مترجم: هل ترعى أمريكا الحرية الدينية في العالم فعلًا؟ - مقالات
أحدث المقالات

مترجم: هل ترعى أمريكا الحرية الدينية في العالم فعلًا؟

مترجم: هل ترعى أمريكا الحرية الدينية في العالم فعلًا؟

كاتب: Jacob Mchangama

مصدر: Freedom of Religion Doesn’t Cut It

في ظل التغنِّي دائمًا بأنَّ الولايات المتحدة هي راعية الحرية الدينية والحريات عمومًا في العالم، واحتفال العالم باليوم العالمي لحرية الصحافة في 3 مايو (أيار)، نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأمريكية تحليلًا لجاكوب متشانجاما، المحامي الدنماركي والخبير في مجال حقوق الإنسان، يستعرض فيه مدى اضطلاع أمريكا بهذا الدور وسط القمع الذي تتعرَّض له الحريات في شتى أنحاء العالم.

الديمقراطية تنحسر حول العالم

استهلَّ متشانجاما تحليله باستعراض ما ذكره الرئيس الأمريكي الأسبق فرانكلين روزفلت في ختام خطاب حالة الاتحاد، الذي ألقاه في 6 يناير (كانون الثاني) من عام 1941، حين وضع الأُطُر الرئيسة لمستقبلٍ قائم على «أربع حريات إنسانية أساسية». الحريتان الأوليان كانتا «حرية التعبير والرأي في كل مكانٍ في العالم»، و«حرية كل شخص في عبادة الله بطريقته الخاصة» على حد وصف روزفلت، الذي أكَّد أيضًا آنذاك استبعاد احتمالية توفر «حرية التعبير» أو «الحرية الدينية» في «دولةٍ تعيش في سلامٍ تحت قيادة ديكتاتور».

ويرى متشانجاما أنَّ تحذير روزفلت من زحف الاستبداد وتأكيده ضرورة حماية حرية التعبير باعتبارها ترياق هذه المشكلة يُذكِّرانا بواقعٍ مُحزِن في ظل الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة. فبحسب متشانجاما، تنتشر عدوى الاستبداد في العالم بالرغم من عدم وجود قائد مثل أدولف هتلر يُهدِّد بالاستيلاء الاستبدادي على العالم الحر، وتبدو تلك العدوى محصنةً ضد الأجسام المضادة، التي يُفترض أنَّها تتمثل في حرية التعبير والصحافة.

إذ قُتل 54 صحافيًا وسُجن 251 آخرين في العام الماضي 2018، وهو ما يمثل أدنى مستويات حرية الصحافة منذ 13 عامًا، وفقًا لمؤسسة «فريدم هاوس». ويعتقد متشانجاما أنَّ «الاستبداد الرقمي» قضى على حلم وجود حرية غير مقيدة في استخدام الإنترنت، مضيفًا أنَّه حتى الاتحاد الأوروبي والحكومات الديمقراطية في ألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة تتخذ تدابير صارمة لتقييد الخطاب عبر الإنترنت.

وأشار المحامي إلى أنَّ هذه الانتكاسات تتزامن مع انحسارٍ عالمي في الديمقراطية، وهو لا يرى ذلك مفاجئًا. وعلَّل ذلك بأنَّ أثينا القديمة كانت مهد الديمقراطية وحرية التعبير، اللتين كانتا وما زالتا مرتبطتين ارتباطًا وثيقًا. وكذلك في الأزمنة الحديثة، سلَّط أبرز المعارضين ومناصري الديمقراطية -بمن فيهم فاتسلاف هافل وموهانداس غاندي ونيلسون مانديلا وليو شياوبو- الضوء على الدور المركزي الذي تؤديه حرية التعبير في هزيمة الطغيان، وقد دفعوا ثمن الجهر بالحقيقة في وجه السلطة.

واستشهد متشانجاما بما ذكره ليو تشاوبو، المُعارض الصيني المسجون، في خطاب قبول جائزة نوبل للسلام في عام 2010، حين كتب: «أتطلَّع إلى (اليوم) الذي تكون فيه بلدي أرضًا تتمتع بحرية التعبير، حيث يحظى جميع المواطنين بالمساواة في حرية التعبير، وحيث يمكن للقيم والأفكار والمعتقدات والآراء السياسية المختلفة التنافس مع بعضها البعض والتعايش بسلام».

وبحسب تقريره، فإنَّ التخلُّص من حالة الانحسار الديمقراطي يتطلَّب بذل جهدٍ متضافر من جانب الدول الديمقراطية والمؤسسات الدولية، لتوسيع حيِّز المعارضة والتعددية الآخذ في التقلُّص. لكنَّه أكَّد أن مثل هذا الجهد لا يمكن أن يكون مُجديًا دون قيادةٍ أمريكية قوية.

لكن حين يتعلق الأمر بتعزيز حقوق الإنسان، فقد ركزت السياسة الخارجية الأمريكية على الحرية الدينية بدلًا من حرية التعبير، بحسب متشانجاما، الذي أضاف أنَّ قانون الحرية الدينية الدولية الذي أُقِرَّ في عام 1998 يعكس «التزام الولايات المتحدة الثابت برعاية الحرية الدينية»، ويجعل «تعزيز احترام الحرية الدينية» هدفًا رئيسيًا للسياسة الأمريكية الخارجية. وأنشئت بموجب ذلك القانون اللجنة الأمريكية للحرية الدينية الدولية، ومنصب السفير المتجول للحرية الدينية الدولية.

وفي رأيه أدَّت هذه اللجنة وذلك المنصب دورًا محوريًا في تعزيز الحرية الدينية على الصعيد العالمي، بتسليط الضوء على اضطهاد الأقليات الدينية وسجناء الرأي، ومساعدة الجهود المبذولة لوقف تدويل حظر التجديف، وتحديد الدول التي ترتكب انتهاكاتٍ جسيمة ومنهجية ضد الحرية الدينية وإدانتها. لكنَّ التركيز الضيق على الحرية الدينية يضع حدودًا لما يمكن تحقيقه في ازدهار حقوق الإنسان.

إذ يرى متشانجاما أنَّ الحق في العبادة وفقًا لما يمليه ضمير الفرد لا يضمن التعددية السياسية أو حرية الصحافة، بل يقصر حرية التعبير على عالم الدين، وغالبًا ما يُستبعد منها أولئك الذين يدافعون عن الديمقراطية أو حقوق الإنسان أو مكافحة الفساد أو المخاوف البيئية. لذا فمن ناحية المبدأ، يمكن للدول الاستبدادية أن تتبنى الحرية الدينية، بينما تشكل حرية التعبير دائمًا تهديدًا وجوديًا للديكتاتوريين بجميع أنواعهم.

الحرية الدينية في أمريكا.. سوابق تاريخية

وأضاف المحامي أنَّ هذه الحدود تتجلَّى في التاريخ الأمريكي. واستشهد على ذلك بما جرى في القرن السابع عشر، حين أنشأت معظم المستعمرات كنائس، بينما عاقب العديد منها المنشقين. لكنَّ عددًا من المستعمرات خالف الاتجاه غير المتسامح، وحمى الحرية الدينية نوعًا ما. إذ تضمَّن قانون التسامح في ولاية ميريلاند لعام 1649 لهجةً تكررت لاحقًا في بند حرية ممارسة الأديان في التعديل الأول للدستور الأمريكي، وكَفَل التسامح مع أي شخصٍ يعلن الإيمان بالسيد المسيح من أجل «الحفاظ بصورةٍ أفضل على الحب والود المتبادلين بين السكان».

وقد أسفر ذلك عن تمكُّن البروتستانت والكاثوليك من ممارسة طقوس دينهم في ولاية ميريلاند. واستشهد متشانجاما أيضًا بولاية رود آيلاند في عهد جورج ويليامز، عالم اللاهوت البروتستانتي وأحد دعاة الحرية الدينية، قائلًا: إنَّها كانت ملاذًا للمنبوذين دينيًا بسبب «تجربتها الحيوية»، التي كانت قائمة على مبدأ ضمان «الحرية الكاملة في الشؤون الدينية».

وكذلك ولاية بنسلفانيا في عهد الفيلسوف ويليام بن، التي لم تكن مجرَّد ملاذٍ آمن للكويكرز المضطهدين، لكنَّ ويليام تعهَّد أيضًا آنذاك بأنَّ أي شخصٍ يؤمن بالله «لن يتعرض للمضايقة أو التحامل بسبب قناعاته أو ممارساته الدينية».

لكن بغض النظر عن مدى تقدمية ضمانات الحرية الدينية هذه التي نشأت في الحقبة الحديثة المبكرة، يعتقد متشانجاما أنَّها لم تُقدِّم شيئًا يُذكر لحماية حرية التعبير السياسي لسكان المستعمرات في وقتٍ كان فيه انتقاد الحكومة والقضاة والقوانين يُعاقب عليه باعتباره تشهيرًا مُحرِّضًا.

واستشهد على ذلك بعدة وقائع تاريخية: ففي عام 1666، حُكم على إدوارد إربيري بالجلد 39 جلدة بسبب التبجُّح في حالة سُكر ضد «مجلس النواب العفن مثل البراز» في ولاية ميريلاند، على حد وصفه. وفي رود آيلاند، كان «انتقادقوانين أو أوامر» مجلس النواب من الممكن أن يؤدي إلى السجن أو التعرُّض لـ30 جلدة.

أمَّا سلطات ولاية بنسلفانيا، فقد كانت تعتبر جميع «الصحفيين والمغتابين ومشوِّهي السمعة وناشري الأخبار الكاذبة المفترين الخبيثين أعداءً يستحقون العقاب الشديد». وفي عام 1683، حكم مجلس ولاية بنسلفانيا – برئاسة ويليام بِن نفسه – على أنتوني ويستون بالجلد 10 جلدات ثلاث مرات، منها مرة في سوق مدينة فيلادلفيا لأنَّه أظهر «تعجرفًا شديدًا واحتقارًا كبيرًا لهذه الحكومة والسلطة».

لكن في القرن الثامن عشر، يشير متشانجاما إلى أنَّ الأمريكيين جعلوا حرية الصحافة سلاحًا فعالًا في الكفاح من أجل حكومةٍ تمثيلية، وضد فرض الضرائب دون تمثيلٍ للشعب. واستشهد في هذا بما حدث في 1768 حين قال صمويل آدمز، الفيلسوف السياسي وأحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، في مقالٍ شهير بصحيفة «بوسطن جازيت» إنَّ «الصحافة الحرة هي أكثر الأشياء إزعاجًا وإثارة للقلق بالنسبة للطغاة وأدواتهم ومناصريهم. والسبب واضح: لأنَّها حصن حريات الشعب».

ووفقًا لمتشانجاما، فقد تكرَّرت الفكرة القائلة بأنَّ حرية الصحافة هي حصن الحرية في إعلان الحقوق الذي صدر في ولاية فرجينيا عام 1776.

وفي الحقيقة، كانت ممارسة الأقليات الدينية – مثل المعمدانيين والمشيخيين – لحرية التعبير في أثناء مؤتمر فرجينيا هي التي أقنعت الرئيس الأمريكي الأسبق جيمس ماديسون بتوسيع مسودة الإعلان من حماية التسامح الديني فقط إلى ضمان الحرية الدينية. وقد أُدرِجَت تلك الفكرة كذلك في المسودة الأولى لماديسون، التي أصبحت التعديل الأول للدستور الأمريكي. وصارت حرية التعبير في النهاية هي أول الحريات الأربع التي ذكرها روزفلت.

وسِّعوا مظلة الحريات!

ومن ثَمَّ، يرى متشانجاما أنَّ الحرية الدينية تُعَد أساسًا ضروريًا لحماية حرية الفرد وكرامته، لكنَّها ليست كافية. وعلى الرغم من أهميتها البالغة للإيغور الصينيين المضطهدين، فهذه الحرية لا تعالج مشكلة قمع المعارضين السياسيين مثل ليو، الذي تُوفي في أثناء احتجازه بتهمة «التحريض على التخريب».

ويعتقد متشانجاما كذلك أنَّها لا تتصدى للجدار الناري العظيم الذي أنشأته الصين، وجهودها لتوسيع الرقابة على الإنترنت خارج حدودها. وأضاف أنَّها لا تعطي أملًا في حدوث مساءلةٍ حقيقية لقتلة الصحافي السعودي جمال خاشقجي، أو الصحافيين الآخرين الذين قُتلوا أثناء تأدية واجبهم في العام الماضي، والبالغ عددهم 53 صحافيًا.

أمَّا حرية التعبير، فلا تشمل الخطاب الديني والسياسي فقط بحسب متشانجاما، بل تعد كذلك بمثابة عنصرٍ متأصل في الديمقراطية المفتوحة والتمثيلية، وهو عنصر أثبت أنَّه الإطار الوحيد المتوافق مع حرية الفرد وكرامته. لذا يحمي التعديل الأول للدستور الأمريكي الحرية الدينية وحرية التعبير وحرية الصحافة، وحرية التجمُّع وحرية التظلُّم، مؤكِّدًا الحاجة إلى حماية حرية الفِكر والتعبير كُلِّيًا.

ولمواجهة التدهور العالمي للحرية وانتشار الاستبداد، يعتقد متشانجاما أنَّ الولايات المتحدة يجب عليها إعطاء جميع الحريات الواردة في التعديل الأول للدستور الأمريكي الأولوية في سياستها الخارجية، بناءً على المعايير الدولية لحقوق الإنسان. ويرى أنَّ توسيع التركيز ليشمل الحرية الدينية وحرية الفِكر والتعبير من شأنه أن يمنح لجنة الحرية الدينية الدولية والسفير المتجول تفويضًا للتركيز على القمع السياسي إلى جانب القمع الديني.

وعدَّد متشانجاما منافع هذه الخطوة، قائلًا إنَّ هذه الأدوات التي ثبتت فاعلياتها في السياسة الخارجية للولايات المتحدة لا يمكن أن تتصدى فقط لاستهداف المملكة العربية السعودية للأقليات الدينية و«الكُفَّار»، بل كذلك قمعها للمعارضين السياسيين مثل خاشقجي وناشطي حقوق المرأة، الذين قيل إنَّهم تعرضوا للاعتقال والتعذيب.

وفي مصر، ستفيد هذه السياسة الجديدة المسيحيين الأقباط المضطهدين، والعديد من الصحافيين المسجونين بسبب قوانين ضبابية تُعاقب ناشري الأخبار التي يُزعَم أنَّها كاذبة. وفي روسيا، يمكن أن تقدم الولايات المتحدة الدعم للمعارضين العالقين في مأزق ووسائل الإعلام المستقلة، بالإضافة إلى ما يُسمَّى بالأقليات الدينية غير التقليدية التي تستهدفها قوانين روسيا الضبابية المفروضة ضد التطرف الديني. ويرى متشانجاما أنَّ التركيز على كلٍّ من سجناء الرأي السياسيين والدينيين من شأنه أن يعزز تأثير الجهود الأمريكية لنشر حرية التعبير والحرية الدينية والديمقراطية. مضيفًا أنَّ ميثاق فاتسلاف هافل الذي صدر في عام 1977 وميثاق ليو الذي صدر في عام 2008 يكفلان جميع حقوق الإنسان بما في ذلك حرية التعبير والحرية الدينية.

بيد أنَّ متشانجاما يعتقد أنَّ الرئيس الأمريكي، الذي يعتبر وسائل الإعلام «عدوة الشعب»، من المستبعد أن يأخذ زمام المبادرة. لكنَّه ذكر أنَّ قانون الحرية الدينية الدولية حظي بدعم الجمهوريين والديمقراطيين، ومُرِّر بموافقةٍ بالإجماع في مجلسي الشيوخ والنواب.

ومن ثَمَّ، فإذا اتحد الكونجرس – الذي يعاني انقسامًا عميقًا – حول تعزيز الحريات الأربع، سوف يبعث برسالةٍ قوية إلى العالم، مفادها أنَّ الولايات المتحدة ستدافع عن حرية الفِكر والحرية الدينية وحرية التعبير، التي تشكل جميعًا أساس أي مجتمع حر.

ساسة بوست

 

 

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث