصات الإعلامية التابعة لتنظيم القاعدة مقالًا لزعيم التنظيم الجديد “أبو أسامة الأنصاري” يهاجم فيه تنظيم بوكو حرام ويؤكد تبعيته للقاعدة فكريًّا وأيديولوجيًّا، وقد أدرجتها الولايات المتحدة على قائمة المنظمات الإرهابية إلى جانب الأمم المتحدة.
وقال البيان: إن هذا التنظيم بعد أن اختفى عن الساحة فترة ليست بقليلة عاد مرة أخرى للظهور، حيث تشير تقارير إلى أنه يسيطر على مساحات شاسعة في شمال نيجيريا ويحاول التمدد عبر مساحات أخرى خارج الحدود النيجيرية، وبدأت قواته تتزايد مع مطلع عام 2019، ويرى البعض أن جماعة “بوكو حرام” في الفترة الأخيرة تلقَّت عددًا من الضربات التي أثرت على انتشارها وبدأت تجري عمليات خاطفة على بعض المناطق والقرى الحدودية البعيدة عن قوات الأمن، ويربط هؤلاء بين هذا التراجع والصعود الذي شهدته جماعة “أنصارو” بالإضافة إلى الانخفاض في عدد الوفيات التي سجِّلت جراء العمليات الإرهابية التي نفذها عناصر “بوكو حرام” من عام 2015 حتى نهاية 2018؛ إذ انخفض العدد من 11500 حالة إلى 2700 حالة وفاة.
الخاتمة
يجب القول أن الحكومة النيجيرية ، و في سعيها لمنع انتشار تنظيم ” أنصارو ” و توسيع نشاطاته ، تحتاج إلى الاستثمار الجدي في مشاريع التنمية خاصة في الشمال الشرقي للبلاد، ومعالجة أهم القضايا المهمة، التي شكلت منطلقات للتمرد و نشأة جماعات إرهابية تهدد المنطقة، مثل الفقر والتهميش والعزل وغيرها من نقاط الضعف التي استغلها أصحاب أيديولوجيا التطرف لتجنيد المنتسبين والجنوح إلى التطرف.
وينبغي لقوات الأمن الاستمرار في تنفيذ عمليات مكافحة التمرد ، ومواصلة تطوير قدراتها في جمع المعلومات الإستخباراتية التي يمكنها تهيئة ردود فعل استباقية ومناسبة في توقيتها وفعاليتها.
مامطاوب ايضا توطيد ورفع مستوى التعاون بين نيجيريا ودول الجوار في مجال تبادل المعلومات الأمنية والاستخباراتية وتسيير عمليات تمشيط ومراقبة على الحدود المشتركة. هذا، بالإضافة إلى ضرورة مواصلة وتوسعة مجالات دعم المجتمع الدولي للبلدان المعنية بمكافحة الإرهاب في بحيرة تشاد.
حقوق النشر محفوظة إلى المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات