محمد يسري:
قالوا قديماً إن السلطان إما ينتصر فيكون مكانه على العرش، وإما يُهزم فيكون مكانه في القبر. هذه الثنائية المريرة خطت مصائر العديد من الخلفاء الذين تعاقبوا على اعتلاء كرسي الخلافة على مدار ما يزيد عن ثلاثة عشر قرناً. في هذا المقال نستعرض عشرين من أبرز قصص قتل الخلفاء في التاريخ الإسلامي.
لا سبيل لتجميلها... العنف والقتل في تاريخ الخلافة
1 -عمر بن الخطاب
كان الخليفة الراشدي الثاني، عمر بن الخطاب، هو أول خليفة يتمّ اغتياله في تاريخ الإسلام، بحسب ما ورد في كتاب تاريخ الرسل والملوك للطبري، فإن أحد الموالي الفرس المقيمين بالمدينة، ويُدعى أبو لؤلؤة المجوسي، قد نقم على الخليفة لغزوه بلاد فارس، فكمن له في الصف الأول من المسجد في صلاة الفجر، ولما بدأت الصلاة، وجه له مجموعة من الطعنات النافذة بخنجره ذي الحدين، ومات عمر بعدها بعدة أيام، في ذي الحجة من عام 23هـ.
2 -عثمان بن عفان
في عام 35هـ، ثارت مجموعة من المسلمين القادمين من الفسطاط والكوفة والبصرة، على الخليفة الثالث عثمان بن عفان، بسبب سياساته المالية والإدارية التي تتعصّب لأقاربه من بني أمية. بعد أن حاصر الثوار منزل عثمان لفترة، تسوّر بعضهم جدار المنزل، ثم اقتحموا البيت على عثمان وهو يقرأ القرآن، فضربوه بالسيوف وببعض الأدوات الحادة، كما قطعوا أصابع زوجته نائلة أثناء دفاعها عنه.
3 -علي بن أبي طالب
قُتل الخليفة الرابع على يد أحد الخوارج، ويُدعى عبد الرحمن بن ملجم المرادي، ومساعد له يُدعى شبيباً، وكان ذلك في الحادي والعشرين من رمضان سنة 41هـ، عندما كمن كل من ابن ملجم وشبيب بالقرب من باب مسجد الكوفة ساعة صلاة الفجر، ولما بدأت الصلاة حمل شبيب السيف وضرب الخليفة فوقع، وبعدها ضربه ابن ملجم بسيف مسموم على قرن رأسه فسال دمه على لحيته، ونُقل إلى منزله وتوفى بعدها بيومين.
4 -الحسن بن علي
تولّى حفيد الرسول، الحسن بن علي، منصب الخلافة لمدة ستة أشهر، قبل أن يعتزل السياسة ويصالح معاوية بن أبي سفيان في سنة 41هـ. توفي الحسن مسموماً، وأغلب الآراء تميل إلى أن زوجته، جعدة بنت الأشعث، هي التي قامت بدسّ السم له، بناء على إيعاز وتحريض من معاوية.
5 -مروان بن الحكم
تولّى مروان بن الحكم خلافة الدولة الأموية بعد اعتزال معاوية بن يزيد بن معاوية الخلافة في 64هـ، وقد تزوّج مروان من أرملة الخليفة يزيد، وهي المعروفة بأم خالد فاتكة بنت هاشم.
في أحد الأيام أساء مروان لخالد بن يزيد، وأحرجه أمام الناس، إذ قال له: "يابن رطبة الإست"، فلما أشتكى خالد لأمه عزمت على الانتقام لابنها بقتل زوجها، ويذكر ابن عبد ربه الأندلسي، في كتابه "العقد الفريد" تفاصيل حادثة الاغتيال، فيقول إن مروان قد "جاء إلى أم خالد فرقد عندها، فأمرت جواريها فطَرحْن عليه الوسائد، ثم غَطّته حتى قتلته، ثم خَرجن فصِحْن وشَقَقنَ ثيابهن: يا أمير المؤمنين! يا أمير المؤمنين!".
6-عبد الله بن الزبير
ارتقى عبد الله بن الزبير بن العوام كرسي الخلافة في عام 64هـ، واستمر في حكمه حتى سنة 73هـ. تتحدث المصادر التاريخية، ومنها على سبيل المثال "سيّر أعلام النبلاء للذهبي"، أن الحجاج بن يوسف الثقفي قد قاد جيشاً أموياً عظيماً وحاصر ابن الزبير في مكة، وأنه قد نصب المنجنيقات فوق جبل أبي قُبيس، فهدم جزءاً من الكعبة، ثم اقتحم الأمويون مكة، فأصيب ابن الزبير بسهم، وبعدها تكالب عليه الرجال ليقتلوه بسيوفهم، وبعد أن فارقته الروح أمر الحجاج بجثمانه فعُلّق وصُلب في مكان يُعرف بثنية الحجون.
7- عمر بن عبد العزيز
كان الخليفة عمر بن عبد العزيز من أعدل خلفاء دولة بني أمية، وعلى الرغم من أنه لم يبق في منصب الخلافة إلا لأقل من سنتين، فأنه قد واجه الكثير من الأمراء الأمويين، ولا سيما من آل عبد الملك بن مروان، الذين كانوا يمنون أنفسهم بإبعاده حتى تعود السلطة لهم من جديد.
بحسب المصادر التاريخية، فإن الأمويين قد حرّضوا غلاماً للخليفة على دسّ السم له، فلما سقاه السم، عرفه عمر، وأحسّ بالوجع والألم، فقال للغلام: "ويحك! ما حملك على أن سقيتني السم؟ قال ألف دينار أعطيتها، وعلى أن أعتق، قال هاتها، فجاء بها، فألقاها في بيت المال، وقال: اذهب حيث لا يراك أحد"، وذلك بحسب ما ورد في كتاب "تذكرة الحفاظ للذهبي".
8- الوليد بن يزيد
بويع الوليد بن يزيد بالخلافة بعد وفاة عمه هشام بن عبد الملك بن مروان في 125هـ، وكان قد أشتهر بفسقه وإباحته للمحرّمات وشربه للخمر، ومع ذلك فإن هناك بعض الآراء التي تمدحه وتدافع عنه. فيما يخصّ مقتله، يذكر ابن كثير الدمشقي في كتابه "البداية والنهاية": "ثقل ذلك على الناس ورماه بنو هاشم وبنو الوليد بالكفر والزندقة وغشيان أمهات أولاد أبيه وباللواط وغيره، ورموه بالزندقة، وكان أشدهم فيه قولاً يزيد بن الوليد بن عبد الملك، وكان الناس إلى قوله أميل، لأنه أظهر النسك والتواضع، ويقول: ما يسعنا الرضا بالوليد حتى حمل الناس على الفتك به".
9- مروان بن محمد
كان مروان بن محمد آخر خلفاء دولة بني أمية في المشرق، وفي عهده اشتعلت الثورة العباسية في شتى أنحاء الدولة الإسلامية، فأضطر مروان لمواجهة العباسيين، ولكنه انهزم في أكثر من معركة، وهرب إلى مصر.
في سنة 132هـ، وبعد طول ترحال، استقر مروان في كنيسة بأبي صير في صعيد مصر، وتخفّى فيها، ولكن العباسيين أحاطوا به "فانهزم من مع مروان من الجند وخرج إليهم مروان في نفر يسير معه، فأحاطوا به حتى قتلوه، حيث طعنه رجل من أهل البصرة يقال له: معود، ولا يعرفه حتى صاح رجل من أنصار مروان وقال: قتل أمير المؤمنين، ثم ابتدره رجل من أهل الكوفة كان يبيع الرمان، فاحتز رأسه وأرسل بها إلى الخليفة العباسي السفاح"، وذلك بحسب ما ورد في "سير أعلام النبلاء".
10- هشام المؤيد بالله
كان هشام المؤيد بالله هو الخليفة الأموي الثالث في الأندلس بعد كل من جده عبد الرحمن الناصر، وأبيه الحكم المستنصر.
تم الحجر على هشام وهو صغير السن، إذ تسلّط الحاجب محمد بن أبي عامر المنصور على الدولة في عهده، وحكم الأندلس كلها باسمه، دون أن يكون له من الأمر شيئاً.
بعد سقوط الدولة العامرية في نهايات القرن الرابع الهجري، ظهرت العديد من القوى في بلاد الأندلس، وطالب بالحكم أكثر من جهة، ومن أهمها محمد بن هشام بن عبد الجبار بن عبد الرحمن الناصر لدين الله، الذي عُرف بالمهدي بالله، وسليمان المستعين بالله، ودولة بني عباد بأشبيلية.
كل من تلك الجهات الثلاثة استخدمت هشام المؤيد للتأكيد على حقها الشرعي في حكم الأندلس، فالمهدي بالله حبس هشام، وقيل إنه قتله في سجنه، كما قيل إن هشام لم يُقتل وأنه قد قُتل فيما بعد على يد المستعين بالله، فيما روّج بنو عباد لأنفسهم وحكمهم مستغلين الشبه الشديد بين هشام المؤيد وأحد الرجال الذين يعملون تحت إمرتهم.
11-موسى الهادي
بعد وفاة المهدي في 169هـ، ارتقى موسى الهادي إلى كرسي الخلافة، ولكن وكما يخبرنا الطبري، يبدو أن أمه الخيزران قد حاولت أن تمارس السياسة وأن تفرض الوصاية على ابنها الخليفة.
يظهر ذلك فيما وصفها به الطبري في كتابه، بأنها كانت تسيطر عليه، و"تسلك به مسلك أبيه من قبله في الاستبداد بالأمر والنهي". كما صوّر المؤرخون علاقتها بابنها بالشائكة، حيث قيل بأنّ الهادي طلب منها أن تكفّ عن تدخلاتها، وأمرها بأن تقضي البقية الباقية من حياتها في الصلاة والطاعة.
رداً على ذلك، قيل بأنها عملت على قتل ابنها والتخلص منه في فترة مرضه. فيذكر الطبري، على سبيل المثال، أنّ سبب موت الهادي هو أنّ أمه قد "دسّت إليه من جواريها لما مرض من قتله بالغم والجلوس على وجهه".
12-محمد الأمين
بعد وفاة الخليفة العباسي هارون الرشيد في 193هـ، نشبت الصراعات بين ابنيه محمد الأمين وعبد الله المأمون، ووقعت الكثير من الحروب بين الفريقين.
في 198هـ، انهزمت جيوش الأمين، وتمكن قائد جيوش المأمون، طاهر بن الحسين من مداهمة بغداد، ويحكي ابن كثير في كتابه أن مجموعة من جند طاهر قد اقتحموا قصر الأمين "فدخلوا عليه وكان الباب ضيقاً فتدافعوا عليه، وقام إليهم فجعل يدافعهم عن نفسه بمخدة في يده، فما وصلوا إليه حتى عرقبوه وضربوا رأسه أو خاصرته بالسيوف، ثم ذبحوه وأخذوا رأسه وجثته فأتوا بهما طاهراً، ففرح بذلك فرحاً شديداً، وأمر بنصب الرأس فوق رمح هناك، حتى أصبح الناس فنظروا إليه فوق الرمح عند باب الأنبار، وكثر عدد الناس ينظرون إليه".
13-المتوكل على الله
بعد فترة تعاقب فيها الخلفاء الأقوياء على كرسي الخلافة العباسية، ارتقى أبو الفضل جعفر المتوكل على الله كرسي السلطة في 232هـ، ليجد منافسة شديدة على الحكم من جانب قادة الجيش الذين كان معظمهم من الأتراك.
المتوكل كان قد عهد بولاية عهده إلى أبنائه الثلاثة، المنتصر والمعتز والمؤيد، ولكنه كان يميل إلى المعتز، ما أغضب المنتصر، فاتفق مع بعض القادة الأتراك الناقمين ودبروا خطة لقتل المتوكل، "فدخلوا عليه وهو على السماط، فابتدروه بالسيوف فقتلوه".
14-المنتصر بالله
لم يتمتع المنتصر بالله بالخلافة بعد مقتل أبيه إلا لستة شهور فحسب، وبعدها تجددت خلافاته مع القادة الأتراك، ولكنه لما كان شجاعاً قوياً كما تصفه الكتب التاريخية، فإن أعداءه لم يتمكنوا من مداهمته وقتله على حين غرة كما فعلوا مع المتوكل، وبدلاً من ذلك اتفقوا مع طبيبه الخاص ابن طيفور، "فدفعوا إليه ثلاثين ألف دينار عند مرض المنتصر، فأشار بفصده، ثم فصده بريشة مسمومة، فمات منها"، بحسب ما يذكر الذهبي.
15-المعتزّ بالله
تولى المعتزّ بالله الخلافة بعد فترة ولاية المستعين بالله، ولكنه كالعادة دخل في مواجهة القادة الأتراك المتسلّطين على الخلافة، وكانت تلك المواجهة بسبب رغبة الأتراك في الحصول على الأموال.
بحسب ما يذكر ابن الأثير في كتابه "الكامل في التاريخ"، فإن الأتراك قد طالبوا المعتز بدفع الأموال إليهم، ولكنه اعتذر لهم بكونه لا يملك شيئاً، فلم يصدقوه "وجرّوهُ برجله إلى باب الحجرة، وضربوه بالدبابيس، وخرقوا قميصه وأقاموه في الشمس... وكان بعضهم يلطمه، وكان يتقي اللطم بيديه".
وهناك اختلاف في الطريقة التي قُتل بها المعتز، ففي حين يذكر ابن الطقطقي في كتابه "الفخري في الآداب السلطانية"، أن الأتراك قد "جعلوه في بيت وسدّوا بابه حتى مات"، فإن الذهبي قد ذكر في سيره "أن رؤوس الأتراك، أخذوا المعتز بعد خمسة أيام، فأدخلوه حماماً، وأكربوه حتى عطش، ومنعوه الماء حتى كاد، ثم سقوه ماء ثلجٍ فسقط ميتاً، رحمه الله".
16-المهتدي بالله
تولى أبو إسحاق أحمد المهتدي بالله الخلافة في 256هـ، وكان معروفاً بسيرته الحسنة الطيبة، حتى أن الكثير من المؤرخين قد قارنوا بينه وبين الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز.
المهتدي حاول أن يتخلص من نفوذ الأتراك، فحاربهم وجرت بينهم بعض المعارك الطاحنة التي سقط فيها الضحايا من الجانبين، ولكنه هُزم في نهاية الأمر، وقُبض عليه، وقد تحدث الذهبي عن نهايته المؤسفة، فقال "فأركبوه بغلاً وخلفه سائس، وضربوه وهم يقولون: أين الذهب؟ فأقر لهم بستمائة ألف دينار مودعة ببغداد، فأخذوا خطه بها. وعصر تركي على أنثييه فمات، وقيل: أرادوا منه أن يخلع نفسه، فأبى، فقتلوه".
17- المعتمد على الله
تمكنت الخلافة العباسية من استرجاع بعض كرامتها المُهدورة في عهد الخليفة المعتمد على الله، حتى اصطلح المؤرخون على تسمية عصره بصحوة الخلافة العباسية.
في عصر المعتمد ثارت الفتن في كل جهة، واستولى أخوه الموفق على القوة الحقيقية في الدولة، ورغم أن وفاته لم ترتبط بالعنف الظاهر كما وقع في عهد من سبقوه من الخلفاء العباسيين الضعفاء، إلا أن أغلب الروايات تتفق مع بعضها البعض في كونه قد تعرّض للقتل، وفي ذلك يذكر جلال الدين السيوطي في كتابه "تاريخ الخلفاء"، أن المعتمد على الله قد تعرض للسم، أو أنه قد خُنق.
18- المسترشد بالله
تولى الخليفة أبو منصور الفضل المسترشد بالله أمر الخلافة في سنة 513هـ، وعمل على تقوية مركزه، واستغل حالة الصراع الذي دبّ بين أركان البيت السلجوقي، فاستقل ببغداد وما حولها للمرة الأولى منذ سنين طويلة، ودخل بعدها في معركة خاسرة ضد القوات السلجوقية.
بعد هزيمته في هذه المعركة، تعرّض المسترشد بالله للاغتيال على يد مجموعة مكونة من أربعة وعشرين رجلاً من طائفة الحشاشين النزارية الإسماعيلية، وبعدها تم التمثيل بجثته بشكل مؤسف، وفي ذلك يذكر ابن الطقطقي، أن الأقوال قد اختلفت في الجهة التي حرّضت على قتل المسترشد، فيقال "إن السلطان السلجوقي مسعود لم يعلم بذلك ولا رضي به. وقال قوم: بل مسعود هو الذي واطأ الباطنية على قتله وأمرهم بذلك، لأنه خافه حيث قويت نفسه على جمع الجموع وجرّ الجيوش، ولم يمكنه قتله ظاهراً ففعل ما فعل من الإحسان إليه ظاهراً ثم قتله باطناً، ثم إنه أخرج جماعة من أهل الجرائم فقتلهم وأوهم الناس أنه قد قتل قتلته، ثم أطلقهم سراً".
19- المستعصم بالله
كان أبو أحمد عبد الله بن المستنصر بالله هو آخر خلفاء دولة بني العباس في بغداد، وهو الخليفة الذي كان يحكم إبان الغزو المغولي للعراق.
تتفق المصادر التاريخية على أن المغول بعد أن دخلوا بغداد، قد قيل لهم أن يقتلوا الخليفة العباسي حتى يتم أمر استيلائهم على السلطة، ولكن تم تحذيرهم من طريقة القتل نفسها، إذ قيل إن "أحد المنجمين قال لهولاكو: إذا قتل الخليفة، فإن العالم يصير أسود مظلماً وتظهر علامات القيامة"، ومن هنا، فإن الأمير المغولي قد أمر رجاله بعدم إراقة دم الخليفة، فقتلوه بالخنق، وقيل بل وضعوه في جوال واسع وانهالوا عليه رفساً بالأقدام حتى أسلم الروح، وذلك بحسب رواية الذهبي.
20-المستنصر بالله الثاني
بعد وقوع الغزو المغولي لبغداد، عمل سلاطين المماليك على نقل الخلافة إلى القاهرة، فقام السلطان ركن الدين بيبرس البندقداري بتنصيب أحمد المستنصر بالله بالخلافة، بحضور العلماء والقضاة ورجال الدولة في 660هـ، وبعد بضعة شهور طالب الخليفة الشاب بحقه في استرجاع ملك آبائه في بغداد، فجهزه بيبرس بجيش وأرسله للقاء المغول، ولكنه سرعان ما أنهزم وقُتل في المعركة، واختفت جثته فلم يُعثر عليها.