من مقال لبيتر بيرغن، محلل شؤون الأمن القومي لدى CNN ونائب رئيس مركز أمريكا الجديدة" للأبحاث والبروفسور في جامعة أريزونا. المقال يعبّر عن رأي الكاتب ولا يعكس بالضرورة وجهة نظر CNN.
(CNN) -- أعلنت المملكة العربية السعودية الثلاثاء أن النساء سيُسمح لهن بقيادة السيارات نهاية يونيو/حزيران من العام المقبل.
قد يصعب فهم رمزية قوة هذا القرار الملكي. قضية حق المرأة في قيادة السيارة كانت موضع اختبار ثقافي في السعودية منذ سنوات طويلة. السماح للنساء بقيادة السيارة تسبب بانقسام بين التيار المحافظ الذين يسيطر على الكثير من أوجه الحياة الاجتماعية بالمملكة وبين النخبة الأكثر ليبرالية، والتي تضم شرائح واسعة من العائلة المالكة.
قيادة المرأة للسيارة بالسعودية ليست مجرد أمر رمزي، بل هي جزء من تحول اجتماعي أكبر في المجتمع السعودي قد يكون الأكبر منذ نصف قرن.
القرار يعكس سياسة استمرت لعقود من الزمن أخذت السعودية نحو اتجاهات محافظة على المستوى الثقافي. فبعد رؤية المسلحين الشيعة وهم يطيحون بشاه إيران عام 1979 ومن ثم رؤية المتطرفين السنة يهاجمون المسجد الحرام بمكة في العام نفسه اقتربت مؤسسة الحكم في السعودية أكثر فأكثر من المؤسسة الدينية، وتبع ذلك قرارات بينها مثلا إغلاق صالات عرض الأفلام القليلة التي كانت موجودة في المملكة.
الآن يبدو أن هناك فرص أكبر للتغيير في المملكة، فهناك شخصية جديدة هي ولي العهد محمد بن سلمان، القيادي الشاب البالغ من العمر 32 عاما، والذي يقود التغيير في وقت بالغ الأهمية بالنسبة للسعودية الدولة الفتيّة، إذ يشكل من هم دون الثلاثين من العمر قرابة 70 في المائة من سكانها.
لقد نجح الأمير محمد بن سلمان ووالده الملك سلمان بن عبدالعزيز في قص أجنحة ما يعرف بالشرطة الدينية، التي كان عناصرها يطوفون الشوارع بحثا عن من يتهمونهم بمخالفة القواعد، ولكن منذ عام 2016 لم يعد يحق لعناصر ذلك الجهاز توقيف المخالفين، بل يمكنهم فقط الإبلاغ عنهم للسلطة العادية.
لقد سمحت الأسرة المالكة في السعودية بإقامة بعض الحفلات الموسيقية لأول مرة منذ عقود. وخلال احتفالات العيد الوطني مؤخرا شاركت مئات النساء في الاحتفال بملعب رياضي في العاصمة الرياض. هذه التغييرات الاجتماعية تٌظهر كيف أن العاهل السعودي وولي عهده "يريدان إظهار إصرارهما على إصلاح المجتمع حتى لو اقتضى الأمر جره إلى القرن الحادي والعشرين" وفقا لما قاله علي الشهابي، المدير التنفيذي لمركز "أرابيا فاونديشن" الفكري في واشنطن.
سياسات القوة
محمد بن سلمان أظهر أنه لاعب ماهر في ممارسة السياسة الجريئة بدون قفازات، فقد جرى عزل ابن عمه القوي، ولي العهد السابق، الأمير محمد بن نايف. الرهان على الأمير الشاب هو واحد من السياسات الناجحة للرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وصهره جاريد كوشنير، على الصعيد الدولي.
كوشنير كان قد دعا الأمير محمد بن سلمان إلى البيت الأبيض في مطلع عهد ترامب، ونظّما معا زيارة الرئيس ترامب الخارجية الأولى، التي كانت إلى السعودية في مايو/أيار الماضي، حيث حظي الرئيس الأمريكي باستقبال حار.
ثورة اقتصادية؟
محمد بن سلمان يسعى أيضا إلى إحداث ثورة في الاقتصاد السعودي، فبسبب الانخفاض في عوائد النفط وواقع أن السعودية تعتمد عليها بشكل كبير في ميزانيتها كان من الضروري التحرك.
محمد بن سلمان اقترح ما اسماها بـ"رؤية 2030" التي تطمح لجعل السعودية قادرة على انهاء الاعتماد على النفط وللحد من اعتماد السكان على الإنفاق الحكومي، إذ تبقى الحكومة المكان الذي يوظّف 70 في المائة من السعوديين الذين لا يدفعون الضرائب ويحظون بتعليم وطبابة دون مقابل، إلى جانب الدعم الحكومي لتكاليف الماء والكهرباء والوقود.
بالطبع لم يكن بوسع السعودية الاستمرار بهذا النموذج الذي قال صندوق النقد الدولي عنه عام 2015، إنه كان كفيلا باستنفاد احتياطيات المملكة المالية خلال خمس سنوات بحال استمراره، ولذلك تحرك الأمير الشاب بسرعة لإحداث التغيير.
واجه الأمير محمد بن سلمان عوائق كثيرة، ففرض الضرائب ليس أمرا محببا، كما أن خفض العلاوات في القطاع العام كان إجراء مثيرا للجدل وقد تراجعت عنه الحكومة في أبريل/نيسان الماضي، وإن كانت قد خفّضت من الدعم المقدم للكهرباء والماء والوقود، علاوة على عملها لأجل جمع تمويل عبر طرح جزء من أرامكو للاكتتاب.
خطط الأمير محمد بن سلمان للسعودية تبدو طموحة جدا اقتصاديا واجتماعيا، وقرار السماح للنساء بالقيادة – رغم التساؤلات حاليا عن تداعياته الكاملة - هو مؤشر واضح على هذا الجهد.