من أجل فهم أسباب النزوح نحو التطرف في أوروبا ؟ - مقالات
أحدث المقالات

من أجل فهم أسباب النزوح نحو التطرف في أوروبا ؟

من أجل فهم أسباب النزوح نحو التطرف في أوروبا ؟

تمر عملية تجنيد المتطرفين بمراحل طويلة ومعقدة، وتستغرق وقتا حتى تطمئن الجماعات المتطرفة إلى “الوافد الجديد” إليها. وتختلف الدوافع التي تؤدي بكثيرين إلى السقوط في براثين الجماعات المتطرفة، ولا يمكن حصرها في الدوافع الأيديولوجية فقط . ورغم أنه لا يوجد نموذج موحد لكيفية تجنيد المتطرفين في الجماعات المتطرفة ، إلا أن هناك قواسم مشتركة في هذه العملية الاختيارية التي تليها مرحلة جمع المعلومات حول هذا الشخص ورصد تحركاته.

العزلة والانفصال والتهميش

يقول المؤرخ كريستيان أوست هولد أن  “الناس كائنات مجتمعية تسعى للحصول على اعتراف المحيطين بها”. ويتابع المؤرخ قائلا: “عندما يشعر بعض الناس بأنهم ليسوا جزءا من المجتمع يبتعدون عنه ويصبحون هدفا لتأثير الدعاة السلفيين الذين يقولون لهم: “لستم أنتم المسلمون المشكلة، المشكلة هي في المجتمع الكافر من حولكم” وفقا لـ”قنطرةفى 19 سبتمبر  2019

التهديد بالتهميش المجتمعي في أوروبا يعني على سبيل المثال، أن المال لا يكفي لدفع إيجار المسكن أو القيام برحلة لمدة أسبوع لقضاء أجازه أو وجود أسرة بها أفراد يساهمون على نحو ضئيل للغاية في الدخل. تشير دراسة على مستوى دول الاتحاد الأوروبي إلى أن نسبة المهدديين بالفقر أو التهميش المجتمعي في ألمانيا تصل إلى خُمس عدد سكان البلاد تقريبا، حيث بلغت النسبة 19 في المئة في عام 2017، أي ما يعادل حوالي 15.5 مليون شخص، حسبما ذكر مكتب الإحصاء الاتحادي في فيسبادن  في أكتوبر2018.وعلى المستوى الأوروبي انخفضت أيضا أعداد المهددين بالفقر والتهميش المجتمعي حيث أصبح هؤلاء في يشكلون نسبة 22.5 بالمئة من إجمالي سكان دول الاتحاد الأوروبي.

البحث عن الهوية و التطرف

أكد “بيتر كوريغان” محامي الأيرلندية ليزا سميث”، التي كانت مجندة في قوات الدفاع الأيرلندية وفقا لـ”BBC” فى 7 ديسمبر 2019  إن موكلته جُندت في مرحلة حساسة من حياتها، حيث كانت “امرأة ضعيفة ولديها ميول انتحارية”. وإن الشخص الذي جندها استغل حالة الضغف المسيطرة عليها.وفي عام 2014، أثناء رحلتها للبحث عن الهوية و معنى لحياتها، أخبرها رجل دين أن “القرآن يُلزم المسلمين باتباع الخلافة التي أعلنها تنظيم الدولة الإسلامية،” على حد قول كوريغان.ويسوق المحامي حجة أن الحياة في الأراضي الخاضعة للتنظيم لا تعني بالضرورة الانضمام إليه.

تناولت ” يوليا إيبنر”  الباحثة في شؤون الإرهاب التطرف على الإنترنت تقوية عوامل تجنيد الجماعات المتطرفة للأفراد من خلال الروابط بين المجموعة والأعضاء الجدد وبقوة. وهذا يحدث في أجواء ثقافية مشتركة، حيث يتحدثون بلغة واحدة ويستخدمون مصطلحات خاصة بهم. الطابع الاجتماعي لهذه الفضاءات تنظم بشكل دقيق ومؤثر بحيث يشعر الأعضاء الجدد بأنهم جزء من المجموعة أو يشعرون بانتماء قوي لها ويصعب عليهم مغادرتها.

وأضافت أن للنساء طبعا مواضيع خاصة بالمرأة. فهناك العبء المزدوج، العمل ومهمات المنزل، وهموم العائلات ذات الأطفال من أبوين مختلفين، كما هناك مشاكل العلاقات العاطفية على الإنترنت وتأثيراتها السلبية وعموما هناك مشاكل تتعلق بالعلاقات العاطفية. بمثل هذه المواضيع يمكن عمليا مخاطبة كل امرأة. فكل واحد معرض للإصابة بلحظات ضعف. وهذا ما يجري استغلاله بكل دقة.

الفقر والتطرف

أشارمرصد الأزهرفى  دراسة بعنوانالفقر وأثره في صناعة التطرف …. قراءة تحليلية موجزة” فى  25 يوليو 2019 إلى أن لفقرَ يُعدُّ حالة مثالية تُسهِّلُ على الجماعات المتطرفة استقطاب أفراد جُدُد إلى صفوفها، ولكن هذا الأمر لا ينطبق على جميع الحالات التي اتخذت من العنف منهجًا لها، وانضمت إلى الجماعات الإرهابية؛ إذ إنه تم استقطاب أعداد غير قليلة من الشباب الذين ينتمون للطبقات المتوسطة في المجتمعات المختلفة، شباب مستقرون اجتماعيًّا، ويشغلون وظائف مرموقة، ويحصلون على رواتب جيدة، ومع ذلك انضموا للجماعات المتطرفة.

أكدت دراسة حملت عنوان “رحلة إلى التطرف في أفريقيا.. العوامل والحوافز ونقطة التحول للتجنيد”.. أعدَّها “برنامج الأمم المتحدة الإنمائي” فى 25 يوليو 2019 على أن “الطفولة التعيسة” قد تكون سببًا يقود الشباب إلى انتهاج العنف والانضمام إلى الجماعات الإرهابية، ولا شك أن الفقر والعوز من أهم أسباب الطفولة التعيسة التي قد تسبب نقمة الطفل على مجتمعه، ومن هنا كان الفقر سببًا غير مباشر لانضمام الأفراد إلى الجماعات المتطرفة.

شبكة نساء سلفيات

تنشط على شبكة التواصل الاجتماعي لكسب النساء من داخل اوروبا، يشار ان التنظيمات “الجهادية”  تشجع التحاق فتيات غير متزوجات للتزاوج مع مقاتليها ابرزها “داعش” والنصرة.اعتمد التنظيم  سياسة إستقطاب النساء وخاصة من العازبات، لغرض التزاوج مع المقاتليين، بعد فضائح وفتاوى جهاد النكاح في سوريا. الاستخبارات الغربية من جانبها كشفت اعداد من النساء الاوربيات من المانيا والنمسا وفرنسا ودول اوربية اخرى للاتحاق “بالجهاد” مع داعش بعد اعلانها تشكيل كتيبة الخنساء الخاصة بالنساء وهي  سابقة”جهادية” اي مشاركة النساء في القتال ميدانيا. ومتابعة الى اسباب تركيز “داعش” على النساء، تبين بسبب تأثيرهن الاعلامي في كسب المقاتلين والمقاتلات، بعد ان كشفت الاستخبارات الاوربية عن وجود شبكة نساء سلفيات على الشبكة العنكبوتية تستغل وسائل التواصل الاجتماعي على الانترنيت.

الجهل والتطرف

نشر موقع Daily Mail فى 15 أغسطس 2016 خبرًا بعنوان “استمارات تجنيد داعش تظهر أن (70% ) من مقاتلي التنظيم لا يكادون يعرفون شيئًا عن الإسلام”جاء فيه أن وثائق مسربة من تنظيم داعش أظهرت أن (70% ) ممن تم تجنيدهم من قبل التنظيم لا يكادون يعرفون شيئًا عن الإسلام، بل إن بعضهم قد اشترى نسخة من “The Koran for Dummies”، وهو كتاب مبسط للتعريف بالقرآن وتاريخه ولغته، إلخ من أجل مساعدة البسطاء من الناس الذين لا يمتلكون معرفة كافية بالقرآن.

وأضافت الصحيفة أن تحليل استمارات التجنيد الخاصة بالجماعة الإرهابية قد أظهر افتقار العديد من مقاتلي التنظيم إلى المعلومات الأساسية حول القرآن والحديث. كما أظهر تحليل نحو (3000)  استمارة تجنيد أن (24%) من المجندين لا يمتلكون سوى “معرفة متوسطةبالإسلام، بينما لا يعد سوى (5% ) منهم فقط “دارسين متقدمين” للإسلام. ولم يكن من بينهم من يحفظ القرآن سوى(5) مجندين فقط.

غسل الأدمغة و التطرف

غسيل الدماغ : هو عبارة عن السيطرة على العقل والسيطرة على الأفكار أو تشكيل الأفكار عند الشخص من قبل شخص آخر أو مجموعة أشخاص. وهي تعتبر ديكتاتورية من نوع آخر ينتج عنها شخص مسلوب الإرادة والفكر غير قادر على التفكير بشكل مستقل، وشخص لديه معتقدات ومبادئ مشوشة، غير قادر على اتخاذ قرار بنفسه إنما يتبع القرارات التي يعتنقها الشخص المسيطر على عقله.

وركزت حملة داعش وفقا لـ”سكاى نيوز” على غسل أدمغة الأطفال والطلبِ منهم البقاء في البلدان التي يعيشون فيها، إلى أن يحينَ الوقت الذي يُطلب منهم القيامُ بهمتهم الإرهابية التي يُقرّها أمراء داعش المبثوثون هنا وهناك. أما تنفيذ الأوامر فيكون بأسلحةٍ تبدأ بالسكاكين ولا تنتهي بالقنابل البدائية.وأكدت مراكز محاربة التطرف إنه حتى عام 2017 تم رصد (120) طفلا ومراهقا تم غسل أدمغتهم بطريقة خطرة في ألمانيا حيث القانون يمنع مراقبة بعض منهم ممن هم تحت الرابعة عشر.ويضاف هؤلاء الـ” 120″  كقنابل موقوتة إلى آخرين ممن سبقوهم وأخفقت السلطات في التنبه مسابقا لتحولهم إلى أشخاص خطرين.

الخلاصة

تسعى التنظيمات المتطرفة  منذ نشأتها فى تجنيد واستقطاب انصار لها ، وتوهم الجماعات المتطرفة الأفراد بأنهم النخبة المميزة  .وتستخدم أسلوب إثارة روح الغضب في أوساط الشباب، ودفعهم للانتقام. وتستغل  التنظيمات المتطرفة  حاجة الشباب للتصنيف بتوفير هوية للفرد تميزه عن الآخرين، وأوهمهم بانتمائهم إلى كيان له أفكاره وأهدافه الواضحة. ونشر أفكاره الآيديولوجية بين الصغار، لبناء أجيال تحمل الفكر المتطرف إذ يرى فيهم وسيلة لضمان الولاء على المدى البعيد.

أن تجاه التنظيمات المتطرفة كتنظيم داعش لاستقطاب و غسل أدمغة الأطفال في اضطراد ملحوظ . ويرجع ذلك إلى تراجع قوة التنظيم وفقدان معاقله وخسارته عائداته المالية ، والتى أدت إلى تراجع قدرته على استقطاب مقاتلين جدد  ، وبالمقارنة بالجماعات الجهادية  فإن دور النساء أكبر في دعاية “داعش”، وبات محتملا مع زيادة دعوات داعش لاستقطاب النساء  ، أن يمهد الطريق لتغييرات كبيرة محتملة في دور الجهاديات في المستقبل”.

لذلك ينبغى تلقين الشباب والأطفال  مبادئ الإسلام الصحيح ، وتطوير خطاب مضاد للخطابات المتطرفة .  وضع استراتيجيات للوقاية وإعادة التأهيل وإعادة الدمج واستحداث أساليب ونهج متطور لتقليل استقطاب وتجنيد الأفراد ، ومراعاة مسائل تتعلق بالآثار التي لحقت بالنساء القادمات من منظمات متطرفة.

رابط مختصرhttps://www.europarabct.com/?p=56723

المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*