يهود السودان... أصول متشعبة وهجرات عكسية ودعوات بالعودة إلى "الوطن" - مقالات
أحدث المقالات

يهود السودان... أصول متشعبة وهجرات عكسية ودعوات بالعودة إلى "الوطن"

يهود السودان... أصول متشعبة وهجرات عكسية ودعوات بالعودة إلى "الوطن"

عُرف يهود السودان باسم "البنيامين"، وقد وصلوا إليها لاجئين في نهاية القرن التاسع عشر، إذ اتخذوا من مدينة أم درمان مقراً، وعاشوا في حي المسالمة، ثم بنوا أول معبد يهودي في الخرطوم في العام 1889. في هذه الفترة ظهرت أول رابطة للجالية اليهودية برئاسة "بن كوستي" الذي كان ابناً لحاخام تعود أصوله إلى إسبانيا. هاجر معظمهم بعد 1948 بعد قيام إسرائيل نحو نيجيريا وتل أبيب، اليوم وبعد مرور 70 عاماً على موسم هجرتهم الكبير من السودان وجه لهم وزير الشؤون الدينية والأوقاف في الحكومة السودانية الجديدة، نصر الدين مفرح، دعوة للعودة إلى السودان.

قبل العام 1948، صار اليهود حقيقة في المجتمع السوداني، ولم يتعرضوا لمشاكل تذكر، بل أنشأوا نادياً رياضياً يحمل اسم "النادي اليهودي بالخرطوم"، وكان لديهم فريق رياضي يطلق عليه "مكابي"، كما اهتموا بالفن فقاموا بإنشاء مسرح فني تعرض عليه مسرحيات من بطولة ممثلين يهود

تعهد الوزير السوداني الذي تعرض لاتهامات بعد تصريحاته تلك، بمغازلته إسرائيل والدعوة للتطبيع معها، “بإعادة الكنائس ودور العبادة اليهودية”.ففي حوار تلفزيوني أجرته معه فضائية العربية السعودية يوم 6 أيلول/سبتمبر الجاري، وجه مفرح الدعوة إلى اليهود السودانيين الذين غادروا البلاد إلى العودة مرة أخرى، مؤكداً أن المواطنة هي أساس الحقوق والواجبات، وأن "التطرف ليس في دعوة مواطن إلى العودة إلى بلاده، وإنما التطرف يتمثل برفض هذه الدعوة”، قائلاً: " السودان الجديد يتسع للجميع تحت مظلة دولة مدنية”.

فكيف سيرد يهود السودان على هذه الدعوة؟ لكن بداية من أي أصول ينحدرون؟ ولماذا غادروا بلدهم من الأساس؟

عن "بنيامين" السودان

في تصريح لرصيف22، بين الباحث في الشؤون الأفريقية خالد فهمي، أن تصريح الوزير السوداني لا يمكن النظر إليه باعتباره مغازلة لإسرائيل كما تعامل معه البعض، بل هو يعبّر عن سودان جديد، يسعى القائمون عليه لجعله وطناً يتسع لجميع المواطنين من شتى المعتقدات والديانات والأفكار، وهو أمر إذا تحقق فسيجعل السودان نموذجاً مميزاً.

ولفهم مرجعية مفرح الفكرية والسياسية علينا أن نعرف أنه ينتمي إلى طائفة الأنصار التي خرج منها حزب الأمة القومي، وكان خطيباً بمسجد الأنصار في مدينة ربك عاصمة ولاية النيل الأبيض، فالرجل سياسي ورجل دين في الآن ذاته.

يهودالسودان

بحسب فهمي، فإن يهود السودان كان يطلق عليهم "البنيامين"، وقد وصلوا إلى السودان لاجئين في نهاية القرن التاسع عشر، إذ اتخذوا من مدينة أم درمان مقراً، وعاشوا في حي المسالمة، الذي بات أقرب لحي يهودي بعدما جمع أغلبهم، وحينذاك بنوا أول معبد يهودي في الخرطوم، وكان ذلك بالتحديد في العام 1889. في هذه الفترة ظهرت أول رابطة للجالية اليهودية برئاسة "بن كوستي" الذي كان ابناً لحاخام تعود أصوله إلى إسبانيا.

ويستبعد فهمي أن يعود اليهود مرة أخرى إلى السودان في هذه الفترة، قائلاً إنه كثيراً ما تلي الثورات والانتفاضات الشعبية فترات من الفوضى تجعل الأقليات الدينية في خطر كبير، لكنه يتوقع أن السودان لو استقر في السنوات القليلة المقبلة فيمكن إذ ذاك لليهود التفكير في العودة ولو زيارات قصيرة لاكتشاف جذورهم، لأن الأجيال الجديدة من اليهود ذات الجذور السودانية أصبح لها حياة خاصة في بلدان أخرى، ومن الصعب أن تتركها وتعود إلى بلد لا يزال يعاني مخاض انتفاضة شعبية أدت لإسقاط الرئيس السوداني عمر البشير.

يقول فهمي لرصيف22 إنه قبل العام 1948، صار اليهود حقيقة في المجتمع السوداني، ولم يتعرضوا لمشاكل تذكر، بل أنشأوا نادياً رياضياً يحمل اسم "النادي اليهودي بالخرطوم"، وكان لديهم فريق رياضي يطلق عليه "مكابي" حقق انتصارات كبيرة، كما اهتموا بالفن مثل يهود مصر في هذه الفترة، فقاموا بإنشاء مسرح فني تعرض عليه مسرحيات من بطولة ممثلين يهود، وهم من أسسوا سينما شهيرة كان يزورها السودانيون من جميع المعتقدات والأديان، وهي سينما "كلوزيوم"، التي كانت تعرض أفلام أجنبية. وقد أُنشأها في العام 1935 اليهوديان ليكوس وأنطون. وكانت السينما تعرض فيلمين في البرنامج الواحد.

لكن في العام 2015، تم هدم السينما التاريخية، بعدما اشتراها مستثمر وقرر إقامة مشروع مختلف على أرضها.

السفارديم”… من إسبانيا إلى السودان

تقول الباحثة والصحافية السودانية سهام صالح في مقال لها إن اليهود الذين قدموا إلى السودان هم من "السفارديم" الذين ينحدرون من سلالات يهودية كانت تعيش في إسبانيا، لكنهم تعرضوا للعديد من المشكلات والاضطهاد وطردوا بعد سقوط غرناطة (عام 1492) فتوجهوا إلى دول الشمال الأفريقي، ومن هناك توجهوا إلى السودان، حيث عاشوا فترة طويلة.

تقدّر صالح عدد أفراد الجالية اليهودية في ذلك الوقت بنحو ألف شخص، كان أغلبهم يعيش في السودان العاصمة، وبالتحديد في أم درمان، وفي ما بعد توجه بعضهم إلى العيش في مدن أخرى مثل نوري، ومروي، والدبة، وبورسودان، وود مدني.

بحسب صالح، استفاد يهود السودان من تقبل السودان حينذاك للآخر، إذ كان مجتمعاً متسامحاً، بعيداً عن التطرف الديني، مؤكدة أنهم أسسوا أعمالاً تجارية ضخمة، وعملوا في مجال الاستيراد والتصدير، وبخاصة المنتجات الزراعية، وفي تجارة الجلود، وسيطروا على هذا المجال، كما أسسوا مجموعة شركات مهمة في جميع المجالات المالية والإنشائية والفنادق والأدوية، كاشفة عن أن من أشهر التجار اليهود في السودان وقتذاك "أبناء مراد إسرائيل"، و"حبيب كوهين"، و"ليون تمام وإخوانه"، والإخوة "سيروريس"، و"فيكتور شالوم"، و"آل عبودي"، وغيرهم.

كان المجتمع السوداني مستوعباً اليهود حتى العام 1948، تاريخ إعلان قيام إسرائيل، إذ ذاك بدأت هجرة اليهود السودانيين نحو دول إفريقية أخرى لا سيما نيجيريا، ثم بدأت غالبية العائلات اليهودية بالهجرة إلى أوروبا وأمريكا، وتوجه بعضها إلى إسرائيل

وزير الشؤون الدينية والأوقاف في الحكومة السودانية الجديدة، نصر الدين مفرح، يدعو اليهود السودانيين الذين غادروا البلاد إلى العودة إليها... من أي أصول ينحدر يهود السودان؟ ولماذا غادروا بلدهم من الأساس؟ وهل يمكن أن يعودوا فعلاً بعد دعوة الوزير؟

في مقالها، تقول صالح إن المجتمع السوداني كان مستوعباً اليهود حتى العام 1948، إذ بدأت تظهر مشاعر العداء تجاههم، خصوصاً بعد إعلان قيام دولة إسرائيل والعدوان الثلاثي على مصر. إذ ذاك بدأت هجرة السودانيين، وفي طليعتهم "عائلة عدس" التي ذهبت إلى نيجيريا، ثم بدأت غالبية العائلات اليهودية بالهجرة إلى أوروبا وأمريكا، وتوجه بعضها إلى إسرائيل

المغربي… البغدادي.. الإستانبولي

تؤكد صالح أن يهود السودان نجحوا في الاندماج بالمجتمع السوداني، إذ مارسوا الأنشطة التجارية والاجتماعية، لكنها ترى أن بعضهم كان يخشى إظهار يهوديته، والدليل أن أغلبهم كان يطلقون على أنفسهم أسماء لا تعبر عن يهوديتهم، مثل: المغربي، البغدادي، الإستانبولي، وهي أسماء، بحسب صالح، تدل على الأماكن التي جاؤوا منها أو عاش فيها أجدادهم أو آباؤهم في حقبة معينة من حياتهم.

سيطر يهود السودان على تجارة الجلود، وأسسوا مجموعة شركات في المجالات المالية والإنشائية والفنادق والأدوية، ومن أشهر التجار وقتذاك "أبناء مراد إسرائيل" و"حبيب كوهين" و"ليون تمام وإخوانه" والإخوة "سيروريس" و"فيكتور شالوم"و"آل عبودي"

وتكشف صالح في مقالها أن يهود السودان كانوا يتحدثون اللغة العربية باللهجة السودانية أو المصرية، كما كانوا يتحدثون الإنجليزية بطلاقة وبعض اللغات الأخرى كالفرنسية والإسبانية.

وتؤكد أن بعض العائلات اليهودية أصرت على البقاء في السودان، وبمرور الزمن اعتنقت الإسلام وتزوج أبناؤها بسودانيات مسلمات، لكن بعضهم بقي على يهوديته، أمثال أفراد عائلة "الدويك" الذين كانوا يعملون في مجال تجارة الأقشمة.

وترى صالح أن السبب الرئيس الكامن وراء خوف اليهود من البقاء في السودان في هذه الفترة هو قيام العقيد السوداني جعفر النميري بحركةِ تأميمٍ ومصادرة واسعة لممتلكات اليهود، وبعد سنوات، بالتحديد في العام 1987، هُدم المعبد اليهودي في الخرطوم، وبيعت الأرض لمصلحة أحد البنوك السودانية.

يهودالسودان2

غادر اليهود السودان ولم يتبق من أثرهم سوى مقابر في وسط منطقة تجارية في منطقة السوق العربي بالخرطوم، حيث لا تزال أرضاً مهجورة، والكثير من السودانيين لا يعرفون حتى أنها مقابر أجدادهم.

وفي انتظار ردود أفعال يهود السودان على دعوة الوزير مفرح، برزت بضعة أصوات منحدرة من أصول يهودية سودانية تعلق على دعوته. وأجرت هيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي لقاءً مع ديزي عبودي، وهي ابنة عائلة من يهود السودان، ومؤسسة موقع حكايات يهود السودان، بث في 9 أيلول/ سبتمبر الجاري، اعتبرت فيه أن دعوة الخرطوم لليهود للعودة أمر إيجابي جداً مضيفة أن يهود السودان عبروا عن سعادتهم بها، مرجحة أن تمكن الدعوة من تحسين العلاقة بين السودان وإسرائيل في المستقبل.

رصيف 22

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*