الحداثة والعنصرية والعربية - مقالات
أحدث المقالات

الحداثة والعنصرية والعربية

الحداثة والعنصرية والعربية

سناء العاجي:

 

في مارس من سنة 2021، انتشر على مواقع التواصل في المغرب اختبار قدمته إحدى مدارس البعثة الفرنسية في مدينة الدار البيضاء، وكان الاختبار يقدم محتوى عنصريا رهيبا يُشَبّه فيه امرأة سوداءَ البشرة بالقِرَدَة. بعد انتفاض آباء وأمهات الأطفال وانتشار الخبر على مواقع التواصل وعدد من وسائل الإعلام، أرسلت المؤسسة التعليمية رسالة اعتذار لآباء وأمهات التلاميذ. الرسالة التي وقعها المدير حينها لم تعتبر الأمر عنصرية، بل اعتبرت أن التمرين كان "خلطا في المفاهيم" (amalgam).

أتذكر هذا الحادث كلما وجدتني في حضرة عدد من الأشخاص في المغرب ممن يؤمنون بأن اللغات الغربية وحدها تستطيع أن تترجم قيم الحداثة والحرية؛ وبأن كل خطاب بالعربية هو بالضرورة خطاب تقليدي محافظ موجه لشعوب محافظة متدينة ضد النساء والحقوق والأقليات والحريات.

في الحقيقة، هم لا يختلفون كثيرا عن الإسلاميين والمحافظين الذي يقدسون اللغة العربية لأنهم يعتبرونها لغة القرآن. هؤلاء يعتبرونها مقدسة رائعة جميلة لأنها لغة القرآن، وأولئك يعتبرونها متخلفة تقليدية ميزوجينية لأنها لغة الإسلام والمسلمين. بينما الحقيقة أن اللغة العربية، مثلها مثل أي لغة، لا تترجم في حد ذاتها قيما محافظة أو حداثية. عنصرية أو منفتحة على الاختلاف.

الحداثة والعقلانية والمنطق والحرية هي قيم، هي منظومة، هي أسلوب كتابة وخطاب وعيش وتفكير وممارسات. لذلك، فإن كنت تؤمن بهذه المنظومة وتطبقها في حياتك اليومية، فأنت ستفعل بالعربية أو الإنجليزية أو الأمازيغية أو الصينية، وإن كنت شخصا ميزوجينيا أو عنصريا أو محافظا أو متطرفا، فقد تفعل أيضا بالإنجليزية والفرنسية والاسبانية وغيرها من اللغات العالمية.

الذي يحدث أن منظومة التعليم قد تنقل قيما سلبية، لكن هذا غير مرتبط باللغة في حد ذاتها بل بالقيم التي ننقلها عبر تلك اللغة. وقد تابعنا في بداية هذا المقال واقعة حقيقية تم فيها طرح أفكار عنصرية باللغة الفرنسية. كما قد نجد في بعض كتابات مشاهير المفكرين في الغرب خطابات شديدة الميزوجينية (فرويد، فولتير، إلخ)؛ لأنها ربما عكست تصوراتهم الخاصة أو قيم زمنهم. كما قد نجد نصوصا في قمة الحداثة كتبها مفكرون عرب أو فارسيون منذ مئات السنين (أبو نواس، أبو الهندي، عمر الخيام، ولادة بنت المستكفي، حفصة الركونية، إلخ).

أحب اللغة العربية وأعشق الكتابة بها ليس لأنها أروع وأجمل اللغات. هي لغة كغيرها. لكني ارتبطت بها عاطفيا. تعلمت أن أقرأ وأكتب بها قبل أن أتعلم بغيرها. لدي مع اللغة العربية ارتباط عاطفي. لكني لا أعتبرها لغة مقدسة. هناك تفاصيل قد أعبر عنها بشكل أفضل بالفرنسية وأخرى بالعربية. أعترف ببعض صعوباتها وتعقيداتها كما أجد حاليا بعض الصعوبات والتعقيدات في اللغة الإنجليزية التي أحاول إتقانها، وكما أجد تعقيدات غير ذات معنى في اللغة الفرنسية التي أتقنها وأحبها أيضا. ليست هناك لغة أرقى وأكثر حداثة من غيرها. ولا هناك لغة حداثية أو عنصرية في المطلق. في كل لغات العالم، هناك عبارات ونصوص وكتب ومقالات عنصرية أو ميزوجينية أو رافضة لبعض الأقليات.

لذلك، يزعجني كثيرا أن أجد حولي، في المغرب، بعض حملة الخطاب الحداثي ممن يربطون الحداثة باللغة الفرنسية، والمحافظة والتقليدانية باللغة العربية. كيف يمكنك أن تنشر قيم الحداثة في مجتمع لا تفهم لغته، بل وتحتقرها في أعماقك؟ ثم، منذ متى كان إتقان لغة أجنبية دليلا على حداثة القيم والسلوكيات والممارسات؟ بل أن الحداثة تبدأ من هنا: أن تفهم وتستوعب أن اللغة وسيلة تواصل قد تختلف من شخص لآخر، وأن علينا أن نتقبل حق الآخر في الاختلاف.

الحرة

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث