خرافة الاقتصاد الإسلامي - مقالات
أحدث المقالات

خرافة الاقتصاد الإسلامي

خرافة الاقتصاد الإسلامي

نضال نعيسة:

 

لطالما دعا الفقهاء والشيوخ إلى العمل والأخذ بما يسمى بالاقتصاد الإسلامي باعتباره النموذج الأفضل والذي يحقق الاستقرار والثراء والعدالة للجميع، والأهم أنه يعمل وفق الشرع والأصول الحلال. ويعتبر مصطلح الاقتصاد الإسلامي من مخلفات الصحوة البترودولارية التي أقحمت جملة من المفاهيم والمصطلحات الطوباوية والوهمية بقوة الإعلام والبترودولار وليس بقوة المنطق والعلم والضرورات الحياتية. إذ لم يكن هناك على مر التاريخ الإسلامي شيء باسم الاقتصاد الإسلامي بالمفهوم الحديث المؤسساتي والمعروف للاقتصاد القائم على منظومة معقدة من الآليات التراتبية إدارة وإنتاجاً لم تكن متوفرة، بالقطع، في ذروة تأوج وانتشار ما يسمى بالحضارة الإسلامية، بل كان يعتمد بيت مال المسلمين في تكديس أصوله جملة وتفصيلاً على السبي والغزو والجزية والخراج والزكاة والتي هي ليست من الاقتصاد بشيء، وقد كان الطمع في قصور وكنوز كسرى الشام ، مثلاً، وراء غزو هذه البلدان. ولم تكن البنوك معروفة، مثلاً، في أية مرحلة من مراحل ما يسمى بالتاريخ الإسلامي بينما هي اليوم عماد هذا الاقتصاد. وهي –البنوك-"بدعة" اقتصادية غربية، بالمطلق، تعود لقرون خلت في البنية الاقتصادية والمجتمعية الغربية. وتقوم بالأساس على فكرة الربا وتكديس وتخزين الأموال المحرمة أصلاً في الشرع الإسلامي، فكيف تأتي ذلك وتم هذا الخلط واللغط؟ فلا نعرف في الحقيقة.

وتعتبر جملة هارون الرشيد الأشهر حول الغيمة التي سيعود "خراجها"، انتبهوا، إلى بيت مال المسلمين، الذي لم ينل المسلمون منه شيئاً، وكان يصرف على الجاريات والغلمان والغواني الفاتنات الملاح والليالي المخملية الحمراء، كخير معبر ودليل على آلية عمل ذاك الاقتصاد الإسلامي وقتذاك والقائم على الجزية والغنائم والخراج والغزو وسبي أموال الشعوب والحضارات وكدها وتعبها. ويتحدث لنا آباؤنا وأجدادنا، وبكثير من الألم، كيف كان يقوم جنود الخليفة العثماني الانكشاريين، بالانقضاض على القرى والمدن وسلب كل ما فيها من مؤن وأموال وطعام وإرسالها للباب العالي في الأستانة عاصمة دولة الخلافة والإسلام. ثم ليعود أعضاء حزب التحرير الإسلامي، اليوم، والجماعات المتأسلمة الأخرى، ليعبّروا لنا عن رغبوياتهم بإقامة دولة الخلفاء والجواري، وإعادة إحيائها من جديد؟

وما يسمى اليوم بالاقتصاد الإسلامي، والذي يتركز اليوم في المنظومة البدوية الخليجية، ما غيرها، والتي انطلق منها خطاب الصحوة الدعوي المجلجل المبين، لا يعتبر اقتصاداً بالمفهوم العملي والدقيق للمصطلح، أي إنتاج، وإدارة، ووسائل إنتاج، وطبقة عاملة، ودورة لرأس مال وعلاقات إنتاج......إلخ، بل هو بالمطلق اقتصاد لريوع خرافية صاعدة وهابطة ولا تستحوذ صفة الثبات والاستقرار وتحافظ على نسب نمو اقتصادية عقلانية وكله بفعل تقلبات أسعار النفط، يعتمد على عوائد بيع هذه المادة الخام والمطلوبة في السوق الدولي بشكل كبير(دون أن يكون له القدرة على إنتاجها وتسويقها بمفرده ودون الاعتماد على شركات غير وطنية). كما أن توفـّر هذه المادة، لم يتأت بناء على مجهود إنتاجي بشري، بقدر ما هو عائد لعوامل طبيعية ولصدف جيولوجية بحتة. وأرجو ألا يقولن أحد، وكما يردد الخطاب الصحوي الدعوي المخادع، إن الله قد منّ على هذه الأراضي الطاهرة بهذه المادة تثميناً لمكانتها وقدسيتها، لأن روسيا الاتحادية، أو ما كان يعرف سابقاً بالاتحاد السوفييتي الملحد والشيوعي الكافر، تغفو على أكبر احتياطي للنفط والغاز في العالم، وتعتبر اليوم كأكبر مصدّر لهذه المادة في العالم، ولن نتكلم عن الاحتياطات الخرافية الموجودة في باطن القارة الأمريكية، ولا أعتقد، أيضاً، أن فنزويلا شافيز، آخر "القياصرة والرفاق الحمر"، تحظى بأي قدر من الرضا والاحترام السماوي بناء على الخطاب، إياه.

من ناحية أخرى، والسؤال الأهم، هو كيف يمكن لأي بنك في العالم أن يشتغل ويستمر، ويؤمن مصاريفه دون الحصول على أرباح وفوائد أو ربا؟ وهذا هو ما يدّعيه شيوخ الصحوة الذين يمتلك بعضهم أسهماً في بنوك إسلامية معروفة؟ فالسيارة لدى البنك الكافر الربوي، مثلاً، هي بعشرة آلاف دولار، ثم يضيف إليها الفائدة، ليصبح ثمنها مع الفائدة "الربا" أحد عشر ألف دولار. ونفس السيارة في البنك الإسلامي هي أيضاً بعشرة آلاف دولار، لكنه يشتريها هو لنفسه، ثم يقوم ببيعها للعميل بنسبة ربح أو "فائدة وربا" ولا فرق، قد تتجاوز ما ربحه البنك الربوي، أو أن يقرض الديون ويستعيدها بنسب أعلى مما أقرضها. ويسمي خبراء الاقتصاد الإسلامي وشيوخه هذه العملية بـ"المرابحة". أي أن الربا وإضافة الفائدة على السلعة الأصلية صار اسمها مرابحة. ما يعني أن العملية بمجملها، هي قضية مصطلحات، والتفاف على الواقع، وتغيير أسماء وضحك على اللحى والذقون والزبون. ولو أن البنك يشتري السيارة الواحدة لنفسه ولحاجاته ولضروراته العملية لآمنا وصدقنا، ولكن طالما أنه يقوم بشراء وبيع آلاف السيارات بهذه الطريقة، إضافة لعمليات قروض كبرى وكثيرة وبنفس الطريقة والأرباح، فعندها ستأخذ المسألة طابعاً ربحياً نفعياً استغلالياً، ولا ضير عندها لو أطلقنا عليه اسم المرابحة، أو الفائدة، والربا فالنتيجة واحدة.

ولا يمكن لنا، أن نغفل، في هذا السياق، تلك التقارير التي تحدثت عن عمليات فرار وهروب جماعي لمدينين من إحدى الواحات النفطية الأشهر في الخليج، وترك الآلاف لسيارتهم في مطارات تلك الإمارة والنفاذ بجلودهم من شبح تلك الكارثة الاقتصادية التي يقال بأن حجم مديوناتها وعجوزاتها المالية قد جاوزت مئات المليارات من الدولارات، ورغم مظاهر الدروشة، و"البهللة"، والأسلمة، والتدين، والشعارات الدعوية الصحوية المخادعة التي كانت ترفعها تلك المؤسسات الاقتصادية ومن يقف ورائها من أشياخ الصحوة الأجلاء. وقد تراجع مثلاً ترتيب الأمير الوليد بن طلال على لائحة الأغنياء حسب مجلة فوربس المهتمة بأخبار الأثرياء، وخسارته الأكبر كانت في بنك سيتي غروب، ولم يشفع له أن أعمامه يغسلون جدار الكعبة في كل عام وينقل التلفزيون السعودي ذلك، متباهياً، على الهواء لعموم المسلمين، ويا عيني عليهم، الذين يتابعون المشهد بكل خشوع ووقار وإيمان. كما خسر سعد الحريري القادم بثروات خرافية و"حلال زلال على قلبه" من أرض الحرمين الشريفين المباركة، نصف ثروته في الأزمة المالية الأخيرة، ناهيكم عن عشرات الشيوخ الخلايجة الكبار الذين طارت مدخراتهم في الهواء الطلق. والأنكى من ذلك كله أن من نصب عليهم هو اليهودي والمشرك "عدو الله" حسب الخطاب الدعوي إياه، برنارد مادوف، 70 عاماً، مدير بورصة ناسداك وأحد كبار المشرفين الفاعلين والمؤثرين على البورصة الأمريكية، الذي كبّـد أهم أثرياء العالم، ومنهم أعاريبنا بالطبع، وكل الحمد والشكر لله، على اعتبار أن القضاء والقدر خيره، وشره من عنده تبارك وتعالى، وفي ضربة واحدة، أكثر من خمسين مليار.

كما هوت البورصات الخليجية التي تحتضن وتتبنى الخطاب الصحوي الدعوي البدوي، إلى أدنى مستوياتها فاقدة آلاف النقاط، وبلغت حجوم خسائرها مئات المليارات من الدولارات. وقد خسرت البورصة السعودية مثلاً، وهي التي تتزعم ما يسمى بالاقتصاد الإسلامي وأطلقت همروجته، آلاف النقاط وهوت للقاع بما لم تصله في تاريخها على الإطلاق، في ذات الوقت الذي بلغ فيه الخطاب الدعوي أشد مراحل غطرسته وغلوائه حين أعلن الشيخ الدعوي الصحوي محمد المنجد حربه الشهيرة على الفئران من قلب أرض الحرمين والناس تتعرض لخسائر بالمليارات وتتكبد الشركات المتأسلمة الإفلاس وراء الإفلاس. ولم تكن أخوات البورصة السعودية الخليجية الأخرى بمأمن من الخسائر والإفلاسات التي فاقت أسوأ التوقعات، وهي التي تتبنى وترفع أيضاً ذات الخطاب الدعوي الصحوي البدوي. كما أن التضخم والغلاء وارتفاع الأسعار والركود والبطالة والفقر والإفقار وانحسار فرص العمل وندرة الاستثمارات والإفلاسات المتتالية والمديونيات هي اليوم إحدى أهم سمات ما يسمى بالاقتصاد الإسلامي، ولاسيما في المنظومة البدوية الشرق أوسطية التي ترفع الخطاب الدعوي، وتتشارك فيه حرفياً مع اقتصاديات الدول الصليبية واليهودية الكافرة.

ما يهم من كل هذا السجال، أن أسطورة الاقتصاد الإسلامي قد هوت وسقطت بالكامل، وبان زيفها وخداعها وعدم صحة ادعاءاتها، أو كونها بمأمن ومنأى عن التأثر بالتداعيات "الوضعية" الاقتصادية العالمية، وليس هناك ما ينزهها ويمنع عنها الخسائر وحتى ولو رفعت تلك الشعارات واليافطات الدينية لدغدغة عواطف العملاء والمتعاملين ودروايش الأوطان المحقونين بهذا الخطاب في وسائل الإعلام وإغرائهم بوضع مدخراتهم لديها كما فعلت شركات الريان المصرية المتأسلمة في الثمانينات والتسعينات، وحتى لو كان كبار المشايخ من نجوم الصحوة والدعوة اليوم مستشارين "شرعيين" لدى هذه البنوك والمؤسسات الاقتصادية الحلال الزلال. ومع ذلك فقد تبخرت مئات المليارات من الدولارات الخليجية والإسلامية، وانخفضت أسعار البنوك والمؤسسات الإسلامية الاقتصادية إلى أدنى مستوياتها، وطارت مدخرات آلاف العملاء والبسطاء كالبخار في الهواء، وشهدت تلك المؤسسات "الحلال" الزلال الانهيارات المالية والخسائر الكبيرة المتوالية، وعمليات الإفلاس وتسريح للموظفين، والاستغناء عن الخدمات وتدني نسب النمو، والقضاء على أحلال ومستقبل آلاف العائلات الإسلامية وغير الإسلامية على حد سواء.

من نافل القول، أنه ومع الانفتاح العولمي وتداخل هياكل الاقتصاد، ووجود الشركات المتعددة الجنسيات والعابرة للقارات، ذات الأذرع الأخطبوطية في كل زاوية من زوايا الاقتصاد العالمي، والناجم عنها ارتباط وثيق للبورصات والبنوك في جميع دول العالم، وربط اقتصاد الدول والإسلامية والأعضاء منهم ، تحديداً، بمنظمة الأووبك بالدولار الأمريكي، والتداخل الواضح في كافة أشكال المتاجرة والمضاربة والتداولات، فإن الاقتصاد عبر العالم يخضع اليوم لقوانين السوق الوضعية الواحدة والموحدة، والتي لا علاقة لها لا بالغيب ولا بالسماء، ولا بخطاب أشياخ الصحوة الأجلاء، حيث تتشابك وتترابط وتتصل وتتداخل الاقتصادات فيما بين بعضها البعض بمنظومة من العلاقات الإدارية والإجرائية والبيروقراطية المعقدة تجعلها جميعها تتأثر هبوطاً وصعوداً ازدهاراً أو إفلاساً.

ومن هنا ليس هناك شيء اسمه اقتصاد إسلامي منزه ومقدس ومنزّل ومعصوم، وبمنأى ومنجاة عن تقلبات السوق، وتجاذباته، والعوامل الاقتصادية الأخرى الصارمة والحاسمة التي لا تصغي البتة، ولا تعرف همروجات الصحوة الكثيرة، والتي ابتدعت خرافة اسمها الاقتصاد الإسلامي.

الحوار المتمدن

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*