يوميات مسيحيّي باكستان: إضطهاد وتحقير وقتل وتهجير! - مقالات
أحدث المقالات

يوميات مسيحيّي باكستان: إضطهاد وتحقير وقتل وتهجير!

يوميات مسيحيّي باكستان: إضطهاد وتحقير وقتل وتهجير!

جوزيف حبيب:

 

أعاد الاعتداء الهمجي الأخير لحشود من المسلمين المتطرّفين الذين اقتحموا منطقة جارانوالا المسيحية في ضواحي مدينة فيصل أباد في إقليم البنجاب في باكستان، حيث حطّموا وخرّبوا وأحرقوا عشرات الكنائس والمنازل والمصالح المسيحية بذريعة مزاعم بـ«التجديف»، تسليط الضوء على الوضع المأسوي للأقليّة المسيحية المضطهدة إلى أقصى حدود في بلاد لا تُحترم فيها التعددية ولا حقوق الأقليّات.

وفيما تُستخدم اتهامات «التجديف» الملفّقة في معظم الأحيان لاستهداف المسيحيين لأسباب دينية أو مصلحية أو شخصية بحتة، علت أصوات مشايخ من على مكبّرات الصوت في المساجد الأسبوع الماضي بدعوات إلى احتجاجات غاضبة، هاتفين بحقد: «لقد دنّس المسيحيّون القرآن الكريم... الموت خير لكم من أن تقفوا متفرّجين!»، وما هي إلّا دقائق حتّى حضر الغوغاء بالعصي والحجارة والسلاح الأبيض ليُهاجموا الضاحية المسيحية ويُهجّروا أهلها ويُحوّلوها خراباً أمام أعين الأجهزة الأمنية.

ليس غريباً على الإطلاق استسهال المعتدين استهداف المسيحيين في باكستان. فالمسيحيون بالنسبة إلى شرائح واسعة من الباكستانيين من أدنى فئات المجتمع وبالكاد يستحقون الحياة. إنّ التمييز على أساس ديني/عرقي له جذور عميقة في باكستان، الأمر الذي جعل من التعرّض للمسيحيين في مختلف مفاصل الحياة اليومية ممنهجاً وسهلاً، وسط بيئة مجتمعية متزمّتة تنظر إليهم بفوقية واحتقار.

المسيحيّون ممنوعون من ممارسة الكثير من المهن في القطاعين العام والخاص في بلاد تأبى عليهم التمتّع بمواصفات «مواطني فئة أولى». تصل سياسة إهانة «الكرامة الجماعية» إلى درجة طلب فيها الجيش الباكستاني، على سبيل المثال لا الحصر، «مسيحيين» بالتحديد، لتنظيف مجاري الصرف الصحي في إعلانات نُشرت عبر صحف محلّية قبل نحو 3 أعوام، لتُسحب لاحقاً خانة تحديد الديانة المسيحية بعد اعتراضات واحتجاجات.

بالفعل، يشغل المسيحيون أكثر من 80 في المئة من الأعمال المرتبطة بالنظافة والمياه المبتذلة في باكستان، علماً أنّهم يُشكّلون حوالى 2 في المئة من سكّان البلاد، إذ يرفض المسلمون ممارسة هذه الأعمال «الحقيرة» خوفاً من أن «تتنجّس» أجسادهم وثيابهم. ونظام التمييز الديني - الطبقي هذا، لا يرحم «الإنسان المُختلف» حتّى في أدقّ التفاصيل، بحيث لا تؤمّن الملابس والأجهزة واللوازم الضرورية للحفاظ على سلامة العاملين أثناء قيامهم بمثل هذه «المهام الانتحارية». ويُخاطر هؤلاء بحياتهم لفتح القنوات المسدودة، يدويّاً، ويتعرّضون لغازات سامة صادرة عن البراز والمواد الكيماوية والملوّثات المتنوّعة، مقابل دخل زهيد.

لقد أثارت قضيّة وفاة الشاب إيرفان مسيح (30 عاماً) الذي استنشق غازاً ساماً خلال تنظيفه قناة للمجارير في عمركوت في إقليم السند عام 2017، موجة استياء عارمة داخليّاً وخارجيّاً، خصوصاً بعدما رفض أطباء مسلمون معالجته لأنّهم لا يُريدون المساس بجسده القذر خلال صيامهم في رمضان، بينما توفي عشرات العاملين في ظروف مماثلة خلال السنوات القليلة الماضية، فضلاً عن إصابة الآلاف بأمراض مختلفة نتيجة حرمانهم من أبسط التجهيزات وتوفير الحدّ الأدنى من معايير السلامة.

ولا تقف محنة مسيحيي باكستان على كلّ هذا التمييز المُرعب في المعاملة فحسب، بل تتعرّض كنائسهم لهجمات إرهابية دموية دورية، أودت بحياة المئات منهم خلال العقد الأخير فقط، في وقت تعيش فيه الفتيات المسيحيات، لا سيّما المراهقات منهنَّ، في ظلّ خوف مستمرّ من أن يتعرّضنَ للخطف لتحويلهنَّ بالقوّة إلى الدين الإسلامي وتزويجهنَّ مكرهات لكُهول غرباء. كما يمتنع مسلمون تحوّلوا إلى المسيحية عن إظهار ذلك علناً، ولو أمام أقرب المقرّبين إليهم، خشية الموت قتلاً.

يواجه مسيحيّو باكستان نظام «أبارتايد» كامل المواصفات والدسم، إضافةً إلى عنصرية مقيتة مشبّعة بكراهية وغطرسة تبدأ من البنى التحتية المجتمعية لتصل إلى أعلى مراتب السلطة. وهذه «المنظومة» المتكاملة المعادية لـ«الآخر» المُختلف وحقوقه وحرّياته... تضع المسيحيين مرغمين أمام خيارين: إمّا الاستمرار بالعيش ذمّيين صاغرين في «غربة بلادهم»، وإمّا الهجرة والبحث عن أوطان تحتضنهم بغية العيش بحرّية وكرامة وسلام.

نداء الوطن-لبنان

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث