الإسلاميون: لا للحريات الفردية... إلا لنا! - مقالات
أحدث المقالات

الإسلاميون: لا للحريات الفردية... إلا لنا!

الإسلاميون: لا للحريات الفردية... إلا لنا!

سناء العاجي

 

كتب أحد الأصدقاء على موقع فيسبوك جملة ظريفة يقول فيها: "اليساريون يدافعون عن الحريات الفردية... والإسلاميون يمارسونها".

وهذا ما يمكننا متابعته في أكثر من حادث: يقف التيار الإسلاموي وكل من يروج في فلكه (رسميا أو عن هوى) ضد كل خطاب يدافع عن الحريات الفردية. لكن، وبمجرد ما يتعلق الأمر بـ"واحد منهم"، تجدهم أول من يرفع شعار "الحريات الفردية".

بالطبع، ومبدئيا، تبقى الحريات الفردية كلا لا يتجزأ: ليس من حقنا التدخل في ملابس الآخرين ولا في اختياراتهم العقائدية والجنسية.

المشكلة مع قضايا "الحريات الفردية" لدى عدد من القياديين الإسلاميين في المغرب، أنها تتناقض مع خطابهم الأيديولوجي والسياسي. والمشكلة الأكبر أنهم يرفضونها جملة وتفصيلا، وبإصرار كبير... إلا حين تمس عنصرا من عناصرهم.

يرفض الإسلاميون بإصرار كبير تعديل أي فصل قانوني يكفل الحريات الفردية للمواطنين (مصطفى الرميد، الوزير المكلف بحقوق الإنسان، صرح حين كان وزيرا للعدل بأنه سيستقيل إن تم إلغاء تجريم العلاقات الجنسية الرضائية في المغرب)؛ كما أن مختلف قادة حزب العدالة والتنمية المغربي يناهضون الحريات الجنسية، حرية المعتقد، إلغاء الإفطار العلني في رمضان، إلخ.

بمعنى أن الهوية الأساسية للخطاب الإسلامي المحافظ هي معاداة الحريات الفردية... لكن، وبمجرد اندلاع فضيحة (جنسية في الغالب) تخص أحد قادتهم، يتبجحون بالدفاع عن نفس الحريات الفردية التي يبنون هويتهم السياسية وحمضهم النووي على أساس معارضتها.

منذ بضعة أيام، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور لبرلمانية من حزب العدالة والتنمية، محجبة في الأصل، وهي في باريس بالجينز و"تي شيرت" قصير الأكمام، وأخرى بفستان يكشف ذراعيها وساقيها، إضافة إلى خلعها للحجاب.

في المطلق، للمرأة كامل الحق في ارتداء ما تشاء. حرية الملبس منطلق أساسي في احترام الآخر. لكن، حين تكون هذه المرأة فاعلة سياسية تدافع بشكل مباشر أو رمزي عن الحجاب وتربط، من خلال حضورها وشكلها الرسمي، بين الحجاب وبين تخلق المرأة وإسلامها، هنا، تصبح صورها بدون حجاب مثيرة للنقاش.

لو أن أمينة ماء العينين عبرت بشكل رسمي عن مراجعة فكرية وعن قناعة جديدة مفادها أن الحجاب لا يثبت مدى تخلق المرأة، لكنا أول من يدافع عنها وعن حقها في الملبس والحرية. لكن، أن "تبيع" لنا صورا وخطابا معينا في الداخل باسم الدين والسياسية؛ ثم تمارس حرياتها الفردية سرا في باريس؛ فهذا ليس فقط تناقضا، بل استغلالا بشعا للدين وللسياسة وللحجاب، واحتقارا لذكاء المواطنين الذين صوتوا لها ولحزبها.

كذلك، لو خصت نفس الصور فاعلة سياسية أو جمعوية أو حقوقية لا تنتمي للحزب الإسلامي ولا ترتدي الحجاب، أي أن هويتها العمومية غير مرتبطة بالحجاب وبالخطاب الديني، لما أثار الأمر كل هذه الضجة.

منذ بضعة أشهر، تم ضبط قياديين مشهورين ينتميان لحركة التوحيد والإصلاح، وهي الحركة الدعوية التابعة لحزب العدالة والتنمية الإسلامي، في سيارة على أحد شواطئ البلد عند الفجر. وقد صرحت حينها فاطمة النجار نفسها في محاضر الشرطة أنها "كانت تساعده على القذف". حينها، تبجح الإسلاميون بأن الأمر يتعلق بحرية فردية. نفس الحرية الفردية التي يعارضونها جهارا ورسميا والتي هدد وزيرهم في العدل بالاستقالة إن تمت شرعنتها.

وحين خرجت صور لمحمد يتيم، وزير الشغل، في شوارع باريس ليلا مع خطيبته، استعمل البعض الآخر حجة الحريات الفردية. نفس الحريات الفردية التي يمنعونها لمن لا يملك بالضرورة إمكانية السفر إلى باريس لكي يعيشها.

حتى في قضية توفيق بوعشرين) الذي لا ينتمي رسميا للحزب الإسلامي لكنه يتبنى ويدافع عن الأطروحات المحافظة)، تحدث البعض عن علاقات جنسية رضائية. نفس العلاقات الجنسية الرضائية التي يرفضها الإسلاميون والمحافظون جملة وتفصيلا.

وحين فاز ابن محمد يتيم في لعبة البوكر منذ سنوات بمبلغ 500 ألف درهم، واعتبرنا بداية أن يتيم، كفاعل سياسي، لا يمكن أن يحاسَب على ما يقوم به ابنه الراشد، فاجأنا الأخير بخرجة إعلامية يقول فيها إن لعبة البوكر لا تدخل في إطار الميسر والقمار وأنها ليست حراما.

لو أن المنتمين والمدافعين عن التيار الإسلامي توفروا على شجاعة تبني خطاب الحريات الفردية، لتفادوا كل هذه "الفضائح". فضائح لا تنبع من ممارساتهم نفسها (فمن حقهم، في المطلق، أن يحبوا وأن يخلعوا الحجاب وأن يمارسوا الجنس وأن يلعبوا وأبناءهم البوكر وأن يتمتعوا بما دون ذلك من حريات فردية)؛ بل من التناقض بين الخطاب الرسمي الإسلامي... وبين الأفعال الخفية السرية.

لو أنهم فقط يدركون أن الحريات الفردية ليست رداء نلبسه في أوقات الأزمات ونمزقه خلال الحملات الانتخابية... أن الحريات الفردية ستسمح لهم بممارسة مهامهم العمومية بمسؤولية، وبالحفاظ على خصوصياتهم وحياتهم الشخصية التي لن يحق لنا حينها مساءلتهم بخصوصها.

لو أنهم فقط يدركون بأن الحريات الفردية هي ما سيصنع منا مجتمعا ناضجا يحترم الفرد! بأنها مخلصنا ومخلصهم من العبث!

الحرة

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*