بقلم عبد الحفيظ شرف
عاشت المرأة السعودية لفترة طويلة جدا في ظل قيود تمنعها من كل شيء تقريبا، ومع كل هذا صبرت وناضلت لتحصل على جزء بسيط من حقوقها، بعد سنوات طويلة تقارب القرن من الزمن من تحريم قيادة المرأة للسيارة باسم الدين، وبين ليلة وضحاها تغير الحكم الشرعي من التحريم الشديد إلى الاستحباب والترحيب وأنا حقيقة سعيد جداً بهذا القرار الذي أنصف المرأة السعودية والذي رفع الظلم الشديد الواقع عليها من سنوات طويلة، وحزين جداً في نفس الوقت لأن موضوع قيادة المرأة للسيارة كان محل نقاش كبير وجدل واسع لسنوات طويلة وهو حق واضح وصريح للمرأة وهو من أبسط حقوقها كشريك وعنصر في أي مجتمع. والمحزن المبكي أن المنع كان يلبس بلبوس ديني زوراً وبهتاناً وكان المشايخ والدعاة يتصدرون ليحصدوا الأدلة والبراهين ويلوون أعناق النصوص الشرعية لاستخدامها كأدلة على تحريم قيادة المرأة.
وهنا أحب أن أنوه إلى أمر مهم جدا وهو كيف أن الفتوى تتغير بين ليلة وضحاها وبشكل يقلبها مئة وثمانين درجة. وسأضرب عدة أمثلة حتى لا أكون ظالما أو منحازا. فمثلا حرم المشايخ والدعاة لثلاثمائة وخمسين سنة الطابعة البسيطة في الدولة العثمانية باسم الدين، وفي ذلك الوقت تم طباعة أكثر من ثمانية ملايين كتاب في الغرب بينما كانت الطابعة محرمة شرعا لدينا، وبعد ذلك حرموا الحقنة الطبية البسيطة المستخدمة في العلاج واعتبروا أن ذلك لا يجوز شرعا لأنه حقن لمواد غريبة في داخل الجسم، وبعد ذلك أباحوها. وفي السعودية حرم المشايخ المستقبلات والقنوات الفضائية واعتبروها رجسا من عمل الشيطان وبعد عشر سنوات تقريبا من التحريم أصبح لكل شيخ قناة فضائية وبرامج كبيرة يطلون من خلالها على جمهورهم العريض وأصبحوا نجوما للشاشات. وكذلك حرم المشايخ اليوم الوطني في المملكة العربية السعودية لعدة سنوات، وبعد ذلك حللوه وأصبح كل منهم يحتفل بطريقته الخاصة بالعيد الوطني، وأصبح الاحتفال باليوم الوطني من معايير الوطنية. وهنا أتساءل لماذا كل هذا التخبط ؟ولماذا يقحمون الدين الإسلامي العظيم في هذه المتاهات ويغيرون رأيهم بتغير الوجهة السياسية؟ وعليه أتوقع أن تكون خطبة الجمعة القادمة عن فضل قيادة المرأة للسيارة في الإسلام.
المرأة هي الأم والأخت و الزوجة والبنت وهي المحرك الأساسي للمجتمع وهي من ترعى وتهتم وتربي النصف الآخر من المجتمع. ونحن نعلم ونقول كل هذا الكلمات ونرفع هذه الشعارات بشكل دائم ولكن مجتمعاتنا تنخرها الشوفينية الذكورية القاتلة التي لا تترك أي مجال للمرأة لإثبات وجودها وقوتها وأهليتها لتشارك بقوة في نهضة المجتمع. وأزيد على هذا بأن الذكورية القاتلة هي المتحكمة في توجيه النصوص الدينية وتفسيراتها وهذا بالتأكيد ساهم على نحو كبير في عزل المرأة وإضعافها ووضع القيود والسلاسل في ذراعيها وتقييد حركتها.
أنا بالفعل سعيد جداً بهذا القرار، ولكن ما زال الطريق طويلاً لإنصاف المرأة وإعطائها حقوقها. فالمرأة في السعودية لا تستطيع أن تفتح حسابا بنكيا بدون وكيل شرعي وبدون إذن من والدها أو زوجها أو ما يسمى (ولي أمرها) ولا تستطيع التحكم بمالها بعد ذلك وكأنها ليست كفء لذلك، أو كأنها مملوكة لشخص آخر يتحكم بمالها ومدخراتها وهذا كذلك من أبسط حقوق المرأة المتعارف عليها عالميا. والمرأة في السعودية لا تستطيع كذلك دخول دائرة حكومية لإنهاء معاملاتها، وعليها دائماً الاعتماد على الرجل بشكل كامل للقيام بهذا. إضافة إلى أن المرأة في السعودية مجبرة على لباس معين تغطي به كل لباسها ووجهها لأنها تعتبر فتنة للرجل في نظر المجتمع، فإذا كشفت عن وجهها فقط لاحقها أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهي الشرطة الدينية في السعودية ليأمروها بتغطية وجهها والكف عن فتنة الرجال. وأقولها بكل وضوح، مع الأسف، مازال الطريق طويلاً لإنصاف المرأة ولكن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة وأتمنى أن نرى تسارعا في الخطوات القادمة لإنصاف المرأة.
لم أتكلم عن الحقوق الأخرى للمرأة كالمشاركة في إدارة المجتمع والعمل العام وأن تكون مديرة ووزيرة بشكل فعلي وأن تكون لها سلطة حقيقية، لأن المملكة ما زالت في بداية الطريق و ما زالت بعيدة جداً عن هذا المستوى في الحقوق. وعلينا أن نعلم أن مشاركة المرأة في العمل العام والمجتمع أحد أهم مقاييس الحضارة. فالمرأة متجددة وعصرية بطبيعتها وهي شعلة من النشاط والجمال والتأثير في أي مجتمع وسيتغير حال كثير من المجتمعات عند المشاركة الحقيقية للمرأة، وكم أتمنى أن أرى هذا اليوم قريباً.