الحرية الدينية وأسلمة الفضاء العام - مقالات
أحدث المقالات

الحرية الدينية وأسلمة الفضاء العام

الحرية الدينية وأسلمة الفضاء العام

بقلم : وائل العجي

يناقش هذا المقال طريقتين يستغل من خلالهما الإسلاميون الفضاء العام ويغزونه: قوانين ازدراء الأديان والروايات البديلة، بما في ذلك نظرية المؤامرة.

في المجتمعات الإسلامية بدأ السياسيون والناشطون في مجال حقوق الإنسان والمرأة ووسائل الإعلام بشكل أكبر في فتح نقاشات عامة حول قضايا مثل: ما هو دور الدين في السياسة؟ هل يتوافق الإسلام مع الديموقراطية؟ ومَنْ له الحق في تفسير الإسلام وإدخال التشريعات الإسلامية في القوانين والسياسات العامة؟ هل يمكن أن تكون هناك حقيقة واحدة وتفسير نهائي واحد للإسلام يجب أن يحكما حياة كل مواطن مسلم؟ كيف نتعامل مع الفهم العصري والعالمي لمفاهيم الديموقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة، وكذلك الصراع بين هذه المفاهيم والرؤية المتشددة التي يحملها الإسلاميون للعالم؟

لا تعترف أيديولوجية الإسلاميين بتنوع المجتمعات الإسلامية، فهي تنادي بهوية إسلامية متجانسة أحادية التكوين (الأمة) تكون فيها الهويات الثقافية والوطنية بلا أي قيمة بل وتعتبر إثما. ووفقا لهذه الأيديولوجية، فإن العلماء المسلمين هم "الدولة" والمسلمون هم "الأمة". وتحكم الشريعة كل مناحي الحياة داخل هذا النموذج. وعليه، يصبح كل ما هو خارجه ازدراء للدين. وفي سبيل نشر رسالتهم، يستغل الإسلاميون يستثمر الإسلاميون الأحداث العامة، والقنوات الفضائية، ووسائل التواصل الاجتماعي. ويعد هذا غزوا حقيقيا للفضاء العام.

وقوانين ازدراء الأديان هي من أقوى الأدوات التي يستخدمها الإسلاميون لترهيب الفضاء العام والهيمنة عليه. ويستخدم الإسلاميون تلك القوانين بشكل روتيني لغلق النقاش الفكري ومنع المساءلة المشروعة للإسلام. هذه الممارسات تنتهك بوضوح حرية الاعتقاد والتعبير، وما يثير القلق حقا هو دعوة الإسلاميين، بدعم من حكومات كثيرة، المجتمع الدولي إلى تجريم ازدراء الأديان.

وعلى الجانب الآخر، في دول مثل الولايات المتحدة يمنع الدستور الكونغرس من التدخل في حق المواطنين في حرية التعبير. فالحرية الدينية وحرية التعبير هما من حقوق الإنسان الأساسية، وينبغي على أية حكومة في أي مجتمع حديث أن تكفل هذه الحقوق لجميع المواطنين من دون أي تمييز.

وتظهر الإحصاءات أن معدل الأعمال العدائية التي تنتج عن قضايا دينية تكون أعلى بكثير في البلدان التي لديها قوانين ازدراء أديان، فيما يمكن لحرية الدين وحرية التعبير أن يتعايشا جنبا لجنب في المجتمعات التي تصونهما وترسخهما.

قوانين ازدراء الأديان خطيرة للغاية، إذ يستخدمها الإسلاميون لإجبار المجتمع على الخضوع للعنف وضغوط الغوغاء. ويمكن لضحية أن تحاكم إذا تمكن المدعي من إثارة غضب الجماهير، كما حصل مع آسيا بيبي وفاطمة ناعوت.

تحافظ المجتمعات الحرة على حريتها من خلال المعرفة التي يحتاج تناقها حرية تعبير. لذا فالانتقاص من حرية التعبير يقضي على تبادل الأفكار مما يُقيِّد المعرفة.

عبر التاريخ، ظلت السلطة والدين يسيران جنبا إلى جنب. وبمجرد أن يصبح من غير القانوني مساءلة دين معين، كل ما تحتاج أن تفعله أي حكومة أو سلطة هو ضم نفسها إلى المؤسسة الدينية لتلقى نفس الحماية أو الحصانة. وهذا يوفر طريقة فعالة لادعاء التفوق المطلق. فعندما تدعي حكومة أنها تنفذ إرادة الله، تصبح أي معارضة بمثابة ازدراء للأديان.

وهناك طريقة أخرى يحاول الإسلاميون من خلالها استغلال الفضاء العام ألا وهي خلق "السرد البديل"، ففي كل مرة يحدث فيها هجوم إرهابي، يحاول المدافعون عن الإسلاميين تقديم تفسيرات تميل إلى تجاهل الدوافع الأيديولوجية للإرهابيين أو التقليل منها. فعلى سبيل المثال، أحيانا يوصف المهاجمون بأنهم مختلون عقليا أو مهمشون أو أنهم تطرفوا بواسطة مجتمع عنصري: "إلقاء اللوم على الضحية"، "إلقاء اللوم على السياسة الخارجية".. "إلقاء اللوم على التاريخ الاستعماري".. "إلقاء اللوم على الغرب لتدخله أو عدم تدخله".. ولكن لا يوجه اللوم أبدا لسرديات الكراهية والهيمنة التي تقوم عليها الأيديولوجية الفاشية للجهادية السلفية!!!

نظرية المؤامرة:

وهذه ذريعة أخرى يكثر استخدامها ألا وهي نظرية المؤامرة. وفقا لهذه النظرية، الجميع يتآمر على تشويه صورة الإسلاميين: الضحايا والحكومات ووكالات الاستخبارات والجيش والشرطة. مرة أخرى، يلقى اللوم على الجميع، ولكن ليس على أيديولوجيات التسلط الديني، وكأن الآخرين يتآمرون بقتل أنفسهم وأسرهم لتشويه سمعة الجهادية السلفية.

الجهادية السلفية أيديولوجية فاشية بطبيعتها لأنها تقوم على مفاهيم التفوق والتوسع والهيمنة.. لذلك، ينبغي على المجتمع الدولي ألا يغض الطرف عن مواجهة هذه الموجة الجديدة من الفاشية التي تهدد السلام الدولي وتتحدى مفهومنا العصري للديموقراطية وحقوق الإنسان والمواطنة المتساوية. تسمية الجهادية السلفية بأي شيء آخر غير الفاشية خطأ ولن يؤدي إلا إلى المزيد من الصراع والعنف. والطريقة الوحيدة للتعامل مع الفاشيين هي مواجهة أيديولوجياتهم وتفكيكها من أجل هزيمتها.

الحرة

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث

اتصل بنا

*
*
*