الإرهابُ الْإِسْلَاميّ وعُنف المدارس الأمريكيّة - مقالات
أحدث المقالات

الإرهابُ الْإِسْلَاميّ وعُنف المدارس الأمريكيّة

الإرهابُ الْإِسْلَاميّ وعُنف المدارس الأمريكيّة

الأخ رشيد

في إطار الجُهود المبذولة من طَرَفِ الكُتّاب المُسلمين لإبعاد الشُّبهة عن الْإِسْلَام، قام الكَاتِب السُّعوديّ مشعل بن عبد الرّحمن بكِتابة مقال قَارَنَ فيه الإرهابَ الْإِسْلَاميّ بالعُنف الّذي يُمارسه بعض الموتورين من طُلّاب المدارس الأمريكيّة، ليجعل التّشابُهات القَائِمة بين الاثنين دليلاً على أنَّ الأسباب المُؤدية للإرهاب الْإِسْلَاميّ هِيَ نفسها المُؤدية للعُنف في المدارس الأمريكيّة، وأنَّ الخلل العقليّ هُوَ المسبب الرّئيسيّ في كليهما. ويخلُص الكَاتِب إلى اتّهام الأمريكيّين بأنَّ حُريّة حَمْلِ السِّلاح هِيَ أحد الأسباب لانتشار عُنف المدارس يُشبه اتّهام النّاس للإِسْلَام بأنه هُوَ الدّافِع للعمليّات الإرهابيّة، وبالتّالي فحُريّة حَمل السِّلاح بريئة من هذه التُّهمة مِثلما أنَّ الْإِسْلَام بريء من تُهمة دَفعِ الشّباب للتطرُّف والإرهاب.

والمصيبةُ في هذه المقالات والأبحاث أنَّها ليست أبحاثًا تنطلق من الرغبة في معرفة الأسباب وراء الإرهاب، بل هِيَ أبحاثٌ تنطلق من البحث عن أسباب بعيدة عن الْإِسْلَام، فالهدفُ الأصليّ هُوَ تبرئة الْإِسْلَام من تُهمة الإرهاب لا الوصول للحقيقة، كما أنَّ أُصول البحث العِلميّ السّليم مُنعدِمة فيها، ولذلك لن تجدها تصدر عن أيِّ جَامِعة غربية مُحترمة، ستبقى دَائِمًا نَابِعة من بُلدان العالم الْإِسْلَامي حيثُ القِيمة العِلميّة للأبحاث تكاد تكون شِبه مُنعدمة.

التّعريف الخاطئ

يبدأ الكَاتِب مَقالَه بمُسلمات يراها هُو، وهِيَ ليست مُسلماتٍ عِلميّة، فهو يقول "الإرهاب فِعلياً موجود في كُلِّ مُجتمعات العالم، وإن اختلفت المُسميات". فالكَاتِب يجعل من عُنف المدارس الأمريكيّة إرهابًا حتى لو لم يُطلَق على هذا العُنف تَسميَة الإرهاب، فالتّسمِية في نَظَرِه شيءٌ شَكليّ. بينما الوَاقِع أنَّ السُّلطات الأمريكيّة لا تُطلق على هذا الفِعل تسميةَ الإرهاب لأنَّه لا يحمل سِمات الإرهاب، فالتّسميَة جِد مُهمّة للتمييز بين حوادث العُنف، فمَثَلا الزّوج الّذي يقتل زوجتَه وأولادَه، لا تُسمّى جَريمتُه إرهابًا حتى ولو راح ضحيتها عائِلةٌ بأكملها، بينما لو طعنَ شخصٌ شخصًا آخر في محطة قطار وهُو يصيح "الله أكبر"، تُسمّى جريمتُه إرهابًا حتى لو لم يمت الشّخص المطعون. ليس كُلَّ عُنف إرهابًا مع أنَّ الإرهاب نَوْعٌ من العُنف. إنَّ الإرهاب نَوْع خاص من العُنف. الإرهاب كما عَرَّفَه حِلفُ النّاتو هُوَ "الاستخدام غير المشروع أو التّهديد باستخدام القُوّة أو الْعُنف ضِدَّ الأفراد أو المُمتلكات في مُحاولةٍ لإكراه الحُكومات أو المُجتمعات أو تخويفها لتحقيق أهدافٍ سياسيّة أو دينيّة أو أيديولوجيّة". وتحقيق الأهداف السّياسيّة والدّينيّة والأيديولوجيّة هُوَ المُؤشر الأساسيّ في التّمييز بين أَعْمَال الْعُنف العاديّة والإرهاب. لذا فإنَّ عُنف المدارس لا يُصنَّف ضِمنَ الأعمال الإرهابيّة لأنَّه لا يتبنّى أهدافًا سِياسيّة ولا دِينيّة ولا أيديولوجِيّة. وبالتّالي فكُلُّ نظرية الكَاتِب تسقط من أَوَّلها.

الخلط بين التّشابه والتّشخيص

يخلط الكَاتِب بين التّشابُهات والتّشخيص الصّحيح. يقول الكَاتِب في مقاله "ولأنَّ أسبابَ مرض القلب في الولايات المُتّحدة الأميركيّة على سبيل المثال هِيَ نفس أسباب مرض القلب في السّعوديّة، فبالتّالي فإنَّ أسباب استخدام الشّباب للعُنف في المدارس الأمريكيّة بالضّرورة ستتناسب مع أسباب استخدام الشّباب للعُنف في المملكة". لا أدري في أيِّ مدرسة تعلَّم الكَاتِب عِلم الاستدلال! إنَّ الْعُنف ليس هُوَ مرض القلب، لأنَّ الْعُنف يشمل العديد من الظّواهر، وكأنَّك تقول المرض بصِفة عامّة، مرض القلب شيء مُحدَّد وسط الأمراض الكثيرة، بينما الْعُنف يشمل العصابات، ويشمل تُجّار المُخدِرات، ويشمل الإرهاب، ويشمل الْعُنف الأُسريّ، وبالتّالي لا يُمكن المُقارنة إلا في حالة الاتّفاق على أنَّه نفسَ العُنف، فالكَاتِب ينطلق من مُسلَّمة أنَّه نفسُ نَوْعِ الْعُنف ليُثبتَ لنا في الأخير أنَّه نَفْسَ نَوْع العُنف، وهِيَ مُغالطّة منطقيّة تُسمّى الاستدلال الدّائريّ أو الحُجّة الدّائِريّة.

تَشابُهات سَطحيّة

ولكي يُثبت لنا الكَاتِب أنَّ الإرهاب يندرج تحت نفس نَوْع الْعُنف يُعطي للقارئ تشابُهات سَطحيّة، منها صِغر سِن الجناة في حالة عُنف المدارس وحالة الإرهابيّين الْإِسْلَاميّين خُصوصًا الانتحاريّين منهم حيث يقول مَثَلًا إنَّ أعمارَهم تتراوح بين 15 إلى  24 سنة. وفي الحقيقة لا تُوجَد إحصائية للإرهابيّين حدَّدت لنا أعمارَهم، بل هناك إرهابيّون فَوقَ سِن الثّلاثين، فمَثَلًا أبو بكر البغداديّ؛ زعيم داعش، كان إمامًا وخَطيبَ جَامِع قبل الغزو الأمريكيّ للعراق ولم يدخل حلقات الإرهاب إلا بعد سِن 32 سنة. كذلك محمد عطا قَائِد عمليات 11 سبتمبر كان عُمرُه 33 سنة. وحتى على فرض وُجود هذا التّشابُه فهذا لا يعني أن الأسباب ينبغي أن تكون نفسها، فأعضاء المافيات والعِصابات هُم أيضًا شباب، والمُتلحقون بالجُيوش في العالم كُلِّه يلتحقون وهُم في سِن الشّباب، فهل هذا يعني أنَّ حَرب العِصابات تُشبه حُروب الدُّول وتُشبه الإرهاب وتُشبه عُنف المدارس؟!

والوَجْه الآخر للشّبه بحَسَبِ الكَاتِب أنَّ "الجاني لم تَبدُ عليه علامةٌ لارتكاب الْعُنف قبل الحَادِثة". لا أدري كيف تَوصّلَ الكَاتِب لهذه المعلومة من خلال سِجّلات عُنف المدارس! بالعكس فإنَّ هُناك علامات إنذار وَاضِحة تكون عند مُرتكبي الْعُنف في المدارس، خُصوصًا الهَوَس بالعُنف، وانعدام الرَّحمة، والتّهديد باستخدام الْعُنف بل واستخدامه في مواقف مُعيَّنة قبل الحَادِثة. لكي يتّسع أفقُ الكَاتِب لفهم هذه الأمر فما عليه إلا أن يبحث عن Warning signs of school shooting. المُشكلة أنَّ مرتكبي الْعُنف عادة ما يكونون مُنعزلين عن رِفاقِهم ولذلك لا يُعلَم الكثيرُ عنهم. لقد اخترعَ الكَاتِب تشابُهاً وهميًا من عنده ليُضيفه للقَائِمة. وحتى لو افترضنا وُجود هذا التّشابُه فالكثير من المجرمين يقومون بجرائم القتل لأَوَّل مرّة، ويُفاجأ جيرانُهم ومعارِفُهم بهذه الجرائم، فهل هذا مِقياس لكي نجعل كُلَّ الجرائم مُتشابهة في الأسباب لمُجرّد وُجود هذا التّشابُه في المظاهر؟! والغريب أنَّ الكَاتِب يجعل من صدمة الوالِدين والمُقرَّبين تشابُهًا آخر يُضافُ للقَائِمة، وكأنَّ النّاسَ لا تُصدَم من بقيّة الجَرائِم. كم من شخص صَدَمَ والديه بانتحاره؟ وكم من شخص صُدِم والداه بتورُّطِه في جرائم القتل؟ من المُؤكَّد أنَّ صدمة الوالديْن ليست دليلًا على وُجود التشابُه بل هُوَ شيءٌ عاديّ يحصل في العديد من الحالات وليس في حالات الإرهاب وحالات عُنف المدارس فقط.

ثُمَّ يمضي الكَاتِب في سرد التّشابُهات ليُعطينا تشابُهًا آخر، ألا وهُوَ "قتل الأبرياء بطُرُق لا تجد في عقل الإنسان السّوي أيَّ تبرير". وهُنا ينطلق الكَاتِب من مُسلَّمات كثيرة لديه تعيب البحثَ العلميَّ الرّصين. أَوَّلًا، من الّذي حدَّدَ أنَّ ضحايا الإرهابيين مَثَلًا أبرياء؟ أبرياء من ماذا؟ إنَّ الإرهابيّ الّذي يقتل شخصًا مُعيَّنًا يفعل ذلك لكَوْن المقتول كافِرًا في نَظَرِه، وبالتّالي فالضحيّة من وجهة نظر الإرهابيّ ليس بريئًا، بل هُوَ حلال الدّم والمال. إنَّ البراءة هُنا نِسبيّة، فقد يكون الإنسانُ بريئًا بالنّسبة للبعض لكنه ليس بريئًا بالنّسبة للبعض الآخر. لنأخذ مَثَلًا ضحايا البُرجيْن في أمريكا، لقد تعاطَفَ الكثيرون من المُسلمين مع بن لادن وصار بن لادن (بل ومازال لليَوْم) بَطَلًا في نَظَرهم لأنَّه مرَّغ أنفَ أمريكا في التُّراب. إنَّ ضحايا البُرجيْن لم يكونوا أبرياء في نَظَرهم، لذا مدح بعضُ الشّيوخ بن لادن وأباحوا دماء القتلى! ومن أُولئك المادِحين أيضًا كُتّابٌ وصحفيّون ومُثقَّفون دافَعوا عن بن لادن، كُلُّهم لم يروْا أنَّ الضّحايا أبرياء. أمَّا المُسلمة الأُخرى في كلام الكَاتِب فهِيَ "عقل الإنسان السّويّ"، ففي نَظَر الكَاتِب أنَّ الإرهابي ليس سوّيًا. مُنذ البداية يعتبر الكَاتِب عقل الإرهابيّ ليس سوّيًا ليصل في الأخير إلى أنَّه ليس سَوّيًا، مرّة أُخرى يقابلنا الاستدلالُ الدّائريّ في كلام الكَاتِب.

وهناك تشابُه مُضحك آخر يجعله الكَاتِب سَبَبًا للمُقارنة بين عُنف المدارس من جِهة والإرهاب الإسلاميّ من جِهة ثانيَة، حيث يقول إنَّ "مِثل هذا النّوع من الجرائم يتحصَّل على تغطية إعلاميّة كبيرة". إنَّ كُلَّ حوادِث القتل الجماعيّ تحصل على تغطية إعلامية كبيرة، لأنَّ الأمر يتعلَّق بأمن المُجتمع ككُلّ. هُناك أيضًا أحداث أُخرى تحصل على تغطية إعلاميّة كبيرة: الطّائِرات المنكوبة، العواصِف والكَوارث الطّبيعية، وغيرها الكثير وكُلّها أُمورٌ تتعلَّق بأمن المُجتمعات ولذلك تجري مُتابعتُها أكثر من بقيّة الأحداث، فهل هذا يجعلُها مُتشابِهة في الأسباب الّتي تقف وراءها؟!

أمَّا التّشابُه الأخير في هذه السِّلسلة فهُوَ قَوْل الكَاتِب "نِهاية مُرتكب الجريمة غَالِباً ما تكون بالموت أو بالانتحار". لكننا نرى أنَّ في حالة عُنف المدارس ينتهي دَائِمًا  الأمرُ بالشّخص مقتولا أو مُنتحرًا. أمَّا في العمليّات الإرهابيّة فهُناك خيار المُواجهة أو العمليات الانتحاريّة أو الاستسلام أو الفرار، الانتحاريّون قِلّة قليلة، وأغلب الإرهابيّين يُريدون أن يُنفذوا هجماتٍ دُون أن يتِمَّ اكتشافُهم. مُنفذو اعتداءَ بوسطن مَثَلا وضعوا القُنبلة واعتقدوا أنَّهم سينجون من المُلاحَقة الأمنيّة. مُنفذو اعتداء سان بيرناردينو لاذوا بالفرار وواجهوا قُوّات الأمن. الأخوان كواشي لاذا بالفرار وواجها الأمن. صلاح عبد السّلام في هجمات باريس لاذ بالفرار واختفى لمُدَّة أشهُر. ولا ننسى بن لادن الّذي ظَلَّ مُختفيًا لمُدّة سنوات في مخبئه. والكثيرون ضِمن الجماعات الإرهابيّة يُقاتلون كما تُقاتل العِصابات؛ يقومون بهجماتٍ مُباغِتة ثُمَّ يلوذون بالفرار. وبالتّالي لا وَجْهَ للمُقارنة بينهم وبين من يقومون بأعمال عُنف في المدارس. لا يقوم الإرهابيّون بإنهاءِ حياتِهم بعد أن يقتلوا النّاس ففي حالة الانتحاريّين من أصحاب الأحزمة النّاسِفة فليس هدفُهم قَتل أنفُسِهم بل الهدف هُوَ إيقاع أكبر عدد من ضحايا "العدو".

تَجاهُل الكَاتِب للأسباب الرّئيسية

حين تبادلتُ بعضَ التّغريدات مع الكَاتِب قُلتُ له إنَّ التّشابُهات المزعومة الّتي يسردُها بين عُنف المدارس والإرهاب تُشبه إلى حَدٍّ ما القَوْلَ بأنَّ ستالين وهتلر يتشابهان في الشّارب، وبالتّالي لا بُدَّ أنَّ الشارِب هُوَ السّبب في التجائهما للعُنف المُفرط وتسبُّبهما في مقتل الملايين من البشر!

إنَّ الإرهابيّين يُشكِّلون مجموعات بشريّة فيها المُحرِّض والمُموِّل والمُخطِّط والمُنفِّذ وفيها الأمير والأتباع، وهذا شيء مُنعدم عند مُرتكبي عُنف المدارس. الإرهابيّون يعتمدون على أيديولوجيا هِيَ الّتي تجمعهم وتجعلهم يُكوِّنون هذا المُجتمع الّذي يُوجد فيه الرّجال والنّساء، الكبير والصّغير، ويتّفق فيه الجميعُ على أنَّ الخِلافة حَقٌّ وأنَّ حربَهم عادِلةٌ ضِدَّ الكُفر وضِدَّ الرِّدة، لهم غايات وأهداف يُريدون تحقيقها على أرض الوَاقِع، بينما مُرتكبو عُنف المدارس ليس لهم أيَّ غاياتٍ وأهداف يرجوْنها من وراء عُنفِهم. الإرهابيّون يُريدون فَرضَ التّغيير بالقُوّة، بينما مُرتكبو عُنف المدارس يقومون بعُنف عشوائيّ له أسبابه المَرَضيّة. حين يتّفق الدّكتور والشّيخ والإعلاميّ والكَاتِب والقاضي الشّرعيّ والمُتعاطِفون على أنَّ هذا الإرهاب جِهادٌ في سبيل الله وأنَّه شيءٌ محمود فحينها لا بُدَّ وأن يكون السّببَ ليس خَلَلًا عقليًا وإنَّما تأطير جماعيّ، فكُلُّ هؤلاء يُؤمنون بنفس الأهداف، ويردِّدون نفسَ الأقوال، ويستدلِّون بنفس الأدلّة والآيات والأحاديث، ورغم ذلك يتجاهل الكَاتِب كُلَّ ذلك ليقول إنَّ الإرهابيّين مُختلّون عقليًا، وأنَّ عُنفَهم يُشبهُ عُنف المدارس!

هل قام أصحاب عُنف المدارس بتأسيس خِلافة لها موارد ماليّة لكي تأتيهم التّبرُّعات من المُتعاطفين معهم من كُلِّ مكان في العالم؟ هل لدى أصحاب عُنف المدارس شريعة يُطبِّقونها على المدارس الّتي يغزونها؟ رأينا الإرهابيّين يحكمون مناطقَ بحجم دُول كبيرة، ويُقيمون المحاكم، ويُديرون المدارس، ويجمعون الضّرائب، ويطبعون الكُتُب، ويُطبِّقون الشّريعة، ويُنظِّمون السّير، ويقومون بالحرب بأعلى التّكتيكات، ويصنعون القنابل، ويربحون حُروبًا ويحتلّون مُدُنًا بكَامِلها، فهل هؤلاء كُلُّهم مُختلّون عقليًا؟! رأيناهم مدعومين سِرًّا من قِبل الكثير من الأتباع على مواقع التّواصُل الاجتماعيّ، يُؤيِّدونهم في مشاريعهم ويتمنّون الالتّحاقَ بهم بل لقد ذهب الآلاف بالفِعل ليكونوا في صفوفهم، رجال ونساء، فهل هؤلاء كُلُّهم مُختلّون؟ لماذا يصيب هذا الخلل العقليّ فقط أتباع الدّين الْإِسْلَامي؟ هناك ملايين من المسيحيّين في الشّرق الأوسط لم نجد منهم إرهابيّا وَاحِدًا، لو كان الخلل العقليّ هو سبب الإرهاب لوجدتَ خَلَلًا عقليًا عِند معتنقي باقي الأديان الّذين يعيشون في جوار المسلمين، يعيشون نفسَ ظُروفهم بل وأصعب. لم نرَ شخصًا حَمَلَ حِزامًا نَاسِفًا من المسيحيّين، لم نر شخصًا حمل سِكينًا ودَخَلَ مسجدًا وطَعَنَ أصحابَه. أليس غريباً أن يصيبَ الخللُ العقليُّ أتباعَ دين مُعيَّن بالتّحديد ويترك أتباع باقي الأديان؟!

وحُريّة حَملِ السِّلاح ليست مُتّهمة بتطرُّف مُرتكبي العُنف كما يقول الكاتب، بل ينظر إليها فقط كحُريّة يرى أصحابُها أنَّهم يقبلون التضحية بها في سبيل الأمن والأمان، لأنَّ وفرة السِّلاح في نظرهم تُسهِّل عمل المُختل (ليست المسؤولة عن تطرفه). تمامًا كما نُضحّي نحن بحُريتِنا في المطارات ونقبل كُلَّ أنواع التّفتيش حِفاظًا على أمنِنا. بينما الْإِسْلَام متّهمٌ كسبب رئيسي للتطرُّف، فهُوَ متّهم ليس لأنَّه قِيمة عُليا مثل حرية حمل السلاح كما يقول الكَاتِب، بل لأنَّه يحتوي نماذجَ وصُوَر ونُصوصًا تُؤيِّد ما يفعله الإرهابيّون، فالإرهابيّون يقتدون بها ويُنفِّذونها على أرض الوَاقِع، فهُم يَسبون الإيزيديات ليس لأنَّهم مُختلّون عقليًا، بل لأنَّ رَسُولَهم مارَسَ السبىَّ وعلَّمهم السّبيَّ. والأكثر من ذلك، لقد منعت الدُّولُ الْإِسْلَامية الرِّقَّ والعُبودية مُكرَهةً لا عن إرادة طوعيّة. والإرهابيّون يفرضون الجِزية على المسيحيّين ليس لأنَّهم مُختلّون بل لأنَّهم قرؤوها في القُرآن وأكدَّتها لهم كُتُبُ التّفاسير والحديث. إنَّ الشّخصَ المُختل يقوم بأشياء عشوائية لا مَنطقَ وراءَها، بينما هؤلاء يتبعون منطقَ القُرآن والتّفاسير والأحاديث. وفَوْقَ كُلِّ هذا تصريحاتهم الوَاضِحة تُؤكِّد أنَّ الْإِسْلَام هُوَ السّبب الرّئيسيّ فيما يفعلون؛ فهُمْ يُصرِّحون بأنَّهم يبذلون الغالي والنّفيس في سبيل دينِهم، بينما لا يبذُل أصحابُ عُنف المدارس أنفسَهم في سبيل أيِّ شيء. فالإرهابيّون حين يربحون الأراضي يجعلونها إِسْلَامية أمام أعيننا، وهُمْ لا يُخفون أهدافَهم، وحين يموتون فإنَّهم يقولون بأنَّهم سيذهبون لحياة أُخرى أفضل بكثير من هذه الحياة، يلقوْن فيها ربَّهم ورَسُولَهم وصَحابتَه. ليس لدينا أيُّ سبب لكي نُكذِّبَهم، فهُم لا يخدعون إلا أنفُسَهم إن كانوا يموتون من أجل أن يكذبوا علينا. إنَّ مبدأ "نصل أوكام" يُملي علينا أن نقبل أقربَ وأبسطَ تفسير للظواهر، وفي هذه الحالة فإنَّ تفسير الدّين كرَابِط بين هؤلاء جميعًا هُوَ التّفسير الوحيد الّذي يُمكن أن نجد فيه الجواب لما يقوم به الإرهابيّون، وبالتّالي لا حَاجةَ لنا أن نبحث عن روابطَ واهية مُضحكة تُشبه شواربَ هتلر وستالين!

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث