مستقبل مظلم في تركيا... ما هي الأسباب؟ - مقالات
أحدث المقالات

مستقبل مظلم في تركيا... ما هي الأسباب؟

مستقبل مظلم في تركيا... ما هي الأسباب؟

مجدي سمير

تعرّضت الصحافية "هزال أولمز"" خلال العام الماضي للضرب المبرح من قِبل متشددين في إسطنبول، وذلك لارتدائها تنورة قصيرة.

وروت أولمز حينها أن المتشددين كانوا ثلاثة، بينهم امرأتان، تناوبوا على الاعتداء عليها أثناء عودتها من عملها إلى منزلها، وذلك أثناء حملها في الشهر السادس، بحجة أن ملابسها غير محتشمة.

التغييرات الجيوسياسية وصعود التيارات الجهادية على الحدود التركية في سوريا والعراق انعكست بطبيعتها على التركيبة المجتمعية في الداخل التركي خلال السنوات الماضية، والتي تحوي أطيافاً كثيرة مهيأة لتبنّي مذاهب التشدد والتطرف الفكري، خاصة في مناطق وسط الأناضول البعيدة عن المدن العلمانية.

وفي ظل الانقسام الشعبي ومحاولة اقصاء أطياف داخل المجتمع في إطار الصراع الدائر بين الحكومة وجماعة فتح الله غولن، توفّرت بيئة ملائمة لتمدد الجماعات الجهادية والمتطرفة داخل أركان المجتمع، وتوغل في المجتمع عناصر داعش وجبهة النصرة ومجموعة الكتاتيب العثمانية التي دعت أنصارها داخل تركيا إلى حمل السلاح أخيراً، ما دفع صحيفة "بيلد" الألمانية إلى أن تتوقع "انجرار تركيا نحو حرب أهلية في ظل الانقسام الشعبي وتزايد تسليح المواطنين".

وما ينذر بالخطورة هو نمو الفكر المتشدد داخل مجتمع ثلث قوامه يحمل السلاح، إذ ذكر نائب حزب "الشعب الجمهوري" عن إسطنبول جورسال تكين، إحصائية تكشف زيادة تسليح أفراد الشعب التركي من 17 مليون فرد عام 2012 إلى 25 مليوناً عام 2016، ونحو 85% من المسلحين أخيراً لا يحملون تراخيص.

مظاهر انتشار التشدد المجتمعي

يقول الكاتب التركي جنكير سمرجي أوغلو في صحيفة "حرييت" أن صراع بعض المحافظين والمتشددين المتزايد ضد العلمانيين في تركيا أصبح خبراً متداولاً يومياً على شاشات التلفزيون وفي الصحف، إذ اعتدنا مطالعة أخبار الاعتداء على السيدات في أماكن مختلفة بتركيا بحجة كونهن غير محتشمات ومرتديات ملابس غير لائقة، وهذه النوعية من الحوادث تزايدت كثيراً خلال الأشهر الماضية.

ووصف شوقي يلماز، النائب البرلماني السابق عن حزب الرفاه ورفيق درب الرئيس أردوغان، زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن بـ"البطل الوطني" حسبما ذكر موقع "زمان عربي".

وقال يلماز "إن أسامة بن لادن حارب الروس مع المجاهدين الأفغان، وانتصر عليهم. إنه كان من أغنى العائلات على مستوى العالم، ألم يترك النعم والمتعة ليمكث وسط جبال أفغانستان؟ لقد ترك متع الحياة والسلطة وراء ظهره، وقرر المجاهدة من أجل إسقاط الجيش الأحمر".

كما ظهر في فيديو تم تداوله إعلامياً بتركيا يوم 31 ديسمبر الماضي، شابان ملتحيان يوزعان ملصقات على المواطنين بشأن تحريم الاحتفالات برأس السنة، وذلك أمام مخرج إحدى محطات المترو بمدينة إزمير.

ومن أبرز مظاهر التطرف والتشدد الفكري في تركيا استهداف الأفواج السياحية والأجانب والملاهي الليلة عبر عناصر تنتمي إلى جماعات إرهابية مثل داعش، والتي تمثلت آخرها في استهداف داعش ملهى "رينا" في إسطنبول ليلة رأس السنة.

وكان داعش قد استهدف السياحة الأجنبية في ميدان السلطان أحمد بإسطنبول مطلع يناير 2016، ثم فجّر عبوة ناسفة عن بعد في حي بايزيد وسط مدينة إسطنبول في يونيو الماضي، وكذلك استهدف مطار أتاتورك الدولي بتفجيرين وهجوم مسلح في 28 يونيو الماضي.

كما أن الفيلم الوثائقي الذي أعده موقع "دويتشه فيله" الألماني بعنوان "رعاية تركيا لتنظيم داعش والإرهاب" يكشف عبر شهادات بعض المواطنين والمسؤولين عن تغلغل الفكر الجهادي والمتشدد بين أطياف الشعب التركي وتأثر الكثير من الشباب بالفكر الداعشي وهروبهم إلى سوريا للقتال تحت راية التنظيم المتطرف، وعودة عدد كبير منهم إلى تركيا بأفكار جهادية، وهذا ما يهدد الاستقرار.

أسباب التطرف المجتمعي

لانتشار التطرف والتشدد الفكري داخل المجتمع التركي عدة عوامل، بعضها قديم والآخر حديث حسبما أوضح لرصيف22 مدير تحرير بوابة "صوت الأمة" هشام السروجي، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية.

وقال: "هناك المزيد من العوامل المؤدية إلى تطرف المجتمع التركي، مثل تغلغل داعش في بعض أحياء ومدن تركيا، ونزوح المهاجرين وذوبانهم في المجتمع، واختلاط الأفكار السياسية والدينية"، مضيفاً أن "مستقبل الإرهاب وتمدده في تركيا متعلقان بكون المجتمع مهيأً للتشدد والفكر المتطرف ويمتلك عقيدة داخلية تميل إلى العنف، والشعب التركي عبر تاريخه منذ الدولة العثمانية يمتاز بالعنف والشراسة".

وتابع: "تبنت تركيا الحديثة خلال العقود الأخيرة إيديولوجية دينية، وتحديداً منذ ظهور نجم الدين أربكان في سبعينيات القرن الماضي والاقتداء بفكر جماعة الإخوان المسلمين بما ساعد على تغيير التركيبة الاجتماعية لتركيا. وقد دعمت هذا التغيّر رغبات شعبية لمواجهة العلمانية، خاصة خلال الـ25 عاماً الأخيرة، وهذه هي الحقبة التي أنجبت جيلاً من المتشددين أمثال قاتل السفير الروسي في أنقرة الشهر الماضي".

وأوضح السروجي أن الموقع الجغرافي لتركيا كان له دور مساعد في انتشار التطرف فيها، وبيّن أنه "بعد عام 2011 خلال فترة الربيع العربي، كانت تركيا بفضل موقعها الجغرافي من أكثر الدول المتأثرة بانتشار الإرهاب في سوريا والعراق، وبطبيعة الفكر الجهادي".

وأضاف أن "الجماعات الإرهابية تعتمد على مبدأ العمق الإستراتيجي لمنطقة نفوذها، التي تمثلت في تركيا وخاصة المناطق الجنوبية الحدودية. والمعارك التي تديرها قوات التحالف الدولي وروسيا وإيران في الموصل وسوريا، تدفع بالعناصر الإرهابية للجوء إلى العمق الإستراتيجي والدخول إلى تركيا على غرار دخولهم الموصل من قبل، أو شن معارك عنيفة مع الجيش التركي".

وتوقع أن "تكون تركيا ساحة للهجمة الارتدادية للعناصر الإرهابية المقاتلة في سوريا والعراق بما ينبئ بمستقبل تركي مليء بالعمليات الإرهابية خلال السنوات العشر المقبلة".

وأكد السروجي أن "داعش والعناصر الجهادية بعد خروجها من سوريا والعراق سوف ترتكز في قاعدتين بالشرق الأوسط الأولى ليبيا والثانية تركيا وخاصة المنطقة الحدودية الجنوبية لتركيا التي تعد دولة رخوة الأطراف".

واعتبر أن "هناك احتمالاً كبيراً لتحالف داعش والجماعات المتشددة مع الأكراد جنوب وشرق تركيا مستقبلاً واستيطان السلاسل الجبلية الحدودية لشن عمليات قتالية ضد الحكومة التركية، تحت شعار قتال المنافق أولى من قتال الكافر، وتعد حكومة العدالة والتنمية (حكومة مرتدة منافقة) تحالفت مع أعدائها روسيا وإيران وفقاً لرؤية هذه الجماعات".

وفي السياق نفسه، عزا الكاتب والباحث المتخصص في الشؤون التركية جهاد لي انتشار التطرف داخل المجتمع التركي إلى ثلاثة أسباب، الأول أنه منذ تسلم حزب العدالة والتنمية السلطة عام 2002 ارتكز الحزب في سياسته إلى قاعدة شعبوية إسلامية توسعت تدريجياً، وخلال السنوات الماضية نالت هذه القاعدة كل الدعم والرعاية من حزب العدالة والتنمية تحت عناوين دعم المجتمع المدني، وقد ساهم هذا الدعم في فتح المجال واسعاً أمام انتشار عشرات المنظمات الإسلامية تحت عناوين الإغاثة ودعم المظلوم، وهي منظمات مارست عملياً الإقصاء ونشر التعصب الديني باسم التقوى.

والثاني يتمثل في كون الأزمة السورية بتداعياتها جعلت من تركيا قبلة يتقاطر إليها الجهاديون من مختلف أصقاع العالم للعبور إلى العراق وسوريا، لكن تحول تركيا إلى أرض مرور لهؤلاء الجهاديين لم يكن دون ثمن أو تداعيات في الداخل التركي، فثمة تقارير تركية تتحدث عن التحاق قرابة ستة آلاف تركي بتنظيم داعش وعن انتشار أفكار التنظيم في العديد من المناطق التركية على شكل بيئات حاضنة.

أما السبب الأخير تمثل في ولادة أو عودة تنظيمات متطرفة، ولعل خير مثال على ذلك عودة حزب الله التركي إلى الساحة باسم حزب (هدى بار)، وهو التنظيم الذي قام بعشرات عمليات الاغتيال للمثقفين والحقوقيين والناشطين خلال فترة الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي.

وفي مقال منشور بعنوان "داعش في تركيا: المجاهدون من أجل الخلافة"، صنّف البروفيسور جونش مراد تيزجور، مدير مركز "جلال طالباني" للدراسات السياسية الكردية التابع لجامعة فلوريدا الأميركية، المهاجرين من تركيا إلى الشرق الأوسط إلى ثلاثة أصناف، هي الشباب الكردي الراغب في الانضمام إلى صفوف القوات الكردية المحاربة في سوريا، والآخر الشباب الراغب في الانضمام إلى صفوف تنظيم داعش، أما الأخير فهو الشباب المتشدد الراغب في الانضمام إلى الجماعات الجهادية في سوريا ودول الشرق الأوسط.

وأكد مراد تيزجور، أن "هؤلاء المهاجرين أشخاص عاديون من المجتمع التركي المؤمن بالفكر الإسلامي الراديكالي، وسيعودون إلى المجتمع التركي لنشر تشددهم الفكري".

"غازي عنتاب" قندهار داعش

يعد تنظيم داعش من أبرز وأقوى الأمثلة على التطرف الفكري المتوغل داخل المجتمع التركي، فعلى غرار مدينة قندهار التي كانت مهداً لحركة "طالبان" في أفغانستان، يبدو أن تنظيم داعش اختار محافظة "غازي عنتاب" جنوب شرق تركيا الحدودية لتكون مهداً له في تركيا بعد انحسار هلاله في سوريا والعراق.

وتداولت المواقع الإخبارية التركية فيديوهات وصوراً تكشف تنظيم عناصر موالية لداعش مسيرة في شوارع "غازي عنتاب" رافعين رايات التنظيم الإرهابي.

وكشف موقع "ديكن" صوراً لأشخاص يحملون رايات داعش وهم يتجولون في شوارع المحافظة على متن ثلاث دراجات نارية وأكثر من عشر سيارات وسط تكبيرات المارة والمواطنين المصطفين على جوانب الطرقات لتحيتهم.

وزعمت أمينة حزب "الشعب الجمهوري" عن مدينة أضنه، إليف دوغان تركمان، أن "تنظيم داعش يسيطر على 3-4 أحياء في محافظة غازي عنتاب التركية تحت مرأى ومسمع من الحكومة".

يعمل تنظيم داعش على تحويل محافظة غازي عنتاب في تركيا إلى قندهار ثانية

كما ترتكز أنشطة داعش في "كارشي كايا" أحد أفقر أحياء المحافظة حسبما أوضح موقع "زمان عربي"، إذ افتتح التنظيم الإرهابي محالَّ تجارية في الحي وأسس جمعيات واستمر في تجنيد الشباب داخل المساجد. وشغل داعش الفراغ الذي خلفه رحيل تنظيم "حزب الله التركي" المسيطر على هذا الحي منذ تسعينيات القرن الماضي.

مستقبل التطرف بتركيا

وحول مستقبل التشدد والفكر المتطرف في تركيا، أكد إسحاق إنجي مدير تحرير موقع "زمان عربي" أن المجتمع التركي مهدد بانتشار التطرف والتشدد في ظل الانقسام الشعبي الذي يرعاه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحكومته.

وقال إنجي لرصيف22 إن "المنهج السياسي لأردوغان في فترته الأولى والثانية كان منهجاً يحتضن الجميع، اليميني واليساري والمتدين والعلماني. لكن في فترته الثالثة بعد أن تمكن من السلطة عاد إلى أيام شبابه وبدأ يعادي مَن يفكر عكس فكره".

وأضاف: "تركيا بسبب فكر التشدد المنتشر الآن داخل المجتمع تعيش أصعب أيامها. فهناك عداوة شديدة بين أفراد الأسرة والأقارب، وحتى أن عدد المطلقين ارتفع جداً نتيجة الاستقطاب الذي تسبب به أردوغان".

أما عن سبل مواجهة تركيا للتطرف والفكر الجهادي الذي بدأت ثماره في الظهور داخل المجتمع، فقال السروجي: "حتى الآن لم نجد تجربة أو دولة على أرض الواقع تمكنت من دحر الفكر الإرهابي كلياً. ومحو هذا الفكر يعد درباً من دروب الخيال. إلا أنه يمكن تحجيم التطرف عبر المصالحة الاجتماعية داخلياً وخارجياً للوصول إلى التوحد وراء مبدأ مواجهة الإرهاب".

نقلا عن رصيف 22

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*