كيف تقرأ المكتوب؟ - مقالات
أحدث المقالات

كيف تقرأ المكتوب؟

كيف تقرأ  المكتوب؟

أوليفر ديمترى

هذا هو السؤال   الهام الذي طرحه السيد المسيح، له المجد، على أحد الفريسيين الذي جاء ليجربه بسؤاله: "ماذا أصنع لأرث الحياة الأبدية؟" أجابه يسوع: "ما هو مكتوب في الناموس. . . كيف تقرأه؟" (لو 10: 25) ينبه المسيح، له المجد، هنا هذا المجرب إلى كيفية القراءة الصحيحة. فالطريقة التي نقرأ بها تحدد كيف ستقودنا القراءة وإلى أين.

لا يتمثل الخلاف في مسألة الكتاب المقدس في النص، لكن في كيفية قراءة النص. ولذلك أراد الرب يسوع أن ينبهنا إلى ضرورة تعلُّم القراءة الصحيحة للكتاب المقدس.

كانت كلمات الله وما زالت ثابتة، لكن الفريسيين قرأوها بمقاصدهم الدنيوية وفسروها لمصالحهم الخاصة، فصارت تسمّى تعاليمهم تعاليم الناس رغم أنهم اعتمدوا على ما هو مكتوب، تمامًا كما فعل الشيطان على الجبل. وهكذا فإنّ من يقرأ كلام المسيح   بغير فهم وينظر بروح مختلفة إنما يشبه أولئك. فليست القراءة النص المكتوب، لكنها النص المفهوم من المكتوب. ومن هنا تكمن الخطورة في كيفية القراءة. لقد نشأت الفروقات والاختلافات بين الطوائف من قراءات مختلفة للكتاب المقدس. والنص المكتوب هو مزيج من الوحي المقدس   مع لغة الكاتب الذي استخدمه الله في كتابة السفر. أما القراءة فهي مزيج من النص المكتوب والعقل البشري بحسب الخبرة والقامة الروحية   ومستوي التعليم والتعلم وأمور أخرى، وهذه عناصر يمكن أن تعوق من وصول المفهوم السماوي إلى القارئ ما لم تكن مقدسة بالروح، حيث يمكنها الوصول إلى أعماق الله. فإن لم نلجأ إلى الروح القدس، مصدر النص   بالصلاة ونتضرع بانسحاق وخضوع لفكر الله، لا يمكننا أن نقرأ الكتاب قراءة كما يقصدها الله. ولهذا من الضروري أن ننتبه إلى سؤال رب المجد: "كيف تقرأ؟" ونستخدم هذا المنهج في نواحٍ كثيرة في حياتنا.

كيف تقرأ مقالًا؟

لا يقرأ بعضهم المقال، بل يقرأ نيّة الكاتب وكأنه مطلع على دواخل الناس. ويحكم الفضول آخرين لمعرفة هوية الكاتب وتوجهاته وعقيدته، ثم يقرأ المقال وفي ذهنه أحكام مسبقة، فتجده لا يقرأ المقال، بل يتخذه سلمًا ليصعد فوق رأس الكاتب باتهامات لا دليل عليها إلا في عقل القارئ لأنه لم يتعلم كيف يقرأ. ومن هنا تأتي تصنيفات بعضهم للآخرين: فهذا متآمر وذاك يدس السم في العسل، إضافةً إلى عبارات غريبة هي من صنع قارئ   لا يعرف كيف يقرأ.   لكن يحق أن يكون للقارئ حكم على المقال طالما يعتمد على ما ورد فيه وليس ما فهمه منه.   ونحتاج الآن بعد أن اتسعت مجالات النشر وأتيحت الفرصة للجميع لكي يكتبوا و يقرأوا أيضًا أن نتعلم كيف نقرأ بحيادية من دون أحكام مسبقة، وإلا ستكون القراءة مصنعًا لإنتاج كل خطايا الإدانة. فماذا تفيدنا قراءة كهذه؟

كيف تكتب؟

ما نقوله للقارئ نقوله للكاتب أيضًا، لأنه قارئ أيضًا. ضع نفسك مكان القارئ. واكتب بدقة لكي تساعد القارئ على فهمك بدقة. اكتب بحرص لكي لا يتشكك فيك. اكتب بلغة لائقة راقية خالية من التدنى لكي لا تشوه الكتابة والقراءة معًا، متجنبًا الاتهامات التي توجَّه بغير دليل، والإشاعات التي تلبسها ثوب الحقائق. فهذه ليست كتابة بل تشويش.

لا تفتخر بنفسك في مقالاتك. فهذا أضعف أنواع الكتابات. ليكن كلامك مملحًا بمقاصد روحية وبنعمة من المسيح، لأنه ينبغي أن نكتب كما يليق بنا كمسيحيين يسكننا روح الله.

حتي لو كتبنا في السياسة أو حقوق الإنسان أو القوانين، ينبغي أن ننفرد بلغتنا المسيحية. فهي أسمى لغة. لا تقلد من ليس لهم لغة المسيح، فهم معذورون. أما أنت فتملكها، فلماذا تنحيها جانبًا حين تكتب. ستخرج كلماتك مثل كلمات أهل العالم وتتبخر هباءً منثورًا كما تتبخر كلمات العالم كله. أما حين تملحها بالنعمة وتطعّمها بفكر المسيح، فإنك تضمن لها عمرا طويلًا وأثرًا عميقًا. فهل تريد أن تكون هذا الكاتب؟

كيف تكتب شكوى كنسية؟

حتي حين تكتب مقالًا كالشكوى، اتبع نفس إيجابية المسيح ولغته. فالشكوى لا تعني استباحتك للاتهامات، ولا تعني إلهاء القارئ عن إيجابيات موجودة، ولا تعني أن تنغمس في طرح النقائص من دون التفكير في اقتراحات ربما تساهم في الحل. وأهم من ذلك كله تقديم نفسك يدًا   تساعد للتخلص من هذه النقائص. فاسأل نفسك ما هي مساهمتك ودورك في الحل. ولا تحسب أن دورك أن تدبج الشكاوى بل، أن تعالج السلبيات. لا تجعل شكواك شخصية بل عن موقف من موقف أو تصرف أو موضوع. فالشكوى لا تعني رفضك للآخر بل رفضك للسلبيات. فليكن هذا تفكيرك ومنهج كتاباتك. وتذكر أن الكنيسة ليست الأسقف أو الكاهن وحدهما بل كلنا الكنيسة، وأنه ينبغي علينا كلنا أن نفعل شيئًا ونقوم بأدوارنا ممتزجة بالصلاة لأجل إصلاح كل عيب. أقول هذا عن الشكاوى التي تقدم في الكنائس لأساقفة كل أبرشية. ولنأخذ من رسائل الرب يسوع في سفر الرؤيا لأساقفة الكنائس السبع نموذجًا كاملًا لكيفية كتابة شكوى. أما الصراخ والصوت العالي والتركيز على السلبيات، فهذه تنشر دائرة متسعة من الإحباط قد تبقى حتى بعد حل المشكلة، لأن الإحباط واحد من الأمراض المزمنة.

كيف تعلق على مقال؟

تعكس تعليقاتك كيفية قراءتك للمقال. فلك كل الحق في الاختلاف في النقد والتفنيد والاعتراض والرفض. ولك كل الحق في تجاهل هذا المقال وذاك الكاتب. لك كل الحقوق في التفكير بحرية وبطريقتك الخاصة إبداء تعليقاتك وفقًا لقناعاتك. لكن مرة ثانية، ابتعد عن الاتهامات في تعليقك. ابتعد عن التعليق الذي تترك فيه المقال وتهجو الكاتب؟ فلينصب تعليقك على ما قرأت وليس على ما تشعر به تجاه الكاتب. سواء أكان مدحًا أم ذمًّا. ولا تسمح للكلمات بأن تخونك ويفلت منك قاموس اللغة المسيحية. ولا تعلق بانفعال وضيق فتخرج كلماتك كالمتفجرات. لا تقلل من شأن أحد لأنك في الحقيقة لا تعرف الكاتب، أي كاتب. قد تعرف اسمه .. قد تسمعه وتشاهده يتكلم في أحاديث تليفزيونية أو مداخلات في موضوعات محددة. لكنك لا تعرفه شخصيًا فلا تقلل منه. ربما كان غير ما تعتقده. كما أن التعالي على الآخر هو شر من بنات الكبرياء.

قد يكون تعليقك مكملًا للمقال أو أهم من المقال نفسه. فلذلك اكتبه بعناية. واستكمل ما رأيته ناقصًا في فكرة المقال. ومع مزيد من التدقيق، يمكنك أن تصبح كاتبًا ينتظر الناس كتاباتك كما ينتظر الكاتب تعليقاتك. إن التصالح بين الكتابة والقراءة أمر هام يجعل عملية التفكير هادئة. . فلا تكتب تعليقات متوترة بل متسمة بالتصالح. كن ميالًا إلى حسن الظن، لأن المحبة لا تظن السوء. والتعليق حوار مكتوب متبادل بين الكاتب والقُرّاء كلهم وليس المعلق وحده. فضع في اعتبارك أن لك أيضًا قُرّاء، واحترم قرّاءك في تعليقاتك. ولا تنسَ حين تعترض أن تضع بدائل للفكرة. ولا تنسَ حين تهاجم أن تذكر أسباب هجومك. وفي كل هذا كن عادلًا منصفًا تحت مظلة مخافة الرب، لأننا سنعطي حسابًا عن كل كلمة نقرأها أو نكتبها أو نعلق عليها.

صلاة لأجل القراءة

أيها الرب الكلمة. صارت كلماتك سراجًا لكننا وضعناها تحت مكيال. أنت الآن تتحنن. ترفع المكيال فيظهر سراجك .. تكشف المفاهيم فنتعلم القراءة. يا رب، مرَّ علينا زمان طويل   نقرأ من دون أن نتعلم القراءة كما تقصدها أنت. نحن لا زلنا نحبو ونتهجأ الحروف ولم يكتمل المعنى في قلوبنا بعد. فمن سيعلمنا النطق سواك بروحك الناطق في الأنبياء. أعطنا عينيك لنقرأ بهما. وأعطنا فكرك لنفهم به. وأعطنا روحك لتنكشف مستورات مقاصدك الإلهية. فلتكن قراءتنا سماوية، كقراءة الملائكة والقديسين. أنر عيون قلوبنا فنقرأ الكلام من أعماقه ونصل إلى مخازن الفهم، ونحتمي في مساكن الحكمة. نريد أن نراك في كل كلمة .. أن نقرأك، ونقرأ مثلك، ونقرأ معك وتقرأ لنا فيكون لنا هذا الحوار الأبوي الأبدي.

أيها الرب يسوع، لو سألتني كيف أقرأ لأجبتك أنني على ما يبدو لم أقرأ بعد . لم أقرأ قط. وأما ما مضى من قراءات طول الزمان فكان وقتًا ضائعًا، لكنك تعوضه وتُفهمني فأتعلم   وصاياك. أعطنى صلاة تصل إلى قلبك فيصل بعدها كلامك إلى قلبي، لأن قلبك يحوي كل المكتوب. ومن قلبك خرجت كل كلماته. فأسكنني في قلبك لأدخل إلى أعماق كل كلمة وأصلها. وإذا كانت خطاياي تعوقنى، لكنها لا تعوقك، لأنك ماحي الذنوب وصانع العجائب.

Related

Share

Post a Comment

الفئة
علامات البحث