رجال الكنيسة الأرثوذوكسيّة، كُفّوا أياديكم عن أجسادنا - مقالات
أحدث المقالات

رجال الكنيسة الأرثوذوكسيّة، كُفّوا أياديكم عن أجسادنا

رجال الكنيسة الأرثوذوكسيّة، كُفّوا أياديكم عن أجسادنا

بقلم كارولين كامل

"أي سيدة أو فتاة ترفض ارتداء الجواكت أو الجيبة المُعدَّة من قبل خادمات الكنيسة، عليها الانصراف من الكنيسة بمنتهى الهدوء".

يُقتل قساوسة في الشّارع وتكتفي الكنيسة ببيان يصف الحادثة بأنّها "مُؤسفة"، وتتوالى العمليّات الإرهابيّة والتفجيرات ومُحاصرة الكنائس وبيوت المسيحيّين في الصّعيد بحُجة "الصّلاة بدون ترخيص"، إلا أنّ جسد المرأة يظل الشُّغل الشّاغل لكثير من الرُّهبان المُجلَّسين أساقفة على الإيبارشيات. تعلو أصواتهم وتنفر عروقُهم بخُصوص حيضه وتغطيته، ولكن لا نسمع لهم "صوصوه" بعد الحوادث الدّامية! وأقول بالحَقّ، إنَّ النّظام والأجهزة الأمنيّة محظوظون بالتواطؤ الكنسيّ على حساب حُقوق المسيحيين، وهو تواطؤ مدفوع الأجر مُسبقاً بالرّضى عن هؤلاء الأساقفة مُردِّدي كلمة: "كُلّه تمام يا فندم".

هذا التهديد الذي أطلقه الأنبا يؤانس؛ أسقف أسيوط، خلال كلمته في لقائه الأسبوعي في كاتدرائيّة الملاك ميخائيل في أسيوط يوم 20 أكتوبر أي بعد أسبوع واحد فقط من مقتل القمص سمعان شحاته طعنًا في الشارع، سبق وكان للمجمع المُقدَّس موقف مشابه عقب تفجيرات كنيستيّ طنطا والإسكندريّة، وخلال الاجتماع الدّوري له في يونيو 2017، خرج بتوصيات تنُص على عدم جواز تناول المرأة الحائض، وذلك رداً على كتاب الأنبا بفنتيوس أسقف سمالوط الذي قال فيه إنّ المسيحيّة لم تُحرِّم تناول المرأة الحائِض وأنّ هذه الأفكار بدعة مُرتبطة بأفكار مُجتمع سيطر عليه الذكور والجهل.

والملفت للانتباه أنّ هؤلاء الرّجال الذين اختاروا التبتُّل "أي عدم الزّواج أو الارتباط بالنّساء" والعُزلة والتفرُّغ للعبادة تشغلهم أمور النّساء إلى هذه الدرجة، يجلسون في خُلوتهم للتفكير في جسدها من حيض وإنجاب وُصولاً لما ترتديه من ملابس. ويشرعون في التنقيب عن نُصوص دينيّة تدعم شهوتهم في الحديث عنها بلا توقُّف، ويخرجون لنا بكُتب وعظات وشرائط كاسيت يتلذّذون فيها بالحديث عن تفاصيل أمور المرأة.

والأنبا يؤانس الذي أوضح أنّ المرأة التي لن تلتزم بهذا الزّي سوف يتم إخراجُها من الكنيسة، وبمزاح سمج قال: "عملناها سمني أو أوف وايت عشان لونها يليق على أيّ ملابس"، ووجّه الشّكر للأخوات اللواتي قُمن بتصميم هذه الملابس، يبدو أنّ الأنبا يؤانس كان يطمح أن يعمل رقيب شرطي، فلماذا لم يلتحق بالسلك الأمنيّ وربما يستطيع البنك الأهليّ أن يحقِّق له حلمَه والوقت ما زال مُتاحًا، وبالنّسبة للأخوات المُكرسات أو المُتطوّعات اللواتي يعشقن الحياكة، لماذا لم يخترن عالم الموضة عوض أن يُشاركن في فرض اختيارهن لتلك الملابس على الجميع. 

إنّ الأنبا يوأنس، الذي كان الأسقف العام بالقاهرة وسكرتير البابا شنودة الثّالث والذي اعتاد الصّلاة في كنائس شبرا ومصر الجديدة والمعادي، هل كان يجرؤ أن يتحدّث عن فرض ملابس على النّساء في هذه المناطق؟ هل كان يجرؤ على طلب الأمن لمن ترفض الانصياع لأوامره، أم أنّ أسيوط الإيبارشيّة التي ستُحقق له إشباع شهوة السيطرة والتحكُّم؟ وعوض التصدر لقضايا حقيقيّة يعاني منها الأقباط عامّة، وأقباط الصّعيد بصورة خاصّة انشغل بملابس المرأة؟

إنّ رجال الكنيسة يُصرّون على ابتزاز المسيحيّات باستخدام صُور العذراء مريم وملابسها وكأنّها الوحيدة التي اختارت ارتداء هذه الملابس على سبيل الاختلاف، ولكن ملابس السيّدة العذراء لم تكن، في الواقِع، مُختلفة عن ملابس عصرها ومُجتمعها، فكانت النّساء كُلّهن يلبسن كذلك. وبينما يطلبون أن تتشبّه النّساء بملابس القرن الأول الميلاديّ وقُيود هذه الحقبة التاريخيّة المفروضة على النّساء، لا ينفك هؤلاء يرفضون الصّورة التي كان عليها المسيح وحواريه كما ذكرها الإنجيل نصًا؛ الزُّهد والبذل والتّضحيّة، فالمسيح هو الذي اختار الطّريق الأطول ليسير على قدميْه تحت شمسٍ حارقة، فقط ليتحدّث مع المرأة السامريّة ليعطي بذلك درسًا ﻷتباعه بأن يبذلوا الجهد الأكبر للوصول للناس.

لقد جلس المسيح مع السامريّة على البئر دون أن يُعايرها أو يطلب منها أن تتطهّر من أجل أن تتحدّث معه، أو تغيير ثيابها ﻷنّها لا تتناسب ولا تليق بجُلوسها معه، بينما نرى السيارات الفارهة تنقل من يدعون حُصولهم على توكيل رسميّ من المسيح بالحديث على لسانه! وإذا سُئلوا أجابوا "ده عصر غير العصر"، فالعصر يتطوّر فقط من أجلهم هُم، ولكن ما زالت النّساء تعيش في عصر ما قبل التاريخ.  إنّهم يلبسون أفخم الثّياب والحُلي باسم الزّي الكهنوتيّ، ولكنهم يتشدّقون بحناجر مفتوحة على النّساء بترديد الآية: "لا تكن زينتكن الزّينة الخارجيّة، من ضفر الشّعر والتحلّي بالذهب ولبس الثّياب" (رسالة بُطرس الأولى 3: 3)، فالنّساء لا يتزيّن مثلهم، لكن كثيرين من رجال الكهنوت والأساقفة يتفنّنون ويبرعون في ترفيه ذواتهم تحت ذريعة أنّهم صُورة الكنيسة! هل تكفي زينتُهم لمداراة القُبح والزّيف والموت الذي تغلغل في أوصال الكنيسة؟!
ينتفض كثيرون من رجال الكنيسة دومًا من أجل "ضبط" النّساء وسلوكهن لئلا تهتز الكنيسة، وكأن الكنيسة التي أسّسها المسيح لا تهتز إلا بسبب ملابس النساء وحيضهن "الذي هو نسق طبيعي مثل دقّات القلب والتنفس"، ولكنها لا تتحرّك قيد أنملة لفساد شريحة كبيرة من رجالها ونهمهم للحياة المترفة، وشهوة السُّلطة والتسلُّط والجشع واستخدامهم المسيحيّين كأدوات لتحقيق غاياتهم، حتى لو سقط منهم مئات القتلى.

يخرج هؤلاء بكلام من عيّنة "الكنيسة القبطيّة مُستمرة بدموع الرّهبان وعرق القساوسة والأساقفة ودماء أبنائها" كما قال مقدِّم حفلة تأبين الأربعين شهيدًا في تفجيرات طنطا. ينزف أبناء الكنيسة الدّماء بينما يعرق الرّهبان ويبكون، لماذا لا نتبادل الأدوار قليلاً، فدُموعنا جفّتّ! لماذا لا نعرق نحن بينما تنزف دماؤكم الطّاهرة لعلكم تتطهّرون! ولكن لا يمكن أن يحدث هذا التبادل وإلا نال الإرهاب من الكنيسة، كما قال الأنبا بولا يوم 18 أبريل 2017 في لقاء تليفزيوني عقب تفجير طنطا "لازم نسأل أنفسنا يا ترى الإرهاب كان يهدف لتفجير كنيسة أو قتل مجموعة شباب، بالطّبع ﻷ، هو كان هدفه أكبر وهو استهداف شخصيّات بعينها، يعني في طنطا كانوا يستهدفوا الأنبا بولا نفسه لكن ربنا أفشل مخططهم .. والإرهاب خسر في الدّاخل وفي الخارج"، هكذا رأي الأنبا بولا في سُقوط العشرات من القتلى ضحايا خسارة للإرهاب لأنّ شخصه "نفد بجلده".
يُنتهك مواطنون لا يروْن في أنفسهم مواطنين ولكن رعايا للمُؤسّسة الكنسيّة، وهو رصيد طويل من التهميش أجبر الكنيسة على أن تتحوّل إلى وظيفة المُتحدّث الرّسميّ باسم الأقباط إذ هي الملاذ للأقباط. لا يُلام الأقباط على ذلك ولكن يُلام من أفقدتهم شهوة السُّلطة "بُوصلةَ" أهداف ترهبنهم بالأساس. إنّ الأشخاص المُخوَّل لهم الحديث عن حُقوق هؤلاء المواطنين منشغلون بحيض المسيحيات وأذرعهن وأرجلهن المكشوفة، وبناطلهن المُمزّق.

لينك تصريح الأنبا يؤانس:
http://www.tahrirnews.com/…/%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%86%D8%A8%…
لينك اللقاء التلفزيوني مع الأنبا بولا أسقف طنطا وتوابعها في برنامج "المصري أفندي":
https://www.youtube.com/watch?v=kJRagQ2FegY
لينك مقالة "المرأة في المسيحيّة: مشكلة الجسد والدّم" على موقع مدى
https://www.madamasr.com/…/%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B1%D8%A3%…/
لينك مقالة "المرأة في المسيحيّة: مشكلة الجسد والدّم" على صفحة فيسبوك
https://www.facebook.com/karoline.markos/posts/10207750999012022

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*