محمد علي ابراهيم:
تقديم:
الحق إن البعد الفقهي الديني هو الركيزة العميقة الأولى والأساسية التي تحكم ممارسات جماعة الأخوان المسلمين وشعاراتها منذ بداياتها حتى دخولها ميدان العمل السياسي في بداية الثمانينيات من القرن الماضي ثم تكوين حزب الحرية والعدالة كواجهة سياسية وأداة للمشاركة في الحياة السياسية والوصول إلى الحكم.
هذا ما تؤكده فتاوى الفكر الإخواني في منابره الإعلامية وأهمها مجلة النذير في الثلاثينيات من القرن الماضي ثم مجلة الدعوة، وريثة النذير - كمتحدث رسمي باسم الإخوان المسلمين – خاصة في السبعينيات في عهد السادات، بعد توقف دام عشرين عاما لتكون منبرا إعلاميا هاما للدعوة إلى أفكار الجماعة ومواقفها.
-1المرأة إغواء في الدنيا، والعذاب مصيرها في الآخرة !
وتمثل الأسئلة المتعلقة بقضايا المرأة مادة مهمة وغزيرة في باب الإفتاء الذي تقدمه مجلة "الدعوة"، فهي تفوق في نسبتها العددية كل الفتاوى الأخرى التي تتعلق بالأقباط والسياسة والفن.
فالمرأة في فتاوى الإخوان المسلمين مسئولة عن الفساد والانهيار الأخلاقي للمجتمع، فهم يرون في سفورها واختلاطها سببا وحيدا لهذا الانهيار الذي يسيطر على السلوك العام، وكأنهم بذلك الفهم القاصر لا يرون أن الرجل شريك لها ومسئول متضامن معها، فهو دائما – عند الإخوان - "ضحية" للإغراء الشيطاني الذي تمارسه حواء.
مثال ذلك : في العدد رقم ”59" من مجلة "الدعوة"، الصادرفي شهر مارس 1981، يسأل قارئ مجهول الاسم من السودان: "بعض الشباب يفهم أن حكم الإسلام في المرأة ألا تخرج من البيت ولا ترى أحدا ولا يراها أحد فهل هذا صحيح؟
أما الشيخ صاحب الفتوى فهو يبدأ بالسخرية ممن يسميهم بالشباب المتطرف الجاهل المغرور الذي يفتي بغير علم ! ثم يدعي أن الحكمة والعقل والاعتدال والعلم والتواضع عند الإخوان وحدهم. وبعد تقديم درس في شروط الإفتاء، تتوالى الأفكار الغريبة التي تؤكد أن الإخوان يعيشون خارج العصر الحديث، وأنهم يعتبرون المرأة كائنا دونيا لا وزن له.
فما الذي يتفضل به الشيخ لتصحيح المفاهيم الخاطئة عند الشباب ؟!
يقول أن المبدأ أو الحكم الذي يجمع فقهاء الأمة عليه هو أن البيت هو المكان "الطبيعي الدائم" للمرأة، فلا يجوز لها أن تغادره.
وهناك "استثناء طارئ" هو خروج المرأة من البيت - في عصر الدعوة والحروب الإسلامية الأولى - لتجاهد في سبيل الله وتشد أزر المؤمنين. وتسقيهم الماء وتداوي جراحهم. لكنهم يرون أن هذا رهين بالضرورة الخطيرة، وماعدا ذلك فهو بمثابة "لعنة تدمر كل شيء"!.
وهناك استثناء ثان وهو خروج النساء للصلاة، وفى عصر الرسول عليه الصلاة والسلام وفى صدر الإسلام. لكنهم يرون ذلك مكروها في عصره، فكيف الحال إذن في الحياة المعاصرة وقد عم الفساد وانتشر؟
هكذا يضرب الأخوان عرض الحائط بالحديث النبوي الصحيح الصريح : "لا تمنعن إماء الله مساجد الله"، ويحرمون خروج المرأة من منزلها، حتى الصلاة لا يمكن استثناؤها من هذا الحكم!
وفى محاولة لسد الطريق أمام الأصوات التي يمكن أن تتحدث عن ضرورات الحياة ومتغيرات العصر يبادر الإخوان (المستنيرون ! المعتدلون !) إلى "مصادرة" مبدأ المقارنة، مؤكدين أن المجتمعات العصرية ليست نموذجا يحتذى، فهي مليئة بالفوضى والتقليد والتشويه والانحراف! وتنتهي الفتوى بالتأكيد على تحريم خروج المرأة حيث التهتك والابتذال والفوضى .. حتى تستقيم الأحوال الأخلاقية للمجتمع المسلم!.
وفي العدد رقم"13"، ديسمبر 1978، تنتقد الأخت المسلمة "س. ح" - المعيدة بكلية العلوم سوهاج - أخلاق الشباب التي انحدرت إلى الهاوية وصار لا هم لهم إلا المجون. . وتقول هل أنا مخطئة في ثورتي هذه ؟ أريد أن يطمئن قلبي.
ويأتي تعليق الشيخ الإخوانى ليكشف عن حقيقة رؤية الجماعة فيقول:
بارك الله فيك وأكثر من أمثالك وجعلك قدوة كريمة لجيل كريم، ومجلة الدعوة تقوم بواجبها ما أمكنها تجاه المسلمين جميعا.تذكر وتبين وتنصح حتى يأتي أمر الله.
القارئة في الرسالة تشكوا من هاوية المجون التي سقط فيها الشباب، والإجابة توافق على الظاهرة بلا تحفظ أو تردد : (كل كلمة في رسالتك حق وهي تدل على الخير الكثير والعقيدة الصحيحة والغيرة الكريمة على أخلاق جيلنا التي وصلت إلى درجة خطيرة. والمسئولية على الآباء وعلى المدرسة وعلى المجتمع وراء هذا الاختلاط والسفور) وكأن المجتمعات القديمة والحديثة التي حجبت المرأة كانت تخلو من العلل الأخلاقية!.
لقد نجحت الأفكار والممارسات الإخوانية المستشرية خلال العقود الأخيرة في الحد من حجم الاختلاط والسفور، ومع ذلك فقد ازداد الفساد وتفشى، ذلك أن الظاهرة اجتماعية رهينة بأسباب شتى، اقتصادية وسياسية وثقافية، ومن الخطأ أن يختزلها الإخوان المسلمون في سفور المرأة واختلاطها مع الرجال.
وفي فتوى أخرى في العدد رقم "39" أغسطس1979، يسأل مسلم من ألمانيا السؤال التالي :
أريد الاستفسار عن هذا الحديث الذي قرأته وما هي دلالته. يقول رسولنا صلى الله عليه وسلم "صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ...".
وتأتى الإجابة بالقول بأن ما على النساء من الثياب لا للستر والتغطية بل لإظهار مفاتن الجسد فهن بذلك عاريات ! وهذا هو حال أكثر ملابس النساء في عصرنا هذا ! ويضيف أن الحديث يشير إلى التسريحة التي يصنعها الكوافير اليوم. وإلى "الباروكات" التي يتفنن في صنعها ووضعها. فكل هذا عرى وتكلف لإثارة الشهوات والإغراء والفتنة. ويستعين في تأكيد ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم "أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا ريحها فهي زانية".
ويقول : " لقد حذرنا من هذه الأصناف وأخبرنا بطردهم من رحمة الله لأنهم أعداء لله ولرسوله وللإنسانية. . وواجب على كل مسلم أن يحرس الإيمان في نفسه وبيته وبيئته وأن يحذر من التقليد والمقلدين ... وكل مسلمة يجب عليها أن تحذر من هذه الأوصاف التي ذكرها الحديث حتى تجد ريح الجنة وتكون من أهلها ".
فما الذي يمكن استخلاصه من عموم الرؤية الإخوانية المتحاملة على المرأة، إذا كانت المرأة هي أصل الفساد وصانعة الشرور في الدنيا والآخرة.