فورين أفيرز
قال الكاتبان «تشارلي وينتر» وهو طالب دكتوراه وزميل مشارك في المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، و«كولن كلارك»، أستاذ العلوم السياسية في مؤسسة راند وزميل مشارك في المركز الدولي لمكافحة الإرهاب، قالا إنه رغم انحسار الإنتاج الإعلامي والدعائي لتنظيم «) «الدولة الإسلامية الإسلاميةداعش) في الوقت الراهن، مقارنة بما شهدته الآلة الدعائية للتنظيم مع بداية تأسيس الخلافة، إلا أن ذلك لا يشي بانهيار التنظيم بشكل تام.
وقال الكاتبان في مقال نشرته مجلة «فورين أفيرز» الأمريكية إنه في ظل الانتكاسات التي يواجهها تنظيم داعش في العراق وسوريا، يعتقد معظم المراقبين أنَّ التنظيم ينهار.
الأسبوع الماضي، أعلن رئيس الوزراء العراقي «حيدر العبادي» أنَّ مناطق شرق الموصل باتت «محررة بالكامل» من قبضة التنظيم. ومن الواضح أن قوات التحالف الدولي المكلفة بمواجهة تنظيم داعش، بقيادة الولايات المتحدة، تحقق تقدمًا مستمرًا في السنة الثالثة من بدء حملتها العسكرية. نتيجة للجهود في العراق وسوريا في عام 2016 وحده، قتل العديد من القادة رفيعي المستوى أو أسروا، فيما يفقد التنظيم سيطرته على الأراضي.
وتوقع الكاتبان أنه على مدى السنوات القليلة المقبلة سيشهد التنظيم مزيدًا من التفكك.
وقالا: «من المرجح أن يمضي التنظيم في أحد طريقين. في الاحتمال الأول، فإن تفكك التنظيم يمكن أن يعطيه وزنًا أكبر كقوة واحدة، حتى مع كون التنظيم أضعف بشكل عام. بدلًا من ذلك، يمكن أن يحذو التنظيم حذو تنظيم القاعدة، ويتحطم بطريقة من شأنها أن تقلل من تأثيره الأساسي في العراق وسوريا، في الوقت الذي يوفر فيه الزخم لعملياته المحلية في أماكن مثل أفغانستان وليبيا، وشبه جزيرة سيناء، واليمن».
وأشار الكاتبان إلى أن بعض المحللين، مثل «كلينت واتس»، ينظرون إلى انشقاق التنظيم باعتباره فوزًا محتملًا لمكافحة الإرهاب، لا سيما إذا كان الانشقاق سيؤدي إلى ما يسميه «التنافس الإرهابي المدمر»، وهي ديناميكية تقوم بتخريب فكر التنظيم عن طريق دفع التنظيمات التابعة له إلى المناطقية وتعفن النواة المركزية.
آخرون يرون الديناميكية على أنها أكثر إشكالية، إشكالية يحتمل أن تؤدي إلى ظهور مجموعات أصغر حجمًا، ويحتمل أن تكون أكثر تطرفًا مما يجعل الحرب الطويلة تمتد بالفعل فترةً أطول.
نموذج القاعدة
ذكر الكاتبان أنه في هذه الحالة، قد يكون نموذج تنظيم القاعدة مفيدًا. في الفترة التي سبقت هجمات الحادي عشر من سبتمبر (أيلول)، كانت القاعدة كيانًا إرهابيًا هرميًا بشكل نسبي ومتماسك. ولكن في السنوات الخمس التالية لتعهد الولايات المتحدة بتدمير التنظيم، تحول تنظيم القاعدة تدريجيًا إلى ثعبان قاتل، مع مخالب تصل من شمال إفريقيا إلى جنوب شرق آسيا.
تفرق مناضلو التنظيم في نهاية المطاف في جميع أنحاء العالم، حيث أنشأ البعض منهم تنظيمات تابعة للقاعدة، مما شكل تحديات على الصعيد اللوجستي والقانوني. ومن المؤكد أن المركز، في أفغانستان وباكستان، تُرك ضعيفًا بشكل نسبي.
ولكن بدلًا من التعامل الآن مع كيان متآلف واحد، فقد بات يتعين على وكالات مكافحة الإرهاب الأمريكية أن تضع في حسبانها الجماعات التابعة له في أندونيسيا والعراق ومالي واليمن وأماكن أخرى. وعلاوة على ذلك، من وجهة النظر القانونية، تعقدت مسألة التفويض لاستخدام القوة العسكرية ضد الإرهابيين (AUMF).
أوضح الكاتبان أنه سيكون هناك مزيد من الوقت قبل أن يصبح مسار تنظيم داعش في المستقبل واضحًا. ولكن أيًا ما يكون ما سيحدث، يمكننا أن نكون على ثقة من أن التنظيم لا يريد لهذا المسار أن يكون واضحًا.
ولكن كيف أثر الانشقاق في تنظيم داعش؟
لاستكشاف ذلك قام الكاتبان بتحليل مجموعة من وسائل الإعلام الدعائية، التي يطلقها التنظيم مع مرور الوقت. يمكن لدراسة الإنتاجية، والمصدر، والنوعية أن تقدم دلائل على كيفية تحول سردياته الكبرى، إلى مدى تماسك علامته التجارية، ومدى سهولة تواصل التنظيم مع جمهوره.
قال الكاتبان إنه على الرغم من أن إنتاج تنظيم داعش الدعائي ينحسر بشكل عام، كما تظهر دراسة حديثة أجراها أحد مراكز مكافحة الإرهاب، فإن قضية الإنتاجية الإجمالية أقل أهمية في هذا السياق من قضية أين يجري إنتاج هذه الرسائل في الواقع. مع أخذ هذا في الاعتبار، وبالاعتماد على أرشيف شامل لدعاية التنظيم، الذي تم جمعه على مدى الأشهر الستة الماضية، فقد تفقد الكاتبان بشكل منهجي كلًّا من وحدات الإنتاج الإعلامي الـ57 للتنظيم لتقييم مستويات السكون.
أوضح الكاتبان أنه في الأشهر الأخيرة، ضاق النطاق الجغرافي لوسائل إعلام التنظيم. في أوجها في عام 2015، كان هناك ما لا يقل عن 40 من مكاتب الدعاية الفردية تنتج موادَّ إعلامية. اعتبارًا من منتصف يناير (كانون الثاني) عام 2017، تقلص العدد إلى 19 فقط. في هذه الأيام، ترتبط العلامة التجارية (الخلافة) تقريبًا بالعراق وسوريا، وتبدو التنظيمات الإقليمية أكثر بعدًا ومنفصلة عن المركز.
وكالة أعماق
تابع الكاتبان بقولهما إنه على الرغم من أن تحليلهما لوسائل الإعلام يظهر أن التنظيمات التابعة للتنظيم في الخارج لا تزال مهمة لداعش، فمما لا جدال فيه أن التنظيم لم يعد يصدر تقارير عن نشاط التنظيمات التابعة له كما كان معتادًا.
من المؤكد أن وكالة أنباء «أعماق»، وسيلة الإعلام الرسمية لداعش، قد تحملت بعض العبء فيما يتعلق بالدعاية الدولية، ولكن لا يمكن إنكار أن الجهات الفاعلة لداعش في سوريا والعراق، التي تقدم تقريرًا عن نشاطاتها وحدها، هي التي تتحمل العبء الأكبر للعلامة التجارية للتنظيم أكثر بكثير مما كانت عليه الأمور من قبل.
في أوج الخلافة التي نصبت نفسها في 2014 و2015، كان التنظيم أفضل بكثير في تسويق نفسه على أنه تمرد فوق الدولة. من غرب إفريقيا إلى جنوب آسيا، لم تتبنَّ التنظيمات التابعة له فقط مشروعه الإرهابي؛ بل اتحدت أيضًا مع جهود إدارته.
مع درجات متفاوتة من التعقيد، فقد تم زرع الهياكل القانونية والقضائية، التربوية، والدعائية، التي تم تأسيسها في سوريا والعراق في الخارج. من خلال وسيلته الإعلامية الرسمية، فقد استجلب تنظيم داعش الدعم في جميع أنحاء العالم لرؤيته للمدينة الفاضلة السلفية الجهادية وقدم صورة شاملة ومتسقة لما يفترض أن تكون عليه الحياة هناك. ومع ذلك، بينما انخفض إنتاجه الدعائي في الخارج وتأثرت سلبًا عمليات التجنيد، فقد انهار معدل التجنيد الدولي لتنظيم داعش.
ذكر الكاتبان أنه رغم المفاهيم السائدة، لم تكن الدعاية أبدًا مجرد جذوة تذكي نار التجنيد الدولي للتنظيم، فقد استخدمتها داعش أيضًا للضغط على السكان المحليين للإذعان في المناطق التي سيطر عليها التنظيم. في الواقع، بغض النظر عن مدى ضعف وجود التنظيم في إقليم معين، فإنه يمكن للتنظيم دائمًا استخدام الدعاية لتضخيم جاذبيته الأيديولوجية، وبالتالي تقديم نفسه باعتباره منظمةً أكثر مرونة ونجاحًا من أي وقت مضى.
على سبيل المثال، عندما تم كسر حصار التنظيم على مدينة كوباني في عام 2015، فقد ساعد التنظيم «المؤمنين الحقيقيين» على الفرار بعيدًا عن سوريا ووجه انتباههم نحو ليبيا لتزويده بالزخم، الذي كان بحاجة ماسة إليه. لم يكن يهم أن ليبيا لم تكن الملاذ الآمن للتنظيم لاختراقه بالدعاية.
وحتى يحقق التنظيم النجاح، فقد كانت الاتصالات المنتظمة في الخارج حاسمة. للتوفيق بين العلامة التجارية والحفاظ على رسالة التنظيم، كان لا بد من التواصل اليومي المستمر بين التنظيمات التابعة والتنظيم الأساسي. الدعاية لا يمكن أن تكون عفوية، الأمر الذي يتطلب المركزية. من خلال الحفاظ على استمرارية هذه الاتصالات في أواخر عام 2014 وحتى عام 2015، كان التنظيم قادرًا على قصف المشاهدين بسرده العالمي المتكرر بشكل مذهل. الآن، ومع ذلك فإن الأمور مختلفة.
وفقًا للكاتبيْن، لا يعني انحسار دعاية التنظيم أنه يتلاشى، بدلًا من ذلك، التهديد هو مجرد تغيير. لم يختف المؤيدون في الخارج، كما لم يتخلوا عن السلفية الجهادية. بدلًا من ذلك، فإن تنظيم داعش يركز أكثر على البقاء والنجاة أكثر من التوسع.
أفضلية العراق وسوريا
قال الكاتبان إنه بينما يصبح تنظيم داعش أقل تماسكًا على الصعيد الدولي، يبدو أنه يتماسك أفضل في المناطق الأساسية: وهي العراق وسوريا. بأغلبية ساحقة، تعتمد دعايته على هاتين الدولتين. يشير ذلك إلى أن مناطقه لا تزال تحيا بوجوه، وإذا بقيت الأمور على مسارها الحالي، فقد تتنافس التنظيمات التابعة له يومًا ما على راية الخلافة «الحقيقية».
على كل حال، سواء عن طريق الحظ أو الحكم، فقد تبنى تنظيم داعش لسنوات نموذجًا مختلفًا عن نموذج تنظيم القاعدة، نموذج من شأنه أن يسمح للتنظيم بالبقاء على قيد الحياة حتى مع انشقاقه. وهكذا، على الأقل على المستوى الأيديولوجي، فإن مركز ثقل الخلافة بإمكانه التحول من دون الكثير من التكاليف.
ورأى الكاتبان أنه في الوقت الذي يحاول فيه مركز التنظيم الحفاظ على شهرته الأيديولوجية، فإنه يبدو من المعقول أن نستنتج أن تنظيم داعش سيحاول إعادة إرسال المتشددين إلى بلدانهم الأصلية لتنفيذ هجمات. وبذلك سوف يساعد على زيادة معنويات التنظيم وتعزيز قوته الموهنة.
الحكومات الأوروبية، ومراكز إنفاذ القانون والاستخبارات في المقابل يعانون من عدم وجود تبادل للمعلومات والتعاون، وبالتالي سيكون التحدي أكثر صعوبة، وفقًا للكاتبيْن.
ما هو أكثر من ذلك، إذا بدأت التنظيمات التابعة لداعش في الخارج في التنافس على النفوذ الأيديولوجي، فإن «المخططين الافتراضيين»، الذين يعتقد أنهم ينسقون الهجمات على الإنترنت مع المؤيدين في جميع أنحاء العالم، من المرجح أن يبدؤوا العمل من خارج المناطق الأساسية في العراق وسوريا.
في رسالة صوتية في شهر مايو (أيار) عام 2016، تنبأ «أبو محمد العدناني»، المتحدث باسم تنظيم داعش، الذي لقي حتفه مؤخرًا، تنبأ بتحول التنظيم لتمرد حرب العصابات مع استمرار فقدان التنظيم لمزيد من الأراضي.
اختتم الكاتبان بقولهما: «على الرغم من أن هذا قد يبدو أمرًا غير متوقع للتنظيم، فإن نشر المزيد من «المخططين الافتراضيين» يساعد فعلًا على تخفيف وقع التدهور على مستوى القيادة والسيطرة، الذي سينجم عن الانهيار الإقليمي في العراق وسوريا».