رايات وملابس التنظيمات الإرهابية - مقالات
أحدث المقالات

رايات وملابس التنظيمات الإرهابية

رايات وملابس التنظيمات الإرهابية

عصام فضل:

 

تحمل ملابس التنظيمات الإرهابية حول العالم، دلالات سياسية وتنظيمية، تمزج بين المرجعية الفكرية التي تنطوي على رسائل سياسية وإعلامية واضحة، والبيئة الجغرافية التي نشأ فيها التنظيم. وتبلغ محاولات المزج بين المرجعية الأيديولوجية، والنزعة البيئية الجغرافية، مداها في الاستثمار الإعلامي لتمايز الملابس الذي يحرص عليه كل تنظيم، بينما تأتي الرايات (الأعلام)، لتجسد تلخيصاً واضحاً للإعلان عن هوية التنظيم.

بدت العلاقة بين كل من الملابس والراية وهوية التنظيم، واضحةً، عقب دخول عناصر حركة طالبان الأفغانية إلى العاصمة كابول، في 15 آب/ أغسطس 2021، إذ تحوّلت المواجهة العسكرية القصيرة بين مقاتلي الحركة والقوات الحكومية، إلى حرب رايات، فانتشر العلم الطالباني الأبيض في شوارع المدينة، بما يحمله لونه من دلالات، مقابل حمل آلاف المتظاهرين علم الدولة الأفغانية.

جاكيت القتال

يقول الباحث في شؤون التنظيمات الإرهابية ماهر فرغلي لرصيف22، إن "رفع عناصر طالبان راية الحركة باللون الأبيض، ومكتوب في وسطها بالأسود عبارة ‘لا الله إلا الله محمد رسول الله’، عقب دخولهم الخاطف إلى العاصمة كابول، يحمل دلالات ورسائل سياسية متنوعة، أبرزها طمأنة المجتمع الدولي، وهو أمر ما زالت الحركة تحاول التأكيد عليه، بوسائل متنوعة".

ويتابع أن "الدلالة الثانية، تتعلق بالانتصار، وما زال أعضاء الحركة يرتدون الزي الأفغاني-الباكستاني، وهو عبارة عن جلباب قصير وبنطال، بالشكل الوطني المنتشر في المنطقة نفسه، لكن مع بعض الإضافات، منها قيام المقاتلين بارتداء جاكيت عسكري خلال المعارك، ويرتدي بعضهم حزاماً لوضع الذخيرة، ومستلزمات القتال".

ويشير إلى أن "زي الحركة يختلف عن ملابس كل من داعش والقاعدة، في أنه يأخذ شكل الملابس الوطنية للمنطقة أكثر، من دون تعديلات كثيرة".

وُلدت حركة طالبان في أوائل التسعينيات من القرن الماضي، من رحم التنظيمات السلفية الجهادية التي سبقتها، وبرز نجمها عام 1994، ووصلت إلى السلطة في منتصف التسعينيات، وبقيت فيها حتى عام 2001.

يختلف الأمر في ما خص تنظيم داعش. يشرح فرغلي: "سروال داعش أصله مستوحى من الزي الأفغاني الذي كان يرتديه تنظيم القاعدة، وقام داعش بإجراء تعديلات عليه، ومزجت التعديلات بين طبيعته الأفغانية، وملابس الجيش النظامي، وأصبح البنطال أقصر نسبياً، وفوقه الجاكيت علامة مميزة للسروال، بينما تُعلَّق حقيبة الذخيرة على الخصر بشكل محدد".

ويلفت إلى أن "التنظيمات الأصولية الإسلامية، تحرص منذ نشأتها، على تمايز ملابسها عن التنظيمات الأخرى، كنوع من التميّز والاختلاف، ويشمل ذلك التنظيمات التي لم تتبنَّ العنف، أو تملك جناحاً مسلحاً".

ويقول إن "عناصر جماعة التبليغ والدعوة السلفية في مصر، كانوا يرتدون شالاً أبيضَ (وشاحاً)، من دون غطاء للرأس، ويُسْدلون الشال على الظهر من دون ربطه، كما استخدموا كُحل العين، وبحثوا وقتها في الأدلة الشرعية، لإثبات جواز استخدام الرجال للكُحل".

ويضيف أن "أعضاء الجمعية الشرعية، وأنصار السنّة، استخدموا الشال مع الجلباب الأبيض والبنطال القصير، بطريقة مختلفة، إذ تُلقى أطراف الشال إلى الأمام، وليس إلى الخلف. واشتهر أعضاء الجماعة الإسلامية بالجلباب الأبيض، وفوقه جاكيت عليها شال فلسطين مسْدلاً على الكتفين".

سروال داعش والسجين البدين

حظي "سروال داعش" بشهرة إعلامية واسعة، وصلت إلى حد رواجه كزيّ تنكري في احتفالات أعياد الهالوين (عيد الرعب)، في بعض البلدان، بوصفه رمزاً للرعب، مع أنه سروال ترتديه جماعات سلفية قبل داعش.

ويروي الخبير في الحركات الجهادية، والقيادي السابق في تنظيم الجماعة الإسلامية في مصر ناجح إبراهيم، لرصيف22، إحدى قصصه مع سروال داعش: "في تسعينيات القرن الماضي، كنّا في سجن طرة، وحاولت مجموعة من السجناء الأصوليين الشباب الهرب من دون إخبارنا، وبالطبع كان لزاماً أن تعاقبنا إدارة السجن، فأخذوا ملابسنا المدنية، وأعطونا ملابس السجن الرسمية فحسب، وواجهنا مشكلة أن أحد زملائنا كان بديناً جداً، ويبلغ وزنه نحو 180 كيلوغراماً، ولم تناسب أي من ملابس السجن مقاسه. وبعدها بأيام، كنت ذاهباً لأداء الامتحان في كلية الآداب، وهناك التقيت بإحدى الشخصيات الأصولية التي أعرفها، والذي جاء أيضاً لأداء الامتحانات، ووجدت معه ‘سروال داعش’ في حقيبته، فأخذته منه، وأعطيته لزميلنا في السجن، فحللنا مشكلة ملابسه، لأن السروال يكون فضفاضاً جداً من النصف السفلي، فجاء مناسباً لمقاسه".

البيئة والتجنيد

يرى خبراء في علم الاجتماع السياسي، أن حرص التنظيمات الأصولية على التمايز في ملابسها وراياتها، يهدف إلى إيصال رسائلهم السياسية بشكل أسرع.

كما أن تأثر الملابس بالبيئة الجغرافية التي ينشأ فيها التنظيم، يهدف في بعض جوانبه إلى جذب الشباب وتجنيدهم، في تلك البلاد.

يقول أستاذ الاجتماع السياسي الدكتور عمار علي حسن لرصيف22: "تأثر ملابس التنظيمات الأصولية بالبيئة الجغرافية يرجع إلى الحرص على التقارب مع السكان، كما أنه يعكس نشأة أفراد التنظيم في البيئة نفسها، وتأثرهم بالعادات والطقوس المتوارثة منذ كانوا أطفالاً، فأعضاء تنظيم القاعدة اشتهروا بالزي الأفغاني، بينما ترتدي التنظيمات الإرهابية في سيناء، في مصر، زياً بدوياً يناسب البيئة، وبوكو حرام يغلب على ملابسها الطابع الإفريقي".

ويضيف حسن: "الحرص على التمايز في الملابس، يعكس الصراعات على النفوذ بين التنظيمات المختلفة، فكل تنظيم يريد أن يكون مميزاً عن الآخر، ويُعَدّ التمايز في الملابس والرايات، نوعاً من الإشارات السياسية التي يمكنها أن توصل رسائل التنظيم بسرعة أكبر، وتعكس هويته وأيديولوجيته".

ويشرح أن "الرايات والشعارات الموجودة عليها، تُختار لتعكس مرجعية التنظيم، إذ تتضمن دائماً ثلاثة محاور: الإيحاء بالقوة، والإشارة إلى الدين الإسلامي، الوتعبير عن المستقبل".

وفي رأيه، "ترجع الشهرة التي حظي بها السروال الداعشي، إلى الرسائل الإعلامية التي يبثها التنظيم، بما فيها من وحشية ودموية، وهو ما أدى إلى ارتداء الزي في احتفالات الهالوين، كتعبير عن الرعب والغرابة والوحشية".

الرايات واستعراض القوة

تحوي رايات التنظيمات الأصولية المختلفة تشابهات في الشكل العام، بسبب الانقسامات الدائمة التي تؤدي إلى تأسيس تنظيمات جديدة يحرص أصحابها على إضافة بعض التعديلات إلى الراية، لتعكس تميّزهم، ويعود الشكل العام للرايات إلى تنظيمَي القاعدة وداعش.

وتُعَدّ راية تنظيم القاعدة، من أوائل الرايات التي حظيت بشهرة إعلامية واسعة، وهي عبارة عن راية سوداء كُتب عليها "لا إله إلا الله محمد رسول الله" باللون الأبيض. وتقوم التنظيمات المنبثقة عن القاعدة باستخدام الراية نفسها، مع إضافة اسمها في الأسفل.

وأجرى داعش تعديلات على راية القاعدة، بإضافة دائرة بيضاء في المنتصف كُتب داخلها عبارة "محمد رسول الله" معكوسة، كي ترد كلمة "الله" في البداية.

ويتكون علم حركة المجاهدين الشباب الصومالية من الراية السوداء، وهو اللون السائد لدى معظم التنظيمات الأصولية، وعليها عبارة "لا إله إلا الله محمد رسول الله" باللون الأبيض، على شكل دائرة يتوسطها سيفان.

ويحتوي علم أنصار بيت المقدس (تنظيم ولاية سيناء)، في مصر، الذي أعلن مبايعته لتنظيم داعش، على صورة للقرآن الكريم مع رسم للكرة الأرضية، وسلاح رشاش إلى جانب شعار داعش.

وتستخدم جماعة بوكو حرام في نيجيريا، علم القاعدة، مع إضافة شعارها الخاص، وهو عبارة عن صورة كتاب وسلاحين، إذ تعني ترجمة اسم الجماعة "التعاليم الغربية حرام".

ويرى باحثون أن رايات التظيمات الأصولية تُصمَّم بدقة شديدة، لتكون تعبيراً عن هوية التنظيم، ومرجعيته، كما أنها تعكس في جانب منها، صراعاً قديماً بين التنظيمات المختلفة. وتتضمن الرايات رسائل ودلالات تنظيمية خفية أكثر مما يُفهم من الرموز التي تحويها.

يقول الخبير في الحركات الأصولية، والقيادي السابق في تنظيم الجهاد المصري نبيل نعيم لرصيف22: "واحد من أسباب حرص التنظيمات الأصولية على التمايز في ملابسها وراياتها، هو استعراض القوة، والإيحاء بتأثيرها في المجتمعات التي تنشأ

فيها، وذلك بهدف الحصول على التمويل والدعم المادي، وأول مَن بدأ فكرة التمايز في الرايات، كانت جماعة الإخوان المسلمين، إذ كان شعارها بداية شق صفوف المسلمين في العصر الحديث، وتقسيمهم، فبدأت بعدها التنظيمات المختلفة بابتكار شعاراتها الخاصة".

ويضيف نعيم: "الرايات تحمل رسائل ودلالات تنظيمية تعبّر عن هوية التنظيم، ومرجعيته، وهي دلالات قد لا يلاحظها معظم مَن يرون الشعار، ويقرأونه كأنه مجرد كلمات، وغالباً ما يحتوي الشعار المكتوب على الراية، على بعض الرموز والألوان التي تحمل دلالات تختلف من تنظيم إلى آخر".

ويشرح أنه "في حالة حزب الله في لبنان، تجد الراية صفراء، وهي راية الرسول محمد نفسها، عندما فتح خيبر، وتحتوي راية القاعدة على طائر العقاب، وقد صممها قيادي في التنظيم اسمه الحركي الدكتور فضل، وكان صديقاً مقرباً من أيمن الظواهري، واستبدلت داعش الطائر على الراية، بوضع خاتم النبوة".

رصيف 22

 

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*