إعلانات «فيسبوك».. من يتحمل المسؤولية؟! - مقالات
أحدث المقالات

إعلانات «فيسبوك».. من يتحمل المسؤولية؟!

إعلانات «فيسبوك».. من يتحمل المسؤولية؟!

ليونيد بيرشيدسكي*

أخذت الضغوط السياسية ترغم مديري «فيسبوك» تدريجياً على تحمل المسؤولية عن المحتوى الذي يظهر على الشبكة الاجتماعية، وعن الإعلانات بشكل خاص في هذه المرحلة. غير أنه حتى الآن يمكن القول إنهم يبلون بلاء حسناً في تجنب الموضوع الحقيقي.

ففي يوم الأربعاء الماضي، تطرقت شيريل ساندبرغ، مديرة العمليات في «فيسبوك»، إلى ما تم اكتشافه مؤخراً من أن بعض الإعلانات في «فيسبوك» يمكن أن تستهدف «كارهي اليهود» -أو بشكل أدق العددَ القليل من الناس الذين يصفون أنفسهم على هذا النحو. وقد تطلبت معالجة هذه المشكلة تعطيلاً مؤقتاً لكل أنظمة الاستهداف في قسم الإعلانات وفق الوظائف. ووعدت ساندبرغ بمستوى جديد من الإشراف البشري، وذلك حتى تتطلب أي عمليات استهداف جديدة موافقة موظفين حقيقيين في فيسبوك.

ويوم الخميس، دخل الرئيس التنفيذي مارك زوكربرغ على خط أزمة يمكن أن تكون لها عواقب أكبر بالنسبة لشركته، ونقصد بذلك محاولات التأثير الروسية عبر «فيسبوك»، خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأميركية 2016. ويتعلق الأمر هنا بشراء بعض حسابات «فيسبوك»، التي أنشئت في روسيا على ما يبدو، لنحو 3 آلاف إعلان خلال حملة الانتخابات الأميركية. وقد أوضح زوكربرغ أن هذا حدث «بشكل مبرمَج من خلال تطبيقاتنا وموقعنا الإلكتروني، ودون أن يتحدث صاحب الإعلان إلى أي أحد في (فيسبوك)».

غير أن زوكربرغ شدّد على أن «فيسبوك» لن يقوم بمراقبة المحتوى قائلًا: «إننا لا نراقب ما يقوله الناس قبل أن يقولوه، وبصراحة، أعتقد أن مجتمعنا لا ينبغي له أن يرغب في أن نقوم بذلك». واقترح زوكربرغ بعض التغييرات في السياسات بخصوص الإعلانات، شبيهة بتلك التي تحدثت عنها ساندبرغ، من قبيل زيادة الإشراف البشري، وقدر أكبر من الشفافية بخصوص من يدفع المال مقابل نشر «الإعلانات السياسية»، وما هي الإعلانات التي يتم نشرها.

وقد حاول زوكربرغ ترضية المنتقدين قائلاً: «ولكن حتى من دون مشاركة موظفين في المبيعات، فإننا نستطيع أن نقوم بعمل أفضل»، من دون أن يوضح ما يقصده بذلك. والحال أنه بنموذجه الحالي، لا يستطيع فيسبوك القيام بعمل أفضل حقاً. وفقط حينما يرغَم «فيسبوك» على الاعتراف بأنه شركة إعلامية حقاً فسيضطر لتغيير ذلك الموقف.

والواقع أنه من غير المجدي إرغام صفحة على فيسبوك على الكشف عن تفاصيل الإعلانات التي تنشرها وتبثها لجماهير مختلفة، وذلك على اعتبار أنه باستطاعة شركة تصيد إلكتروني روسية، مثلاً، إنشاء عدد من الصفحات واستخدام أي عدد من خيارات الدفع، فتلك هي وظيفة ودور شركات التصيد الإلكتروني. كما أنه من المستحيل أيضاً غربلة «الإعلانات السياسية» على نحو مبرمَج، وذلك لأن الغربلة والفلترة باستخدام بعض الكلمات أو العبارات من شأنها أن توقف الكثير من الإعلانات الشرعية. وفضلاً عن ذلك، فإن اللاعب المصمِّم على تمرير ونشر رسالته سيجد بسرعة طريقة لتجاوز أنظمة الفلترة والالتفاف عليها. وبالتالي، فإن إشراك البشر في عمليات غربلة وفلترة كل الإعلانات هي الحل الفعال الوحيد. كما أن من شأن ذلك أيضاً أن يجعل ممارسات «فيسبوك» أقرب إلى تلك التي تعتمدها الشركات الإعلامية التقليدية، التي تعرف دائماً الإعلانات التي تقوم بنشرها وبثها. وقد يكون هذا أمراً لا مناص منه اللهم إلا إذا كان «فيسبوك» مستعداً لشن حرب على المؤسسة السياسية الأميركية باسم حرية المعلومات -وهو شيء كان يرفض زوكربرغ القيام به حتى الآن.

ومع أنه سيكون من العدل والإنصاف أن تقبل شركة «فيسبوك» بقوانين الإعلام من أجل خلق نوع من المساواة مع الشركات الأخرى، إلا أنه من العار أن زوكربرغ لا يبذل جهداً في هذا الاتجاه، علماً بأن من شأن ذلك أن يمنح الجمهور فرصة لمعرفة المزيد حول الطريقة التي يشتغل بها قسم الإعلانات في «فيسبوك».

وخلاصة القول، إنه بغض النظر عن مدى فعاليتها، فإن الإعلانات ينبغي أن تكون شفافة، كما ينبغي أيضاً أن تدار من قبل بشر، وليس من قبل روبوتات قاصرة وغير كاملة. غير أنه ينبغي كذلك أن تكون لدى الجمهور نظرة واقعية عن قوة «فيسبوك» وغيره من المنصات الاجتماعية لجهة التأثير في الآراء. وإذا كان زوكربرغ وساندبرغ قد قدما بعض التنازلات، وهي تنازلات تظل غير كافية بكل تأكيد، فإن المطلوب هو كشف كامل عن عدد الحسابات المزيفة على الشبكة، وعن الإجراءات المتخذة ضد تفشيها، وشفافية كاملة بشأن نظام الإعلانات المبرمَجة التي تمثّل لب وجوهر النموذج التجاري لـ«فيسبوك».

*محلل سياسي روسي مقيم في برلين

واشنطن بوست

ترجمة الاتحاد

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث