على مقربة من مبنى الكونغرس ونصب واشنطن التذكاري، يقع متحف الأخبار أوNewseum في شارع أضحى رمزاً للتعبير عن الرأي والحرية ولطالما خرجت فيه مظاهرات الاحتجاج الحاشدة
على واجهة المتحف الأمامية كتب بعض المواد من الدستور الأميركي على لوح من الرخام، يزن حوالي 50 طناً، يتحدث عن الحقوق الطبيعية الخمسة التي يتمتع بها كل أميركي وأميركية.
وقد لجأ إلى تلك الفكرة جيمس بولشيك، المهندس المعماري الذي أبدع هذه البناية الضخمة، للتأكيد على أن متحف الأخبار بني على أساس هذه الحقوق، وبهدف إبراز التضحيات في سبيل تكريسها، كما يقول كورتني مرشد المتحف.
ومتحف الأخبار مؤسسة غير ربحية، تموله مؤسسة منتدى الحرية التي تعنى بحرية التعبير والصحافة، تكلف إنشاؤه مئات الملايين من الدولارات، ويمتدّ على مساحة أكثر من 23 ألف متر مربع، ويتكون من سبعة طوابق.
تأريخ لخمسة قرون من الأخبار
شاشات تلفزيونية عملاقة تبث قنوات مختلفة، وشريطاً إلكترونياً على طول قاعة المتحف الكبرى يمرّر عناوين الأخبار التي تبثها وكالة الأسوشيتد برس الأميركية للأنباء، بالإضافة إلى راديو يذيع محطات مختلفة، هذا ما ستجده في النيوزيام، لتشعر فعلاً أنك في مكان نذر للأخبار فقط.
في أعلى الجانب الأيمن من البهو الرئيس، تلفت انتباه الزائر طائرة هيلكوبتر علقت مثلما تعلق الثريا، وهي طائرة حقيقية رغم كونها من دون محرك. وفي إحدى زوايا المتحف تقف شاحنة للبث جاهزة للاتصال اللاسلكي، وهي أول شاحنة من نوعها وقد تم استخدامها في العام 1984، وغير بعيد عنها يوجد أول قمر اصطناعي استعمل للبث في إحدى الشبكات الأميركية الشهيرة سنة 1966.
تسلسل الزمن
ويتضمن المتحف معرضاً للأحداث بتسلسل زمني، يضم المطبوعات والمنشورات الرقمية وغيرها، بما يضمن تأريخاً شاملاً وأرشفة بمختلف الطرق التكنولوجية الحديثة لحوالي 500 سنة من تاريخ الطبع الرقمي والورقي ومراحل تطوره منذ ظهور آلة الطباعة على يد الألماني يوهان غوتنبرغ منتصف القرن الخامس عشر.
كذلك يخصص المتحف مساحة كبيرة لحرب فيتنام التي تكبدت فيها الولايات المتحدة الأميركية خسائر جسيمة، ومن بين ما تضمنته هذه المساحة رسالة مؤثرة كتبها المراسل الصحفي في فيتنام آنذاك، جو غالوي.
زنزانة كينغ وذكرى لينكولن
قسم آخر من أقسام المتحف مثير للاهتمام، يركز على الحقوق المدنية وحركات التحرر، ويكرم كل من قاد حركة حقوقية. ومن بين ما يتضمنه مجموعة من الصور تحت عنوان "اصنع بعض الضجيج" أو Make Some Noise. وهو معرض يؤرخ لفترة فاصلة من تاريخ التمييز العنصري في البلاد، ومنها ما حدث في كارولينا الشمالية التي كان يوجد فيها مطعم يفصل بين السود والبيض، ويخصص مكاناً لجلوس كل منهما، إلى أن حدث أول احتجاج على هذا الأمر، إثر إقدام طالبين أسودين على الجلوس في المكان المخصص للبيض.
في هذا الجانب توجد صور كثيرة لمارتن لوثر كينغ، الزعيم الذي ألهم الأميركيين وكافح من أجل إنهاء التمييز وإقرار المساواة، وصاحب المقولة الشهيرة "لدي حلم" الذي تعرض للسجن والتعذيب، ومجسم الباب الحديدي الماثل في المتحف يحاكي باب زنزانته الذي كان يتسلم من تحته الأوراق والأقلام ليكتب.
وخصص متحف الأخبار كذلك جانباً للرئيس الأميركي السادس عشر، إبراهام لينكولن ويركز تحديداً على ليلة اغتياله ،خلال مشاهدته مسرحية مع زوجته في مسرح فورد في العاصمة واشنطن على يد ممثل معروف. ومن الصدف أن آخر ليلة في حياة لينكولن أمضاها في فندق كان يقع في المكان نفسه الذي بني فيه متحف الأخبار الذي يؤرخ لعملية اغتياله.
أحداث 11 سبتمبر
وفي المتحف قسم كبير يؤرخ لهجمات 11 أيلول/سبتمبر الإرهابية، يضم مستقبلاً هوائياً كان يوجد أعلى قمة أحد برجي التجارة العالميين قبل انهيارهما في الاعتداء الإرهابي على مدينة نيويورك العام 2001، وقد كان ذلك المستقبل هو أعلى شيء في المدينة، حسب المرشد كورتني. وأدى سقوطه إلى تضرر الاتصالات التي انقطعت كلياً حينها.
في الفضاء نفسه، تعرض 127 صفحة أولى لكبرى الصحف العالمية التي صدرت في اليوم التالي لاعتداءات 11 سبتمبر، ومن بينها صحف عربية هي الشرق الأوسط والحياة اللندنية بالإضافة إلى النهار اللبنانية. وعلق على مقربة منها العلم الأميركي الذي كان فوق مبنى وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) خلال تعرضه لهجوم في اليوم نفسه.
ألفا بابا، أحد زوار المتحف من النيجر، يقول لـ"هافينغتون بوست عربي": "كان ذلك اليوم نقطة تحول في عالمنا، وأنا سعيد أن هناك متحفاً كهذا يخلد تلك الأحداث على الرغم من الألم اللامحدود الذي تسببت فيه للإنسانية".
هل بالإمكان مشاهدة قطعة من إحدى الطائرتين اللتين اخترقتا البرجين يومها؟
الجواب في متحف الأخبار سيكون بنعم، لأنه يعرض ضمن هذا القسم قطعة من بقايا الطائرة، إلى جانب صور كثيرة التقطها بيل بيغارت، المراسل الوحيد الذي قتل يومها والذي قام بإحضار الكاميرا بعد الهجوم الذي نفذته أول طائرة، ليلتقط الكثير من الصور قبل أن يقتل.
الأحمر يغطي الدول العربية
على أحد جدران المتحف خريطة عملاقة لدول العالم، تظهر مستويات حرية التعبير فيها وفق تقييم منظمة فريدم هاوس. وقد تم اعتماد ثلاثة ألوان لتوضيح مستوى الحرية، أخضر يعني الحرية Free، وأصفر يعني حرية جزئية Partly free، أما الأحمر فيعني غياب الحرية Not Free، وقد كانت جميع الدول العربية مكسوة باللون الأحمر، باستثناء تونس وموريتانيا اللتين اصطبغتا باللون الأصفر.
وتكريماً لأرواح الصحفيين الذين فقدوا أرواحهم خلال عملهم الصحفي، نصب حامل صور ضخم، يضم أكثر من 900 صورة لصحفيين وصحفيات من حول العالم قتلوا خلال عملهم، وكان من بينهم عدد كبير من الصحفيين العرب والصحفيين الذين قتلوا في بلدان عربية، ويتم تحديث هذا النصب سنوياً.
وحتى لا يظل المتحف ذاكرة فقط، ويسهم في عملية إنتاج الأخبار وإيصالها للناس أيضاً، فإنه يحتوي على أستوديو كبير تتوفر به أحدث التجهيزات اللازمة للبث، وتبث منه مجموعة من القنوات الكبرى ومن بينها قناة الجزيرة أميركا.
جدار برلين لم يسقط في المتحف
هل تصدق أنك ستقف بجوار جدار برلين بعد أكثر من عقدين على سقوطه؟ الجواب أيضاً بالإيجاب وذلك في المعرض الخاص بجدار برلين في متحف الأخبار، إذ يحتوي على ثماني قطع من الجدار الإسمنتي الشهير برسوماته الملونة، والذي كان يفصل بين برلين الشرقية والغربية قبل أن يسقط في نوفمبر من العام 1989 بعد 28 عاماً من بنائه.
هافينغتون بوست عربي | اعتماد سلام